العلم اليوم، هو كلّ قضيّة قابلة للإثبات والتحقُّق من صدقها، عبر المناهج التجريبيّة؛ هذا ما يقوله بعض المفكِّرين المادّيّين. وقد حدث في العصور المتأخِّرة نسبيًّا، أنْ تمَّ حصر القضايا التي تنتج علمًا، بتلك التي تقبل التجربة والتحقُّق، كقضايا الطبّ والهندسة والفيزياء والكيمياء؛ وأمّا القضايا التي تتحدَّث عن أمور غيبيّة لا نراها، فلا يمكن اعتبارها قضايا علميّة، بل هي أقرب إلى الأشعار والكلام المجازيّ.
يتقوّم الجواب عن هذه الشبهة بمقدِّمات:
1. ينطلق هذا الادّعاء من قضيّة، وهي أنّ الوجود منحصر بالمادّة، ولا وجود لأمر غير مادّيّ. وبتعبير آخر، حين يقول صاحب هذه الشبهة: إنّ كلّ قضيّة لا يمكن التحقُّق منها بطريق تجريبيّ، ليست قضيّة علميّة، فهو يحكم من حيث لا يشعر، أنّ كلّ ما لا يمكن أن يخضع للتجربة، غير موجود.
2. إنّ الحكم على شيء بأنّه موجود أم لا، لا بدّ من أنْ ينطلق من برهان ودليل، بحيث يمكن القول بضرس قاطع: إنّ هذا موجود، أو غير موجود. وبعبارة أخرى، ثمّة فرق بين قول: لا أعلم إنْ كان يوجد شيء غير مادّيّ، وقول: الشيء غير المادّيّ قطعًا غير موجود؛ فالقول الأوّل هو اعتراف بعدم المعرفة، بينما القول الثاني هو إقرار حاسم بالمعرفة.
3. إنّ الحكم على ما وراء المادّة بأنّه موجود أو غير موجود، لا يمكن أن يعتمد على الطريقة المادّيّة في التحقُّق؛ أي التجربة؛ لأنّ التجربة منهج لا يمكنه التحقُّق من وجود غير المادّة أو عدم وجوده؛ لذا، لا يمكن أن تعطينا التجربة حكمًا على ما وراء المادّة.
انطلاقًا من هذه المقدّمات، يمكن القول: إنّ الشبهة المذكورة أعلاه، ليست إلّا خلطًا بين الجهل من جهة، والحكم بعدم الوجود من جهة أخرى؛ أي إنّ الأدوات التجريبيّة قاصرة عن أن تحكم على القضايا الدينيّة الغيبيّة، كوجود اللَّه -تعالى- ووجود العالم الآخر؛ ومن ثمّ لا يمكنها أن تدّعي أنّ القضايا غير التجريبيّة ليست إلّا وهمًا، بل إنّ الأمر الذي ينبغي أن يُقال هنا، هو أنّه لا بدّ من الالتجاء إلى أداة منهجيّة، وإلى نوع من الأدلّة التي تسمح لنا بالحكم على القضايا الدينيّة الماورائيّة. وما يطرحه العلماء في هذا المجال هو البرهان؛ أي الدليل العقليّ المعتمِد على البديهيّات العقليّة، التي قد لا تكون حسّيّة بالضرورة.
- للمراجعة اجوبة الشبهات العقدية الصادر عن دار المعارف الإسلاميّة الثقافية.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN