1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... تداعيات الإنفاق بأموال الحرام (25)
عدد المقالات : 342
الآثار الوضعية للذنوب... تداعيات الإنفاق بأموال الحرام (25)

حسن الهاشمي
هل ينفع ان تصرف بعض أموال الحرام في سبل الخير والبر والاحسان؛ ليحل له المتبقي من المال الحرام هذه الحيلة الشرعية يلجأ اليها بعض ضعّاف النفوس من التجار والسياسيين والموظفين ظنا منهم ان الصرف في مجالات الخير يضفي على أموال السحت والحرام مسحة الحلية والبركة والاستغفار وكذلك يحاول بهذه الحيلة الشرعية ان يرضي ضميره ويظهر أمام الناس بمظهر حسن ويغطّي على ما ارتكبه من تطاول على المال العام أو الخاص بغير وجه حق، ليعلم ان الذي يلتجأ الى هكذا خدع وتصرفات مشينة ـ ان الله تعالى لا يخدع في جنته، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
في هذا المضمار أن بعض الناس يرى مغفّلاً، فيبيعه بأكثر، أو يشتري منه بأقل، أو يتطاول على بيت المال، أو يأكل أموال اليتامى بالباطل، معتبراً أن ذلك من الذكاء، لأنه خدع المغفّل أو خدع القانون أو خدع العرف، ثم يدفع بعض المال لبناء مساجد أو حسينيات أو مبرات للأيتام وهكذا، ظناً منه أن ذلك يعود عليه بالخير، غير أنه واهم، لأن الله تعالى سيمحقه ويمحق ما تبقّى عنده من أموال السحت والحرام، قال النبي صلى الله عليه وآله: (لا يكتسب العبد مالاً حراماً ويتصدق به فيؤجر عليه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلاّ كان زاده إلى النار) بحار الأنوار للمجلسي ج100 ص14. قوله (ص): لا يكتسب العبد مالاً حراماً، أي يأخذ المال بالحرام لينفقه في الخير ـ يتصدق به ـ فيؤجر عليه، بل أن الأجر يذهب إلى صاحب المال، والعذاب ينصب عليه خاصة.
الله تعالى عدل مطلق، وما يصيب الانسان من ظلم فمن نفسه وما اقترف من ذنوب ومعاص وموبقات، واكتساب المال الحرام هو تلويث الانسان نفسه بالمعاصي وعليه تقبل تداعيات ذلك؛ لأنه قد ظلم نفسه بهذا العمل المشين وعرّضها للهتك والفضيحة والعذاب، قال تعالى: (إِنَّ الله لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يونس: 44. أما قوله صلى الله عليه وآله: ولا ينفق منه فيبارك له فيه، تبيان أن الإنفاق له أثر وضعي فمن أنفق نمى ماله، غير أن الله لا يبارك لمن أخذ المال بالحرام، واعلم ان الخير والبركة والأجر والنماء والزيادة انما تنصب على الصالحين، أما الطالحين فما لهم سوى الخيبة والخسران المبين، بعض الصالحين الأفذاذ بإمكانه أن يلج الحرام بكلمة أو فعل أو تقرير، غير أنه لا يفعل ذلك حفاظاً على دينه وشخصيته وسمعته، تبعا لذلك فان الله تعالى يسهل له الأمور ويجعل له مخرجا، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق:2-3.
عادة الذي يتطاول على أموال الغير، ولا يتحرى الحلال في كسبه، فان المادة قد استولت على كيانه وردمت في نفسه مقومات الفضيلة والعفة والشرف، قال تعالى بشأن الذين ينظرون الى الأمور بالمنظار المادي البحت وينظرون الى الدنيا بانها الهدف والمآل والمصير: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم: 7.
كيف يمكن أن يساوى بين من يعتبر هذه الدنيا مرحلة نهائية وهدفاً أصليّاً، ومن يعدّها مزرعة وميداناً للامتحان للحياة الخالدة التي تعقب هذه الحياة الدنيا، فالأوّل لا يرى أكثر من ظاهر هذه الحياة، والآخر يفكر في أعماقها.
وهذا الاختلاف في النظر يؤثر في حياتهم بأجمعها، فالذي يعيش حياة سطحية وظاهرية يعتبر "الإنفاق" سبباً للخسران والضرر، في حين أن هذا الموحد يعدّها تجارة رابحة لن تبور.
وذلك المادي يعتبر "أكل الربا" سبباً للزيادة ووفرة المال، وأمّا الموحد فيعده وبالا وشقاءً وضرراً.
وذلك المادي يعتبر "الجهاد" ضنىً وشقاءً ويعتبر الشهادة فناءً وانعداماً، وأمّا الموحد فيعد الجهاد رمزاً للرفعة، والشهادة حياة خالدة
أجل، إن غير المؤمنين لا يعرفون إلاّ الظواهر من الدنيا، وهم في غفلة عن الحياة الأُخرى، أما المؤمنون يتخذون من الدنيا جسرا وممرا لحياة أبقى وأهنى من الأولى.
إن البركة أثر وضعي للإنفاق في سبيل الله، وإن الهلكة أثر وضعي للإنفاق في سبيل الرياء والتغطية على المحرمات، فالفقير قد يتحول إلى غني بالإنفاق في سبيل الله، وذلك من أسرار الله تعالى، فمن يمتلك أموالاً قليلة ثم ينفق جزءً منها في سبيل الله، فإن الله تعالى يبارك سعيه ويحوّله إلى ثري ببركة الإنفاق في سبيله تعالى، أما أخذ الأموال بطرق غير مشروعة ثم إنفاقها ظاهرا في سبيل الله فلن يؤدي إلى بركة في المال، بل الى المحق والزوال والهلكة.
وقوله صلى الله عليه وآله: ولا يتركه خلف ظهره إلاّ كان زاده إلى النار، إن الأموال إذا أخذت اختلاساً بالدهاء وحلاوة اللسان ومهارة التعامل، فإن العاقبة عدم الاستفادة منها للورثة، بل يدخلون نزاعاً يؤدي بهم إلى متاهات لا حدود لها، وقد بيّن الله سبحانه وتعالى في كتابه أن من أكل مالاً حراماً فإنه سوف يعذب بطنه يوم القيامة، فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) النساء: 10.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل: يستفاد من هذه الآية أن لأعمالنا مضافا إلى وجهها الظاهري وجها واقعيا أيضا، وجها مستورا عنا في هذه الدنيا، لا نراه بعيوننا هنا، ولكنه يظهر في العالم الآخر، وهذا الأمر هو ما يشكل مسألة تجسم الأعمال المطروحة في المعتقدات الإسلامية.
إن القرآن يصرح في هذه الآية بأن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما وجورا، وإن كان الوجه الظاهري لفعلهم هذا هو الأكل من الأطعمة اللذيذة الملونة، ولكن الوجه الواقعي لهذه الأغذية هو النار المحرقة الملتهبة، وهذا الوجه هو الذي يظهر ويتجلى على حقيقته في عالم الآخرة.
إن بين الوجه الواقعي للعمل والكيفية الظاهرية للعمل تناسبا وتشابها دائما، فكما أن أكل مال اليتيم وغصب حقوقه يحرق فؤاد اليتيم، ويؤذي روحه، فكذا يكون الوجه الواقعي للعمل نارا محرقة.
إن الانتباه إلى هذا الأمر (أي الوجه الحقيقي الواقعي لكل عمل) خير رادع للذين يؤمنون بهذه الحقائق، كيما لا يرتكبوا المعاصي ولا يقترفوا الذنوب، فهل يوجد ثمة من يحب أن يأخذ بيديه قبسات من النار، ويضعها في فمه ويبتلعها
إنه من غير الممكن - والحال هذه - أن يقدم المؤمنون على أكل مال اليتيم ظلما، ولو أننا وجدنا ثمة من لا يقدم على هذا الفعل، بل ولا يفكر في المعصية أبدا (كالأولياء)، فلأنهم يرون - بفضل ما لديهم من الإيمان والعلم، وما حصلوا عليه من تربية خلقية - حقائق الأفعال البشرية ووجوهها الواقعية، فلا يفكرون في اقتراف هذه الأعمال السيئة، فضلا عن الهم باقترافها. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٣ - ص ١٢٤.
بشرى لمن حفظ فمه عن أكل الحرام فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمن له الجنة، فقال: (من ضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة) معاني الأخبار للصدوق: ٤١١ / ٩٩. أي: فلا يأكل إلا حلالاً، ولا يشرب إلا حلالاً، ولا ينكح الا حلالا، وكلما تورع المرء عن الحرام فهذا دليل على صدق اللجوء إلى الله، وصحة الاستقامة، وعنوان الإيمان والتقوى.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 ايام
2025/10/17م
مأساة العقل: عندما نجيب عن أسئلة لم تُطرح الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 16/10/2025 كم مرة أجابنا بسرعة، ظنًّا أننا نفهم، لنكتشف بعد ذلك أن السؤال لم يكن كما تصوّرنا هذه هي مأساة العقل، الذي يسبق الفهم بالعجلة، ويختزل الحقيقة في صورة الإجابة الأولى. في مسيرتي الأكاديمية الطويلة، التي تشعّبت بين... المزيد
عدد المقالات : 82
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 6 ايام
2025/10/14م
كثيرًا ما تحسم مصائر الشعوب والدول سياسيًا من خلال المعارك العسكرية الفاصلة التي تكون بداية توجه سياسي جديد يختلف عن النمط السابق. ولعل أهم معركة سياسية في تاريخ إنجلترا كانت معركة هيستينغز الشهيرة عام 1066، التي غيرت مجرى التاريخ الإنجليزي تمامًا على جميع الأوجه سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، بل... المزيد
عدد المقالات : 53
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/10/12م
يمر العراق اليوم بأزمة سياسية خانقة تمثل حصيلة مباشرة لتراكمات اثنين وعشرين عاما من سوء إدارة الحكم وتغول الأحزاب السياسية في بنية الدولة والمجتمع. لقد أفضت تلك الحقبة إلى انهيار شبه شامل في مستويات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بحيث غدا المواطن العراقي يشعر بالاغتراب عن دولته، تماما... المزيد
عدد المقالات : 6
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/10/01م
بحر آرال كان في منتصف القرن العشرين رابع أكبر بحيرة داخلية في العالم، يقع بين كازاخستان وأوزبكستان. غير أن المشاريع السوفيتية في الستينيات، التي حولت مجاري الأنهار المغذية له لريّ القطن، تسببت في انكماشه بشكل كارثي. خلال عقود قليلة فقد البحر أكثر من 90 من مساحته، وانقسم إلى أجزاء صغيرة مع تدهور بيئته... المزيد
عدد المقالات : 53
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 60
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ شهرين
2025/08/12م
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه "يعقوب"، رجل عُرف يومًا بحكمته الراجحة ولسانه البليغ، لكنه اليوم بات شبحًا لمن كان. نشب خلاف بين تاجرين، وارتفعت الأصوات، فتوجهت الأنظار إلى يعقوب، الذي كان الحَكم في مثل هذه النزاعات. قال أحدهم: "يا يعقوب، احكم... المزيد
عدد المقالات : 12
علمية
تنتمي زهرة الزعفران إلى مملكة النباتات، وفئة وحيدة الفلقة، وعائلة القزحيات، وهي من بين 75 نوعًا ينتشر في جميع أنحاء العالم، وتُعد من النباتات بطيئة النمو. الموطن الأصلي لزهرة الزعفران: يعود أصل الزهرة إلى جبال الألب، ومنطقة البحر الأبيض... المزيد
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء التاسع والستون: الوجود خارج المكان والزمان: تأملات في طبيعة الدالة الموجية الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 16/10/2025 نحن كائنات واعية، قادرة على استقبال المعلومات من خلال حواسنا عن الواقع الذي نعيش فيه والذي... المزيد
التواصل البكتيري هو عملية معقدة تمكن الكائنات الدقيقة من التنسيق والتفاعل مع بعضها البعض من خلال إرسال واستقبال إشارات كيميائية. تعتمد البكتيريا على هذه العملية للبقاء في بيئاتها المتغيرة ولتنظيم سلوكها الجماعي وهي تعتبر آلية حيوية تساعدها في... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com