1

بمختلف الألوان
إنَّ الفَضلَ في كتابِ اللهِ عَظيمٌ، واسِعٌ لا يُحَدُّ، فَقَد أغدَقَ اللهُ تَعالى على عِبادِهِ نِعَمًا ظاهِرَةً وباطِنَةً، مَنَحَهُمُ المالَ والبَنينَ، وأعلى شأنَهُم بالعِزَّةِ والكرامَةِ. وهذا الفَضلُ الإلهيُّ ليسَ مَحصُورًا في النِّعَمِ الدُّنيَوِيَّةِ فَحَسبُ، بَلْ يَتَجَلَّى بأسمَى... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... أثر لقمة الحرام في وضاعة الانسان... من سير الطالحين (27)
عدد المقالات : 331
الآثار الوضعية للذنوب... أثر لقمة الحرام في وضاعة الانسان... من سير الطالحين (27)

حسن الهاشمي
يا لها من تعاسة ليس بعدها تعاسة، الإنسان يعلم بأن الدنيا فانية، وهي قنطرته إلى الآخرة، وهي دار امتحان وابتلاء محفوفة بالمخاطر والهلكات، وأن الله تعالى يعطي المحسن احسانا ولو بمقدار مثقال ذرة، ويركس المسيء بسيئاته ولو بمقدار مثقال ذرة، ويعلم أن الله قد أزلف الجنة للمتقين، وبرّز الجحيم للغاوين، تراه يعلم كل هذا وتطاوع الكثير منهم أن يطرق أبواب الحرام والشبهة ليوقع نفسه في المهالك المردية إلا ما رحم ربي من عباد الله الصادقين، فإنهم يترفّعون عن الحرام ترفّعهم عن الذنوب والمعاصي والآثام، وإنهم على يقين بأن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي شبهاتها عتاب، تراهم يسعون في حلاله عن حرامه وشبهاته، طمعا بجنته ورضوانه.
والانسان السوي يعلم قبل غيره ان المال الحرام والطعام الحرام والشراب الحرام كله له أثر وضعي على الانسان سواء كان ذلك الأثر في جسمه او في سلوكه او يقع على ابنائه او مستقبله او حياته، فعلى سبيل المثال ان عملية شرب الخمر عليها عقوبة إلهية وأثر أُخروي، ولكنه بنفس الوقت نجد لعملية شرب الخمر أثر في الدنيا يظهر من خلال السلوك غير المنضبط لشارب الخمر مما يؤدي به الى فقدان عقله وفقدان السيطرة على اراداته وشعوره، ويقوم بارتكاب المعاصي والتعدي على الغير ومن دون تحفظ، وذلك بسبب شربه للخمر، لذلك وصف القرآن الكريم شرب الخمر بانه رجس من عمل الشيطان وطالب المؤمنين باجتنابه لعلهم يفلحون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة: 90.
وهكذا بالنسبة الى عملية السرقة فلها اثار جزائية في الآخرة، ولها عقوبة في الدنيا في محاكم القضاء ان أُلقي القبض على السارق، بالإضافة إلى أن اثر السرقة يبقى وصمة عار على جبين السارق، فان المال المسروق سوف يترك اثرا في بناء جسم السارق وأجسام من يعيلهم من الحرام مما قد يؤدي بذلك السارق وعائلته بآثار وضعية تنعكس على سلوكهم من خلال إثارة ميولهم ورغباتهم في الاعتداء والسرقة والانحراف، وعدم قبول الحق، وترك النفس تخوض في الأهواء والارزاء دون مراقبة ومحاسبة، وها هو "شريك بن عبد الله النخعي" قد وقع في شراك لقمة الحرام وما أعقبها من تأثيرات سلبية على جسده وروحه ومعنوياته.
كان شريك من فقهاء القرن الثاني الهجري المعروف بالزهد والعبادة والعلم، وكان الخليفة المهدي العباسي راغبا في ان يوليه منصب القضاء، ولكنه كان يرفض تسلّمه لأنه يعلم ان في ذلك مساعدة للظالم، كما ان الخليفة كان يريده ان يعلّم اطفاله وكان شريك يرفض ايضا، وفي يوم من الايام ارسل المهدي الى شريك وقال له: لابد ان تجيبني الى واحدة من ثلاث: اما ان تتولى القضاء، او تحدث ولدي وتعلمهما، او تأكل معنا اكلة، ففكر شريك فقال ان الاكلة اخفهن عليّ، فامر المهدي الطباخ بإعداد الوان الطعام الشهيّة، فلما فرغ شريك من طعامه قال القيم على المطبخ: لن ينجو الشيخ بعد هذه الاكلة أبدا.
وفعلا فلم تمض مدة طويلة حتى ولي منصب القضاء وصار معلما لأولاد الخليفة، وصار له راتب من بيت المال، وفي يوم من الايام حدث نزاع بينه وبين خازن بيت المال حول درهم مغشوش وجده شريك في مرتبه، فأعاده الى الخازن طالبا تبديله، فتعجّب القائم على بيت المال وقال له: انك لم تبع برا ـ قمحا ـ وهو يقصد ان راتب شريك يبلغ الف درهم فكيف لم يترفّع عن هذا الدرهم المغشوش فقال له شريك: بلى لقد بعت اكبر من البر، لقد بعت ديني.
الطامة الكبرى أن يكون الفقيه المتضلّع بعلوم الشريعة والتفسير والمتبحّر في النقليات والعقليات تراه لا يزال يتسافد وينحدر إلى أن يطرق أبواب السلطان الجائر، بل يصبح من أعوانه وحاشيته ومن المبرّرين لطيشه ومجونه وظلمه، هكذا تفعل لقمة الحرام فعلتها بالإنسان فتجعله تابعا بعد أن كان متبوعا، وتصيّره عبدا بعد أن كان سيدا، وتراه يتسكّع على أبواب السلاطين وأراد الله تعالى له العزة والسؤدد، ولو أنه اتقاه وخشيه لألزم الله تعالى السلاطين بأن تستلهم منه الحكمة والرشاد، وأنه لا يأبه لهم سوى أن يرشدهم طريق الصواب ويهديهم سبيل النجاة.
وأهم الأمور التي نستنتجها من تلك القصّة المعبّرة ما يلي:
1ـ من يتّقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن لا يتّقيه حتى لو كان ظاهرا من العلماء، فإنه يتحرّى المال من الظلمة؛ لأن ثقته بالله معدومة.
2ـ لقمة الحرام بما لها من آثار وضعيّة دنيويّة، وبما أنها تتغلغل في دم وعروق الإنسان، يتطبّع صاحبها على الحرام، فتنقلب عنده الموازين ليرى الباطل حقا والحق باطلا.
3ـ الجشع والطمع ملازمان لطالب الدنيا فإنه يراها الملاذ لملذاته والطريق السهل للوصول إلى ما يصبو إليه من دنياه التي أبهرته زبرجها، فانقاد إليها بكل وجوده ومراميه.
4ـ أتعس شيء في الوجود أن يبيع الإنسان آخرته ودينه لدنيا غيره، والعلاقة بين الطغاة وأتباعهم علاقة نفعية قائمة على العطاء المتبادل، وإلا فالقصاص في الدنيا والبراءة في الآخرة هو مصيرهم أجمعين.
5ـ فلينظر الإنسان إلى طعامه لأن له الأثر البالغ في تكوينه، فلقمة الحلال تنتج الأطايب من الرجال، ولقمة الحرام توقع الهامات في الهلكات.
6ـ لقمة الحرام تسهّل الطريق مشرعا لارتكاب المعاصي والذنوب والمفاسد، على العكس من لقمة الحلال فإنها توصد الباب أمام إغراءات الشيطان، وتكون سببا في توفيقه في الدنيا ونجاته في الآخرة.
7ـ من أراد عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فليخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته، لقمة الحلال هي عز الطّاعة بينما لقمة الحرام هي نفسها ذل المعصية، فأين العز من الذل.
8ـ فمن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز، لقمة الحلال تزحزح الانسان عن النار وتدخله الجنة وذلك هو الفوز العظيم، على العكس مما ينتظر صاحب اللقمة الحرام من ذلّة في العيش وخزي في المآب، ذلك هو الخسران المبين.
9ـ الكسب الحرام سبب لزوال النعم وسلب البركة منها، فمهما كثرت أموال الحرام فإنها تبقى عرضة للتلف والضياع في طرفة عين.
10ـ يبقى صاحب لقمة الحرام يعيش في ضنك ومشاكل وعقبات لا يهنأ له بال ولا يرتاح له ضمير ما دام أنه سارق ومتعد وأثيم.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/07/05م
حسن الهاشمي لكي نحافظ على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا، ولكي نواكب التطوّر التكنلوجي في العالم الغربي، نحن بحاجة الى إيجاد صيغة متوازنة تُراعي المنهج العلمي الحديث الذي تعتمده الجامعات الغربية، مع الحفاظ على القيم والرؤية المعرفية الإسلامية، وأبرز محاور الموائمة: 1. في المناهج: الاستفادة من المنهج... المزيد
عدد المقالات : 331
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/07/02م
الحُبُّ: نقيضُ البُغضِ والحُبُّ: الودادُ ،والمَحَبَّةُ اسمٌ للحبِّ،وحَبَّبَ إِلَيْهِ الأَمْرَ: جَعَلَهُ يُحِبُّه. وَهُم يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضاً. وحَبَّ إليَّ هذا الشيء يحَبُّ حُبّاً، والحبُّ: الوِدادُ،والحَبِيبُ هو: المُحِبُّ(١) والحبُّ أيضا: هو ميلٌ قلبي إلی الإشخاص أو إلی... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/07/02م
في زمنٍ أضحت فيه القراءة الطويلة ضرباً من الترف الفكري، وغدت الورقات المكدسة على رفوف المكتبات ذكرى يتنهد لها العشاق، يبرز "المرجع الإلكتروني للمعلوماتية" كواحةٍ للمعرفة، تجمع بين دقة الموسوعات العلمية وثراء المكتبات. لكن هذه الواحة ليست مجرد ملاذٍ للباحثين، بل ومن يبحث عن المعارف بدون جهد فيرى... المزيد
عدد المقالات : 77
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 7 ايام
2025/06/30م
زيد علي كريم يتراءى لي ضريحك وكيف كانت تلك الليلة الحزينة التي تشفى جسد عليل أصابه ما أصابه من الآلام والأحزان، من وجد متلهفا للقائك ماذا فعلت به لكي يصبح أسير حبك راغبا ومتلهفا لحضرتك المعطرة .... أنتظرت حتى الفجر وأنا تحت قبتك وبين الحرمين مابينك وبين قطيع الكفين ، فذاك يسلم وذاك يهتف ياهلا بزوار... المزيد
عدد المقالات : 85
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/07/02م
كان جالسا وفي حضنه الطفل الملكوتيّ، وكنتُ جالسا أتأمل وجهيهما، ماهذا الجمع النورانيّ (محمد والحسين) أي صلواتٍ تفي بهذا اللقاء مازلتُ صامتا، مفعما بالمحبة، أنظرُ ولا أشبع، تُرى لماذا قلبي نهم لايعرف الاكتفاء لماذا روحي عطشی لاتصل الی الامتلاء الرسول الأعظم مازال يداعب صغيره، ومازلت أنا أجوب... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/07/02م
في البيداء وردة كسيرة عطشى أحاطت بها ضاريات الفلا فلا معين لها يروى ولا ساقي لها يسقى وقفت حيرى ورمقت بناظرها رب السما رباه لا تكسر خاطر أمرأة ثكلى... صليل سيوف غدت مسموعة فأودت بحياة أخيها صرعى... رفع رأسه على الرمح فاعتلى... فأصبحت في خربة الغربى... أسيرة البلدان... ومن حواليها أطفال تبكى... كأني... المزيد
عدد المقالات : 85
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/06/22م
اليوم السبت، منذ الصغر وأنا لا أحب يوم السبت، إذ لم يكن عطلة، وكان يوما مدرسيا طويلا، ست حصص تمشي كسلحفاة عرجاء هذه المرة الأولی التي أنتظر فيها قدوم السبت لكنّ الساعةَ تسير حافية الأميال، تتعثر بالدقائق توسلتها أن تقهقه بوجهي، ولكن لاجدوی سلطة الزمن هي المتحكمة () جاء الصبح وتنفست المواعيد، يجب أن... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/06/18م
في صحراء الشمس، وعلى صهوة البيان، وقف النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) والسماء تصغي والأرض تتهيّأ لموعدٍ خالد. فوق هامات الحجيج، ارتفع النداء: "من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه." لم تكن كلمات، بل كانت وصايا السماء، كانت يدًا مرفوعة من نور، تبايع العدل والوصاية والهدى. ومنذ ذلك اليوم، صار الغدير نبضَ... المزيد
عدد المقالات : 3
علمية
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء العشرون: تأمل في دالة الموجة التي تعرف أكثر مما نعرفه الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 3/7/2025 في مقالات سابقة، اعتدنا أن نعتبر أن الدالة الموجية تصف نظامًا معينًا (وفي الواقع، جسيمًا منفردًا). لنفترض الآن أن... المزيد
تراجع صافي الاستثمارات الأجنبية في العراق لعام 2024 والربع الأول من 2025 أظهرت البيانات الصادرة عن البنك المركزي العراقي أن صافي الاستثمارات الأجنبية في العراق خلال عام 2024 سجل عجزًا قدره 8 مليارات دولار أمريكي، نتيجة خروج صافي استثمارات أجنبية... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء التاسع عشر: حين لا تجيب الدالة الموجية عن السؤال كله الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 1/7/2025 في هذا المقال، سوف نسأل: هل سمحت لنا نظرية الكم فقط بحساب نتائج تجاربنا أم أنها أيضًا أجابت عن المشكلات العميقة التي... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/06/23
صدر عن قسمِ الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، دليلُ القصص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة عن الامام الحسن العسكري...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
2025/06/23
( تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حيرة )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com