Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
البعد الاجتماعي في نصوص زيارة الإمام الحسين عليه السلام

منذ 3 سنوات
في 2022/09/13م
عدد المشاهدات :1789
(قراءة في السلوك الأكاديمي والأعراف الجامعية)
أولا: الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلامُ على محمّد وآله الطاهرين، وجميع صحبه المنتجبين الذين اتبعوه بإحسانٍ إلى قيام يوم الدين.
اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعافِيَةَ وَالمُعافاةَ فِي الدُّنْيا وَالآخرَةِ. اللّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وَلَكَ السَّلامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلامُ.
(اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ وَعَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ، عَلَيْكَ مِنِّي سَلامُ اللهِ أَبَداً مَّا بَقِيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ، وَعَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ).
رَضِيتُ بِالله رَبّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيْناً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ نَبِيَّاً، وَبِعَلِيٍّ إِماماً، وَبِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَجَعْفَرٍ وَمُوسى وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالحَسَنِ وَالخَلَفِ الصَّالِحِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ أَئِمَّةً وَسادَةً وَقادَةً. بِهِم أَتَوَلَّى وَمِنْ أَعْدائِهِم أَتَبَرَّأُ.
ثانيا: حجية نصّ زيارات الامام الحسين عليه السلام:
لابدّ من التنبه إلى ما يعرضه الجاهلون بحقيقة الإمام الحسين عليه السلام، وأشباه المثقفين، وما يؤسف عليه حقا، بل مما لا يؤسف عليه؛ لأنه خارج مديات الحقيقة الإنسانية ذلك ما يلقيه بعض حملة الشهادات العليا، تلك التي خلقها التزييف والمصادفة فيتلقفه الأعداء ويرمون إليه في التهوين والتقليل من شأن نصوص الزيارات المروية في حق الإمام الحسين عليه السلام نحو: الطعن في سندها، وبعض مضامينها من هنا يلزم بيان الفرق بين نص التعبد التكليفي مما هو موضوع استنباط الحكم الشرعي، وهو ما تؤخذ به حجية النص في صدوره عن المعصوم بالنسبة للروايات بحسب قواعد الجرح والتعديل الرجالية، وقواعد محاكمة المتن فيما يكون من قواعد علم الحديث.
والفرق بين هذا وبين ما يكون من أدبيات التعبد العقدي في مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهو ما ينجر باتجاه شمول جميع أدبيات الدعاء عند المسلمين بتعدد مدارسهم.
فإنّ هذه النصوص مما لا تطلب به حجية، وهو ما يستوي فيه قطعية الطريق وظنيّته، فسواءٌ أكان قطعي الصدور عن المعصوم عليه السلام، أم ظنيّ الصدور عنه، أم كان من نسج مشاعر العبّاد والمخلصين لله في التوجه إليه بحكمة وسمو، كل ذلك شرط ألا يتقاطع النصّ مع ثوابت الإسلام، والمذهب، ولا مع كليات الكتاب والسنة، ولا يتقاطع مع ثوابت الشرع المتعارف عليه عند أهل البيت عليهم السلام.
فهو بالنتيجة نصّ يمثل جانبا من أدبيات العقيدة بولاية أهل البيت عليهم السلام. ولست هنا بصدد بيان حجيته، فقد يوجد في مظانه، مما كتبته في مقال سابق؛ ذلك أنّ تلك النصوص هي مما جرت عليه العادة عند الناس جميعا العقلاء العلماء باختلاف مشاربهم العلمية وتخصصاتهم وغير العلماء من عوام الناس فالجميع يتجه بهذه النصوص التي هي من أدبيات الدعاء إلى الله والتسليم له تبارك وتعالى بعرض موجز مما حدث تاريخيا في قصة الحسين عليه السلام.
وفي ضوء هذه النصوص، التي تكتسب حجيتها من السيرة العقلائية عند أهل العلم، يسجل الناس موقفهم تجاه أئمة مذهب أهل البيت المعصومين عليهم السلام.
وأزيدُ من ذلك فإنّهم عند قراءة هذه النصوص يتبنون عقديا مضامينها وهي مضامين تشمل مجالا اجتماعيا عاما، يجب أنْ ينعكس هذا المُتبنى على السلوك الحياتي اليومي لكل فرد فرد.
فإنّك تجد إنسانا يصلي وصلاته مضبوطة بشكل جيد؛ لكنك تقف عليه وهو يسرق مثلا، فلا شك في تبادر معنى التناقض للعقل السليم؛ ولولا صلاته ما تبادر للعاقل معنى التناقض ذاك الذي كان في القصة المشهورة المروية في حق العابد الذي ينتهي من صلاته، ثم يذهب إلى السوق فيسرق رغيفين ورمانتين.
ذلك إنّ الصلاة مبدأ كبيرٌ، وهي عمود الدين ينشأ التكليف بها من مبدأ دخول الوقت، ثم الأداء بالكيفية المطلوبة، ثم القبول. وليس هذا فقط فإنك تطلب التطابق الفعلي بين هذا المضمون وبين السلوك الصادر عن المكلف، الذي يتبناه، عقديا، ويدين به لله تعالى، فإنّنا جميعا نطالب أنفسنا أولا بهذا التطابق، ثم في ضوئه نصدر أحكامنا الذاتية على الآخرين، فما عاد مجديا أن نقبل إطلاق الوصف (حسينيّ) في حقّ كلّ من قرأ زيارة الحسين عليه السلام من دون قياس بُعد التطابق السلوكي بين مضمون الحسين وآدابه، وأخلاقياته في التفاعلات الاجتماعية، وآثارها، على حدّ الحكم على مصل لا يحرز تطابقا بين صلاته وسلوكياته، وقل مثل ذلك في الصوم وغيرهما من العبادات.
ذلك أنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر من قوله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(العنكبوت45)}.
وقد بين صلى الله عليه وآله هذا المضمون في المشهور عنه في المدونات الحديثية قوله: (من صلى وصلاته لم تنه عن فحشائه ومنكره فلا صلاة له)، ولا أحسب أن صلاته لا تكتب، بل تكتب لكنها خلو من الاستقامة، وهي محملة بألوان من أثر سلوكيات المصلي وكلٌّ بحسبه.
هكذا مقصدنا من العبارة السابقة (ما عاد مجديا أن نقبل إطلاق الوصف (حسينيّ) في حقّ كلّ من زار الحسين عليه السلام من دون قياس بُعد التطابق السلوكي... وأخلاقياته في التفاعلات الاجتماعية، وآثارها). فإنّ قراءتنا عمل تقربيّ لله، ولا شك من اصطباغه بصبغة التوجه لله، واتخاذ الوسيلة إليه بأوليائه الأئمة الأطهار، فهو عمل مكتوب لكنّه من دون البعد التطابقي خلوٌ من آثاره المرجوة.
والناس كلهم سواء عند الله، لكنّ حسابهم مثل أرزاقهم كلّ بحسبه، ولا يشكّ أحدٌ في صحة حكم العقل أن حساب العلماء وحملة الشهادات يختلف عن حساب غير المتعلمين للفرق في ملكة الوعي في إدراك الحقائق وبلوغ المضامين من بين صفوف المجتمع، فيكون ذلك مثابة إجابة وافية عملية لسؤال: لم الزيارة
من هنا نتجه بمضمون هذه المقالة نحو طبقة العلماء جميعا فهم من علية القوم، ومنهم ما يخص عنوان هذه المحاضرة طبقة الأكاديميين مما يتم إنْ شاء الله تعالى بيانه.
ثالثا: محور التطابق السلوكي حسب مقاطع نصوص الزيارة
يقصد هذا المحور حملة الشهادات العليا أنهم قسم من علية القوم، فالشهادة وثيقة علمية شرعية اجتماعية تعبر عن شهادة الذين أمضوا على هذه الوثيقة ان صاحبها مؤهل لإدراك الحقائق العلمية فهو ذو أفق متفتح، يتمتع برياضة عقلية ووعي تامين الى حد ما بحسب مراتب الكمال الإنساني (الارضي)، بمعنى أنه يدرك النصوص وما تعنيه وما يقع منها في متبنياته العلمية والعقدية تلك التي تنعكس على سلوكه. ومن هذه النصوص أدبيات الدعاء التي ننتظر أنْ تنعكس سلوكيا على السلوك الأكاديمي وظيفيا، واجتماعيا، في إطار الأعراف الجامعية. وبيان ذلك بحسب الفقرات الآتية:
1. تعريف حقيقة الإمام الحسين عليه السلام بنسبه، ومكانته في تاريخ الأديان بذكر صلته بالأنبياء، وصلته بنبي هذه الأمة محمد بن عبد الله عليه واله وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم، وصلته بالمحور العقدي في دين الزائر في ضوء قوله (أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ أَقَمْتَ الصَلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ وَأَمَرْتَ بِالمَعْروفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ وَأَطَعْتَ اللّهَ وَرَسُولَهُ حَتّى أَتاكَ اليَقِينُ). (وارث)
2. ثمّ تقديم الثوابت العقدية في الشهادة للإمام الحسين عليه السلام بحسب مقتضى ما تنطوي عليه متبنيات الشخص في عقيدته وبناء ذاته منها: (وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعائِمِ الدِّينِ وَأَرْكانِ المُؤْمِنِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الإمامُ البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِي المَهْدِيُّ وَأَشْهَدُ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوى وَأَعْلامُ الهُدَى وَالعُرْوَةُ الوُثْقى وَالحُجَّةُ عَلى أَهْلِ الدُّنْيا، وَأُشْهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَنْبِياءَهُ وَرُسُلَهُ أَنِّي بِكُم مُؤْمِنٌ وَبِآيَاتِكُم مُوقِنٌ بِشَرائِعِ دِينِي وَخَواتِيمِ عَمَلِي) (وارث). وهذا تمهيد لبيان حدود الموقف المفترض التزامه، وتهيئة نفسية في تثوير مبادئ الاعتقاد به في اتخاذ الموقف المحبوب لله ورسوله، وفي إطاره الإنساني.
3. ثم التقرب إليه بالولاية والمحبة وفق الآية: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ(الشورى23)}، فتقول في زيارته: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَى فَاطِمَةَ وَإِلَى الْحَسَنِ وَإِلَيْكَ بِمُوَالاتِكَ (عاشوراء)
4. ثم تتصاعد الحالة في مقطع زيارته: (وَأَتَقَرَّبُ إِلَى اللهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ بِمُوَالاتِكُمْ وَمُوَالاةِ وَلِيِّكُمْ) (عاشوراء). فلو تساءلنا من هو وليهم لظهر لنا أنّ وليّهم هو جميع المؤمنين الموالين لهم حبّا وبيعة واتباعا بصورة إجمالية. من هنا يبدأ مطلوب التطابق السلوكي في تحقيق هذا العهد. فالزيارة تجديد للعهد بين الإنسان المؤمن وإمامه بما هو جملة المبادئ وذلك مبنيّ على مضمون قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ(الفتح29)}، وقد تقدم أنّ الحسين بن محمد المصطفى في إثبات الصلة. وفي إطار هذا المضمون تحدث عملية التطابق السلوكي، أو التقاطع مع مضمونه وهو تقاطع مع شخص الإمام وتنصل عن مواقفه لمجرد انتفاء (رحماء بينهم). وبهذا المضمون يجب على جميع الأكاديميين الذين يتعاطون مع زيارة الإمام في عاشوراء والأربعين وفي طوال الحول إلى الحول ملاحظة سلوكهم الاجتماعي والأكاديمي في اتباعهم الإمام مع أتباعه، وتحري المروءة والسلم والإنصاف وتحقيق العدالة بحسبها من المواقف، في تقييم الطلاب سواء أكان سلبا أو إيجابا حتى لا يكونوا مطية للأعداء في تفكيك المجتمع الطلابي، والتدريسي.
5. وبتحقق المضمون السابق يتصاعد مسار الولاء في مقطع (اَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ وَجيهاً بِالْحُسَيْنِ ـ عَلَيْهِ السَّلامُ ـ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ). وذلك أني متبع موال لك فعلا وقولا، فلو سألته بـ(كيف) لكان الجواب حسنا بمضمون (رحماء بينهم).. ومن كان كذلك في الدنيا كان كذلك في الآخرة.
6. والاتباع بمضمون (رحماء بينهم). يقتضي البراءة من الظالمين عموما أولا التزاما بالمضمون السابق (وَمُوَالاةِ وَلِيِّكُمْ) الوارد في زيارة عاشوراء، ولقبح الظلم ثانيا، والتزاما بالبراءة من ظالمي الإمام الحسين عليه السلام، ثالثا، بقراءة المقطع (بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ وَأَوْلِيَائِهِم). ولو تساءل الانسان في حدود وظيفته الرسمية أيكون ما ينقض هذه الموالاة ولوازمها فيكفي جوابه: ان يقال يجب عليك في هذا المجال رفض وقوع الظلم من نفسك أو من غيرك على الآخرين، ولو كان رئيس دائرتك. بحسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الوارد في المقطع الأول؛ لأنه مقتضى اتباع الحسين عليه السلام بحسب مقطع التعريف السابق، بيدك، أو بلسانك، أو بقبلك في شجب الظلم، ومقاطعة الظالم وترك مجاملته ومراءاته، فلا يصلح الاتباع والموالاة بالشجب في القلب مع مساندة الظالم ومجاملته ومساندته، وإن كنت نعمل على تهوين وطأة الظلم على المظلون بالتصبير والمواساة لأنّك حينئذ تصلح مثالا لقول أهل الشام سيدنا معاوية قتل سيدنا حجر.
7. ومما سبق اتضح مسار الموالاة والاتباع، من عدمه مما يقع فيه المرء في دائرة قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ(الصافات24)}، وفيم يُسألون يمكن أن يكون من مصاديقه قوله التالي: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ(الصافات25)} وأنتم تقرؤون المقطع من زيارته: (وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ وَبِالْبَراءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمَّنْ أَسَّسَ أَسَاسَ ذَلِكَ وَبَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ وَجَرى فِي ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ) فكيف تكون في معسكر الظلم وانت تشجبه وتنكره على أهله، وانت تساند من أسس الظلم وانت قريب منه، فذلك كله يشمل: قوله عليه السلام: (أما من ناصر)، فذاك نفي للتناصر، فالظلم يحيا بالسكوت.
8. كما يتضح، وهو، أصلا، غير خاف أنّ أيَّ ظلم يقع على شيعة محمد وعلي وبنيه عليهم السلام هو ظلم لهم، فالظلم الواقع على زميلك أو تلميذك، أو جارك من أيّ من كان من رئيس دائرتك، أو من غيره هو ممارسة للظلم على وليّك الإمام المفترض الطاعة بقرينة (وَعَلَى أَشْيَاعِكُمْ)، فالقلوب اذا اجتمعت على الحق نصرت المظلوم وجعل الله في قلب الظالم الخوف والرعب، فضلا على اليد واللسان وهو مقتضى قراءة المقطع: (بَرِئْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُم مِنْهُمْ)، أي: الظالمين والمؤسسين للظلم في كل زمان ومكان والمناصرين للظالم.
9. وهو مقتضى المقطع (وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ وَالنَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَأَتْبَاعِهِمْ)؛ ذلك أنْ الظلم غير مرهون بزمن الإمام والعبارة غير واقفة عند عصره والظالمين فيه، فإن ظالمي الحسين عليه السلام قبرهم الله في حفر جهنم، وعدمهم الوجود المادي؛ لكنّ منهج الظلم مستمرٌ فالعبارة شاملة للبراءة من كل ظالم في كل عصر حتى عصرنا هذا وفي كل مكان كما تشمل الظالم بالنسبة لمن يأتي بعدنا في عصرهم ومكانهم، فلا ينفع أن تتبرأ باللسان والقلب دون الفعل أن تناصر وتناصح وتساند الظالم رعاية لموقعك ومصالحك الضيقة. ولا ننسى ان ترك الظالم والتخلي عنه بمثابة مناصرة المظلوم ومساندته فعلا ومثال ذلك عبد الله بن مسروق، وكذلك عدم مساندة الظالم لا تتحقق، ولو بالوقوف في جهته ولو بالسير معه لخطوات، أو مصافحته، فذلك كله، وإن لم يكن معه ترك المظلوم، ليس تركا للظالم، فذلك قوله عليه السلام للرجل الذي جاءه (إنّ أباك كثّر السواد على أبي).
10. ومن هنا يلزم التخلي فعلا عن الظالم وذلك بلعنه ومعنى اللعن الطرد من رحمة الله ومغفرته، فإنّ تقديم اللعن على ظالمي الحسين عليه السلام وعلى كلّ ظالم من لوازم الولاء والاتباع والبراءة فالمقطع المذكور في نصّ الزيارة خطوة أولى لتلك المضامين اللازمة، فذلك المقطع هو ما ورد في نص الزيارتين وارث وعاشوراء: (فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرِضِيَتْ بِهِ)، وأيضا، (فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَن مَّقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَن مَّراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فِيهَا)، وأيضا، (وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتَالِكَ). اَللَّـهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَّآلِ مُحَمَّدٍ وَآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَى ذلِكَ، اَللّـَهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ وَشَايَعَتْ وَبَايَعَتْ وَتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ، اَللَّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً. فاللعن جار لكل ظالم وتابع له في أي ظلم يقع، في كل زمان ومكان، وليس خاص للشمر وعبيد الله فلكل زمان شمر، وعبيد الله بأسماء مختلفة، في حياتنا في الشارع، وفي العمل، ثمّ اللعن أمر استعمله القرآن باطراد، وهو غير السبّ، وليس منه كما يتصوره بعضهم.
11. ثم تقديم الاتباع المطابق فعلا وقولا فالقول باللسان، والفعل في القلب بقولنا: (وَقَلْبِي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأَمْرِي لأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ)، (وارث)، وأيضا، المقطع (يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِّمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). (عاشوراء)، وأيضا، (إِنِّي سِلْمٌ لِّمَنْ سَالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِّمَنْ حَارَبَكُمْ وَوَلِيٌّ لِّمَنْ وَالاكُمْ وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ) فهذا كله تثبيت لاتخاذ الموقف المناسب لعقيدة المرء في إمامه المعصوم، فهو يتخذه عن دراية ويقين لا لقلقة لسان، فالمعرفة مطلب حقيق بالنظر هنا.
12. المفصل الكبير في تحقيق تلك المضامين هو اختتامها بمقطع الدعاء (فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ وَرَزَقَنِيَ الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ أَن يَّجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَأَن يُّثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) فإنّ ألفاظ المعرفة (بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ) بيان كامل لمجرى تكوين الموقف في رفض الظلم ومحاربته، وترك أهله فذلك من تمام التوفيق الإلهي كما يعلم ان التوفيق رزق، وهو في مقطع (وَرَزَقَنِيَ الْبَرَاءَةَ) ورزق البراءة مثل رزق الاتباع لا يتحصل بالمصادفة وبحسب الأهواء..
13. ومن لوازم هذه التوفيقات المقطع الوارد في زيارته طلبا ودعاء (اَللَّـهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَّآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.) ولو سألني أحدٌ كيف يتحقق لي مضمون هذا المقطع. لكان جوابه بالمضامين المتسلسلة السابقة.
هذا ما وفقني إليه الله فهو ولي النعمة والتوفيق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
رياض البديري
الجمعة 5 / صفر / 1444 الموافق 2 / 9 / 2022
النجف الأشرف

اعضاء معجبون بهذا

حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 3 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 3 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 3 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )