الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
المفاخرات والمنافرات
المؤلف:
د. علي الجندي
المصدر:
في تاريخ الادب الجاهلي
الجزء والصفحة:
ص263-264
23-03-2015
22153
المفاخرة: محاورة كلامية بين اثنين أو أكثر، وفيها يتباهى كل من المتفاخرين بالأحساب والأنساب، ويشيد بما له من خصال، وما قام به من جلائل الأعمال، وكانت تحدث بين القبائل كربيعة ومضر، وبكر وتغلب من ربيعة، وقيس وتميم من مضر، وقد تغلغلت المفاخرات في بطونهم حتى كانت بين ابني العم في العشيرة الواحدة مثل ما حدث بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، وقد تنافرا إلى هرم بن قطبة الفزاري(1).
والمنافرة كالمفاخرة وأشد، وكان الرجلان إذا تنازعا الفخر، وادعى كل منهما أنه متفوق على صاحبه، نفرا إلى حاكم يرضيانه، ليقضي بينهما، فمن فضله على صاحبه كان له غنم الحكم، وعلى صاحبه غرم الجعل المفروض من الإبل أو غيرها.
ولكن الحكم كثيرًا ما كان يتحاشى الحكم لأحدهما على الآخر، ويعمد إلى الصلح بين المتنافرين، حسمًا للنزاع، وتفاديًا للشر. ويلقي عليهما كلامًا بليغًا يدعوهما فيه إلى الصفاء والسلام والمودة والمحبة. من ذلك ما كان من هاشم بن عبد مناف في خزاعة وقريش حين نفرتا إليه، فقال: "أيها الناس، نحن آل إبراهيم، وذرية إسماعيل، وبنو النضر بن كنانة، وبنو قصي بن كلاب، وأرباب مكة، وسكان الحرم، لنا ذروة الحسب والنسب، ومعدن المجد، ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته، وإجابة دعوته، إلا ما دعا إلى عقوق عشيرة وقطع رحم. يا بني قصي، أنتم كغصني شجرة، أيهما كسر أوحش صاحبه، والسيف لا يصان إلا بغمده، ورامي العشيرة يصيبه سهمه. أيها الناس، الحلم شرف، والصبر ظفر، والمعروف كنز، والجود سؤدد، والجهل سفه، والأيام دول، والدهر غير، والمرء منسوب إلى فعله، ومأخوذ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء، وأكرموا الجُلّس يعمر ناديكم، وحابوا الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنية، فإنها تضع
الشرف، وتهدم المجد، ومقام الحليم عظة لمن انتفع به". فأذعن له الفريقان بالطاعة، وتصالحا.
ومن ذلك ما حدث من هرم بن قطبة الفزاري حين نفر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامريان، فقد روي: أن عامرًا وقف لعلقمة يومًا، فجعل ينازعه الشرف في قومه، وتفاقم بينهما الأمر، فكان مما قاله عامر: والله لأنا أشرف منك حسبًا، وأثبت منك نسبًا، وأطول قصبًا! قال علقمة: أنا فرك، وأنا أشرف منك أمة، وأطول قمة، وأبعد همة. وطال بينهما الكلام. فتواعدا على الخروج إلى من يحكم بينهما. وجعلا يطوفان الأحياء. وهاب الناس أن يحكموا بينهما. خيفة أن يقع في حييهما الشر. حتى دفعا إلى هرم بن قطبة الفزاري "وهو غير هرم بن سنان المري ممدوح زهير". فلما علم بأمرهما، أمر بنيه أن يفرقوا جماعة الناس تفاديًا للفتنة، وجعل يطاولها، ويخوف كل واحد منهما من صاحبه حتى لم يبق لواحد منهما هم سوى أن يسوي في حكمه بينهما، ثم دعاهما بعد ذلك، والناس شهود، فقال لهما: أنتما كركبتي البعير، تقعان إلى الأرض معًا، وتقومان معًا". فرضيا بقوله، وانصرفا عنه إلى حييهما.
وقد عمر هرم هذا إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال عمر: أيهما كنت منفرًا؟ فقال: يا أمير المؤمنين لو قلتها الآن لعادت جذعة "يعني الحرب أو الفتنة" فقال له عمر: "إنك لأهل لموضعك من الرياسة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأغاني "ساس" 15ص51.