Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
العباس بن علي.. القربة و الفرات ( عشق حسيني في خيمة الطف)

منذ 3 سنوات
في 2022/08/30م
عدد المشاهدات :2519
١١ / محرم الحرام / ١٤٤٤ للهجرة
...................................................
قد يكون الماضي كله مكانا جميلا نرغب بزيارته، او حزينا نمطر غيمات الرغبة فيه، وفي الحالتين لا نخلو من الشعور بأنّه المكان الذي لم يعد مناسبا للبقاء فيه، كلُّ ذلك قد يكون في أيّ مكان إلا كربلاء.

لأبي الفضل العباس تحتد النفوس حد الوفاء بين كفيه حين كان الماء محجوبا بالجهل وليس آل الحسين في حجاب عنه فإن النور لا يحجب. ونحن في حضرته نسعى ان نحافظ على قدر بحسبنا من وفائه، إنه اخ شق طريق الاخوة نحو السمو فلا شك ان أي أحد يحضر في ظلال خيمته يحاول ان يحافظ على بقائه عنده؛ لأنَّه هو من يجعل الامان ملحوظا على ملامحنا، تلك التي تفيض بحبه وحنانه ووفائه عطشا.
إنّي أرقب، حين جلوسي تحت قبته، كلَّ من يأتي لزيارته أنّه يطوف بأمان، كما أرى من هو غريب عن هذه البلاد لكنّي اسمع حديثا خفيا لا يبارحني يخاطب كل من يطوف حول قبته، ذلك الحوار هو: عباس، يا سيدي، إنّي لا أجد غريبا هنا، ولا اغدو كذلك مع كل من رأى روحك ينبوع الحب والتضحية والسمو على رغبة البقاء الدنية الى سماء الشهادة العلية، وكلٌّ يريد البوح بوطن عرضه الحسين والعباس وما بينهما من الشهداء، ويعلن الغربة وطنا لا نتنفس فيه عبقهما المعجون بالحرية والمروءة والثبات على الحق.
فإنّ الإنسان حين يجري مراجعة لواقعة الطف بمجملها يجد على كتف الفرات واقعة تحمل مأساة اسمها القربة في كفي العباس، فحين تشعر بها تنضج لديك الكثير من المواقف بوجدان إنساني وبإحساس فكري وعقلي، تلك التي تمدك في التعاطي مع أحداث الحياة أثناء التفاعل اليومي في الحياة العامة، وأحيانا بين ساعة وأخرى تمرّ بنا تلك المفارقات بين المواقف.
ولا يظنَّ أحدٌ أنّ استذكار أيَّ جزء من واقعة الطف هو تذكر لإشباع عاطفة العشق المحمدي، وامتدادها إلى الحسين وآل الحسين عليهم السلام، حتى تشمل مواقف أصحابه رضوان الله تعالى عليهم. فإنَّ كلَّ من ثبت على موقف الحسين فهو من الحسين، كما كان سلمان الفارسي سلمان المحمدي، وأعتقد أنَّ الفكرة على هذا النحو ليست صعبة وذات مسار فلسفي بقدر ما هي ذات مسار إنساني يحتاج إلى الصفو والنقاء أكثر من اي شيء آخر.
ولذلك كله تجدها استقطبت قصة الحسين عليه السلام شخصيات تتسم بالهوية الإنسانية وهي لا تنتمي الى الإسلام سواء في ذلك أكان في عصر الطف أم كان غيره من العصور اللاحقة؛ فإنّ كربلاء هي قطب رحى العصور. حين تنضج هذه الفكرة بهذه الأبعاد عند أيٍّ من العاكفين بقبته، والطائفين على ضفاف فراته لا يحتاج لان يثبتها لغيره أو أن يخبرَ بها أحدا لأيِّ غرض كان ذلك، فإنَّ حسنها ان تكون فكرة عذراء تشق الأنام نحوها الحجب فلا تنكشف الا في خيمة العشق الحسيني فليعتقد، يقينا، كلُّ من تحاوره روحه بفكرة العشق الحسيني، وبعيدا عن كل الشوائب والاشكالات التي تحاك او تدار حول مساره، اقول: فليُعتقد أننا في خيمة العشق الحسيني لم نخطئ في حبّه ولم تتسلل إلى قلوبنا فكرتُه؛ إنّما فطرنا عليها، وقد تفتحت لها القلوب، وتبرعمت فيها الجذور نحو الأعماق؛ فلسنا ببعيد عنها، نحن تحت ظلالها.
فمن لم يفهم ذلك إنّما يعيش على حافة تلك الظلال فما ينقضي عنه ذلك المسار وافيائه إلا كان غريبا؛ كأنه تسلل نحو عالم ليس يملك أن يكون فيه، فيبقى عَطِشا حتى يعود في المستقبل ذلك الظل الذي كان على حافته، وكان عطشه بين الموسمين كأنه عقاب لفقده قابلية الانسياب في الازقة الحسينية وتفاصيلها، ومواقف المروءة والتضحية، لكنَّ الذي يعيش تلك الأجواء لا يشعر بهذا العطش لأنّه يعيش تلك المواقف في ساعاته ويومياته وهو يتفاعل يوميا بين فئتي صراع في حرب كبيرة يخوضها في ساحات الحياة على حد المواقف بين الحق والباطل (معسكر الحسين ومعسكر يزيد) أو الباطل والباطل (معسكري الأمين والمأمون) فيجب ألا نمنح الفرصة لمن خذل الحق أنّ يخذله مرة أخرى.
من هذا المنطلق يفكر الشاعر، والأديب وهما يرسمان وجها في لوحة الطف للعطش؛ يكون فارقا بين المعسكرين مما يجب أن يفرق بينهما، ولعله من ذلك ما نشره الشاعر ضرغام البرقعاوي في اليوم السادس من محرم الحرام (1444هـ) الموافق الأحد ٧ / ٨ / ٢٠٢٢ على صفحة الفيس بوك قوله:
وهل كان يدري النهر ان بقربه ... خيامك يازهراء اوجعها الظما
فكان ذلك مدعاة في مجاراته انطلاقا من شعور واحد، مما كان للدكتور عماد الحيدري بقوله:
وهل عز فيه الماء عن ان تناله ... شفاه حسين واليتامى ليسلما
فرد عليه البرقعاوي قوله:
الا قاتل الله الفرات فإنه ... يبيت على آل الرسول محرما
فجذبت الأقوال الاستاذ جاسم الزيادي نحو مجاراتهما في الشعور نفسه فقال:
فلو كان يدري بالذي حلّ فيهم ... لجاء لهم يسعى وصلى وسلما
وفاض إلى أقدامهم يطلب الرجا... ليعفو عنه الصابرون على الظما
فأجابه البرقعاوي، أيضا، بقوله:
لدار على تلك الخيام يشمُّها ... لقبل تربا تحتها ولسلما
فاستوقفني ذلك التجاذب في القول وفي الشعور بمأساة جرت على الفرات، فلم يحسن عندي أن يتهم الماءُ؛ فرأيت في موقف الماء غير ما ذهبوا اليه؛ إذ أرى أن النهر / الماء (الفرات) في موقفه لا يستحق من الشعراء أنْ يُلام او يقاتل او يلعن فذلك تجريم للماء من غير جرم على الرغم من أنّ الحسين واصحابه عليهم السلام يقاتلون على عطش، والماء لم يسقهم فقلت، من فوري، في ذلك:
ألا لم يعزَ المـــــاء فيه وإنّما ... أراد لهم سقيـــــــــا فسمَّى وتمتما
أتدرون عمّا بالفرات لغضبةٌ ... فلولا اصطبارٌ فيه طاف الى السما
فسنته المعروف لــــــكنّه غفا ... لحيـــــــن تمنى أنْ يجفّ ويعدمــا
لهول الذي يجري بجنبيه جَورهم ... وقتلٌ وطغيانٌ فمات على الظمــا
ولما رأى العباس فوقه جـــــــــاثيا ... ولم يشف جرحا في الشفاه تكرما
وغاص إليه الجــــــــاهلون بكفرهم ... وما شربوا إذ يشربون على العمى
تلجلج فيضا بيــــــــــن كفّ وجوده ... يروم شرابا من يديـــــــه فلملما
ولكنْ.. أبى العبـــــــاس شربا لجوده ... فأبكى عليه المـــــــاء حتى تكلما
فلا غاية للماء غيـــــــــــــرَ ضفافه ... فصارع صبر الحرِّ حينا وأكلما
وما زال حتــــى الآن صوتا مرددا ... لجود أخي العباس وما توسمـــــا
يذودان بالأرواح عن كلّ حرمــــــة ... فجاءا منـــــــاقبا فهل مَن تعلما
فيا ليت شعري هل ترى الناس ما جرى ... لعمري الا ما يقلّ وقلّـــــــــما
فما منــــــــــــــهمُ راء سوى ما يرونه ... فيسري على مسراهمُ ما توهما
قضى حينها كالشمس اذ ذاب ضوؤها ... فصلى على اجســادهم ثمّ سلما
فكان هذا مما يختلف فيه الشعور الذي يلون السلوك قولا أو فعلا بألوانه التي تتوزع بين الري والعطش من موسم إلى آخر فلست ممن يميل إلى مصطلح (إحياء شعائر الحسين) إنّما ذلك قول من عطش وهو على حافة ظلال الحسين؛ لأنّ من يعيش الظلال وفيها تحيا الشعائر فيه لا يحتاج إلى احيائها في المواسم، فكل الذي يحصل عنده أنها يوميا تجري في بواطنه وتداخل سكناته ولفتاته فتحتشد في موسم الذكرى وتظهر بصورتها الثانية الشاعرية، والشعائرية في التحول من المعنى إلى الحسيّ المرئي، سمّي ما شئت من الباطن إلى الظاهر، هكذا.
اقول قولي هذا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله الطيبين الطاهرين داعيا الله أن يتقبل هذا عني، وأن يشمل والدي بثوابه، فكم كان يحب حديثا مثله، حين كنّا نتحاور في الطريق فيه. السلام على الحسين وعلى أخيه ابي الفضل العباس وعلى أصحابه وولده ومن استشهد بين يديه وعلى طريقه.
رياض البديري / النجف الأشرف
محرم الحرام 1444 للهجرة

اعضاء معجبون بهذا

حين يسقط القناع: قراءة نفسية في تغيّر الصديق الطيّب
بقلم الكاتب : حنين ضياء عبدالوهاب الربيعي
كان يبدو صديقًا حقيقيًا، قريبًا للروح، تتحدث إليه فيفهمك دون أن تشرح كثيرًا. عاش بينك زمنًا من المودّة والصدق الظاهري، حتى ظننت أن صداقتكما من النوع الذي لا يتبدّل. لكنك كنتَ مخدوعًا أو بالأحرى كنت ترى الوجه الذي أراد أن يُريك إياه. فجأة تغيّر. صار يتصرف بسوء، يتحدث عنك في غيابك، يذكرك بأقبح الكلام،... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...
كان يتذمر،والشكوی تضحك في فمه كيف يعلِّمني صبيٌّ علی كلٍّتلميذٌ صغير  وسأعيد تربيته أنا...


منذ 3 ايام
2025/11/16
احلفكم بالله ايها المحللون والاعلاميون اتركوا المنتخب العراقي وشأنه ولا تضعوا...
منذ 3 ايام
2025/11/16
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء السادس والسبعون: كون داخل الكون: العوالم المتعددة...
منذ 3 ايام
2025/11/16
منذ سنوات برزت ظاهرة من قبل بعض جماهير الاندية الكبيرة ضد نادي الزوراء وانتشرت...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )