ذكر ابن النديم في كتابه ((الفهرست)) تحت باب ( كيف ينبغي للإنسان أن يدخل في الدين) قال وينبغي للذي يريد الدخول في الدين أن يمتحن نفسه فان رآها تقدر على قمع الشهوة والحرص وترك أكل اللحمان وشرب الخمر والتناكح وترك أذية الماء والنار والسحر والرياء فليدخل في الدين وإن لم يقدر على ذلك كله فلا يدخل في الدين وإن كان يحب الدين ولم يقدر على قمع الشهوة والحرص فليغتنم حفظ الدين والصديقين وليكن له بإزاء أفعاله القبيحة أوقات يتجر فيها للعمل والبر والتهجد .
كما ذكر أن ديانة الصابئين، وهي ديانة قائمة على تقديس الكواكب، (تفترض عليهم من الصيام ثلاثين يوما أولها لثمان مضين من اجتماع آذار (وهو شهر مارس)، وتسعة أخر أولها لتسع بقين من اجتماع كانون الأول (وهو شهر ديسمبر)، وسبعة أيام أخر أولها لثمان مضين من شباط (وهو شهر فبراير). وصيام السبعة هوأعظم أنواع الصيام لديهم. وأعيادهم: عيد يسمى عيد فطر السبعة (وهو يعقب صيام سبعة الأيام) وعيد يسمى عيد فطر الشهر أو عيد فطر الثلاثين (وهو يعقب صيام الثلاثين يوما).
ويظهر مما ذكره في هذا الصدد أن صيام الثلاثين لديهم كان إمساكا مطلقا عن جميع أنواع الطعام والشراب من طلوع الشمس إلى غروبها وكذلك كان صيام تسعة الأيام على حين أن صيام السبعة كان مقيدا، فكانوا ((لا يأكلون في هذه الأيام شيئا من الزفر ولا يشربون الخمر))( ).
وذكر في أثناء كلامه عن أشهرهم أنهم ((كانوا يقدمون بصيام الثلاثين تكريما للقمر، وبصيام تسعة الأيام تكريما لرب البخت( )، وبصيام سبعة الأيام تكريما للشمس، وهي الرب العظيم ورب الخير)). ولهذا كان صيام السبعة أهم أنواع صيامهم. فجميع أنواع صيامهم إذن كانت تكريما للكواكب ومظهرا من مظاهر عبادة الأفلاك السماوية.).
وذكر المؤلف نفسه في أثناء كلامه على الثنوية الكلدانيين أو المانوية (ودياناتهم مزيج من البابلية القديمة والمسيحية والفارسية، وفيها مظاهر كثيرة لتقديس الكواكب وهم ينسبون إلى زعيمهم مانى بن فتق) ما يستفاد منه أنه كان لهم صوم أسبوعى وصوم شهري وصوم سنوى. فكانوا يصومون الأحد والاثنين من كل أسبوع، واليومين الأولين وسبعة أيام أخرى من كل شهر قمرى، وأربعة وثلاثين يوما سنويا. منها يومان متتابعان عند نزول الشمس القوس، ويومان متتابعان عند نزولها منزلة الجدي، وثلاثون يوما متتابعة عند نزولها منزلة الدلو.
ويستفاد مما ذكره هذا المؤلف وما حققه بعض الثقات من علماء الغرب في هذا الصدد أن جميع أنواع الصيام عند المانوية، سواء في ذلك صيامهم الأسبوعي وصيامهم الشهري وصيامهم السنوى، كانت قائمة على الاعتبارات نفسها التي كان يقوم عليها الصيام عند الصابئين، أي على تكريم الكواكب وعبادة الأفلاك السماوية، وخاصة الشمس والقمر اللذين كانوا يعتبرونها كبيرى آلهتهم. وتقدم لنا كذلك الديانات الهندية، وخاصة البرهمية والبوذية، أمثلة كثيرة للصيام ذي المواقيت الدورية المتصل بظواهر الفلك وخاصة ظواهر الشمس والقمر. فقد فرضت شريعة البرهمين الهندية على طبقة الكهنة (التي يطلق على أفرادها إسم البراهمة) الصيام يومى الاعتدالين، وهما أول فصلى الخريف والربيع، ويومى الانقلابين، وهما أول فصلى الشتاء والصيف، واليومين الأول والرابع عشر من كل شهر قمري، اى فى مبدأ ظهور والهلال وعندما يصير بدار. وتوجب شرائع مانو (وهي التي تألف كبار الكهنة من البرهمين، على طبقة السناتا ،Sanatakas وهم قسم من شرائع الديانة الابراهمية) أن يكفوا عن الأكل والشرب والنوم والسفر من غروب الشمس الأحمر كل يوم.
وقد فرضت ديانة البوذيين الصيام من شروق الشمس إلى غروبها في أربع ايام من أيام الشهر القمرى يسمونها أيام، (Upisata ((اليوبوذانا) وهي اليوم الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرين، أي في مبدأ كل منزلة من منازل القمر الأربع، كما أوجبت فيها الراحة التامة، وحرمت مزاولة أي عمل حتى إعداد طعام الإفطار. ولذلك يعمل الصائمون على إعداد طعام إفطارهم قبل شروق الشمس من كل يوم من هذه الأيام الأربعة.
وفي الديانة اليهودية أمثلة كثيرة لهذا النوع من الصيام وهو المرتبط بظواهر فلكية وبمواقيت دورية تتكرر كل أسبوع أو كل شهر أو كل عام. فمن ذلك صيام اليوم العاشر من الشهر السابع العبرى (يوم (كبور) أو يوم الكفارة). ( وقد كتب هذا الصوم على اليهود للاستغفار وطلب العفو عن الخطايا بنصوص صريحة في التوراة نفسها)( ).
( ) الزفر كلمة علمية معناها لحم الحيوان وما يستخرج منه..
( ) هو ((زيوس) أو ((جويتر)) أو كوكب المشتري، على ما ظهر من سياق كلامه وما ذكره في موطن آخر عن صفات هذا الكوكب
( ) ) أنظر الإصحاح السادس عشرة و 27 وتوابعها من الإصحاح الثالث والعشرين. وأنظر ) كذلك سفر العدد: فقرة 7 من الإصحاح التاسع والعشرين







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN