تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة النبي لوط مع قومه
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 5 ص363-377.
2025-06-12
105
قصة النبي لوط مع قومه
قال تعالى : {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27) وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [العنكبوت : 27 - 35].
قال أمير المؤمنين عليه السّلام ، في حديث عهده عليه السّلام إلى محمد بن أبي بكر ، يعمل به ويقرأه على أهل مصر حين ولاه مصر ، وقال فيه عليه السّلام : « اعلموا - يا عباد اللّه - أنّ المؤمن من يعمل الثلاث من الثّواب : أمّا الخير فإنّ اللّه يثيبه بعمله في دنياه ، قال اللّه سبحانه لإبراهيم : وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فمن عمل للّه تعالى ، أعطاه أجره في الدنيا والآخرة ، وكفاه المهمّ فيهما » « 1 ».
وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام : « وكان أهل المؤتفكات من أجلّ الناس ، وكانوا في حسن وجمال ، فأصابهم الغلاء والقحط ، فجاءهم إبليس اللعين ، وقال لهم : إنما جاءكم القحط لأنكم منعتم الناس من دوركم ولم تمنعوهم من بساتينكم الخارجة . فقالوا : وكيف السّبيل إلى المنع ؟ فقال لهم : اجعلوا السّنّة بينكم إذا وجدتم غريبا في بلدكم سلبتموه ونكحتموه في دبره ، حتى أنكم إذا فعلتم ذلك لم يتطرّقوا عليكم » .
قال : « فعزموا على ذلك ، فخرجوا إلى ظاهر البلد يطلبون من يفجرون به ، فتصوّر لهم إبليس اللعين غلاما أمرد ، فتزيّن ، فحملوا عليه ، فلمّا رأوه سلبوه ونكحوه في دبره ، فطاب لهم ذلك ، حتى صار هذا عادة لهم في كلّ غريب وجدوه ، حتى تعدّوا من الغرباء إلى أهل البلد ، وفشا ذلك فيهم ، وظهر ذلك من غير انتقام بينهم ، فمنهم من يؤتى ، ومنهم من يأتي .
وأوحى اللّه تعالى إلى إبراهيم عليه السّلام : أنّي اخترت لوطا نبيّا ، فابعثه إلى هؤلاء القوم . فأقبل إبراهيم إلى لوط فأخبره بذلك ، ثمّ قال له : انطلق إلى مدائن سدوم « 2 » ، وادعهم إلى عبادة اللّه ، وحذّرهم أمر اللّه وعذابه ، وذكّرهم بما نزل بقوم نمرود بن كنعان . فسار لوط حتى صار إلى المدائن ، فوقف وهو لا يدري بأيّها يبدأ ، فأقبل حتى دخل مدينة سدوم ، وهي أكبرها ، وفيها ملكهم ، فلمّا بلغ وسط السّوق ، قال : يا قوم اتّقوا اللّه وأطيعوني ، وازجروا أنفسكم عن هذه الفواحش التي لم تسبقوا إلى مثلها ، وانتهوا عن عبادة الأصنام ، فإني رسول اللّه إليكم . فذلك معنى قوله تعالى : { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [الأعراف: 80 - 82] ، يعني عن إتيان الرجال ، وقال في مكان آخر : أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ، يعني الحذف بالحصى ، والتصفيق واللعب بالحمام ، وتصفيق الطيور ، ومناقرة الديوك ، ومهارشة الكلاب « 3 » ، والحبق « 4 » في المجالس ، ولبس المعصفرات « 5 » ، فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .
وبلغ ذلك ملكهم في سدوم ، فقال : ائتوني به . فلما وقف بين يديه ، قال له : من أنت ، ومن أرسلك ، وبماذا جئت ، وإلى من بعثت ؟ فقال له : أمّا اسمي فلوط ابن أخي إبراهيم عليه السّلام ، وأمّا الذي أرسلني فهو اللّه ربي وربكم ، وأما ما جئت به ، فأدعوكم إلى طاعة اللّه [ وأمره ] ، وأنهاكم عن هذه الفواحش . فلمّا سمع ذلك من لوط وقع في قلبه الرعب والخوف ، فقال له : إنما أنا رجل من قومي ، فسر إليهم ، فإن أجابوك فأنا معهم » .
قال : « فخرج لوط من عنده ووقف على قومه ، وأخذ يدعوهم إلى عبادة اللّه ، وينهاهم عن المعاصي ، ويحذّرهم عذاب اللّه ، حتى وثبوا عليه من كل جانب ، وقالوا : {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ} [الشعراء: 167] من هذه الدعوة {لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء: 167] أي من بلدنا ، {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ} [الشعراء: 168] الخبيث {مِنَ الْقَالِينَ } [الشعراء: 168] أي من المبغضين {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: 169] يعني من الفواحش .
فأقام فيهم لوط عشرين سنة ، وهو يدعوهم ، وتوفّيت امرأته وكانت مؤمنة ، فتزوج بأخرى من قومه ، وكانت قد آمنت به ، يقال لها ( قواب ) ، فقام معها يدعوهم إلى طاعة اللّه ، فجعلوا يشتمونه ويضربونه ، حتى بقي فيهم من أوّل ما بعث إلى أربعين سنة ، فلم يبالوا به ، ولم يطيعوه ، فضجّت الأرض إلى ربها ، واستغاثت الأشجار ، والأطيار ، والجنّة والنار من فعلهم إلى اللّه تعالى ، فأوحى اللّه تعالى إليهم : إنّي حليم لا أعجل على من عصاني حتى يأتي الأجل المحدود » .
قال : « فلمّا استخفّوا بنبي اللّه ولم يذعنوا إلى طاعته ، وداموا على ما كانوا فيه من المعاصي ، أمر اللّه تعالى أربعة من الملائكة ، وهم : جبرئيل ، ميكائيل ، وإسرافيل ، ودردائيل أن يمرّوا بإبراهيم عليه السّلام . ويبشّرونه بولد من سارة بنت هاراز بن فاخور ، وكانت قد آمنت به حين جعل اللّه عليه النار بردا وسلاما ، فأوحى اللّه إليه : أن تزوّج بها يا إبراهيم - قال - فتزوّج بها ، فجاءوا على صورة البشر ، المعتجرين « 6 » بالعمائم وكان إبراهيم عليه السّلام لا يأكل إلا مع الضّيف - قال - فانقطعت الأضياف عنه ثلاثة أيام ، فلما كان بعد ذلك ، قال : يا سارة ، قومي واعملي شيئا من الطعام ، فلعلّي أخرج عسى أن ألقى ضيفا .
فقامت لذلك ، وخرج إبراهيم عليه السّلام في طلب الضّيف ، فلم يجد ضيفا ، فقعد في داره يقرأ الصّحف المنزلة عليه ، فلم يشعر إلا والملائكة قد دخلوا عليه مفاجأة على خيلهم في زينتهم ، فوقفوا بين يديه ، ففزع من مفاجأتهم ، حتى قالوا : سلاما ، فسكن خوفه ، فذلك معنى قوله تعالى :
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا} [هود : 69] ، وقال تعالى في آية أخرى : {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ } [الذاريات : 24، 25] ، لأنّه لا يعرف صورهم ، فرحّب بهم ، وأمرهم بالجلوس ، ودخل على سارة ، وقال لها : قد نزل عندنا أربعة أضياف حسان الوجوه واللباس ، وقد دخلوا وسلّموا عليّ بسلام الأبرار ، فقال لها : وحاجتي إليك أن تقومي وتخدميهم . فقالت : عهدي بك يا إبراهيم وأنت أغير الناس . فقال : هو كما تقولين ، غير أن هؤلاء أعزاء خيار .
ثم عمد إبراهيم إلى عجل سمين فذبحه ، ونظّفه ، وعمد إلى التنّور فسجره ، فوضع العجل في التنّور حتى اشتوى ، وذلك معنى قوله تعالى :
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69] ، والحنيذ الذي يشوى في الحفرة ، وقد انتهى خبزه ونضاجته ، فوضع إبراهيم العجل على الخوان ، ووضع الخبز من حوله ، وقدّمه إليهم ، ووقفت سارة عليهم تخدمهم ، وإبراهيم يأكل ولا ينظر إليهم ، فلما رأت سارة ذلك منهم ، قالت : يا إبراهيم ، إن أضيافك هؤلاء لا يأكلون شيئا . فقال لهم إبراهيم عليه السّلام : ألا تأكلون ؟ وداخله الخوف من ذلك ، وذلك معنى قوله تعالى : {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] ، أي أضمر منهم خوفا .
ثم قال إبراهيم عليه السّلام : لو علمت أنكم ما تأكلون ما قطعنا العجل عن البقرة . فمدّ جبرئيل يده نحو العجل ، وقال : قم بإذن اللّه تعالى . فقام وأقبل نحو البقرة حتى التقم ضرعها ، فعند ذلك اشتدّ خوف إبراهيم عليه السّلام ، وقال : {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 52 - 56] - قال - وكانت سارة قائمة فلمّا سمعت ، قالت : أوه « 7 » . وهي الصّرّة التي قال اللّه تعالى : {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [الذاريات : 29] يعني ضربت وجهها {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذاريات: 29] أي كبيرة لم تلد {قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 72، 73] الموجود ذو الشرف والمجد والكرم ، وفي آية أخرى : {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود: 70، 71] تخدمهم {فَضَحِكَتْ} [هود: 71] أي حاضت { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71].
فإسحاق قد مضى عليه ثمانون سنة فكفّ بصره ، وكان ملازما لمسجده ، فبينما هو ذات يوم جالس إلى جانب امرأته إذ راودها ، فضحكت حتى بدت نواجذها ، فقالت زوجته ، واسمها رباب بنت لوط عليه السّلام ، ويل قدرة : يا إسحاق . فقال : نعم ، إن شاء اللّه ، فواقعها ، فحملت بولدين ذكرين ، وأخبرته بحملها ، فقال لها إسحاق : لا تعجبي من ذلك ، لأني رأيت في أوّل عمري في المنام ذات ليلة كأنه خرجت من ظهري شجرة عظيمة خضراء لها أغصان وفروع ، كل واحد منها على لون ، فقيل لي في المنام : هذه الأغصان أولادك الأنبياء على قدر أنوارهم ، فانتبهت فزعا مرعوبا ، فهذا تأويل رؤياي . فقالت زوجته : يا نبيّ اللّه ورسوله ، إنهما اثنان ، لأنهما يتضاربان في بطني كالمتخاصمين . فقال إسحاق : يكون خيرا إن شاء اللّه تعالى . فلمّا تمّت مدّة الحمل وضعتهما وأحدهما بعقب صاحبه ، متعلّق بعقبه ، فسمّي : يعقوب ، لأنه بعقب أخيه ، والآخر اسمه عيص ، لأنّه أخّر أخاه ، وتقدم عليه » .
وقيل : إنّ سارة قد مضى من عمرها تسع وتسعون سنة ، وإبراهيم ثماني وتسعون ، وحملت سارة بإسحاق في الليلة التي خسف اللّه فيها قوم لوط ، فلما تمّت أشهرها وضعته في ليلة الجمعة يوم عاشوراء ، وله نور شعشعانيّ ، فلمّا سقط من بطن أمّه خرّ للّه ساجدا ، ثم استوى قاعدا ، ورفع يديه إلى السّماء بالثناء للّه تعالى والتوحيد .
قال : « فأخذت تردّد قولها : عجوز عقيم ؛ وهي لا تدري أن هؤلاء ملائكة ، فرفع جبرئيل عليه السّلام طرفه إليها ، وقال لها : يا سارة ، كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم . فلما فرغوا من ذلك ، قال لهم إبراهيم : {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر: 57] ، يعني ما بالكم بعد هذه البشارة ؟ {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ} [الذاريات : 32، 33] » . قال قتادة : كانت حجارة مخلوطة بالطين ، مطبوخة في نار جهنّم {مُسَوَّمَةً } [هود: 83] يعني معلّمة ، وقيل : إنه كان مكتوبا على كلّ حجر اسم صاحبه من المسرفين من قوم لوط في معاصيهم .
قال : « فعاد جبرئيل إلى صورته حتى عرفه إبراهيم عليه السّلام ، فأخبره : أنّ هذا أخي ميكائيل ، وهذان إسرافيل ودردائيل . فاغتمّ إبراهيم عليه السّلام شفقة على ابن أخيه لوط وأهله ، وذلك معنى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السّلام : {إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت : 32] ، يعني من الباقين في العذاب . ثمّ سألهم عن عدد المؤمنين في هذه المدائن ، قال له جبرئيل : ما فيها إلّا لوط ، وابنتاه . فذلك معنى قوله تعالى :
{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 35، 36] .
قال اللّه تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: 74] ، أي الخوف {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} [هود: 74] يعني {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] يعني ما جرى بينه وبين جبرئيل ، يقول اللّه تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] يعني هو مؤمن في الدعاء مقبل على عبادة ربّه - قال - فعند ذلك قال لإبراهيم : {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 76] يعني عذابه {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76] أي غير مصروف - قال - فعند ذلك قال إبراهيم عليه السّلام : يا ملائكة ربّي ورسله ، امضوا حيث تؤمرون » .
قال : « فاستوت الملائكة على خيلهم ، وقاربت مدائن لوط وقت المساء ، فرأتهم رباب بنت لوط زوجة إسحاق عليه السّلام ، وهي الكبرى ، وكانت تستقي الماء ، فنظرت إليهم وإذا هم قوم عليهم جمال وهيئة حسنة ، فتقدّمت إليهم ، وقالت لهم : ما لكم تدخلون على قوم فاسقين ! ليس فيهم من يضيّفكم إلّا ذلك الشيخ ، وإنّه ليقاسي من القوم أمرا عظيما - قال - وعدلت الملائكة إلى لوط ، وقد فرغ من حرثه ، فلمّا رآهم لوط اغتمّ لهم ، وفزع عليهم من قومه ، وذلك معنى قوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] ، يعني شديد شرّه . وقال في آية أخرى {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الحجر: 61، 62] ، أنكرهم لوط كما أنكرهم إبراهيم عليه السّلام ، فقال لهم لوط عليه السّلام : من أين أقبلتم ؟ قال له جبرئيل عليه السّلام ، ولم يعرفه : من موضع بعيد ، وقد حللنا بساحتك ، فهل لك أن تضيّفنا في هذه الليلة ، وعند ربّك الأجر والثواب ؟ قال : نعم ، ولكن أخاف عليكم من هؤلاء القوم الفاسقين عليهم لعنة اللّه .
فقال جبرئيل لإسرافيل عليه السّلام : هذه واحدة . وقد كان اللّه تعالى أمرهم أن لا يدمّروهم إلا بعد أربع شهادات تحصل من لوط بفسقهم ، ولعنته عليهم ، ثمّ أقبلوا عليه ، وقالوا : يا لوط ، قد أقبل علينا الليل ، ونحن أضيافك ، فاعمل على حسب ذلك . فقال لهم لوط : قد أخبرتكم أن قومي يفسقون ، ويأتون الذكور شهوة ويتركون النساء ، عليهم لعنة اللّه . فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه ثانية . ثم قال لهم لوط : انزلوا عن دوابكم ، واجلسوا ها هنا حتى يشتدّ الظلام ، ثم تدخلون ولا يشعر بكم منهم أحد ، فإنهم قوم سوء فاسقين ، عليهم لعنة اللّه . فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الثالثة .
ثم مضى لوط - بعد أن أسدل الظلام - بين أيديهم إلى منزله ، والملائكة خلفه ، حتى دخلوا منزله ، فأغلق عليهم الباب ، ثم دعا بامرأته ، يقال لها ( قواب ) وقال لها : يا هذه ، إنك عصيت مدة أربعين سنة ، وهؤلاء أضيافي قد ملؤوا قلبي خوفا ، اكفيني أمرهم هذه الليلة حتى أغفر لك ما مضى . قالت :
نعم . قال اللّه تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ } [التحريم: 10] ، ولم تكن خيانتهما في الفراش ، لأن اللّه تعالى لا يبتلي أنبياءه بذلك ولكن خيانة امرأة نوح عليه السّلام أنها كانت تقول لقومه : لا تضربوه لأنّه مجنون ؛ وكان ملك قومه رجلا جبارا قويا عاتيا ، يقال له : درقيل بن عويل بن لامك بن جنح بن قابيل ، وهو أول من شرب الخمر ، وقعد على الأسرّة ، وأول من أمر بصنعة الحديد والرّصاص والنّحاس ، وأوّل من اتخذ الثياب المنسوجة بالذّهب ، وكان يعبد هو وقومه الأصنام الخمس : ودّا ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، وهي أصنام قوم إدريس عليه السّلام ، ثمّ اتّخذوا في كثرة الأصنام حتى صار لهم ألف وتسع مائة صنم على كراسيّ الذهب ، وأسرة من الفضة مفروشة بأنواع الفرش الفاخرة ، متوّجين الأصنام بتيجان مرصّعة بالجواهر واللآلىء واليواقيت ، ولهذه الأصنام خدم يخدمونها تعظيما لها .
وخيانة امرأة لوط أنها كانت إذا رأت ضيفا نهارا أدخنت ، وإذا أنزل ليلا أوقدت ، فعلم القوم أن هناك ضيوفا ، فلما كان في تلك الليلة ، خرجت وبيدها سراج كأنها تريد أن تشعله ، وطافت على جماعة من قومها وأهلها وأخبرتهم بجمال القوم وبحسنهم - قال - فعلم لوط بذلك ، فأغلق الباب وأوثقه ، وأقبل الفسّاق يهرعون من كلّ جانب ومكان ، وينادون ، حتى وقفوا على باب لوط ، ففزّعوه ، وذلك معنى قوله تعالى : {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] ، أي يسرعون إليه {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 78] ، قبال - فناداهم لوط عليه السّلام ، وقال : {يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يعني بالزواج والنكاح إن آمنتم {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [هود: 78] ، يعني لا تفضحوني في ضيافتي {أَلَيْسَ مِنْكُمْ } [هود : 78] يا قوم {رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] أي حليم ، يأمركم بالمعروف ، وينهاكم عن المنكر ؟ فقالوا له : {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود: 79] ، أي من حاجة ، ولا شهوة لنا فيهنّ {حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [هود: 79] ، يعني عملهم الخبيث ، وهو إتيان الذكور .
ثمّ كسروا الباب ودخلوا ، فقالوا : يا لوط {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70] ؟ ، يعني عن الناس أجمعين - قال - فوقف لوط على الباب دون أضيافه ، وقال : واللّه لا أسلم أضيافي إليكم وفيّ عرق يضرب دون أن تذهب نفسي ، أو لا أقدر على شيء ، وذلك معنى قوله تعالى : {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] ، فتقدّم بعضهم إليه ، فلطم وجهه ، وأخذ بلحيته ، ودفعه عن الباب ، فعند ذلك قال لوط : لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ - قال - فرفع لوط عليه السّلام رأسه إلى السّماء ، وقال : إلهي خذ لي من قومي حقّي ، والعنهم لعنا كثيرا ، فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الرابعة .
ثم قال جبرئيل : {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] فأبشر ، ولا تحزن علينا . فهجم القوم عليه ، وهم يقولون : {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ} ، أي لا تؤوي ضيفا ، فرأوا جمال القوم وحسن وجوههم ، فبادروا نحوهم ، فطمس اللّه على أعينهم ، وإذا هم عمي لا يبصرون ، وصارت وجوههم كالقار ، وهم يدورون ووجوههم تضرب الحيطان ، فذلك قوله تعالى : {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 37] - قال - وإذا نفر آخرون قد لحقوا بهم ، ونادوهم : إن كنتم قضيتم شهوتكم منهم ، فأخرجوا حتى ندخل ونقضي شهوتنا منهم . فصاحوا : يا قوم ، إنّ لوطا أتى بقوم سحرة ، لقد سحروا أعيننا ، فأدخلوا إلينا وخذوا بأيدينا . فدخلوا وأخرجوهم . وقالوا : يا لوط ، إذا أصبح الصّبح نأتيك ونريك ما تحب ؛ فسكت عنهم لوط حتى خرجوا .
ثم قال لوط عليه السّلام للملائكة : بماذا أرسلتم ؟ فأخبروه بهلاك قومه ، فقال :
متى ذلك ؟ فقال جبرئيل عليه السّلام : {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81].
فقال جبرئيل عليه السّلام : اخرج الآن - يا لوط - {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] ، يعني في آخر الليل {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] قواب {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] من العذاب » .
قال : « فجمع لوط عليه السّلام بناته وأهله ومواشيه وأمتعته ، فأخرجهم جبرئيل عليه السّلام من المدينة ، ثمّ قال جبرئيل عليه السّلام : يا لوط قد قضى ربك أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين . فقالت له امرأته : إلى أين تخرج - يا لوط - من دورك ؟ فأخبرها أن هؤلاء رسل ربّي ، جاءوا لهلاك المدن . فقالت : يا لوط ، وما لربّك من القدرة حتى يقدر على هلاك هؤلاء المدائن السّبع ؟ ! فما استتمّت كلامها حتى أتاها حجر من حجارة السجّيل ، فوقع على رأسها فأهلكها ، وقيل : إنّها بقيت ممسوخة حجرا أسود عشرين سنة ، ثم خسف بها في بطن الأرض » .
قال : « وخرج لوط عليه السّلام من تلك المدائن وإذا بجبرئيل الأمين قد بسط جناح الغضب ، وإسرافيل قد جمع أطراف المدائن ، ودردائيل قد جعل جناحه تحت تخوم الأرض السابعة ، وعزرائيل قد تهيّأ لقبض أرواحهم في حراب النيران ، حتى إذا برز عمود الصّبح ، صاح جبرئيل الأمين بأعلى صوته : يا بئس صباح قوم كافرين . وصاح ميكائيل من الجانب الثاني : يا بئس صباح قوم فاسقين . وصاح إسرافيل من الجانب الثالث : يا بئس صباح قوم مجرمين .
وصاح دردائيل : يا بئس صباح قوم ضالّين . وصاح عزرائيل بأعلى صوته : يا بئس صباح قوم غافلين » .
قال : « فقلع جبرئيل الأمين - طاوس الملائكة المطوّق بالنور ، ذو القوّة - تلك المدائن السّبع عن آخرها ، من تحت تخوم الأرض السابعة السفلى بجناح الغضب ، حتى بلغ الماء الأسود ، ثم رفعها بجبالها ، ووديانها ، وأشجارها ، ودورها ، وغرفها ، وأنهارها ، ومزارعها ، ومراعيها ، حتى انتهى بها إلى البحر الأخضر الذي في الهواء ، حتى سمع أهل السماء صياح صبيانهم ، ونبيح كلابهم ، وصقيع « 8 » الديكة ، فقالوا : من هؤلاء المغضوب عليهم ؟ فقيل :
هؤلاء قوم لوط عليه السّلام . ولم تزل كذلك على جناح جبرئيل ، وهي ترتعد كأنّها سعفة في ريح عاصف ، تنتظر متى يؤمر بهم ، فنودي : در القرى بعضها على بعض . فقلبها جبرئيل الأمين ، وجعل عاليها سافلها ، فذلك معنى قوله تعالى :
{ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم: 53، 54] ، يعني من رمي الملائكة لهم بالحجارة من فوقهم .
قال اللّه تعالى : {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود: 66] يعني عذابنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ } [هود : 82] يعني متتابع بعضه على بعض ، وكل حجر عليه اسم صاحبه - قال - فاستيقظ القوم وإذا هم بالأرض تهوي
بهم من الهواء ، والنيران من تحتهم ، والملائكة تقذفهم بالحجارة وهي مطبوخة بنار جهنّم ، وهي عليهم كالمطر ، فساء صباح المنذرين » .
وروي أن كل واحد كان غائبا عن هذه المدائن ، ممّن كان على مثل حالهم في دينهم وفعلهم أتاه الحجر ، فانقضّ على رأسه حتى قتله .
وكان النبيّ محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول : « إني لأسمع صوت القواصف من الريح ، والرعود ، وأحسب أنّها الحجارة التي وعد اللّه بها الظلمة ، كما قال اللّه تعالى : {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود : 83] ، وقوله تعالى : {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام : 65] ، يعني بالحجارة {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] يعني الخسف » .
قال كعب : وجعل يخرج من تلك المدائن دخان أسود نتن لا يقدر أحد أن يشمّه لنتن رائحته ، وبقيت آثار المدائن والقوم يعتبر بها كلّ من يراها ، فذلك معنى قوله تعالى : وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ .
قال : « ومضى لوط عليه السّلام إلى عمّه إبراهيم عليه السّلام ، فأخبره بما نزل بقومه ، فذلك معنى قوله تعالى : {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74] » « 9 » .
________________
( 1 ) الأمالي : ج 1 ، ص 24 .
( 2 ) سدوم : قرى بين الحجاز والشام . « آثار البلاد وأخبار العباد : ص 202 » .
( 3) المهارشة بالكلاب : تحريش بعضها على بعض . « الصحاح - هرش - ج 3 ، ص 1027 » .
( 4 ) الحبق : الضراط . « لسان العرب - حبق - ج 10 ، ص 37 » .
( 5 ) العصفر : الذي يصبغ به . « لسان العرب - عصفر - ج 4 ، ص 581 » .
( 6 ) الاعتجار : لفّ العمامة على الرأس . « الصحاح - عجر - ج 2 ، ص 737 » .
( 7 ) أوه : كلمة معناها التحزّن . « لسان العرب - أوه - ج 13 ، ص 472 » .
( 8 ) صقيع الدّيك : صوته . « لسان العرب - صقع - ج 8 ، ص 203 » .
( 9 ) تحفة الأخوان : ص 48 .