علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
الموقوف الذي له حكم الرفع
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 227 ـ 231
2025-05-29
76
فإذا قال الصحابي: كُنَّا نفعل، كذا، نظر؛ فإن أضاف إلى زمان النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فهو من قبيل المرفوع؛ لأنّ الظاهر أنّ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: اطّلع على ذلك وأقرّهم، وتقريره حجّة مرفوعة كما بيَّنَّا.
ومنه قول الصَّحابي: كنّا لا نرى بأسًا بكذا ورسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فينا، أو كان كذا وكذا على عهده، أو كانوا يفعلون كذا في حياته، أو كنّا نعزل والقرآن ينزل (1)، فكلّ ذلك وأشباهه (2) مرفوعٌ مسندٌ مخرَّج في كتب المساند.
وإن لم يضف إلى زمانِ رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، بل قال الصَّحابي: كنّا نفعل كذا، أو كان الصَّحابة يعملون كذا؛ فهو أيضًا حُجَّةٌ لا لكونه مرفوعًا، بل لكونه ظاهرًا في الإجماع (3).
وذكر الحاكم فيما روى عن المغيرة بن شعبة قال: "كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يقرعون بابه بالأظافر" (4) أن هذا يتوهّمه مَن ليس من أهل الصَّنعة مسندًا، يعني: مرفوعًا لذكر رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وليس بمسندٍ، بل هو موقوف، وكذلك قاله الخطيب (5).
وقال الشيخ تقي الدين (6): "بل هو مرفوعٌ، لكونه أحرى باطّلاعه ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، فكان مراد الحاكم أنّه موقوفٌ من جهة اللفظ، وهو كذلك".
[تعقّب ابن الصلاح]:
قلت: في صحّة هذا الحديث بحث، لما طعن بعض الحفّاظ في رواته، وعلى تقدير الصِّحة (7)؛ فإن ثبت عدم اطلاعه ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فهو من قبيل الموقوف، وإلّا فهو مرفوع (8)، إذ لا فرق بينه وبين قوله: "كانوا يفعلون كذا"، "كانوا لا يرون بأسًا بكذا في حياته"، كيف نجعل هذا مرفوعًا مطلقًا، ونجعل ذاك مرفوعًا معنى، وموقوفًا بحسب اللفظ؟ والله أعلم.
وأمّا إذا قال الصَّحابيُّ: أُمرنا بكذا، أو نُهينا عن كذا، فالصَّحيح أنّه مسند مرفوع أيضًا عند علماء الحديث والأصوليّين؛ لأنّ مطلق الاسم بظاهره يصرف إلى مَن إليه الأمر والنهي، وكذلك قول الصحابي: من السُّنَّة كذا، إذ لا يراد عند الإطلاق إلا سنَّة النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، ومنه قول أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" (9).
ولا فرق بينَ أن يُضيف إلى زمان النَّبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ أو أطلق.
[متى يكون تفسير الصحابي مسندًا]:
وأمّا تفسير الصحابي الآية؛ فإن كان ممّا يتعلّق بسبب نزولها؛ فهو مسند مرفوع يخبر به الصَّحابي أو غيره، كقول جابر - رضي الله عنه -: "كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} " (10).
وإن لم يتعلَّقْ به؛ فمعدود من الموقوفات (11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (5209)، ومسلم في "صحيحه" برقم (1440).
(2) مثل: "أوجب علينا كذا … " و"حرم علينا كذا … " أو "أُبيح لنا كذا … " أو "أُحلّ لنا كذا … "، وهذا أظهر في الرفع، ويبعد تطرّق أي احتمال من احتمالات المعكرين على رفعه، ومثله: "ألم تعلم أنّهم كانوا ينهون عن ذلك"، وانظر الثمر المستطاب" (2/ 404)، "التعليقات الرضية" (3/ 63)، "الإرواء" (2/ 23).
(3) هذه العبارات لها جهتان: جهة الفعل، وهو صادر عن الصحابة، فتكون موقوفة، وجهة التقرير، وهو مضاف إلى النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، من حيث إنّ الأمر أو الفعل أو النهي لا يصدر إلا منه، والفطرة لا تدرك إلا بخبر.
ولاحظ أنّ قوله: (كنّا) على الجمع يعطي حجّيّة أقوى من قول الواحد، واحتمال أن يخفى هذا القول بحيث لا يطّلع عليه النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ ضعيف، فالظاهر من حال الصحابي مع عدالته، ومعرفته بأوضاع اللغة، أنّه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقّق أنّه أمر أو نهي من غير شك، نفيًا للتلبيس عنه ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي ممّا ليس هو أمر ولا نهي، وهنالك عبارات ينقدح فيها من الاحتمال أكثر ممّا ينقدح في قول: "كنّا نقول … " أو "نفعل .... " مثل قولهم: "كان يُقال كذا" و"كنّا لا نرى بأسًا"؛ لأنّها من الرأي، ومستنده قد يكون تنصيصًا أو استنباطًا، أفاده ابن حجر في "نكته على ابن الصلاح" (2/ 517).
ويعلم ممّا تقدّم أنّ المذكور حجّة لرفعه، وعلى هذا مذهب إمامي الدنيا البخاري ومسلم في "صحيحهما"، وهو عند مسلم أظهر، ولذا لم يذكره ابن حجر لما لفظ الموقوف عند مسلم في كتابه: الوقوف على الموقوف"، وانظر كتابي "بهجة المنتفع" (ص 156).
(4) أخرجه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 145) - ومن طريقه أبو عمرو الداني في "جزء في علوم الحديث في بيان المتّصل … " رقم (52 - بتحقيقي)، والسلفي في "المجاز والمجيز" (ص 144)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (2/ 171 - 172)، رقم (659) -: حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسداباذ، ثنا محمد بن أحمد الزيبقي، ثنا زكريا بن يحيى المنقري، ثنا الأصمعي، حدثنا كيسان مولى هشام بن حسان، عن محمد بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة قال: "كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ يقرعون بابه بالأظافير". وعند السلفي: "كيسان مولى هشام بن حسان عن محمد بن سيرين" فأسقطه. نعم، بخط المؤتمن الساجي في حاشيته على "المعرفة": "كذا في كتابه، ومحمد بن سيرين مشهور، ولا يعرف محمد بن حسان". قلت: ولذا أسقطه بعض نسّاخ الأصل كما في هامشه، وفي هامش نسخ أخرى منه: "كذا وقع عن محمد بن حسان، وصوابه عن هشام بن حسان، والله أعلم".
قال أبو عبيدة: ليس كذلك، والصواب ما صوّبه البيهقي، ودليله: ما قاله السخاوي "فتح المغيث" (1/ 213) بعد ذكره لتخريج الحاكم له، قال: "أخرجه - أي البيهقي - عنه عن راوٍ، ورواه أبو نعيم في "المستخرج على علوم الحديث" له عن راوٍ آخر، كلاهما عن أحمد بن عمر الزَّيبقي … " به، وساقه، وفيه: "عن كيسان مولى هشام بن حسان - في رواية أبي نعيم - عن هشام بن حسان، وفي رواية الآخرين عن محمد بن حسان، زاد البيهقي: هو أخو هشام بن حسان، وهو حسن الحديث" قال: "ثم اتفقوا عن محمد بن سيرين، زاد أبو نعيم في روايته: عن عمرو بن وهب ثم اتفقوا عن المغيرة .... " به. فالخلاف فيه قديم، وممّا يؤكّده: أنّ عبيد الله بن عبد الرحمن رواه عن زكريا المِنْقَري، أخرجه من هذا الطريق: ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (37/ 56) وفيه: "كيسان مولى هشام بن حسان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين .... " به.
"فائدة": نقل السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 187) عن ابن حجر قوله: "تعب الناس في التفتيش عليه من حديث المغيرة، فلم يظفروا به"! وهو مشهور عن أنس بن مالك بلفظ: "وكانت أبواب النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ تقرع بالأظافير" أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 228)، وفي "الأدب المفرد" (رقم 1080)، والخطيب في "الجامع" (1/ 166)، والبزار (رقم 2008 - زوائده: كشف الأستار)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 365)، والمزّي في "تهذيب الكمال" (26/ 350)، وانظر "صحيح الجامع" (رقم 8936).
(5) في "الجامع" (2/ 291)؛ فقد قال: "فهذا يتوهّمه من ليس من أهل الصنعة مسندًا لذكر رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فيه، وليس بمسند، وإنّما هو موقوف على صحابي، حكى فيه عن غير النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ فعلًا".
قال أبو عبيدة: ولي هنا ملاحظات:
الأولى: نقل كلام الحاكم أيضًا: أبو عمرو الداني في "جزئه … " (فقرة رقم 54 - بتحقيقي)، والسخاوي في "فتح المغيث" (1/ 211).
الثانية: في قول المغيرة بيان أدب الصحابة مع رسول ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وإجلالهم له، كما عُرف ذلك منهم في حقّه، وإن علّله السهيلي في "الروض الأنف" (4/ 268) بقوله: "لأنّ بابه لم يكن له حلق يطرق بها" ولذا تعقّبه ابن حجر في "الفتح" (11/ 44 - ط دار السلام) فقال على إثره: "والذي يظهر أنّهم إنّما كانوا يفعلون ذلك توقيرًا وإجلالًا وأدبًا"، وقال قبله: "وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب، وهو حسن من قَرُب محلّه عن بابه، أمّا مَن بَعُدَ عن الباب بحيث لا يبلغ صوت القرع بالظفر، فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه".
(6) "المقدّمة" (ص 49).
(7) هو كذلك، كما بيّنَّاه في التخريج.
(8) انظر كتابي "بهجة المنتفع" (ص 295 - 297).
(9) أخرجه البخاري (603، 605، 606، 607، 3457)، ومسلم (378).
(10) أخرجه البخاري (4528)، ومسلم (1435).
(11) ينظر تحرير هذا كتابيَّ: "الإمام مسلم ومنهجه في "الصحيح" 2/ 558 - 560)، "بهجة المنتفع" (ص 299 وما بعدها) وفيه تعقّب مَنْ قَرَّرَ خلاف هذا.