شذرات من قصة موسى عليه السلام
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص249-252.
2025-07-01
340
شذرات من قصة موسى عليه السلام
قال تعالى : {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (7) فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (8) يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل : 7 - 11].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : قوله إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ قال الزجاج : العامل في إِذْ اذكر أي : اذكر في قصة موسى ، إذ قال لأهله أي : امرأته ، وهي بنت شعيب ، إِنِّي آنَسْتُ أي : أبصرت ورأيت ناراً ومنه اشتقاق الإنس ، لأنهم مرئيون ، وقيل : آنست أي أحسست بالشيء من جهة يؤنس بها . وما آنست به فقد أحسست به ، مع سكون نفسك إليه .
سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ معناه : فالزموا مكانكم ، لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق ، وأهتدي بها إلى الطريق ، لأنه كان أضل الطريق . أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ أي : بشعلة نار . والشهاب : نور كالعمود من النار ، وكل نور يمتد مثل العمود ، يسمى شهابا . وإنما قال لامرأته آتِيكُمْ على لفظ خطاب الجمع ، لأنه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها ، والسكون إليها في الأمكنة الموحشة . لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي : لكي تستدفئوا بها ، وذلك لأنهم كانوا قد أصابهم البرد ، وكانوا شاتين . . .
فَلَمَّا جاءَها أي : جاء موسى إلى النار ، يعني التي ظن أنها نار ، وهي نور نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها ، قال وهب : لما رأى موسى النار ، وقف قريبا منها ، فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء ، شديدة الخضرة ، لا تزداد النار إلّا اشتعالا ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسنا . فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ، ولا الشجرة برطوبتها تطفئ النار ، فعجب منها ، وأهوى إليها بضغث في يده ، ليقتبس منها ، فمالت إليها ، فخافها ، فتأخر عنها . ثم لم تزل تطمعه ، ويطمع فيها ، إلى أن نودي . والمراد به نداء الوحي أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها أي : بورك فيمن في النار ، وهم الملائكة ، وفيمن حولها : يعني موسى ، وذلك أن النور الذي رأى موسى ، كان فيه ملائكة ، لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، ومن حولها هو موسى ، لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها ، فكأنه قال : بارك اللّه على من في النار ، وعليك يا موسى . ومخرجه الدعاء ، والمراد الخبر . قال الكسائي : تقول العرب باركه اللّه ، وبارك عليه ، وبارك فيه وقيل : بورك من في النار معناه من في النار سلطانه وقدرته وبرهانه . فالبركة ترجع إلى اسم اللّه ، وتأويله : تبارك من نور هذا النور ، ومن حولها ، يعني موسى والملائكة . . .
وقيل : معناه بورك من في طلب النار ، وهو موسى عليه السّلام . فحذف المضاف ، ومن حولها الملائكة أي : دامت البركة لموسى والملائكة ، وهذا تحية من اللّه سبحانه لموسى عليه السّلام بالبركة ، كما حيا إبراهيم عليه السّلام بالبركة على ألسنة الملائكة ، حين دخلوا عليه فقالوا رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ .
ثم نزه سبحانه نفسه فقال : وَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي : تنزيها له عما لا يليق بصفاته تعالى ، عن أن يكون جسما يحتاج إلى جهة ، أو عرضا يحتاج إلى محل ، أو يكون ممن يتكلم بآلة .
ثم أخبر سبحانه موسى عن نفسه ، وتعرف إلي بصفاته ، فقال : يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أي : إن الذي يكلمك هو اللّه العزيز أي : القادر الذي لا يغالب ، ولا يمتنع عليه شيء ، الحكيم في أفعاله ، المحكم لتدابيره .
ثم أراه سبحانه آية يعلم بها صحة النداء ، فقال : وَأَلْقِ عَصاكَ وفي الكلام حذف تقديره : فألقاها ، فصارت حية . فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ أي : تتحرك كما يتحرك الجان ، وهو الحية التي ليست بعظيمة ، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها واهتزازها ، مع أنها ثعبان في عظمها ، ولذلك هاله ذلك ، حتى ولى مدبرا .
وقيل : إن الحالتين مختلفتان ، لأن الحال التي صارت ثعبانا هي الحال التي لقي فيها فرعون ، والحال التي صارت جانا هي الحال التي خاطبه اللّه في أول ما بعثه نبيا .
وَلَّى مُدْبِراً أي : رجع إلى ورائه وَلَمْ يُعَقِّبْ أي : لم يرجع ، وكل راجع معقب . والمفسرون يقولون : لم يلتفت . ولم يقف ، فقال اللّه سبحانه :
يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وهذا تسكين من اللّه سبحانه لموسى ، ونهي له عن الخوف . يقول له : إنك مرسل ، والمرسل لا يخاف ، لأنه لا يفعل قبيحا ، ولا يخل بواجب ، فيخاف عقابي على ذلك .
ثم قال سبحانه إِلَّا مَنْ ظَلَمَ المعنى : لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين ، لأن الأنبياء لا يقع منهم ظلم ، لكونهم معصومين من الذنوب والقبائح . فيكون هذا استثناء منقطعا . وإنما حسن ذلك لاجتماع الأنبياء وغيرهم في معنى شملهم ، وهو التكليف . ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي : بدل توبة وندما على ما فعله من القبيح ، وعزما أن لا يعود إليه في المستقبل . فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ أي : ساتر لذنبه ، قابل لتوبته « 1 ».
_____________
( 1 ) مجمع البيان : ج 7 ، ص 365 و 366 .
الاكثر قراءة في قصة النبي موسى وهارون وقومهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة