1

بمختلف الألوان
حاول بنو أُميَّة (لعنهم الله) بكلِّ ما يملكون من تجبّر وطغيان إركاع الثورة الحسينية بإركاع رموزها، وما انفكوا يقرعون طبول الغدر والخيانة ليجتمع الناس حولهم بغية ردع الثورة وقهر الثوار، ولكنَّ مشيئة الله كانت هي الأقوى لإعلاء كلمة الحقِّ ونصرة الدين وفضح الباطل، ومن الرموز التي حاول الأُمويون قهرها... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
مخاطر الإفراط في النقد على الناقد نقد الشعائر إنموذجاً
عدد المقالات : 139
مخاطر الإفراط في النقد على الناقد

نقد الشعائر إنموذجاً

يُعدّ النقد العلمي أداة من أدوات التقييم والتقويم، غير أنّ الإفراط فيه، خصوصاً حينما يُمارس بلا تأصيل ولا تواضع ولا بصيرة ولا شعور نابع من تشخيصه كتليف شرعيّ، يوقع الناقد في مطبّات خطيرة، نفسية وأخلاقية، وربما يقع في لوازم محرّمة كما لو أهان العنوان الذي ينتمي له من طرحه على طاولة النقد. وفي ميدان الشعائر الحسينيّة، التي هي بطبيعة من يقيمها متفاوت في وعيه وإدراكه، ظهرت نماذج من النقد المتجاوز للحدود الشرعيّة، حيث أفقد الناقد توازنه أحياناً قبل أن يصيب المنقود.

في هذا المقال يُسلّط الضوء على أثر النقد المنفلت وبعض آثاره على الناقد نفسه، مع محاولة لمعرفة ما يؤطّر النقد ضمن حدوده العقلائيّة والشرعيّة.


النقد لغة هو التمييز كما في لسان العرب حرف النون ج١٤، حيث قال: ".. النقْدُ تمييز الدراهِم..". واللفظة استخدمت بمعنى تمييز الدراهم لمعرفة جيدها من رديئها. واشتهر في كتب اللغة ما حاصله: أنّ النقد هو "فعل غير منحاز يوضح الإيجابيات والسلبيات دون اعتداء أو اتهام"، أمّا الانتقاد فهو "فعل يهتمّ فاعله بتصيّد الأخطاء والتقاطها واكتشاف مواضع الخلل من دون تصحيح ولا ذكر البديل".

إنّ للنقد ـ إذا جاوز حدّ الإنصاف ـ أثراً يُغشي البصيرة، ويُورث الريبة، ويُبدّد نور الفطرة؛ فإنّ العين التي لا ترى إلا الخلل، تُصاب بالعمى عن الفضائل، وإذا طال بالمرء زمن التنقيب عن النقص، حُجِب قلبه عن مسالك الرحمة.

كلُّ شخص غير معصوم لا يمتنع نقده صحيح، ولكن بشرط أن يكون النقد نقداً موضوعياً منصفاً، فكم من ناقدٍ أمسى لا يقدّر الجمال، لأنّه أَلِفَ أن يشهر السهام لا أن يُهدي الثناء، ولا يزال يُعاشر ظنونه حتى يُوسَم بالغلظة ويُجفو من القلوب ومقولة "لكل علم ناقد" تعني أن كلّ مجال من مجالات المعرفة، وكل علم، يحتاج إلى تقييم، ونقد من قبل متخصّصين أو خبراء في هذا المجال. 

وما أكثر ما يكون النقد سبيلاً إلى خفوت الحماسة وبرودة شعلة الاستمرار في صدر الناقد نفسه قبل غيره؛ إذ يشعر أنّ صوته لا يُسمع، وأنّ جُهده لا يُثمّن، فيُصاب بخيبةٍ تطفئ عزيمته، ويكاد يُحجم عن الإصلاح وهو في مطلعه وإنّ من آفات النقد أن ينقلب إلى هدْم، حيث لا يُبقي من العمل إلّا عيوبه، ولا من الجهد إلا عثراته، فيصير العدل فيه سرابا، والإنصاف غائباً لا يُرتجى، وكما ورد في الوسائل ج٢٧: "وفي الحديث : " فمن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه"، وكم من ناقد بدأ بالنقد قبل أن يبلغ مقام يزن معه ما يفعل، انتهى به النقد الى الانحراف وليس ببعيد من انتهى به النقد إلى أن يقول: نحاسب المعصوم

وهل يُدرك الناقد ـ إن كان من أهل الدين ـ أنّ كلماته قد تكسِر قلبا، وتُزعزع ثقةَ مؤمنٍ بموهبته، أو تُطفئ نور عملٍ في مهده وما ذاك إلا لأنّ النفس إذا أُخذت على غِرّة، وقوبلت بكلمةٍ جارحة، انصدع فيها البناء، وانحرف فيها الشعور عن مقام الطمأنينة. فيسري إلى الروح يأسٌ خفيّ، يُزهّدها في الخير، أو يُضعف سعيها في طريق الفضل، ثم لا يشعر الناقد أنّه كان للخذلان رسولًا

وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ كما في الوسائل ج ٢٧: "أخوكَ دينُك، فاحتطْ لدينك بما شئت"، فكيف لمن سلّ لسانه على من أمر أن يستر عليهم ما استطاع بإفراط شديد، أن يَحتمِل وزر ما كُسر من نفوسهم وأيّ طريقٍ يحرز به النجاة من تبعات كلماته، إذا لم يتفقّه في مواضع الرفق، وليحذر صغار الطلبة وانصاف المتعلّمين ومن يظن نفسه أنّه من الخبراء، من التسرع والتخرّص، وتشويه العنوان من حيث لا يشعرون.

ولا ينبغي الخلط بين الانتقاد والتشكيك فالفرق بين النقد والتشكيك كبير، فإنّ النقد العلمي الواضع للموازين يختلف مع التشكيك غير المبرر، حيث أنّ النقد يهدف إلى تقييم علميّ دقيق وفق ثوابت معيّنة عند أرباب كلّ علم وفن، بينما التشكيك غالباً ما يكون محض رفض للمعلومات دون مبرّر، وإذا بلغ في الانهماك بالنقد مبلغاً كبيراً تورّط فيما لا تحمد عقباه ، ولا يخفى أنّ النقد عن معرفة من قبل أهله سلّم التطوّر والحياة للعلم، وفق قواعد الخلق السامي والحكمة والانصاف، النقد ليس لمن هبّ ودب، فإن غير المؤهل يكون مُنطَبَقاَ لقوله تعالى: (وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ) سورة البقرة: آية ١١ و ١٢.

وفي الوسائل ج٢٧: عن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال : " لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي، فقال : اُوصيك يا بنيّ بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلّها ، والصمت عند الشبهة، وأنهاك عن التسرّع بالقول والفعل، والزم الصمت تسلم..".
   هذه وصية من الوصايا الاحتضاريّة وهي التي تكون قبيل الوفاة، فهي خلاصة الخلاصات، لنتأمّل بهذه النصّ الشريف، كيف يرسلم لنا خط حياتنا، ويأخذ بأيدينا الى السعادة، فكيف يتسرّع بالنقد من لم يبلغ مرتبة القدرة عليه كيف يقدِم على الولوج في عالم النقد ولم يبلغ تشخيص تكليفه  ورد في الوسائل ج١٥: عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا رأيتم العبد متفقّداً لذنوب الناس ناسياً لذنوبه فاعلموا أنه قد مُكر به". وهذا خطر لا يسلم منه إلّا الأوحدي من عامّة الناس.

     ما أجمل أن يكون الناقد ديّناً تقيّاً يعرف ماذا يفعل، محترفاً في البناء والإصلاح لا الهدم والتخريب، ويزن الحروف بمكيال الشرع لا بشهوة الانفعال، ويعلم أنّه ـ إنّما ـ يُعامل الله بكلماته قبل أن يُخاطب الناس بها

ولو طالعنا ما في نهج البلاغة حيث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "...يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعة ربّه، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه في شُغل، والناس منه في راحة".

الرواية الشريفة تستحقّ أن يتأمّل بها المحترم لعقله، فالنقد مسؤوليةٌ لا يُجيدها كل أحد، وإذا زاغت عن مسارها الشرعي والعقلائي، انقلبت نقمة على الناقد نفسه. والناقد الذي يظنّ أنه مُصلح وهو لم يُشخّص تكليفه بعد، قد يقع في المزالق الكبيرة، وأخطرها: أن يطعن في شعيرة من شعائر الحسين (عليه السلام) وهو لا يشعر، أو أن يتوهّم أنه من أهل النقد وهو من أهل الغرور.

كما لو أنّه تكلّم في لغة التعميم على جميع الافراد، او تحدّث باسم من لا يقبل ان يتحدّث باسمه، او وقع تحت تأثير المزاج للميدان الشرعيّ، أقول هل نظر الناقد الذي هو في حقيقته مدّعي الانتقاد، لما في نفسه من عيوب وقيل أن من أسباب الانتقاد أن البعض يعتقد أن انتقاده للآخرين يعزز من مكانته ويجعله الأذكى أو الأكثر كفاءة، وهو فاسد، وأقول لنفسي قبل غيري: هل تجرّدت قبل أن تحكم وهل علمت أن بين النقد والمكر الإلهي شعرة لا يراها الغافلون

فقل لي بربّك: هل تراك بعد هذا كلّه على يقين بأنّك لم تُخطئ في الكلمة أما تخاف أن يكون نقدك نافذةً للهوى، لا بابًا للهدى أليس جديراً بك ـ وأنت تضع الشعيرة في ميزانك ـ أن تراجع ميزانك أولاً فلعلّك لم تزن نفسك بعد، زيها واحفظ دنياك وآخرتك.

كم من رقيق قسى قلبه بعد كثرة انتقاده، كم من رخيص الدمعة جفت دمعته بعد كثرة نقده، نعم هكذا دبّ التشكيك وسوء الظن الى قلبه وهيمن على جوارحه.

السيد رياض الفاضلي
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 51 دقيقة
2025/08/12م
أربعينية الإمام الحسين حين يزعجهم النقاء وتُهاجَم القداسة الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 7/8/2025 حين تُختزل زيارة الأربعين في معادلاتٍ اقتصاديةٍ جافّة، ويُنظر إليها من زاوية الإنفاق والمصروفات فحسب، نكون قد أوقعنا أنفسنا في شركِ قراءةٍ سطحيةٍ تُظهر حرصًا ظاهريًا، وتُخفي جهلًا عميقًا بروح... المزيد
عدد المقالات : 42
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 52 دقيقة
2025/08/12م
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "الناس ثلاثة: فعالمٌ ربّاني، ومتعلّمٌ على سبيل نجاة، وهمجٌ رعاع: أتباعُ كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق." هذه الكلمات الخالدة ليست مجرّد تصنيفٍ للبشر، بل هي خارطةٌ روحيّة وعقليّة تُبيِّن مسارات الناس في... المزيد
عدد المقالات : 36
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 ساعة
2025/08/12م
رسالة على جناح مسافر قصة: م. طارق صاحب الغانمي في كل صباح، ومع أول همسة لشروق الشمس، اعتاد رجل وقور بركب القطار ذاته، ويجلس في مكانه المعتاد، بجوار نافذة تطل على طريق قاحلة، لا خضرة فيها ولا أثر للحياة. كان المشهد يتكرر يومياً، فهو يفتح حقيبته العتيقة، ويخرج منها كيسًا صغيرًا، ويلقي منه بذورًا في... المزيد
عدد المقالات : 20
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/08/10م
مُنتقى الأُصول المقَرَّر له: المرجع الكبير السيد محمد الروحاني نجل آية الله السيد محمود بن المرجع الديني الكبير السيد محمد صادق الحسيني الروحاني القمّي( رحمهم الله جميعاً). ولادته ودراسته: كانت في قم المقدسة سنة 1338 هـ، من عائلة علمية ومعروفة، وقد سلك طريق طلب العلم، كان متصفاً بالنبوغ... المزيد
عدد المقالات : 139
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 7 ايام
2025/08/05م
في زمن الغياب، يظن الناس أن الفراغ هو النهاية، لكن الأرواح المتيّمة تدرك أن الغائب لا يبتعد، بل يسكن في القلوب التي وسعها الشوق حتى غدت مرآةً لوجهه. الغيبة ليست موتًا، بل غربلة لا يبقى فيها إلا المخلصون. والهمسة التي لا ينساها عشاقه: "أنا المهدي... أراكم، فلا تيأسوا." في زمن الغيبة، لسنا وحدنا من لا... المزيد
عدد المقالات : 36
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 7 ايام
2025/08/05م
في ظلمة الليل، وقف "عاصم" على أعتاب الغابة. أمامه طريقان: أحدهما مألوف، آمن، لكنه طويل يفضي إلى المجهول، والآخر مظلم تتربص به المخاطر، لكنه يوصل مباشرة إلى قريته حيث ينتظر المرضى دواءً يحمله. اشتعلت في قلبه نار التردد. صوت داخلي يقول: "اختر الأمان؛ فما يهمك شأن الآخرين"، وآخر يهمس: "هل تخشى ألست القوي... المزيد
عدد المقالات : 10
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/08/01م
في زمانٍ غلب عليه الانحراف عن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتسلط فيه الطغاة الأمويون على مقاليد الدين والسياسة، انبرى الشاعر الكميت بن زيد الأسدي ليكون لسان الحق في وجه الباطل، ولسان الولاية في وجه النفاق، فكانت قصائده وثائق أدبية ومواقف عقائدية تسكن في ضمير الأمة وتنبض بحب محمد وآل محمد. ومن... المزيد
عدد المقالات : 36
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/07/20م
أيّها المغترّ بهم رويداً لا عجبَ أن يتبدّلَ رأي الإنسان ويتغيّرَ نظرُه، فإنّ من طبع العقل النقيّ أن يُراجع، ومن دأب النفس الباحثة أن تُنقّب، ومن شأن الموضوعيّ أن لا يستحيي من التغيير إذا لاح له الحقّ وتجلّى له الصواب. ولا ريب أنّ هذا العدول يُعدّ من الحُسن إذا كان انتقالاً من ظلمات الضلال إلى... المزيد
عدد المقالات : 139
علمية
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء الرابع والثلاثون: الواقع لا يختزل: إيفرت وغياب القرار في ميكانيكا الكم الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 4/8/2025 على الرغم من أن دالتي الموجية ليست مرتبطة تقنيًا إلا بالجسيم، فإن الهدف من هذا الربط هو دراسة ما... المزيد
منذ أن حلم الإنسان بالسفر خارج الأرض، كانت فكرة حماية الجسد من ظروف الفضاء القاسية تحديًا علميًا وهندسيًا كبيرًا. بدلة الفضاء ليست مجرد لباس، بل هي مركبة صغيرة توفر بيئة حياة متكاملة، تحمي من الفراغ، وتمنع فقدان الضغط، وتحمي من درجات الحرارة... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء الثالث والثلاثين: إيفرت وتفسير ميكانيكا الكم دون اختزال الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 4/8/2025 في عام 1957، كتب الفيزيائي الأمريكي هيو إيفرت الثالث مقالًا بعنوان "الصيغة النسبية لميكانيكا الكم"، قدّم فيه ما... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/07/29
أصدر قسمُ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة دليلًا قصصياً بعنوان "المهمة وقصص أخرى". ويضمّ الكتاب الذي أشرف على...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام علي الهادي (عليه السلام)
2025/07/29
( خيرٌ من الخيرِ فاعله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com