1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : قصص قرآنية : سيرة النبي والائمة : مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة :

مجادلة عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي للنبي محمد

المؤلف:  الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

المصدر:  التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )

الجزء والصفحة:  ج 4 ص223-237.

2025-05-07

11

مجادلة عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي للنبي محمد

قال تعالى : {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء : 90 - 95].

 قال الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السّلام : « قلت لأبي عليّ بن محمد عليهما السّلام : فهل كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يناظرهم إذا عانتوه ويحاجّهم ؟

قال : بلى ، مرارا كثيرة : منها ما حكى اللّه من قولهم : {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [الفرقان: 7، 8]. {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف : 31] وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله كِتاباً نَقْرَؤُهُ .

ثمّ قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيّا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إيّاك ، لأنّ مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى عليه السّلام ، قال :

وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري بن هشام ، وأبو جهل ابن هشام ، والعاص بن وائل السّهمي ، وعبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي ، وجم ممّن يليهم كثير ، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب اللّه ، ويؤدّي إليهم عن اللّه أمره ونهيه . فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه ، والاحتجاج عليه ، وإبطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ، ويصغر قدره عندهم ، فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه وباطله وتمرّده وطغيانه ، فإن انتهى وإلّا عاملناه بالسيف الباتر .

فقال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته ؟ قال عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي : أنا لذلك أما ترضاني له قرنا « 1 » حسيبا ، ومجادلا كفيّا ؟ قال أبو جهل : بلى ، فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي ، فقال : يا محمّد ، لقد ادّعيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنّك رسول اللّه ربّ العالمين ، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق [ أجمعين ] أن يكون مثلك رسولا له ، بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال ، عظيم حال ، له قصور ودور وبساتين وفساطيط وخيام وعبيد وخدم ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم أجمعين فهم عبيده ، ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل ولو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت - يا محمّد - إلا مسحورا ولست بنبيّ .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : هل بقي من كلامك شيء ؟ قال : بلى ، لو أراد اللّه أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من فيما بيننا مالا ، وأحسن حالا ، فهلّا نزل هذا القرآن الذي تزعم أنّ اللّه أنزله عليك وبعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم ؟ إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة وإمّا عروة بن مسعود الثقفي بالطائف .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فهل بقي من كلامك شيء ، يا عبد اللّه ؟ قال :

بلى ، لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة هذه ، فإنّها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإنّا إلى ذلك محتاجون ، أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فنأكل منها ونطعمها ، وتفجّر
الأنهار خلالها - خلال ذلك النخيل والأعناب - تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور: 44] فلعلّنا نقول ذلك . ثمّ قال : ولن نؤمن لك ، أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا ، تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلّنا نطغى ، فإنك قلت لنا : {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق : 6، 7] ثم قال : أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ أي تصعد في السماء وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ، من اللّه العزيز الحكيم إلى عبد اللّه بن أبي أميّة المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب فإنّه رسولي ، وصدّقوه في مقاله ، فإنه من عندي ، ثمّ لا أدري - يا محمّد - إذا فعلت هذا كلّه أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها ودخلناها ، لقلنا : إنّما سكّرت أبصارنا ، وسحرتنا .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا عبد اللّه ، أبقي شيء من كلامك ؟ قال : يا محمّد ، أوليس فيما أوردت عليك كفاية وبلاغ ؟ ما بقي شيء ، فقل ما بدا لك ، وأفصح عن نفسك ، إن كانت لك حجّة ، أو ائتنا بما سألناك .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : اللّهم أنت السامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل اللّه عليه : يا محمد وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إلى قوله : رَجُلًا مَسْحُوراً ، ثمّ قال اللّه تعالى :

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء : 48] ، ثمّ قال اللّه : يا محمّد {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا } [الفرقان : 10] ، وأنزل عليه : يا محمّد {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ} [هود : 12] الآية ، وأنزل عليه يا محمّد : {وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ إلى قوله : وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ} [الأنعام : 8، 9].

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا عبد اللّه ، أمّا ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنّه لا يجوز لأجل هذه أن أكون للّه رسولا ، فإنّ الأمر للّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه ، بلم وكيف ، ألم تر أن اللّه تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا ، وأعزّ بعضا وأذلّ بعضا ، وأصحّ بعضا وأسقم بعضا ، وشرّف بعضا ووضع بعضا وكلّهم ممن يأكل الطعام ؟ ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا : لم أفقرتنا وأغنيتهم ؟ ولا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا وشرّفتهم ؟ ولا للزمني « 2 » والضعفاء أن يقولوا : لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم ؟ ولا للأذلّاء أن يقولوا :

لم أذللتنا وأعززتهم ؟ ولا للقباح الصور أن يقولوا : لم أقبحتنا وجمّلتهم ؟ بل إن أبوا وقالوا ذلك ، كانوا على ربهم رادّين ، وله في أحكامه منازعين ، وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : إني أنا الملك الرافع الخافض المغني المفقر المعزّ المذلّ المصحّ المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم إلّا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلّمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين .

ثمّ أنزل اللّه تعالى : يا محمّد : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف : 110] يعني آكل الطعام يُوحى {إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف : 110] يعني قل لهم : أنا في البشريّة مثلكم ولكنّ ربّي خصّني بالنبوّة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالغناء والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوّة .

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأمّا قولك : إنّ هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ، فإنّ اللّه تعالى له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنّك وحسبانك واقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد وهو محمود .

يا عبد اللّه ، إنّما بعث اللّه نبيه ليعلّم الناس دينهم ، ويدعوهم إلى ربّهم ، ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها ، وعبيد وخدم يسترونه عن الناس ، أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ ؟ أو ما رأيت الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون ولا يشعرون ؟

يا عبد اللّه ، إنّما بعثني اللّه ولا مال لي ليعرّفكم قوّته وقدرته ، وأنّه هو الناصر لرسوله ، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني اللّه بكم فأوسعكم قتلا وأسرا ، ثم يظفرني اللّه ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ، ودون من يوافقكم على دينكم .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأمّا قولك لي : ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد اللّه أن يبعث إلينا نبيا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسّكم ، لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان منه ، ولو شاهدتموه - بأن يزاد في قوى أبصاركم - لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لأنّه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله ، ولتعرفوا خطابه ومراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حقّ ؟ بل إنّما بعث اللّه بشرا رسولا ، وظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون بعجزكم عمّا جاء به أنّه معجزة ، وأن ذلك شهادة من اللّه تعالى بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر ، لم يكن فيه فائدة لكم ، إنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا ، ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز ، لأنّ لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن إنسانا طار كطيرانها لكان ذلك معجزا ، فاللّه عزّ وجلّ سهّل عليكم الأمر ، وجعله بحيث تقوم عليكم الحجّة ، وأنتم تقترحون العمل الصعب الذي لا حجّة فيه .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وأمّا قولك : ما أنت إلّا رجلا مسحورا ، فكيف أكون كذلك وأنتم تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم ؟ فهل جرّبتم عليّ مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو كذبة أو خنا « 3 » أو خطأ من القول ، أو سفها من الرأي ؟ أتظنون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول اللّه وقوّته ؟ وذلك ما قال اللّه تعالى : {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الإسراء : 48] إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجّة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبيّن عليك تحصيل بطلانها .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وأمّا قولك : {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف : 31] الوليد بن المغيرة بمكّة ، أو عروة بن مسعود بالطائف ، فإنّ اللّه تعالى ليس يستعظم مال الدّنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة اللّه إليك ، بل اللّه القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزّ وجلّ ممّن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله أو حاله ، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله أو حاله فيخصّه بالنبوّة لذلك ، ولا ممّن يحبّ أحدا محبّة الهوى كما تحبّ ، فتقدّم من لا يستحق التقديم ، وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وخلاله ، إلّا الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخّر في مراتب الدين وخلاله إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من فضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب « 4 » ، فلا يقال له : إذا تفضّلت بالمال على عبد فلا بدّ أن تتفضّل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلا ، لأنّه تفضّل قبله بنعمه ، ألا ترى - يا عبد اللّه - كيف أغنى واحدا وقبّح صورته ؟

وكيف حسّن صورة واحد وأفقره ؟ وكيف شرّف واحدا أفقره ؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ، ثم ليس لهذا الغنيّ أن يقول : هلّا أضيف إلى يساري جمال فلان ، ولا للجميل أن يقول : هلّا أضيف إلى جمالي مال فلان ، ولا للشريف أن يقول : هلّا أضيف إلى شرفي مال فلان ، ولا للوضيع أن يقول : هلّا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ، ولكن الحكم للّه يقسّم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ قال اللّه تعالى : {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} يا محمّد {نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } ، فأحوجنا بعضا إلى بعض وأحوجنا هذا إلى مال ذاك ، وأحوجنا ذاك إلى سلعة هذا أو إلى خدمته ، فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إمّا سلعة معه ليست معه ، وإمّا خدمة يصلح لها لا يتهيّأ لذلك الملك إلا أن يستعين به ، وإمّا باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، وهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثم ليس للملك أن يقول : هلا اجتمع إلى ملكي ومالي علمه ورأيه ؟

ولا لذلك الفقير أن يقول : هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنيّ ؟ ثمّ قال : {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ثمّ قال : يا محمد ، قل لهم : {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف : 32] يجمع هؤلاء من أموال الدنيا .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وأمّا قولك : لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ، إلى آخر ما قلته ، فإنّك اقترحت على محمد رسول اللّه أشياء :

منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوّته ، ورسول اللّه يترفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ، ويحتجّ عليهم بما لا حجّة فيه ، ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك ، وإنّما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد اللّه الإيمان لا ليهلكوا بها ، فإنّما اقترحت هلاكك ، وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون ، ومنها المحال الذي لا يصحّ ولا يجوز كونه ، ورسول ربّ العالمين يعرّفك ذلك ، ويقطع معاذيرك ، ويضيّق عليك سبيل مخالفتك ، ويلجئك بحجج اللّه إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجّة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب اللّه النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه .

وأمّا قولك ، يا عبد اللّه : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة ، فإنّها ذات حجارة وصخور وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها تجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ، فإنّك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل اللّه تعالى - يا عبد اللّه - أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيّا ؟ أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين ، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذلّلتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى ، قال : فهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى ، قال : أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء ؟ قال : لا ، قال :

فكذلك لا يصير هذا حجّة لمحمّد لو فعله ، على نبوّته ، فما هو إلا كقولك :

لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض ، أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس .

وأمّا قولك يا عبد اللّه : أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها تطعمنا وتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، أوليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا ؟

أفصرتم أنبياء بهذا ؟ قال : لا ، قال : فما بال اقتراحكم على رسول اللّه أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلّت على صدقه ، بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيه إيّاها على كذبه ، لأنّه حينئذ يحتج بما لا حجّة فيه ، ويخدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم . ورسول ربّ العالمين يجلّ ويرتفع عن هذا .

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : يا عبد اللّه ، وأمّا قولك : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنّك قلت : وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فإنّ في سقوط السّماء عليكم موتكم وهلاككم ، فإنّما تريد بهذا من رسول اللّه أن يهلكك ، ورسول ربّ العالمين أرحم بك من ذلك ، ولا يهلكك ، لكنّه يقيم عليك حجج اللّه ، وليس حجج اللّه لنبيّه وحده على حسب الاقتراح من عباده ، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح ، وبما لا يجوز من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتى يستحيل وقوعه ، إذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الأرض إلى السماء وتقع السماء عليها ، فكان ذلك يتضادّ ويتنافى ويستحيل وقوعه ، واللّه تعالى لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال .

ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : وهل رأيت - يا عبد اللّه - طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ؟ وإنما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه ، أحبّه العليل أن كرهه ، فأنتم المرضى واللّه طبيبكم ، فإن انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمرّدتم عليه أسقمكم ، وبعد ، فمتى رأيت - يا عبد اللّه - مدّعي حقّ من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم - فيما مضى - بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدّعى عليه ؟ إذن ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حقّ ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق .

ثمّ قال : يا عبد اللّه ، وأمّا قولك : أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ، فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، إنّ ربنا عزّ وجلّ ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وإنّما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ، ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد . يا عبد اللّه ، أوليس لك ضياع وجنان بالطائف عقار بمكّة وقوّام عليها ؟ قال : بلى ، قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال :

بسفراء ، قال : أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك : لا نصدّقكم في هذه السّفارة إلا أن تأتونا بعبد اللّه بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها ، كنت تسوّغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك ؟ قال : لا ، قال : فما الذي يجب على سفرائك ؟ أليس إن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّهم على صدقهم فيجب عليهم أن يصدّقوهم ؟ قال : بلى ، قال : يا عبد اللّه ، أرأيت سفيرك لو أنّه لمّا سمع منهم هذا عاد إليك وقال قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك ، أليس يكون لك مخالفا ، وتقول له : إنّما أنت رسول ، لا مشير ولا آمر « 5 » ؟ قال : بلى ، قال : كيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ، وكيف أردت من رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك وقوّامك ؟ هذه حجّة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كلّ ما اقترحته ، يا عبد اللّه .

وأمّا قولك ، يا عبد اللّه : أو يكون لك بيت من زخرف - وهو الذهب - أما بلغك أنّ لعظيم مصر بيوتا من زخرف ؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيّا ؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا يوجب ذلك لمحمّد - لو كان له - نبوّة ، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج اللّه .

وأمّا قولك يا عبد اللّه : أو ترقى في السماء ، ثمّ قلت : ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبد اللّه ، الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك أنّك لا تؤمن إذا صعدت ، فكذلك حكم النزول ، ثمّ قلت : حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، ومن بعد ذلك ، لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، فأنت - يا عبد اللّه - مقرّ بأنّك تعاند حجّة اللّه عليك ، فلا دواء لك إلّا تأديبه [ لك ] على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية ، وقد أنزل اللّه تعالى عليّ كلمة جامعة لبطلان كلّ ما اقترحته ، فقال تعالى قُلْ يا محمّد سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا ؟

أبعد ربّي عن أن يفعل الأشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز ! هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا « 6 » لا يلزمني إلّا إقامة حجّة اللّه التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربّي وأنهى ولا أشير ، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخاليفه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه .

فقال أبو جهل : يا محمد ها هنا واحدة : ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لمّا سألوه أن يريهم اللّه جهرة ؟ قال : بلى ، قال : ولو كنت نبيّا لاحترقنا نحن أيضا ، فقد سألنا أشدّ مما قال قوم موسى ، لأنهم قالوا : أرنا اللّه جهرة ، ونحن قلنا : لن نؤمن لك حتى تأتي باللّه والملائكة قبيلا نعاينهم .

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يا أبا جهل ، أو ما علمت قصّة إبراهيم الخليل عليه السّلام لما رفع في الملكوت ، وذلك قول اللّه تبارك وتعالى : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام : 75] قوّى اللّه بصره لمّا رفعه دون السماء حتى نظر إلى الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين ، فهمّ بالدعاء عليهما ، فأوحى اللّه إليه :
يا إبراهيم ، اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ، أنا الغفور الرحيم ، الحنان الحليم ، لا تضرّني ذنوب عبادي ، كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنّما أنت عبد نذير ، لا شريك لي في المملكة ، ولا مهيمن عليّ ، ولا على عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : أمّا إن تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيات يؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأنّى بالأمّهات الكافرات ، فأرفع عذابي عنهم ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي ، وحاق بهم بلائي ، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنّ الذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّا تريده بهم ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي . يا إبراهيم ، خلّ بيني وبين عبادي فإنّي أرحم بهم منك ، وخلّ بيني وبين عبادي فإنّي أنا الجبّار الحليم العلّام الحكيم ، أدبّرهم بعلمي وأنفّذ فيهم قضائي وقدري .

ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنّ اللّه تعالى - يا أبا جهل - إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذريّة طيبة ، عكرمة « 7» ابنك ، وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع اللّه فيه ، كان عند اللّه جليلا ، وإلّا فالعذاب نازل عليك ، وكذلك سائر قريش السائلين ، لمّا سألوا من هذا ، إنّما أمهلوا لأن اللّه علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد ، وينال به السعادة ، فهو تعالى لا يقتطعه عن تلك السعادة ويبخل بها عليه ، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال ابنه إلى السعادة ، ولولا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم ، فانظر نحو السّماء ، فنظر فإذا أبوابها مفتّحة ، وإذا النيران نازلة منها مسامتة « 8 » لرءوس القوم تدنو منهم ، حتى وجدوا حرّها بين أكتافهم ، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : لا تروّعنّكم ، فإنّ اللّه لا يهلككم بها ، وإنما أظهرها عبرة ، ثم نظروا فإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها . فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم اللّه أنّه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد ، بعضها أنوار ذريّة طيبة ستخرج من بعضكم ممّن لا يؤمن وهم يؤمنون » « 9 ».

___________
( 1 ) القرن للإنسان : مثله في الشجاعة والشدّة والعلم والقتال وغير ذلك . وفي « ط » : قويّا .

( 2 ) الزّمنى : جمع زمن ، وهو المصاب بعاهة أو مرض مزمن .

( 3 ) الخنا : الفحش في القول . « لسان العرب - خنا - ج 14 ، ص 244 » .

( 4) هذا الأمر ضربة لازب ، أي لازم شديد . « لسان العرب - لزب - ج 1 ، ص 738 » . وفي « ط » : ضريبة لازب .

( 5 ) في « ط » رسول مبشر مأمور .

( 6 ) قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : ( قال أبعث اللّه بشرا رسولا ) قالوا : إن الجن كانوا في الأرض قبلنا فبعث اللّه إليهم ملكا ، فلو أراد اللّه أن يبعث إلينا لبعث ملكا من الملائكة ، وهو قول اللّه تبارك وتعالى : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا [ الإسراء : 94 ].

( 7 ) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القريشي ، من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام . كان هو وأبوه من أشدّ الناس عداوة للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وأسلم عكرمة بعد فتح مكّة ، فشهد الوقائع ، وولي الأعمال ، وقتل في اليرموك أو يوم برج الصفر ، سنة 13 ه الطبقات الكبرى : ج 7 ، ص 404 ، صفة الصفوة : ج 1 ، ص 730 ، ح 111 ، سير أعلم النبلاء ج 1 ، ص 323 ، ح 66 ، الإصابة : ج 2 ، ص 496.

( 8 ) سامته مسامتة : قابله ووازاه . « تاج العروس - سمت - ج 1 ، ص 555 » .

( 9 ) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام : ص 500 ، ح 314 .

 

 


 

EN