علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
اختلاف الوصل والإرسال والرفع والوقف
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 237 ـ 241
2025-05-31
47
الحديث الذي رواه بعضهم مرسلًا، وبعضهم متَّصلًا، كحديث: "لا نكاح إلا بولي"(1).
رواه إسرائيل بن يونس في آخرين، عن جَدِّه (2) أبي إسحاق السَّبيعي، عن أبي بُردة، عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ مسندًا متَّصلًا هكذا (3).
ورواه سفيان الثوري (4)، وشعبة (5)، عن أبي إسحاق، عن أبي بُردة، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ مرسلًا هكذا.
فالصَّحيح أنَّ الحُكْمَ لمن أسنده (6) إذا كان عدلًا ضابطًا، فيُقْبَلُ خبرُهُ، وإن خالفه غيرُهُ واحدًا كان أو جماعةً.
وهذا القول صحّحه الخطيب (7)، وهو الصحيح في الأحكام وأصول الفقه (8).
وسُئل البخاري عن هذا الحديث فحكم لمن وصل، وقال: الزيادة من الثقة مقبولة، فقال البخاري هذا مع أنَّ مَن أرسله شعبة، وسفيان، وهما جبلان، لهما من الحفظ والإتقان الدَّرجةُ العُليا (9).
وقيل: إنّ الحكم للمرسل مطلقًا (10).
وقيل: الحكمُ للأكثر (11).
وقيل: للأحفظ (12).
والصّحيح ما ذكرناه!!.
فلو وصل شخصٌ مرّةً، وأرسل أخرى، أو رفعه مرةً، ووقفه أخرى؛ فالحكم للمتَّصلِ، والمرفوعِ؛ لأنَّهُ كالزِّيادة، وهي عن الثقة مقبولة (13)، وهو مذهب جمهور أصحاب الحديث، والفقهاء فيما حكاه الخطيب أبو بكر (14).
فإن قيل: الإرسالُ نوعُ قَدْحٍ في الحديث، فإذا اجتمع مع الاتِّصال وجب أن يقدَّم الجرحُ على التعديل.
فالجواب عنه: أنَّ الجرح إنَّما يُقدَّم لما فيه من زيادةِ عِلمٍ، والزِّيادة هاهنا معَ مَن وَصَل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد الحديث عن جماعة من الصحابة، أمثلها حديث عائشة.
أخرجه عبد الرزّاق (10472) والطيالسي (1463) وأحمد (6/ 47، 165 - 166) وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، وابن الجارود (700)، والطحاوي (3/ 7، 8)، والدارقطني (3/ 221 و225 - 226)، والحاكم (2/ 168)، والبيهقي (5/ 107 و113 و124 و125 و138) من طرق عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة.
ورجاله رجال الشيخين عدا سليمان بن موسى، وهو صدوق، وللحديث علّة، وهي: قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه.
وردَّ هذا الأئمّة، منهم الترمذي والحاكم وابن حبّان وابن عدي وابن عبد البر، انظر "التلخيص الحبير" (3/ 157)، و"السنن الكبرى" (7/ 107)، و "إرواء الغليل" (6/ 243 - 249)، ولصديقنا الشيخ مفلح الرشيدي دراسة بعنوان "التحقيق الجلي لحديث لا نكاح إلا بوليّ"، وهي مطبوعة، عن مؤسّسة قرطبة، مصر.
وانظر: تعليقي على "الأشراف" للقاضي عبد الوهاب (3/ 285).
(2) بعدها في الأصل: "عن"! والصواب حذفها.
(3) أخرجه من طريق إسرائيل به: أحمد (4/ 394) والدارمي (2188) وأبو داود (2085) والطحاوي (3/ 8) والحاكم (2/ 170)، وقال: "فأما إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق الثقة، فلم يختلف عنه في وصل هذا الحديث".
وقول المصنّف - تبعًا للحاكم -: "في آخرين" هم:
1 - شريك النخعي - وسماعه قديم من أبي إسحاق - عند الدارمي (2189).
2 - قيس بن الربيع، عند الطحاوي (3/ 9) والبيهقي (7/ 108).
3 - زهير بن معاوية، عند ابن الجارود (703) والبيهقي (7/ 107).
4 - أبو عوانة، عند ابن ماجه (1881) والترمذي (1101) والطيالسي (1554 - المنحة) والبيهقي (7/ 107).
فهؤلاء كلّهم رووه عن أبي إسحاق به. وكذلك رواه يونس بن أبي إسحاق عند الترمذي (1101)، واختلف عليه فيه، فقال أبو عبيدة عبد الواحد الحداد وأسباط بن محمد وقبيصة بن عقبة: "عن يونس عن أبي بردة عن أبيه" وقال زيد بن الحباب: عن يونس عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه، بريادة (عن أبي إسحاق) وزادها أيضًا: عيسى بن يونس والحسن بن قتيبة، وهذا الاختلاف لا يضر؛ لأنَّ يونس لقي أبا بردة أو سمع منه. وينظر "السنن الكبرى" (7/ 109) للبيهقي.
وممّن رواه موصولًا مثل رواية إسرائيل: أبو حنيفة، كما في "جامع المسانيد" (2/ 102) و"عقد الجواهر المنيفة" (1/ 146). ورقبة بن مصقلة العبدي، ومطرف بن طريف الحارثي، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، وزكريا بن أبي زائدة، وغيرهم، انظر "المستدرك" (2/ 171).
(4) روايته عند عبد الرزّاق (10475) والترمذي في "العلل الكبير" (2/ 428) ورواه من طريقه ولكن موصولًا بذكر أبي موسى: أبو كامل الفضيل بن الحسن ثنا بشر بن منصور عن سفيان به، أخرجه هكذا من طرق: ابن الجارود (704) والطحاوي (3/ 9). ووصله عن سفيان أيضًا: مؤمّل بن إسماعيل والنعمان بن عبد السلام، وقرن النعمان رواية سفيان مع شعبة، كما عند الحاكم (2/ 169) والبيهقي (7/ 109)، ووصله أيضًا: خالد بن عمرو الأموي عن الثوري، أخرجه الخطيب (6/ 79) وخالد واهٍ بمرة ونسب إلى الوضع، وأخرجه الخطيب أيضًا (2/ 214 و 13/ 86) موصولًا من طريق مالك بن سليمان حدثنا شعبة وإسرائيل، وفي رواية مالك عنهما نظر، انظر "الميزان" (3/ 353، 427).
(5) أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" (2/ 428) والطحاوي (3/ 9) من طريق شعبة به مرسلًا، وأخرجه البزّار في "البحر الزخار" رقم (3111) - ومن طريقه ابن حزم في "المحلّى" (11/ 24) - من طريق يزيد بن زريع عن شعبة به موصولًا بذكر (أبي موسى)، وينظر الهامش السابق، ورجح الطحاوي - نصرة لمذهبه - رواية سفيان وشعبة المرسلة على الموصولة، فقال: "فكان من الحجّة عليهم أنّ هذا الحديث على أصلهم لا تقوم به حجّة، وذلك أنّ من هو أحفظ من إسرائيل وأثبت منه قد رواه عن أبي إسحاق منقطعًا" ولم يذكر جميع الطرق السابقة!
(6) هذا الذي أراه صوابًا والأدلّة عليه كثيرة، منها:
1 - ما أسنده البيهقي (7/ 108) عن حجاج بن محمد قال: قلنا لشعبة: حدّثنا حديث أبي إسحاق، قالوا: سلوا عنه إسرائيل، فإنّه أثبت فيها منّي.
2 - وقال البخاري: الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه، فإنّ ذلك لا يضرّ الحديث، أسنده عنه البيهقي (7/ 108).
3 - وهذا الذي رجّحه الترمذيّ في "علله الكبير" (1/ 430) و"جامعه" (3/ 400) في كلام مفصَّل مؤصَّل، فليرجع إليه.
4 - ورجّحه أيضًا الحاكم (2/ 170) وساق تصحيح ابن مهدي وابن المديني والذهلي وأبي داود الطيالسيّ لرواية الموصول على المرسل، وهذا الذي رجّحه أيضًا ابن خزيمة وابن حبّان (4077، 4078، 4083) والبيهقي وابن حزم في جمع، وينظر في هذا: "بيان الوهم والإيهام" (2/ 522 - 523)، "البدر المنير" (7/ 543 - 549).
(7) "الكفاية" (2/ 499).
(8) على تفصيل فيه، والعبرة بالقرائن التي تحتف بكلّ حديث على حدة. نعم، صنيع مسلم يدلّ عليه في مواطن عديدة في "صحيحه" لكن بالنظر إلى زيادة بعض الألفاظ والزيادات التي تذكر في كتب (العلل) تدل على خلافه، وينظر عن صنيع البخاري الهامش الآتي.
(9) أخرج الأثر عن البخاري الخطيب في "الكفاية" (2/ 503) وعلّق عليه ابن حجر في "نكته" (2/ 606 - 607) فقال: "لكن الاستدلال بأنّ الحكم للواصل دائمًا على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم؛ لأنّ البخاري لم يحكم فيه بالاتّصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنّما حكم له بالاتّصال لمعانٍ أخرى رجَّحت عنده حكم الموصول…" ثم ساق المرجِّحَات.
وهذه المسألة كثر الخوض فيها بين طلبة علم الحديث هذه الأيّام، وقامت حولها جهود، واستنفدت أوقات، وكادت كلمة المتعنّين هذا العلم أن تتشتّت بسببها.
(10) علّلوه بقولهم: إنّ سلوك غير الجادّة دالّ على مزيد الحفظ والغالب على الألسنة الوصل، فإذا جاء الإرسال علم أنّ مع المرسل زيادة علم. نقله مُغُلْطاي في "الاصلاح" (ق 25/ أ- ب) عن النسائي وابن القطان، وقيل: إنّ الإرسال قدح والجرح يقدّم على التعديل، وسيجيب عنه المصنّف. وينظر "فتح المغيث" (1/ 164).
(11) لأنَّ تطرق السهو والخطأ بعيد، نقله الحاكم في "المدخل" (22) عن أئمّة الحديث.
(12) الكثرة تدلّ على الحفظ إلّا في أشياء لها ملابسات ومؤيّدات، فجعل هذا قسيمًا لما قبله غير دقيق! نعم، ليست العبرة دائمًا بالعدد، وإنّما ينظر في بعض الأحايين للطبقة، ومدار الترجيح عليهما في أمثلة تتنوّع، بتنوُّع مَنْ أرسل، ومَنْ وصل، والله أعلم، وينظر "تقدمة الجرح والتعديل" (356) لابن أبي حاتم.
ثم وجدت ابن الوزير يقول في "توضيح الأفكار" (1/ 343) بعد كلام: "قلت: وعندي أنّ الحكم في هذا لا يستمر، بل يختلف باختلاف قرائن الأحوال، وهو موضع اجتهاد". قلت: وعليه مدار أهل الصنعة، ولا سيما النقّاد منهم، مثل: أصحاب "الصحيحين" و"السنن" وصنيع شيوخهم يدلّ عليه، وكذا صنيع المتأخّرين عنهم، كالدارقطني وابن عبد البر والبيهقي وابن دقيق العيد في جماعة آخرين.
(13) شرط أبو الفضل بن طاهر المقدسيّ في كتابه "تصحيح التعليل" أنّ الزيادة تقبل عند أهل الصنعة عن الثقة المجمع عليه، نقله مُغُلْطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 24/ ب).
(14) الكفاية (2/ 499)، وارجع إلى عبارته لتعلم عدم دقّة نقل ابن الصلاح، ويلحق هذا المصنّف، وتعقّب مُغُلْطاي (ق 24/ أ) ابن الصلاح في ذلك، ونقل عبارة الخطيب بطولها، وقال: "فينظر فيما ذكره عنه ابن الصلاح".