النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
مواجهة الإمام السجّاد "ع" مع البلاط وعلمائه
المؤلف:
السيد علي الخامنئي
المصدر:
إنسان بعمر 250 سنة
الجزء والصفحة:
ص289-308
2025-07-13
45
تكتيك بداية المرحلة الثالثة لحركة الأئمّة عليهم السلام
من المقاطع المهمّة في حياة الإمام السّجّاد عليه السلام طريقة تصرّفه مع جهاز الخلافة، فهل كان يتصرّف معه بطريقة اعتراضية عدائيّة، أم لا؟ لقد أشرت باختصار في الأبحاث السّابقة إلى هذا الموضوع وهنا سوف أوضح أكثر.
بالقدر الّذي اطّلعت فيه على حياة الإمام السّجّاد عليه السلام والّذي ما زلت أذكره، أنّه لا توجد مواجهة صريحة وقاطعة ضدّ الحكم أو تعريض به، من قبيل ما نُشاهده في حياة بعض الأئمّة الآخرين، كالإمام الصادق عليه السلام في عصر بني أميّة، أو الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وسببه واضحٌ، وهو أنّ مثل هذا التحرّك الشديد الّذي كان في بداية حركة الأئمّة عليهم السلام والذي كان في المرحلة الثّالثة من المراحل الأربع للإمامة، والّتي تبدأ في حياة الإمام السّجّاد عليه السلام، سوف يُعرّض قافلة أهل البيت عليهم السلام الّتي تحمل أعباء مسؤولية الرّسالة للخطر الّذي لا يؤدّي إلى تحقيق المقصد. ففي ذلك الوقت لم يكن بستان أهل البيت الّذي تعهّد الإمام السّجّاد عليه السلام بتربيته ورعايته وسقايته قد استحكمت غصونه وأشجاره، بحيث يقدر على تحمّل الأعاصير الشديدة. وكما أشرت في بداية هذا البحث، فقد كان عدد المحبّين والموالين لأهل البيت عليهم السلام ممّن يُحيطون بالإمام السّجّاد عليه السلام قليلًا جدًّا، وفي ذلك العصر لم يكن من الممكن لأولئك الّذين سيتحمّلون مسؤولية التنظيمات الشّيعيّة أن يواجهوا خطر العدوّ الجائر والّذي هدّدهم بالإبادة.
وإذا أردنا أن نُمثّل، ينبغي أن نُشبّه عصر الإمام السجّاد عليه السلام هذا، بمرحلة بدء الدّعوة الإسلاميّة في مكّة وهي المرحلة السريّة. ولعلّه يُمكن تشبيه عصر الإمام الباقر عليه السلام بالمرحلة الثّانية في مكّة، حين أصبحت الدّعوة علنيّة. والمرحل الّتي أتت من بعدها يُمكن تشبيهها بالمراحل اللاحقة للدّعوة. ولهذا، فإنّ المواجهة في تلك المرحلة لن تكون صحيحة.
وممّا لا شكّ فيه هو أنّه لو كانت قد صدرت عن الإمام السّجّاد عليه السلام المواجهات الحادّة التي نُلاحظها في بعض كلمات الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا عليهم السلام، لاستطاع عبد الملك بن مروان، الّذي كان في أوج قدرته، وبكلّ سهولة أن يطوي بساط تعاليم أهل البيت عليهم السلام ليبدأ العمل من جديد، فهذا لا يُعدّ عملًا عقلائيًّا يقطع به العقل. لكن على كلّ حال، يُمكن أن نُشاهد في ثنايا كلمات الإمام زين العابدين عليه السلام، والّتي ترجع على وجه الاحتمال إلى أواخر حياته الشريفة وطيلة مدّة إمامته، إشارات أو مظاهر لتعرّضه ومواجهته لنظام الحكم[1].
كانت تلك المواجهات تظهر بعدّة أشكال. وأحد أشكالها هو ما لاحظناه في تعامل الإمام السجّاد عليه السلام مع محمّد بن شهاب الزهريّ. والشكل الآخر، يظهر من خلال بيان موقف ومكانة الخلفاء الأمويّين على ضوء التعاليم والإرشادات الدينيّة العاديّة. ويوجد حديث عن الإمام الصادق عليه السلام يقول فيه: "إنّ بني أميّة أطلقوا للنّاس تعليم الإيمان ولم يُطلقوا تعليم الشّرك حتّى إذا حملوهم عليه لم يعرفوه"[2]. فبنو أميّة كانوا يسمحون للعلماء وأهل الدين، ومن جملتهم الأئمّة عليهم السلام، بالتحدّث حول الصلاة والحجّ والزّكاة والصّيام والعبادات، وكذلك حول التّوحيد والنبوّة والأحكام الإلهيّة. لكنّهم لم يسمحوا بالبحث في مفهوم الشّرك ومصاديقه وأمثلته في المجتمع.
فلو كانت تلك التعاليم المرتبطة بالشّرك دُرِّست للنّاس، لفهموا مباشرة من هم المشركون، وإنّ ما يحملهم عليه بنو أميّة ليس سوى الشرك. ولعلموا فورًا أنّ عبد الملك والخلفاء الباقين من بني أميّة هم طواغيت يُبارزون الله، وأنّ إطاعتهم تُعدّ شركًا بالله. ولهذا لم يكونوا ليسمحوا بتعلّم هذه المفاهيم.
نحن عندما نبحث حول التّوحيد في الدّين الإسلاميّ، فإنّ قسمًا مهمًّا من هذا البحث يرتبط بمعرفة الشّرك والمشرك، ما هو الصّنم ومن هو الّذي يعبد الأصنام.
وللمرحوم العلّامة المجلسيّ رحمه الله في بحار الأنوار نصٌّ رائع يقول فيه: "إنّ آيات الشّرك ظاهرها في الأصنام الظّاهرة، وباطنها في خلفاء الجور الّذين أشركوا مع أئمّة الحقّ ونُصّبوا مكانهم". فأئمّة الحقّ هم خلفاء الله وهم ينطقون عن الله، ولأنّ خلفاء الجور قد نصّبوا أنفسهم مكانهم وادّعوا الإمامة، فقد أصبحوا أصنامًا وطواغيت، فكلّ من يُطيعهم يُعدّ مشركًا بالله.
وللعلّامة بعد هذا شرحٌ قيّم. فهو يُبيّن أنّ الآيات القرآنية ليست مختصّة بعصر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بل هي سارية وجارية في كلّ العصور والأزمان: "فهو يجري في أقوام تركوا طاعة أئمّة الحقّ، واتّبعوا أئمّة الجور لعدولهم عن الأدلّة العقليّة والنقليّة واتّباعهم الأهواء، وعدولهم عن النصوص الجليّة"[3]. مثل أنّه لا يُمكن لعبد الملك أن يكون حاكمًا على المسلمين وخليفة لهم، فالنّاس كانوا يرون أنّ الحياة الوادعة بعيدًا عن التعرّض للحاكم هي الحياة المريحة لهم، لهذا سلكوا هذه الحياة واتّبعوا أئمّة الجور. ولهذا كانوا مشركين.
ومن هنا نرى أنّ الأئمّة عليهم السلام إذا أرادوا أن يُبيّنوا حقيقة الشّرك فإنّهم بذلك يقومون بما يُشبه المواجهة مع نظام الحكم. وهذا ما يظهر في كلمات الإمام السجّاد عليه السلام.
ونموذج آخر من تلك الأمثلة في المواجهة: ما نُشاهده في المكاتبات والرسائل بين الإمام السجّاد عليه السلام وعبد الملك (الخليفة الأمويّ المتجبّر)، أُشير إلى اثنين منهما هنا:
1- (النموذج الأول): في إحدى المرّات يكتب عبد الملك رسالة إلى الإمام السّجّاد عليه السلام يلومه فيها على زواجه من إحدى جواريه. وكان للإمام عليه السلام جارية أعتقها ثمّ تزوّجها. فشمت به عبد الملك. وكان عمل الإمام عليه السلام عملًا إنسانيًّا وإسلاميًّا صرفًا. ولكنّ دافع عبد الملك من تلك الرسالة كان التعرّض للإمام عليه السلام، وإفهامه بأنّه مطّلع على مسائله الخاصّة موجّهًا له بذلك تهديدًا ضمنيًّا. فأجابه الإمام عليه السلام برسالة بدأها بتوجيه أمر الزواج وأنّ العظام يفعلون مثل هذا الأمر، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قام به: "فلا لؤم على امرئٍ مسلمٍ إنّما اللؤم لؤم الجاهليّة"[4]. وهو يريد أن يُذكّره بسوابق أجداده في الجاهليّة (من كفرهم وعنادهم)...
عندما وصلت الرسالة إلى عبد الملك، كان ابنه سليمان حاضرًا، وعندما قرأها سمعه، وسمع ذمّ الإمام وأحسّ به مثل أبيه، فالتفت إليه قائلًا: يا أمير المؤمنين! أترى كيف يتفاخر عليك عليّ بن الحسين؟ يريد بذلك أن يُحرّض والده على ردّ فعل شديد. ولكنّ عبد الملك كان أعقل من ولده فقال له: لا تقل شيئًا يا ولدي! فهذا لسان بني هاشم الّذي يفلق الصخر. (أي أنّ استدلالهم قويّ وقاسٍ).
2.(النموذج الثاني): المراسلة الأخرى الّتي تمّت بين الإمام السجّاد عليه السلام وعبد الملك، حيث علم عبد الملك أنّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موجود عند الإمام عليه السلام. وكان هذا أمرًا ملفتًا لأنّه تذكار النّبيّ وباعثٌ على التّفاخر. وكذلك فإنّ وجوده يُعدّ خطرًا على الخليفة، لأنّه يجلب أنظار النّاس إليه، فكتب إليه يطلب منه تسليم السّيف، ووعده بإنجاز ما يريد أي أنّه مستعدٌّ أن يهبه ما يحتاج.
ردّ الإمام عليه السلام طلبه، فأعاد عبد الملك مرّةً ثانية تهديده بوقف حصّة الإمام من بيت المال إن لم يُرسل السيف[5]. فأجابه الإمام عليه السلام: "أمّا بعد فإنّ الله ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون والرّزق من حيث لا يحتسبون وقال جلّ ذكره: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾[6] فانظر أيّنا أولى بهذه الآية"[7].
وهذه لهجة قاسية جدًّا تجاه الخليفة، لأنّ تلك الرّسالة إذا وقعت بيد أيّ إنسان فسوف يعلم أوّلًا: أنّ الإمام عليه السلام لا يعدّ نفسه خوّانًا. ثانيًا: لا يتصوّر أحد هذا الأمر بحقّ هذا الإنسان الجليل الّذي تربّى في بيت النبوّة. وهذا يعني أنّك أنت أيّها الخليفة خوّان وكفور. وإلى هذا الحدّ كان الإمام شديدًا مقابل التّهديد.
كان هذان نموذجين من نماذج مواجهة الإمام لجهاز الحكم الأمويّ.
وإذا أردنا أن نُضيف نموذجًا آخر ينبغي أن ننظر إلى الأشعار الّتي نُقلت عن أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام ومحبّيه، فهي تُمثّل نوعًا آخر من المواجهة. مواجهة أصحاب الإمام السجّاد عليه السلام ومحبّيه من قبيل الفرزدق ويحيى بن أمّ الطويل للنّظام الحاكم كان يُعدّ نوعًا من مواجهة الإمام للحكم ويُمكن اعتبار شعر الفرزدق نموذجًا آخرًا. فقد نقل المؤرّخون والمحدّثون قصّة الفرزدق (ما ملخّصها):
عندما قدم هشام بن عبد الملك قبل فترة خلافته إلى الحجّ، وأثناء الطّواف أراد أن يتقدّم لاستلام الحجر الأسود، ولكنّ الحشد الهائل والازدحام الكبير منعه من الوصول، رغم محاولاته المتكرّرة مع أنّه كان ابن الخليفة ومحاطًا بالمرافقين والحرّاس والحواشي، ولكنّ النّاس كانوا يمرّون من حوله دون اكتراث. فيئس من استلام الحجر، وقعد جانبًا منتظرًا انصراف النّاس، وكان أصحابه جالسين حوله. وفي هذه الأثناء يأتي رجلٌ يعلوه الوقار والهيبة، سيماؤه سيماء الزاهدين ووجهه وجه الملكوتيّين، يسطع من بين الحجّاج كالشمس فتنحّى النّاس له جانبًا ليمرّ من بينهم ويصل إلى الحجر الأسود فيُقبّله ثمّ يرجع للطواف مجدّدًا.
فصعب ذلك على هشام كثيرًا، وهو يرى نفسه ابن الخليفة ولا أحد يُعطيه أيّة قيمة، بل يُبعدونه بالركل والمطاحنة، ثمّ من جانبٍ آخر يظهر رجل يصل إلى الحجر الأسود بكلّ هدوء. فسأل غاضبًا: من هذا؟ وكان حواشيه يعرفون أنّه عليّ بن الحسين عليه السلام ولكن لئلّا يغضب منهم لم يقولوا شيئًا لأنّهم يعلمون بوجود العداء المتجذّر بين بني أميّة وبني هاشم، فلم يريدوا أن يقولوا إنّ هذا كبير العائلة المعادية لكم، والنّاس يُظهرون له كلّ هذا الحبّ والاحترام لأنّهم اعتبروا ذلك نوعًا من الإهانة لهشام.
كان الشاعر الفرزدق، من المحبيّن لأهل البيت، حاضرًا هناك وقد رأى تجاهلهم وإنكارهم لعليّ بن الحسين عليه السلام فتقدّم قائلًا: أيّها الأمير، هل تسمح لي بأن أُعرّفك به.
فقال هشام: قل، فانطلق لسان الفرزدق بقصيدة من أشهر القصائد الشّعريّة الّتي قيلت بحقّ أهل البيت، وبدأها بهذا البيت:
هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحلّ والحرم[8]
وكانت أبيات هذه القصيدة كوقع السّيوف على قلب هشام فغضب منه وطرده. من جانبٍ آخر أرسل إليه الإمام عليه السلام مالًا فلم يقبله وقال: "ما قُلته لله لا أُريد عليه مالاً".
وهكذا نُشاهد مثل هذه المواجهات عند أصحاب الإمام. ونموذجٌ آخر ما قام به يحيى بن أمّ الطويل. كان يحيى بن أمّ الطويل من الشّباب ذوي البأس الشّديد والشّجاعة الفائقة وأحد المخلصين لأهل البيت عليهم السلام، وكان يذهب إلى الكوفة دومًا ويجمع النّاس ويصرخ فيهم: "أيها النّاس، إنّني كافر بكم ولا أقبل بكم حتّى تؤمنوا بالله"، وهو يقصد أولئك الّذين كانوا يتّبعون بني أميّة. ومثل هذه الاعتراضات المتجلّية في حياة الإمام السّجّاد عليه السلام وأصحابه كان مشهودًا.
مواجهة الإمام عليه السلام مع علماء البلاط
في تتمّة بحثنا حول القضايا المرتبطة بسيرة الإمام السجّاد عليه السلام وأساليبه وخططه لإيجاد الأرضيّة المساعدة للحركة الإسلاميّة العظيمة، الّتي يُمكن أن تنتهي بإقامة الحكومة العلويّة والحكومة الإسلاميّة:
ذكرنا ما ملخّصه أنّ هذه التحرّكات كانت تتّجه إلى التّبيين والتّوضيح بالنّسبة للبعض وإلى التشكيلات والتّنظيم بالنسبة لبعضهم الآخر، وإلى الهداية والإرشاد بالنسبة لآخرين. وهكذا يُتخيّل الإمام السجّاد، من خلال هذه الصّورة الّتي قدّمناها، إنسانًا صبورًا سعى خلال 30 أو 35 سنة متواصلة إلى جعل تلك الأرضيّة غير المساعدة بتاتًا في العالم الإسلاميّ، تتّجه نحو الظّروف الّتي يُمكن له عليه السلام أو لخلفائه أن يُحقّقوا من خلالها المجتمع الإسلاميّ، والحكومة الإسلاميّة.
ولو اقتطعنا تلك السّنوات الخمس والثلاثين لسعي الإمام السّجاد عليه السلام من حياة الأئّمة، لجزمنا بعدم وصول الأمر إلى الإمام الصادق عليه السلام بتلك الحال الّتي تمكّن معها من التصرّف والتّعاطي الصّريح والواضح مع الحكم الأمويّ، والعبّاسيّ فيما بعد.
وعليه، فلأجل إقامة وتحقيق المجتمع الإسلاميّ، لا بدّ من الأرضيّة الفكريّة والذهنيّة. وهذا ما يُعتبر أهمّ من أيّ شيء آخر. وقد تطلّب إيجاد هذه الأرضيّة الفكريّة والذهنية في تلك الظّروف الّتي كانت موجودة في ذلك العصر من العالم الإسلاميّ، سنوات مديدة. ذلك العمل الّذي نهض به الإمام السجّاد عليه السلام متحمّلًا أعباءه الجسيمة وتكاليفه الباهظة.
إلى جانب هذا، نجد في حياة الإمام السّجّاد عليه السلام بعض المساعي الأخرى الّتي تدلّ في الواقع على مدى تقدّم الإمام عليه السلام في المجال المذكور. والقسمُ الأعظم من هذه المساعي، سياسيٌّ، وأحيانًا شديد القساوة، وأحد نماذجه التي نستطيع أن نجدها هو مواجهة الإمام السجّاد للعلماء التّابعين والمحدّثين الكبار العاملين لدى الجهاز الحاكم. هذا بحثٌ في مجال هذا التعامل. وأحد أكثر الأبحاث إثارةً في حياة الأئمّة عليهم السلام هو بحث مواجهة هؤلاء العظام لحملة الفكر والثقافة في المجتمع الإسلاميّ، أي العلماء[9] والشعراء. فقد كان الأئمّةعليهم السلام يتحمّلون مسؤولية هداية النّاس في أفكارهم وأذهانهم، وأولئك كانوا يوجّهون النّاس إلى الوضع الّذي يريده خلفاء بني أميّة وبني العبّاس، ليكون حاكماً على المجتمع ويجعل النّاس مطيعين ومستسلمين.
كما نعلم، لقد كان الحكّام الظّالمين والجائرين يرون أنّ جذب قلوب النّاس إليهم هو أهمّ عامل في بقاء ملكهم وسلطانهم. فالفاصل الزمنيّ بين النّاس وبين صدر الإسلام لم يكن كبيرًا، لذا فإنّ إيمان النّاس بالإسلام كان ما يزال قويًّا. فلو أدرك النّاس أنّ البيعة الّتي قدّموها للحكّام ليست صحيحة، وأنّ هذا الظّالم لا يجوز أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّهم لما رضوا بتسليمه قيادتهم بتاتًا، وحتّى لو قلنا بأنّ هذا الأمر لا يشمل جميع النّاس، فعلى الأقلّ نقول بأنّ القدر المسلّم به هو أنّ الكثيرين في المجتمع كانوا يتحمّلون الوضع المنافي للإسلام في الجهاز الحاكم نتيجة الإيمان القلبيّ بمعنى أنّهم كانوا يتصوّرون بأنّ هذا الوضع هو وضعٌ إسلاميّ. ولإبقاء هذه الضبابيّة في أذهان النّاس، كان حكّام الجور يستغلّون المحدّثين وعلماء الدين قدر الإمكان ويُحركّونهم طبقًا لمصالحهم، فيطلبون منهم وضع الأحاديث واختلاقها ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصّحابة الكبار بما يوافق ميولهم وأهواءهم.
في هذا المجال توجد موارد تقشعرّ منها الأبدان، ونحن ننقل بعضًا منها كمثال:
في زمن معاوية التقى شخص بكعب الأحبار[10]. ولأنّه كان لكعب روابط حميمة مع معاوية وزعماء الشّام، سأل كعبُ ذلك الشّخص: من أين أنت؟
- من أهل الشام.
- لعلّك من ذلك الجيش الّذي يدخل منه 70 ألف جندي إلى الجنّة دون حساب.
- من هم هؤلاء؟
- إنّهم أهل دمشق.
- كلا، لست من أهل دمشق.
- إذاً، لعلّك من ذلك الجيش الّذي ينظر الله إليه كلّ يوم مرّتين!
- من هم هؤلاء؟
- أهل فلسطين!
ولربّما لو قال ذلك الشّخص: إنّني لست من أهل فلسطين، لنقل له كعب الأحبار أحاديث عن كلّ أهالي بعلبك وطرابلس وبقيّة مدن الشام تحكي عن أنّ أهل الشام هم الأفضل، وأنّهم أهل الجنّة. وكان كعب الأحبار يختلق هذه الأحاديث ويصفها لأمراء الشّام إمّا تملّقًا، حتّى يكون نصيبه أكثر ومنزلته في قلوبهم أعلى، وإمّا بسبب العداء المتجذّر في نفسه للإسلام وحتّى يُصعّب الوصول إلى أقوال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ويوجد في كتب التّذكرة والرجال والحديث الكثير من أمثال هذه القصص. منها قصّة ذلك الأمير الّذي أرسل ابنه إلى المدرسة (الكتّاب) فضربه المدرّس. وعندما رجع الابن باكيًا إلى أبيه وأخبره، غضب الأب وقال: سأذهب وأضع حديثًا على هذه المدرسة حتّى لا يُكرّروا فعلتهم هذه.
ونعلم من هذه القصّة كم كان اختلاق الأحاديث عندهم سهلاً، حتّى ولو كان بدافع العصبيّة أو الشّفقة على دموع طفل. وعلى أيّ حال فقد كان لهذا الوضع أثرٌ واضحٌ في إيجاد ذهنيّة وثقافة منحرفة وبعيدة عن الإسلام. كلّ ذلك كان بسبب أولئك المحدّثين والعلماء العاملين في خدمة السّلاطين والأقوياء. وفي مثل هذا الوضع تُعتبر مواجهة هؤلاء عملًا في غاية الأهميّة.
يوجد هنا نموذج يُبيّن كيفيّة مواجهة الإمام السجّاد عليه السلام لهذا الوضع، وذلك في تعامله مع محمّد بن شهاب الزهريّ:
كان محمّد بن شهاب الزهريّ[11] في البداية أحد تلامذة الإمام السجّاد عليه السلام المقرّبين، أي أنّه من جملة الّذين تعلّموا علومهم ونقلوا الأحاديث عن الإمام عليه السلام، ولكن بالتدريج ــ بسبب التجرّؤ الّذي كان فيه ــ اقترب من نظام الحكم حتّى صار أحد أعوانه وتحوّل إلى واحدٍ من زمرة العلماء والمحدّثين الّذين وقف الأئمّة عليهم السلام في قبالهم.
ولأجل أن نطّلع أكثر على وضع الزهريّ ننقل عدّة أحاديث بشأنه:
أحد هذه الأحاديث، ما جاء عنه: "كنّا نكره كتابة العلم، حتّى أكرهنا عليه السّلطان فكرهنا أن نمنعه أحدًا"[12]. ويُفهم من هذا الحديث، أنّه حتّى ذلك الزّمن، لم يكن متعارفًا بين هذه الطائفة من المحدّثين أنّ كلّ ما يعلمونه من الأحاديث ينبغي أن يكتبوه، وكذلك يتّضح أنّ محمد بن شهاب الزهريّ كان في خدمة الأمراء وأنّه كان يُحمل على كتابة الأحاديث الّتي تُناسبهم.
كان أحدهم ويُدعى معمرًا يقول: "كنّا نظنّ أنّنا قد نقلنا من الزهريّ أحاديث كثيرةً إلى أن قُتل الوليد"[13]. فعندها رأينا كتبًا كثيرة تُحمل على ظهور الدوابّ وتُخرج من خزائن الوليد ويُقال: هذا علم الزهريّ![14] أي أنّ الزهريّ وضع من الأحاديث الّتي تُناسب الوليد وأهواءَه ما عجزت عن حمله الرّجال. فما حال تلك الأحاديث؟ ممّا لا شكّ فيه أنّها لا تُدين الوليد وإنّما تؤيّد أعمال الوليد وأمثاله وتُصحّحها.
ويوجد حديثٌ آخر يتعلّق بفترة ارتباط الزهريّ بالنّظام الحاكم. فقد روى اليعقوبيّ في تاريخه: "إنّ الزهري يُحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى وإنّ الصخرة الّتي وضع رسول الله قدمه عليها تقوم مقام الكعبة"[15].
ويعود هذا الحديث إلى ذلك الزمن الّذي كان عبد الله بن الزبير حاكمًا فيه على مكّة. وبطبيعة الحال، فإنّه كان لا بدّ للنّاس الّذين يريدون الحجّ أن يدخلوا مكّة ــ التي كانت تحت نفوذ ابن الزبير ـ وكانت تلك الأيّام فرصةً مناسبة له للتبليغ ضدّ أعدائه ـ وخاصّة عبد الملك بن مروان ـ ومن جانبٍ آخر بما أنّ عبد الملك كان يُدرك خطورة هذا الأمر، ولكي يمنع النّاس من الذهاب إلى مكّة رأى أنّ أفضل الطّرق هو وضع أحاديث تُبيّنُ أنّ شرف القدس بمنزلة شرف مكّة. ونحن نعلم ـ في العرف والثّقافة الإسلاميّة ـ أنّه لا توجد منطقة في العالم توازي الكعبة شرفًا ومكانةً ولا يوجد حجر في الدّنيا يُضاهي الحجر الأسود. فكانت تلك الأحاديث المختلقة وسيلة لعبد الملك لكي يدفع النّاس للذهاب إلى فلسطين، لأنّ فلسطين جزءٌ من الشّام وتحت نفوذ عبد الملك. فإلى أيّ مدى كان لهذه الأحاديث تأثيرٌ في نفوس النّاس وأفعالهم؟ وهل حدث في زمن ما أنّ النّاس حجّوا إلى بيت المقدس بدلًا من مكّة أم لا؟ ولو حدث ذلك لكان ينبغي أن نعدّ المجرم الأصليّ أو أحد المجرمين هو محمد بن شهاب الزهري الّذي حرّف الأمر في أذهان النّاس لأجل مآرب عبد الملك السّياسيّة.
وعندما يُصبح الزهريّ تابعًا لجهاز الخلافة، فلن يمنعه شيء من وضع الأحاديث ضدّ الإمام السجّاد عليه السلام والتّنظيمات العلويّة ــ منها ما وجدته في كتاب "أجوبة مسائل جار الله" ـ تأليف المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين ـ حيث يدّعي الزهريّ في رواية أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان جبريًّا، وينسب إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في معنى الإنسان في الآية ﴿وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾[16] أنّه أمير المؤمنين عليه السلام (والعياذ بالله).
في روايةٍ أخرى ينقل أنّ حمزة سيّد الشهداء كان شارب خمر. وإنّما جعل هاتين الرّوايتين لدعم الجبهة السّياسيّة المتسلّطة ـ لعبد الملك وبني أميّة ـ مقابل أئمّة الهدى عليهم السلام، وبالتالي لنسف عترة النبيّ وسلالته ـ الّذين كانوا يواجهون الأمويين ـ بعنوان أنّهم مسلمون من الطّراز الأوّل، ويُعرّفهم على أنّهم مثل غيرهم من العوامّ والمقصّرين في تطبيق أحكام الدّين!
بالنسبة للزهريّ وأمثاله، فقد وقف الإمام السجّاد عليه السلام موقفًا حازمًا وقاسيًا جدًّا حيث يُلحظ هذا من خلال الرّسالة الّتي وجّهها إليه.
بالطّبع، قد يتساءل بعض النّاس إلى أيّ مدى يُمكن أن تعكس "الرسالة" هذا الموقف الشّديد؟ ولكن بالالتفات إلى شدّة اللهجة في مضمون هذه الرسالة الموجّهة إلى الزهريّ، وكذلك بالنسبة للجهاز الحاكم، وأنّها لا تنحصر بمحمّد بن شهاب، بل كانت تقع في أيدي الآخرين وتنتقل بالتدريج عبر الألسن والأفواه وتبقى عبر التاريخ (كما أنّنا اليوم وبعد أكثر من 1300 سنة نتناولها بالبحث)، بالالتفات إلى كلّ هذه الأمور، يُمكن أن نُدرك حجم الضّربة الّتي وُجّهت إلى القداسة الشّيطانيّة والمصطنعة لمثل أولئك العلماء. لقد كانت الرّسالة خطابًا لمحمّد بن شهاب، ولكنّها نالت من أشخاص آخرين على شاكلته. ومن المعلوم أنّ هذه الرسالة عندما تقع بأيدي المسلمين، وبالأخصّ شيعة ذلك العصر، وتنتقل عبر الأيدي فأيّ سقوط لهيبة هؤلاء ومكانتهم ستحدثه في الأعين؟! وهنا ننقل مقاطع من هذه الرسالة:
في البداية يقول عليه السلام: "كفانا الله وإيّاك من الفتن ورحمك من النار"[17]. في الجزء الثاني من هذه الجملة، نجده يخصّه بالخطاب، لماذا؟ لأنّ كلّ إنسان يتعرّض للفتن، حتّى الإمام السّجّاد عليه السلام ولكن دون أن يسقط فيها. ومحمد بن شهاب يتعرّض للفتنة ولكنّه سقط. أمّا بالنسبة لنار جهنّم فإنّها لا تقترب من الإمام زين العابدين عليه السلام، ولهذا خُصّ الكلام هنا بالزهريّ. وابتداء الرّسالة بمثل هذه اللهجة دليل على تعامل الإمام عليه السلام معه بطريقة تحقير ومعاداة. ثمّ يقول عليه السلام: "فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك". دقّقوا، لمن الخطاب (موجّه) في هذه الجملة؟ إنّه موجّه لشخصٍ يغبطه الجميع على حاله، فهو أحد العلماء الكبار المقرّبين من النّظام الحاكم، بينما نجد أنّ الإمام عليه السلام يُبيّنه ضعيفًا ووضيعًا.
بعد ذلك يُشير الإمام عليه السلام إلى النّعم الّتي حباه الله بها والحجج الّتي أتمّها عليه، ثمّ يقول إنّه مع وجود تلك النّعم من الله، هل تستطيع أن تقول كيف قد أدّيت شكرها؟
ويذكر جملة من آيات القرآن ويقول إنّ الله تعالى لن يرضى أبدًا عن قصورك وتقصيرك، لأنّه سبحانه قد أمر العلماء بتبيين الحقائق للنّاس: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾[18].
وبعد هذه المقدّمة يحمل عليه بطريقةٍ قاسية جدًّا بقوله عليه السلام: "واعلم، إنّ أدنى ما كتمت، وأخفّ ما احتملت، أن آنست وحشة الظّالم، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوِّك منه حين دنوت، وإجابتك له حين دُعيت". ويظهر هذا الكلام، الّذي يطرحه الإمام، بوضوح ارتباطه بجهاز السّلطة. "إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك". "ودنوت ممّن لم يردّ على أحدٍ حقًّا ولم تردّ باطلًا حين أدناك"، (وهو الخليفة الظّالم) فبأيّ عذرٍ تُبرّر عدم إرجاعك الحقوق الضّائعة وإزالة المظالم الكثيرة؟ "وأحببت من حادّ الله".
والجملة المؤثّرة جدًّا في هذه الفقرة عندما يقول عليه السلام: "أوليس بدعائه إيّاك، حين دعاك، جعلوك قطبًا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرًا يعبرون عليه إلى بلاياهم، وسلّمًا إلى ضلالتهم داعيًا إلى غيّهم سالكًا سبيلهم، يدخلون بك الشكّ على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم؟". ثم يقول: "فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلّا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم"[19].
وفي هذه الرسالة الشّديدة اللهجة والبليغة يفضح الإمام السجّاد هذا التيار الفكريّ والعلميّ التابع للسلطة والحكم والّذي يتحرّك بدعمٍ سياسيٍّ وحكوميٍّ اجتماعيّ. فأولئك الّذين قبلوا مهادنة النّظام، أصبحوا مطالبين بالإجابة عن السؤال الّذي بقي في المجتمع الإسلاميّ في ذلك الزمان وسوف يبقى عبر التاريخ.
إنّني أعتبر هذه إحدى المقاطع المهمّة من حياة الإمام السجّاد عليه السلام، وأشعر بأنّه عليه السلام لم يكتفِ بتحرّك علميّ وتربويّ محدود بين جماعة خاصّة، بل قام بحركة سياسيّة.
كان هذا مختصرًا لحياة الإمام السجّاد عليه السلام. وهنا بالطّبع أُشير إلى هذه النقطة أيضًا: رغم أنّ مرحلة إمامة الإمام السجّاد عليه السلام، الّتي امتدّت إلى أكثر من 34 سنة، كانت بعيدة عن المواجهة المباشرة للنّظام الحاكم، إلّا أنّ نشر بساط الإمامة الواسع وتعليم وتربية العديد
من الأفراد المؤمنين والمخلصين ونشر دعوة أهل البيت عليهم السلام كان من أعظم إنجازاته. وهذا ما جعل بني أميّة يمقتون الإمام ويتعرّضون له. وكانوا من قبل قد جرّوه بالأصفاد والأغلال من المدينة إلى الشام - ولم يحدث هذا في كربلاء فقط وإنّما تكرّر في زمنٍ آخر أيضًا - وقد تعرّضوا له في موارد عديدة، وآذاه أعوانهم حتّى وصل بهم الأمر، سنة 95 للهجرة في زمن الوليد بن عبد الملك، إلى تسميمه فارتفع إلى جوار ربّه شهيدًا.
[1] أشير هنا إلى أنّ ما بحثناه في هذا الفصل هو غير ذلك التعامل المعارض للإمام السجّاد مع يزيد وجهاز خلافة آل أبي سفيان والذي له بحثٌ آخر وقد بحثت بشأنه في السابق(الكاتب).
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 415.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 48، ص 96.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص 105.
[5] في ذلك الزمان كان النّاس جميعاً يأخذون حصّتهم من بيت المال وكان الإمام يأخذ حصّته أيضاً مثل غيره. (الكاتب)
[6] سورة الحج، الآية 38.
[7] مناقب آل أبي طالب، ج4، ص 165.
[8] عندما نقول "العلماء" فإنّنا نقصد علماء الدين في ذلك الزمان والذين كانوا عبارة عن المحدّثين والمفسّرين والقرّاء والقضاة والزهّاد. (الكاتب)
[9] كان كعب الأحبار يهوديّاً أسلم في عهد الخليفة الثاني. ويوجد شكوك كثيرة في الأحاديث المنسوبة إليه، ليس فقط بين الشّيعة بل حتّى بين الكثير من أهل السنّة، باعتبار أنّه قد اختلق أحاديث انطلاقاً من عدائه للإسلام. ويوجد من أهل السنّة من يقبل به.
[10] كان كعب الأحبار يهوديّاً أسلم في عهد الخليفة الثاني. ويوجد شكوك كثيرة في الأحاديث المنسوبة إليه، ليس فقط بين الشّيعة بل حتّى بين الكثير من أهل السنّة، باعتبار أنّه قد اختلق أحاديث انطلاقاً من عدائه للإسلام. ويوجد من أهل السنّة من يقبل به.
[11] وقد يُدعى بمحمد بن مسلم الزهري أيضاً، فأحياناً يُذكر اسمه تحت عنوان شهاب وأحياناً مسلم، ولعلّ الأوّل اسم والده والآخر لقبه. (الكاتب)
[12] سنن الدارمي، ج1، ص 110.
[13] الوليد هو الولد البكر لعبد الملك بن مروان والذي تسلّم الخلافة بعده. (الكاتب)
[14] "... فإذا بالدفاتر قد حُملت على الدواب من خزائنه ويُقال هذا من علم الزهري!" (الكاتب)
[15] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 261.
[16] سورة الكهف، الآية 54.
[17] تحف العقول، ص275.
[18] سورة آل عمران، الآية 187.
[19] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 75، ص 132.
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
