قال الله تعالى عن الخبيث والطيب "وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا" ﴿النساء 2﴾ الْخَبِيثَ: الْ اداة تعريف، خَبِيثَ اسم، بِالطَّيِّبِ: بِ حرف جر، ال اداة تعريف، طَّيِّبِ اسم، الخبيث: الحرام، و الطيب: الحلال، ولا تتبدلوا الخبيث: الحرام، بالطيب: الحلال أي تأخذوه بدله كما تفعلون من أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه، وأعطوا مَن مات آباؤهم وهم دون البلوغ، وكنتم عليهم أوصياء، أموالهم إذا وصلوا سن البلوغ، ورأيتم منهم قدرة على حفظ أموالهم، ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم، ولا تخلطوا أموالهم بأموالكم؛ لتحتالوا بذلك على أكل أموالهم، إن من تجرأ على ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، و "قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ﴿المائدة 100﴾ الخَبيثُ: الأشياء المحرمة، قل لا يستوي الخبيث: الحرام، والطيب: الحلال، قل أيها الرسول: لا يستوي الخبيث والطيب من كل شيء، فالكافر لا يساوي المؤمن، والعاصي لا يساوي المطيع، والجاهل لا يساوي العالم، والمبتدع لا يساوي المتبع، والمال الحرام لا يساوي الحلال، ولو أعجبك أيها الإنسان كثرة الخبيث وعدد أهله. فاتقوا الله يا أصحاب العقول الراجحة باجتناب الخبائث، وفعل الطيبات؛ لتفلحوا بنيل المقصود الأعظم، وهو رضا الله تعالى والفوز بالجنة، و "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَـٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" ﴿النور 26﴾ خبيثات اسم، خبيثين اسم، الخبيثات: من النساء ومن الكلمات، للخبيثين: من الناس، والخبيثون: من الناس، للخبيثات: مما ذكر، والطيبات: مما ذكر، للطيبين: من الناس، والطيبون: منهم، للطيبات: مما ذكر أي اللائق بالخبيث مثله وبالطيب مثله، كل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث وموافق له، وكل طيِّب من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للطيب وموافق له، والطيبون والطيبات مبرؤون مما يرميهم به الخبيثون من السوء، لهم من الله مغفرة تستغرق الذنوب، ورزق كريم في الجنة.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله "لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ" (المائدة 100) والتقوى من قبيل الأفعال أو التروك ، وطيبها وخباثتها عنائية مجازية ، وإرسال الكلام أعني قوله "لا يَسْتَوِي" إرسال المسلمات أقوى شاهد على أن المراد بالطيب والخباثة إنما هو الخارجي الحقيقي منهما فيكون الحجة ناجحة، ولو كان المراد هو الطيب والخبيث من الأعمال والسير لم يتضح ذاك الاتضاح فكل طائفة ترى أن طريقتها هي الطريقة الطيبة، وما يخالف أهواءها ويعارض مشيئتها هو الخبيث. فالقول مبني على معنى آخر بينه الله سبحانه في مواضع من كلامه، وهو أن الدين مبني على الفطرة والخلقة، وأن ما يدعو إليه الدين هو الطيب من الحياة، وما ينهى عنه هو الخبيث، وأن الله لم يحل إلا الطيبات ولم يحرم إلا الخبائث قال تعالى "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" (الروم 30)، وقال "وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ" (الاعراف 157). وقال "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الاعراف 32). فقد تحصل أن الكلام أعني قوله "لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ" (المائدة 100)، مثل مضروب لبيان أن قواعد الدين ركبت على صفات تكوينية في الأشياء من طيب أو خباثة مؤثرة في سبيل السعادة والشقاوة الإنسانيتين، ولا يؤثر فيها قلة ولا كثرة فالطيب طيب وإن كان قليلا، والخبيث خبيث وإن كان كثيرا. فمن الواجب على كل ذي لب يميز الخبيث من الطيب ، ويقضي بأن الطيب خير من الخبيث، وأن من الواجب على الإنسان أن يجتهد في إسعاد حياته، ويختار الخير على الشر أن يتقي الله ربه بسلوك سبيله، ولا يغتر بانكباب الكثيرين من الناس على خبائث الأعمال ومهلكات الأخلاق والأحوال، ولا يصرفه الأهواء عن اتباع الحق بتولية أو تهويل لعله يفلح بركوب السعادة الإنسانية. قوله تعالى "فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة 100) تفريع على المثل المضروب في صدر الآية، ومحصل المعنى أن التقوى لما كان متعلقه الشرائع الإلهية التي تبتني هي أيضا على طيبات وخبائث تكوينية في رعاية أمرها سعادة الإنسان وفلاحه على ما لا يرتاب في ذلك ذو لب وعقل فيجب عليكم يا أولي الألباب أن تتقوا الله بالعمل بشرائعه لعلكم تفلحون.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ" ﴿النساء 2﴾ أي لا تأخذوا أموالهم الطّيبة و ثرواتهم الجيدة و تضعوا بدلها من أموالكم الخبيثة و المغشوشة و هذا التعليم في الحقيقة يهدف إلى المنع ممّا قد يرتكبه بعض القيمين على أموال اليتامى من أخذ الجيد من مال اليتيم و الرفيع منه و جعل الخسيس و الرديء مكانه، بحجّة أن هذا التبديل يضمن مصلحة اليتيم، أو لأنّه لا تفاوت بين ماله و البديل، أو لأن بقاء مال اليتيم يؤول إلى التلف و الضياع و غير ذلك من الحجج و المعاذير. روي أنّ رجلا من بني غطفان كان معه مالا كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عنه، فخاصمه إلى النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزلت: "وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ" ﴿النساء 2﴾ فلما سمع الغطفاني ذلك ارتدع و قال: أعوذ باللّه من الحوب الكبير. قوله تعالى "قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة 100) التّفسير: الأكثرية ليست دليلا على الطهارة: دار الحديث في الآيات السّابقة حول تحريم الخمر و القمار و الأنصاب و الأزلام و صيد البر في حال الإحرام، و لكن قد نجد أناسا يتذرعون لارتكاب هذه المعاصي بالكثرة الكاثرة من الذين يرتكبونها في بعض الأمصار، فيقولون مثلا: أنّ أكثر أهل المدينة الفلانية يعاقرون الخمرة، أو أنّهم يمارسون القمار، أو أنّ أكثرية الناس في ظروف خاصّة لا يقيمون وزنا لتحريم الصيد و لغيره لذلك، فهم أيضا يحذون حذوهم و يهملون العمل بتلك التشريعات، فلكيلا يتذرع الناس بأمثال هذه الأعذار، يضع اللّه سبحانه قاعدة كلية عامّة و رئيسية في عبارة قصيرة شاملة يخاطب بها رسوله الكريم: "قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ" (المائدة 100) إن الخبيث و الطبيب في الآية يشملان كل ما يرتبط بالإنسان، طعاما كان ذلك أم فكرا.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN