تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
لماذا العالم كبير لهذه الدرجة ؟
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص229
2025-07-29
36
تذكر أولا أن العالم ليس في ظرف سكوني بل في حالة توسع. وثمة دلائل جيدة على أنه كان في الماضي في حالة كثافة كبيرة. وتوسعه ضروري لنجاته من الارتصاص على نفسه في شكل متفرد. وهذا التوسع يتباطأ (على الأرجح) تدريجياً بمعدل محكوم بالكثافة التي تعود لتشجعه على التراجع. وفي نماذج فريدمان، المشروحة في الفصل الخامس، يوجد قيمة معينة واحدة لهذه الكثافة. وهذا يعود إلى القول بأن معدل تباطؤ العالم في توسعه يتعين بكثافة المادة. فلو كان العالم أكثف بكثير لكان الناطة أشد بكثير.
ينتج من ذلك أن كثافة النجوم المرصودة اليوم تتعين بعمر العالم. ولا نملك نموذجاً فريدمانياً بسيطاً يتيح لعالم عمره عشرة مليارات سنة أن يحوي نجوماً مفصولة مثلاً، ببضعة أيام ضوئية.
إن هذا هو موعد ظهور الحياة. فالجمل البيولوجية تحتاج إلى مليارات السنين كي تتطور إلى كائنات ذكية (نحن). فالتطور عملية ذات درجات عديدة جداً، وتتعرض لعدد هائل من التفرعات الزائفة. وهي تتوقف على عدد كبير من الطوارئ الصغيرة بين جيل وآخر.
وبالإضافة إلى ذلك تعتمد الحياة الأرضية (وكل حياة على الأرجح) على الكربون. وهذا الكربون قد تشكل في النجوم الثقيلة منذ نحو مليار عام. فهذه النجوم تحتاج إلى ملايين السنين كي تتشكل وتركب الكربون وتنفجر. ماذا وإلا، أي لو كان عمر العالم أقل من مليارات السنين بكثير، لما كنا هنا لنشاهده. فالعالم واسع جداً لأنه شيخ كبير. وذلك يستتبع أن وجودنا مرهون بأن تكون المسافات فيما بين النجوم شاسعة جداً جداً. ومن سخرية القدر أن تكون الظروف الضرورية لنشوء حياة ذكية هي نفسها الظروف التي تحول دون الاتصال المادي فيها بين شتى الحيوات الذكية ولكبر الكون مغزى آخر يتصل بأعداد النجوم في السماء. وبالفعل فان نظرة واحدة إلى السماء تعطي انطباعاً بوجود ملايين النجوم، لكن هذا خطأ. فالشخص العادي يرى في أفضل الظروف بضعة آلاف فقط. لكن النظارات الفلكية الشائعة تري ما يقرب من ملیار مليار نجم. أما عدد الذرات في كل منها فيصل إلى رقم هائل يقرب من 1080. فلماذا كان هذا العدد كبيراً إلى هذه الدرجة؟ إن اتساع العالم بهذا المعنى غامض بعض الشيء. ففي نماذج فريدمان المتوسعة يظهر حجم العالم لا متناهياً في الكبر، وهذا يعني عدداً لا متناهياً من النجوم الهاربة نحو الخارج في كل الاتجاهات وإلى الأبد. لكننا على كل حال لا نملك وسيلة لمد النظر إلى كل هذه النجوم. ولكن لو كنا نعيش في عالم من نموذج متقلص وذي اتساع محدود فاننا لن ترى سوى جزء من هذا الاتساع مهما كانت وسائلنا في الاستكشاف جيدة. وسبب ذلك أنك لا تستطيع في عالم عمره عشرة مليارات سنة أن ترى ما هو أبعد من عشرة مليارات سنة ضوئية. فالأبعد من ذلك يقع (قبل الزمن). فحدود الرؤية هو الأفق الذي ذكرناه في الفقرة 5-3. وكلما هرم العالم ابتعد هذا الأفق - إنه يهرب ما سرعة الضوء. ومن ذلك ينتج أن كبر عدد النجوم في العالم ناجم عن عظم بعد الأفق الذي يتوقف هو الآخر على شيخوخة هذا العالم. وهكذا نرى مرة أخرى أننا يجب أن لا نتعجب من هذا العدد الهائل. فوجوده ناجم عن وجود علماء الكون.
وثمة سؤال آخر مشابه لما سبق وهو: (لماذا كان العالم مظلماً لهذه الدرجة؟ لقد أجبنا عن هذا السؤال في الفصل الخامس بمناسبة مفارقة أولبرس. لكن ذلك لم يكن القصة بكاملها، لأنه لم يتناول سوى ضوء النجوم. لقد بدأ العالم بانفجار حار ثم راح يبرد بعده بسبب التوسع إلى أن بلغ اليوم ثلاث درجات أو نحوها فوق الصفر المطلق. فالسماء ليست إذن سوداء. ء تماماً، لكنها ذات توقد خافت في منطقة الطيف تحت الأحمر. ويحتاج كشف هذا التوقد الخافت، إلى مرقابات راديوية خاصة قد يبدو أنه لا يوجد سبب يحول دون أن تكون درجة الحرارة هذه من رتبة 300 درجة مطلقة ( أي درجة حرارة الغرفة العادية تقريباً ) بدلاً من ثلاث درجات . الواقع أنه لو كان الأمر كذلك لما وجدنا . والسبب في ذلك ، أولاً ، هو أن هذه هي درجة حرارة الأرض تقريباً ، وهذا الفرق يتيح توطد الاختلال الترمودينامي الحاسم الضروري للحياة والذي لا يحدث إلا على كوكب أسخن من ثلاث درجات بكثير يستطيع فيها الماء أن يتبخر . ولما كان الماء على الأرجح ضرورياً للحياة نكون عندئذ أمام مشكلة . والأخطر من ذلك ، ثانياً : ، هو أن مثل هذا الإشعاع الغزير كان سيمنع تشكل المجرات بالسيطرة على المادة وجذبها الثقالي . والحياة لا يمكن أن تنشأ بدون مجرات وقد جرت عدة محاولات لامتحان تلاؤم الحياة الذكية مع السمات الأساسية لهذا الكون. فقد طرح الرياضي البريطاني كارتر Carter , السؤال التالي: ولماذا الثقالة ضعيفة لهذا الحد؟: لنتذكر أن الثقالة أضعف بـ 40-10 مرة من القوى الكهربائية في الذرة ، ومع ذلك فهي تتحكم بحركة العالم. ولدى التأمل في تطور النجوم بين كارتر أن هذه النسبة تعين فترة حياة النجوم والنجوم المتوازنة ذات الأجل المديد شرط جوهري للحياة الذكية. وفي مجال آخر اضطلع هوكنغ وكولنز بالإجابة عن أكثر الأسئلة صعوبة وغموضاً، وهو: ولماذا كان العالم متناحياً لهذه الدرجة؟ (لقد كانت هذه المسألة موضع دراسة بعدة طرق وقد أشرنا إليها في الفقرة 5 - 5. ويرى هوكنغ وكولتز أن المجرات لا يمكن أن تتكون، وأن الحياة لا يمكن أن تتطور إلا في عالم متناح . وتعتمد محاكمتهم على البحث، في المدى الحركي الواسع لهذا العالم، عن الظروف البدئية المطلوبة لنشوء هذا التناحي .
وكمثال آخر، كنا لفتنا النظر إلى ضرورة أن يكون العالم في حالة اختلال ترمودينامي كي يتاح للجمل البيولوجية أن تتكون. واللاتناظر الزمني لهذا العالم، وهو الذي نشعر به واضحاً في الحياة اليومية، هو ملح لابد منه لطبخة الحياة. الواقع أننا لم نستنفذ كل ما قيل عن الحياة في هذا الكون. فما يزال بالامكان أن نضم إلى هذه التأملات صفات أخرى للمكان ـ الزمان، كوجود الأبعاد. ومن المهم أن نعلم أن وجود الحياة الذكية في هذا العالم لا يعلل هذه الصفات. وكل ما يمكن أن نقوله هو أن اختلاف هذه الصفات عما هي عليه كان سيحول دون وجودنا، ومن ثم، دون الشعور بها. وقد ذكرنا في الفصل السادس أن بعض الكونيين يرتؤون وجود عدة عوالم لا عالم واحد، وأن كل عالم ينطوي على ظروف، وربما أيضاً قوانين فيزيائية خاصة به. وقد اتفق أن وجدنا في واحد خاص جداً منها (كبير ومتناح وبارد و ...) لأنه ببساطة النوع الوحيد الذي نستطيع العيش فيه.
ورغم أن بنية هذا العالم (اتساعه وتوزع المادة واختلالها فيه) في مداه الواسع تظهر محكومة بوجود علماء الكون، فان بنيته في المدى الضيق ذات وضع معاكس. فالنظرة الدينية الموروثة ترى أن البنية المحلية، أي الأرض وصفات سطحها والشمس الخ، تمثل تنظيماً خاصاً جداً في هذا العالم. وتفترض أن هذا الاتساق العظيم المتميز قد صنع ضمن العالم في بدء خلقه. لكن العلم الحديث يرى في النجوم والكواكب، ضمن المدى المحدود، أشياء تكونت طبيعياً وآلياً بعد كرة النار البدئية. فهو إذن، وبدلاً من أن يفترض وجود هذه البنية في بدء الخلق، يرى ضرورة افتراض العكس تماماً. أي أن العالم بدأ في حالة توازن محلي، با لحركات المجهرية العشوائية. أي أن البدء كان حالة فوضوية، ثم انبثقت البنية المنظمة من الفوضى بشكل آلي كنتيجة للتوسع الكوني. وهذا لا يتطلب من الظرف المجهري للعالم في بدء خلقه سوى أن يكون فوضوياً تماماً. ولم تعد هناك حاجة لافتراض أن تنظيم العالم يتطلب وسيطاً منظماً يصوغه في حال خاصة جداً. فمثل هذا التنظيم ينجم بآلية طبيعية عن قوانين الفيزياء وعن توسع العالم ضمن أوسع ما يمكن أن نتخيل من ظروف في سلم بدئي صغير.
نحن إذن أمام انقلاب مذهل في صورة العالم. فبدلاً من أن نعزو خصائص البيئة المحيطة بنا عن قرب، بما فيها وجودنا، إلى حوادث موضعية معجزة، ومن أن نرى في بنية العالم على المدى الواسع شيئاً لا علاقة لنا به، يبدو الآن أن الكونية هي العامل المهم، أي أن الظرف المحلي يهتم بنفسه من تلقاء نفسه. فاذا توفرت الخصائص الكونية الملائمة بمجملها، فان ظهور النجوم والكواكب والحياة والذكاء في هذا الكون يصبح: قدراً شبه محتوم.
فما هي درجة خصوصية هذا العالم إذن؟ انه، بمجمله، خاص جد، لكنه محلياً عادي تماماً.
إن هذه النتيجة المنكرة قد لا تروق للقاريء الذي يجب أن يرتفع بأسباب وجوده إلى مصاف توزع المادة والاشعاع في مناطق العالم النائية وفي لحظاته الأولى ، لا أن ينحدر بها إلى سوية دنيوية لا تعدو الكوكب الأرضي. لكنك إذا نظرت للحياة بهذا المنظار ، وسواء كانت ظاهرة عامة في هذا الكون أم لا ، فاعلم أن ظهور الجنس البشري في هذا العالم حدث كوني حقاً.
لقد ذهبنا بعيداً جداً عن تعليل الكتاب المقدس لعملية الخلق . فالضوء فيه والدفء والتنظيم والحياة انبثقت كلها من الظلام والعدم . فالعالم فيها مفعول يسببه فعل من الله يستجيب لارادة سابقة في صنع هيئة تحتل مكاناً وزماناً موجودين سلفاً لكنها مجردين عن الأهمية. أما تقدير العلم الحديث فعميق الاختلاف مع هذه النظرة . ففيه انبثق العالم من جحيم من الحرارة والضوء ثم برد وأظلم. فبدلاً من الآية الانجيلية ، و ليكن هنا النور ) ، يطرح العلم مقولته : . ليكن هنا الظلام ، ، لأن الطاقة المحبوسة في الشمس لا يمكن . إلا في عالم بارد ومظلم ، أن تكون ميسرة الفائدة في توجيه العمليات الحيوية على سطح الأرض. وبالاضافة لذلك يتعامل الفيزيائيون مع المكان والزمان على أساس أنهما كينونتان فيزيائيتان . وتبين نظرية آينشتاين في النسبية العامة كيف نستو المادة أو تختفي عند حدود المكان ـ الزمان . وإذا كان العالم قد خُلق حقاً قبل 10 مليارات سنة ولم يكن ذا عمر لا نهائي فان المكان - الزمان قد برز إلى الوجود آنئذ أيضاً . يكون المتفرد البدئي بكل حق مفعولاً غير مسبوق بأي سبب، لأنه لم يكن يوجد في داك مكان ولا زمان ـ ولا أي شيء فيزيائي - لاحتواء هذا السبب . وتصور أن الله كان مسعراً في طور مبكر من هذا الكون ، وأنه كان لديه دافع يسبب هذا العالم ، هو تصور صان تماماً ، مع ما ينتج عنه من منح الألوهية صفة كائن بشري مقتدر . ولا تقتصر فكرة السبب والمفعول على وجوب وجود الزمان كوعاء للعمليات بل إنها تتطلب أيضاً اللاتناظر الزمني . لكن الزمن وعدم تناظره خصوصاً هما خاصتان محسوستان من خواص العالم المادي لا يكتسبان معناهما إلا بعد حدوث الخلق ، وقد بينا فعلا أن اللاتناظر الزمني لا يتوطد إلا بعد زوال التوازن البدئي بفعل التوسع الكوني لقد شهد تاريخ الجنس البشري محاولة لوضع نموذج متطور لهذا الجنس يستدعي وسائط علوية لتفسير خصائص الظواهر الطبيعية ذات الأسباب الغامضة. فالمجتمعات البدائية، التي كانت تجهل علم الفيزياء، لجأت إلى الهة من شتى الأنواع وتختص بوظائف، مثل (تسبيب) المطر والطوفان والبرق والشهب، الخ. وكان لهذه الآلهة القديمة صفات بشرية قوية وكان يُعتقد أن لها أجساماً مادية ذات مظهر فيزيولوجي بشري ومقدرات فكرية ودوافع نادراً ما تختلف عن دوافع الأولاد. أي أنها كانت، بموجز الله القول، بشراً فوق البشر. حتى أن الديانات الموحدة المبكرة لم تقاوم إغراء تصوير بصورة البشر، ولدرجة أن جعلته محارباً منحازاً ذا مقدرة فائقة يتدخل بحماس في منازعات القبائل المحلية.
ومع تقدم علم الفيزياء، في عصر النهضة والنور، راحت هذه الوسائط العلوية تنحسر بالتدريج عن علمي الفيزياء والفلك، وبدأت تنمحي بسرعة صورة الأحد المادي الذي يملك جسم إنسان ومقدرة إله. وحلت جملة والله الخارجي هناك، محل جملة والله العالي هناك، التي قالها اللاهوتي البريطاني جون روبنسون. وعلم الفلك لا يترك مجالاً للاهوتية فيزيائية في السماء، وبذلك يبرز مفهوم جديد الله يجرده عن المادية ويسمو به فوق عالم المكان والمادة المحسوس، إله يتعالى عن المادة.
ورغم النجاحات المذهلة التي أصابتها العلوم الفيزيائية في تعليل الظواهر الطبيعية دون اللجوء إلى وسيط سببي علوي، فان ضآلة المعرفة بالجمل البيولوجية والاجتماعية تترك مجالاً للعديد من وجهات النظر التي ترى فيها سبباً علوياً. فلئن أمكن الاستغناء عن الله في تعليل حركة الكواكب ، فانه ما يزال ضرورياً لخلق الحياة . الواقع أن الثورة الداروينية نقلت الله في الزمان ثلاثة مليارات سنة إلى الوراء، وعلى غرار ذلك تماماً نقلت الثورة الفلكية الله إلى خارج المكان. إن الجنس البشري لم يكن معجزة ، إنما هو نتاج تطور أحداث وقفزات حياتية ـ استغرق دهوراً من التكيف بعد أبسط شيء حي . إن حل الألغاز الأساسية ، الكيميائية والفيزيائية ، للحياة هو الخطوة التالية التي لابد منها لشرح العالم المادي كله بلغة المبادىء العلمية . ومع أن التجارب المخبرية لا يمكن أن تدوم تلك الملايين من السنين اللازمة لتطور عناصر المادة العاطلة إلى مادة حية ، فقد أمكن صنع لبنات الحياة كما أمكن تفكيك أبسط الكائنات الحية إلى اللبنات التي بنيت منها . ونحن نخطو اليوم الخطوة التالية : إله خارج مجال الحياة. وقد يتمسك البعض بفكرة أن فهمنا للنظام الاجتماعي والأخلاقي يُخرج الله تماماً من شئون البشر.
وهكذا وبالقاء نظرة إلى الوراء نرى أن فكرة اللجوء إلى فعل من الله جرى في الكون أثناء خلقه هي فكرة مبعثها شيء قريب من اليأس من أي تعليل آخر . وتصوير الله على شكل الإنسان ناجم عن اعتقاد الجنس البشري بأنه موثل كل شيء ؛ وهذا الاعتداد المفرط أدى إلى السمو بمثل هذه الألوهية عن كل الأشياء المنتمية إلى العالم المادي . وإن عزو خلق العالم ، حتى لو كان هناك خلق ، إلى فعل من الله ، هو وقوع في فخ لا يختلف عن اعتماد إله للمادة أو إله للحياة ، إنه ، مرة أخرى ، اعتماد إله لا يختلف وضعه عن وضع البشر ، وهو فوق ذلك بشر موجود في العالم المخلوق بما فيه من لا تناظر زمني وترتيب سببي زمني .
لقد أبرزنا مراراً في هذا الكتاب كيف يدخل الزمن الفيزيائي الأساسي في صوغ كل تعابيرنا عن مجمل مفهومنا للجنس البشري والعالم . فاختلاف الماضي عن المستقبل نافذ إلى أعماقنا . إننا نستذكر الماضي بشيء من الحنين ، أو الحسرة ، ونواجه المستقبل بالخوف أو بالأمل . وكل نشاط الإنسان محكوم بخبرة الماضي ويتوقع المستقبل . والدوافع هي أيضاً نتاج للاتناظر الزمني . ينتج من ذلك أن عزو دافع إلى الله في غياب اللاتناظر الزمني ، وحتى في غياب المكان والزمان والمادة ، هو تجسيد بشري مناف للمنطق . فخلق العالم ، كما أوضحنا آنفاً ، لا يمكن أن يسببه دافع سابق . فاجتماع الخلق والدافع شيء متناقض منطقياً . وهكذا تنشأ الضرورة للانتقال إلى مفهوم أكثر عمقاً ، إلى إله خارج المكان - الزمان .
هل يمكن أن نعزو الخلق إلى أحداث تقع بعده ، على شاكلة المفعولات المتقدمة في نظرية ويلر - فاينمان في الماص ؟ ماذا عندئذ بشأن العوالم ذات التناظر الزمني ، ولنقل العوالم التي تتقلص إلى غلق سالب ، ، إلى نهاية ؟ وكيف يمكن للطرفين الزمنيين أن يتولدا بشكل سببي عن ما يحدث في المجال الواقع بينهما ؟
إن خير جواب عن هذين السؤالين هو إنكار متانة الصلة بين السبب والمفعول. إنهما في جوهرهما مفهومان بشريان لظروف بشرية. انهما ، في أحسن الأحوال وعلى صعيد الفيزياء، يصفان التفاعلات ذات الاتجاه الزمني الواحد بتعابير تفكك التنظيم ، وهو نفسه ( كما لاحظنا في أواخر الفقرة 3 - 4 ) فكرة بشرية بحتة . ويجدر بنا عندئذ أن نعتبر العالم ک و ظاهرة كلية : : أي ، كما يقول الرياضي الألماني فايل H . Veyl ( 1885 - 1955 ) : إن العالم لا يحدث، إنه يكون ، بكل بساطة ) . انه لا يحتاج إلى أن ينطلق من بدء ، ولا أن يسلك بعناية مسلكاً مرسوماً نحو مصير مجهول. إن العالم هو بالأحرى مكان ـ زمان ، مادة وتفاعلات ، تمتد من الماضي إلى المستقبل، ومن موضع إلى موضع ، ومن حدث إلى حدث ، كل ذلك في تشابك واسع من التعقيدات والوجود .
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في علم الفلك
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
