جاء في کتاب موسوعة في ظلال شهداء الطف للشيخ حيدر الصمياني: يقول القرآن الكريم: "قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ" (البقرة 36-38). ويقول الشيخ الطبرسي في كتابه مجمع البيان، في تفسير هذه الآية: (صبغة الله مأخوذة من الصبغ، لأنّ بعض النصارى كانوا إذا ولد لهم مولود غمسوه في ماء لهم يسمونه المعمودية، يجعلون ذلك تطهيراً له، فقيل صبغة الله، أي تطهير الله لا تطهيركم بتلك الصبغة) ثمّ يقول (وإنّما سمّي الدين صبغة لأنّه هيئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغير ذلك من الآثار الجميلة التي هي كالصبغة). ويقول الطبري في تفسيره: (يعني تعالى ذكره بالصبغة، صبغة الإسلام، وذلك أنّ النصارى إذا أرادت أن تنصّر أطفالهم جعلتهم في ماء لهم تزعم أنّ ذلك لها تقديس بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام، وأنّه صبغة لهم في النصرانية، فقال الله تعالى ذكره اذ قالوا لنبيه محمد وأصحابه المؤمنين به: "كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ" (البقرة 135). قل لهم يا محمد: أيّها اليهود والنصارى، بل اتّبعوا ملّة إبراهيم صبغة الله التي هي أحسن الصبغ، فإنّها هي الحنيفية المسلمة، ودعوا الشرك والضلال عن محجّة هداة). ومن هنا نعرف أنّ ما طلبه رسول الله’ منهم كان لا يؤثّر على أهل النصرانية ولا على اختيارهم لها، وإنّما كان الموضوع ينصبّ على رفع مستوى عقولهم ومستوى تفكيرهم في جزئية صغيرة كانوا يتمسّكون بها في حياتهم. عم وردت في بعض الروايات أنّ النبي’ صالحهم على أن لا ينصّروا أبناءهم، أو بتعبير آخر أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، كما في الرواية التي يذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (أنّهم كانوا ستة عشر رجلاً مسلمين ونصارى عليهم صلب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث فصالح رسول الله’ النصارى على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية، وأجاز المسلمين منهم) وهذه الرواية وأمثالها في التعبير لا يمكن قبولها لأسباب منها: إنّ ذلك يخالف نصّاً صريحاً واضحاً في القرآن الكريم يقول: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة 256). وما يذكرونه في هذه الرواية فيه اكراه لهذه الفئة في عدم تنصير أبنائهم، ومن ثم هم لابدّ أنّ يقبلوا من أجل أن يعيشوا، فتنتهي بهم الحال إلى دخول الإسلام، ولكن لا بشكل اختياري وإنما جبري مفروض عليهم، وهذا ما لا يقرّه الإسلام أبداً.
ويستطرد الشيخ حيدر الصمياني: ذكر الطبرسي تأييداً لما ذكرنا في تفسير الآية: 138 من سورة البقرة "صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ" (البقرة 138) قوله: (أخذ العهد من بني تغلب أن لا يصبغوا أولادهم، أي لا يلقّنونهم النصرانية، لكن يدعونهم حتى يبلغوا فيختاروا لأنفسهم ما شاؤوا من الأديان). "حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة 29). قول ابن حزم في المحلى: هذا كلّ ما موّهوا به، وهدموا به أكثر أصولهم، لأنّهم يقولون لا يقبل خبر الآحاد الثقات التي لم يجمع عليها فيما إذا كثرت فيه البلوى، وهذا أمر تكثر فيه البلوى ولا يعرفه أهل المدينة وغيرهم، فقبلوا فيه خبراً لا خير فيه، وهم قد ردّوا بأقلّ من هذا خبر الوضوء من مسّ الذكر، ويقولون لا يقبل خبر الآحاد الثقات اذا كان زائداً على ما في القرآن أو مخالفاً له، وردّوا بهذا حديث اليمين مع الشاهد وكذبوا ما هو مخالف لما في القرآن، ولا خلاف للقرآن أكثر من قوله تعالى: "حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة 29). فقالوا: هم إلاّ بني تغلب فلا يؤدّون الجزية ولا صغار عليهم، بل يؤدّون الصدقة مضاعفة عليهم، فخالفوا القرآن والسنن المنقولة كافة بخبر لا خير فيه، وقالوا: لا يقبل خبر الآحاد الثقات اذا خالف الأصول، وردّوا بذلك خبر القرعة في الأعبد الستة، وخبر المصراة، وكذّبوهما مخالفين للأصول بل هما أصلان من كبار الأصول، وخالفوا هاهنا جميع الأصول في الصدقات، وفي الجزية بخبر لا يساوي بعرة، وتعللوا بالاضطراب في أخبار الثقات، وردّوا بذلك خبر لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وخبر قطع إلاّ في ربع دينار فصاعداً، وأخذوا هاهنا بأسقط خبر وأشدّه اضطراباً، لأنه يقول مرّة عن السفّاح بن مطرف، ومرّة عن السفاح بن المثنى، ومرّة عن داود بن كردوس أنّه صالح عمر على بني تغلب، ومرّة عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان أو زرعة بن النعمان أو النعمان بن زرعة أنّه صالح عمر، ومع شدّة الاضطراب المفرط فإنّ جميع هؤلاء لا يدري أحد من هم من خلق الله تعالى؟
وعن خطبة الشهيد كردوس في صفين يقول الشيخ الصمياني في موسوعته: قوله (وما تبرّأنا من علي منذ أن تولّيناه) إلى مبدأ الولاية التي أُمرنا بالتمسّك بها مهما كانت الظروف والأحوال، لأنّ بها وفيها ومن خلالها يحفظ الإسلام والدين بمبادئه وقيمه التي أراد الله أن ينشرها بين الناس، وقد شخصت هذه الولاية من قبل الشهيد الكربلائي في صفّين بعلي بن أبي طالب ومن بعده بالحسن المجتبى ومن بعده بالحسين الشهيد بكربلاء حيث انتهت حياته بين يديه. ثم يقول: (وإنّ قتلانا لشهداء) لأنّهم أصحاب الحقّ، وأصحاب الحقّ دائماً هم الشهداء عند ربّهم حتى لو لم يستشهدوا، فإنّهم الأبرار الصدّيقون. ثمّ يؤكّد على حقيقة مهمّة وهي قوله (وإنّ علياً على بيّنة من ربّه) يعني أنّ علياً لم يتحرّك لهوى ولم يتحرّك بدوافع عصبية أو جاهلية أو لوجود حسّاسية بينه وبين معاوية، وإنّما هي مواقف الإسلام ومواقف الرسالة التي وقفها قبل علي رسول الله’ في تصدّيه للمشركين والمنافقين، ومصداقاً لقوله تعالى على لسان النبي’: "قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي" (هود 28). ومن ثم فإنّ حركة علي لا تريد لهذه الأمة إلاّ تحقيق العدالة وحفظ الحقوق، ولذلك يقول (ما أحدث إلاّ الإنصاف) وبما أنّ كلّ محقّ منصف، فإذاً هو لا يبالي بالجموع، وعلينا نحن كذلك أن لا نبالي بكثرة أهل الباطل اذا كنا نعيش الوعي والبصيرة، فلماذا إذاً كلّ هذا الخذلان. ثمّ يختمها بقوله: (فمن سلّم له نجا، ومن خالفه هلك وفي الآخرة عذاب الله والخزي).
يقول الشيخ حيدر الصمياني: روى ابن كثير في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: "وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ" (الانعام 51). عن الشهيد الكربلائي، عن ابن مسعود قوله: مرّ الملأ من قريش على رسول الله وعنده خبّاب وصهيب وبلال وعمّار فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير معك تبعاً لهؤلاء؟ أطردهم فلعلّك إن طردتهم أن نتّبعك، فنزل قوله تعالى: "وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ" (الانعام 51). وورد في رواية أخرى، عن الشهيد، عن ابن مسعود قوله: فنزلت: "وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" (الانعام 52). هكذا ينقل الينا الشهيد الكربلائي كيف عانى رسول الله من قومه، كيف أرادوا له أن يترك الفقراء والمساكين ويتوجّه اليهم فقط لأنّهم أصحاب الأموال والجاه والحظوة ولكنّه أبى إلاّ أن يبقى معهم ويثبت من أجلهم، وباعتقادي أنّ رسول الله’ لو سمع قولهم وطرد تلك الثلّة المؤمنة واتّجه إلى أصحاب الغنى والأموال، لما كانت عقيدته لتأخذ كلّ هذا المدى وتعطي كلّ هذا الأثر. ويبدو أنّ هذا هو المنهج نفسه الذي قد اتّبعته الأقوام السابقة مع أنبيائها، حيث ينبّئنا القرآن بخبرهم ويقول عن لسانهم: "وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ" (هود 27). وهذا دليل على أنّ الأنبياء ما كانوا ليتّبعهم سوى من عاش الألم والمعاناة في حياته، وأمّا المترفون فكانوا يقفون بوجوههم، لخوفهم على جاههم وسلطانهم الفارغ من كلّ محتوى إنساني؛ يقول القرآن الكريم: "وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ" (سبأ 34). وكأنّ الحديث الذي رواه لنا الشهيد الكربلائي يريد أن يقول لنا جميعاً: لا تستوحشوا من قلّة أتباع الحقّ ولا تحتقروهم، فهم الذخيرة الحقيقية في السماء والأرض، وهم اللبنة الأساسية لتغيير المجتمعات، وأمّا غيرهم فزَبَدٌ لا قيمة له.







د.فاضل حسن شريف
منذ 14 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN