عن مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله سبحانه "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" ﴿آل عمران 64﴾ "اشهدوا بأنا مسلمون" أي: مخلصون مقرون بالتوحيد. وقيل: مستسلمون منقادون لما أتى به النبي والأنبياء من الله. وقيل: مقيمون على الاسلام. وهذا تأديب من الله لعبده المؤمن، وتعليم له، كيف يفعل عند إعراض المخالف بعد ظهور الحجة، ليعلم المبطل أن مخالفته لا يؤثر في حقه، وليدل على أن الحق يجب اتباعه من غير اعتبار بالقلة والكثرة. قوله عز وجل "كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ﴿آل عمران 86﴾ قوله: "وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ" عطف على قوله "بَعْدَ إِيمَانِهِمْ" دون قوله "كَفَرُوا"، وتقديره بعد أن آمنوا وشهدوا أن الرسول حق. قوله عز من قائل "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ" ﴿المائدة 111﴾ "قالوا" أي: قال الحواريون "آمنا" أي: صدقنا "واشهد" يا الله "بأننا مسلمون".
وعن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن (أشهد أن) "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ" ﴿الأنعام 19﴾ لَتَشْهَدُونَ: لَ لام التوكيد، تَشْهَدُ فعل، ونَ ضمير، أَنَّ حرف نصب، أشهد فعل. قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: أيُّ شيء أعظم شهادة في إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم أي: هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي، وأوحى الله إليَّ هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن يحلَّ بكم، وأنذر به مَن وصل إليه من الأمم. إنكم لتقرون أن مع الله معبودات أخرى تشركونها به. قل لهم أيها الرسول: إني لا أشهد على ما أقررتم به، إنما الله إله واحد لا شريك له، وإنني بريء من كل شريك تعبدونه معه. قوله سبحانه وتعالى "قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" ﴿الأنعام 150﴾ قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: هاتوا شهداءكم الذين يشهدون أن الله تعالى هو الذي حرَّم ما حرَّمتم من الحرث والأنعام، فإن شهدوا كذبًا وزورًا فلا تصدقهم، ولا توافق الذين حكَّموا أهواءهم، فكذبوا بآيات الله فيما ذهبوا إليه من تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله، ولا تتبع الذين لا يصدقون بالحياة الآخرة ولا يعملون لها، والذين هم بربهم يشركون فيعبدون معه غيره.
جاء في معاني القرآن الكريم: شهد الشهود والشهادة: الحضور مع المشاهدة، إما بالبصر، أو بالبصيرة، وقد يقال للحضور مفردا قال الله تعالى: "عالم الغيب والشهادة" (السجدة 6)، لكن الشهود بالحضور المجرد أولى، والشهادة مع المشاهدة أولى، ويقال للمحضر: مشهد، وللمرأة التي يحضرها زوجها مشهد، وجمع مشهد: مشاهد، ومنه: مشاهد الحج، وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس. وقيل مشاهد الحج: مواضع المناسك. قال تعالى: "ليشهدوا منافع لهم" (الحج 28)، "وليشهدوا عذابهما" (النور 2)، "ما شهدنا مهلك أهله" (النمل 49)، أي: ما حضرنا، "والذين لا يشهدوا الزور" (الفرقان 72)، أي: لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم. والشهادة: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر. وقوله: "أشهدوا خلقهم" (الزخرف19)، يعني مشاهدة البصر ثم قال: "ستكتب شهادتهم" (الزخرف 19)، تنبيها أن الشهادة تكون عن شهود، وقوله: "لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون" (آل عمران 70)، أي: تعلمون، وقوله: "ما أشهدتهم خلق السموات" (الكهف 51)، أي: ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها، وقوله: "عالم الغيب والشهادة" (السجدة 6)، أي: ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما. وشهدت يقال على ضربين: أحدهما جار مجرى العلم، وبلفظه تقام الشهادة، ويقال: أشهد بكذا، ولا يرضى من الشاهد أن يقول: أعلم، بل يحتاج أن يقول: أشهد. والثاني يجري مجرى القسم، فيقول: أشهد بالله أن زيدا منطلق، فيكون قسما، ومنهم من يقول: إن قال: أشهد، ولم يقل: بالله يكون قسما، ويجري علمت مجراه في القسم، فيجاب بجواب القسم.
بما أن الأنبياء شهداء وشفعاء على الخلق يوم القيامة فان أئمة أهل البيت عليهم السلام شهداء وشفعاء كذلك ومنهم امام المتقين علي عليه السلام. جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" ﴿آل عمران 52﴾ وقولهم: "آمَنَّا بِاللَّهِ واشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" دليل على ان دين اللَّه واحد منذ وجد إلى ما لا نهاية، وهو الإسلام، وقد جاء به جميع الأنبياء، دون استثناء، والاختلاف انما هو في بعض الأحكام وصور العبادة، وعلى هذا، فكل من آمن باللَّه وكتبه ورسله فهو مسلم، وان أسمى نفسه نصرانيا أو يهوديا.. وسبق الكلام عن ذلك مفصلا عند تفسير قوله تعالى: "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ" - الآية 19 من هذه السورة. وقول الحواريين: "فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ" دعاء منهم للَّه سبحانه أن يجعلهم في زمرة المؤمنين الذين شهدوا للَّه بالوحدانية، ولأنبيائه بالصدق والأمانة، ليفوزوا بما فاز به المخلصون المرضيون، وينالوا ما نالوه من الكرامة عند اللَّه سبحانه.. قوله سبحانه "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" ﴿آل عمران 64﴾ "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". أي فإن لم يقبلوا، حتى هذه البديهة، وأبوا الا الشرك والعناد فأعرض عنهم، وقل لهم أنت ومن آمن بك: "اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". وفي إشهاد الكافرين على اسلام المسلمين فائدتان: الأولى: اشعار الكافرين بعدم المبالاة بهم وبكفرهم، وان محمدا ومن معه يؤمنون بالحق، وبه يعملون، حتى ولو كفر أهل الشرق والغرب. الفائدة الثانية: الإشارة إلى أن المسلمين يتميزون عن غيرهم بعبادة اللَّه الواحد الأحد، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون اللَّه، ولا لأحد منهم كائنا من كان سلطة التحليل والتحريم، وغفران الذنوب، كما هي الحال عند غيرهم. قوله عز وجل "كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ﴿آل عمران 86﴾.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN