إن مطالعة الكتب لم تكن عند العقلاء من الترف في يوم من الأيام وليست وسيلة لهدر الوقت، إنّما هي سفر في أحوال الناس، ومطالعة لتجارب الناس من ملوك وطغاة وفقراء واغنياء وعلماء وعبّاد وزهّاد هكذا.
فمن خلال الكتب، يطّلع القارئ على قصص الماضين لينوفو في حاضره ومستقبله.
فالمطالع للكتب، الناظر فيها يشهد مصارع الطغاة، ومصائر الحكماء، وسير الناجحين وكذلك الفاشلين، فيأخذ منها الدروس؛ لينجح ويتعلّم أنّ العاقبة لمن اتقى وسعى، لا يعيش الإنسان مئات الأعمار إنّما يختصرها بمطالعة هذه التجارب.
المطالع حين يتعرف على البلدان والأقاليم البعيدة من غير أن يسافر، أو يعرّض نفسه لوعثاءه وأهواله، يجدها في بطون الكتب المنصفة، ويجد فيها وصف الجبال والسهول والأنهار والمدن والعادات والتقاليد، وكأنه جاب الأرض طولاً وعرضاً وهو في مكانه.
إنّ المطالعة الدؤوبة تجعل القارئ يتعرّف على أساليب الكتّاب، ويتعرف على طرائق البيان وألوان التعبير بعدها شيئاً فشيئاً، يهذب منطقه، ويصقل قلمه من خلال ما طالعه وتعرف عليه من أساليب البيان.
ومن داوم القراءة، زاد ثروته اللغوية، وانفتح ذهنه على طرق عرض الأفكار وتنظيم المقالات وإحكام الحجج، حتى يبلغ مبلغاً عظيماً في القدرة على التعبير والإنشاء، كأنما شق طريقاً طويلاً لم يسلكه إلّا بالمطالعة التي يتحرّى منها الثمر.
ممّا لا شكّ فيه أنّ المطالع المتبصّر لا يقف عند حدود القراءة السطحيّة العابرة، بل يصير قادراً على التمييز بين الجيّد والرديء، وبين الحقّ والباطل.
فإنّ للكتب كما للناس طبقات فيها الغث والسمين، بعد هذه القدرة على التمييز تنمو لدى القارئ ملكة النقد والتحليل، فيعرف الصحيح من السقيم، ويتمكن من فرز الحقائق من الأباطيل، فلا ينطلي عليه الزيف ولا يخدعه سطور أهل الضلال والمكر.
المطالع الناجح لا يكتفي بقراءة مجال واحد، بل يغترف من كلّ علم أحسنه، فربما قرأ في التاريخ، فوقف على دقائق الوقائع والأحداث، وربما طالع في الفقه أو الطب أو الفلك، فاستبان له ما لا يعرفه اصحاب القراءة السطحيّة العابرة.
التنوع في المطالعة يجعل ذهن القارىء مرناً، عقله واسع الأفق، وبذلك تصير المطالعة بمثابة مدرسة جامعة، ومجالا رحبا للترقي في مدارج الفكر والخلق والعلم والعمل والانتاج.
فمن كان كثير المطالعة، قوي ذهنه، وشحذت قريحته، وتهذب سلوكه، وصار إلى النضج العقلي والوجداني أقرب. ولا عجب أن ترى أعلام العلماء والكتّاب كانوا من أشد الناس حرصاً على القراءة، يطالعون الكتب كما يستنشقون الهواء.
فالمطالعة المثمرة هي طريق نحو العلم، ونافذة لفهم الحياة، وسُلّم يرتقي به الإنسان مدارك المعرفة.
السيّد رياض الفاضليّ







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN