من كتاب العلاقات الاجتماعية في الإسلام لعباس علي الموسوي : دعا الإسلام إلى الألفة والمحبة بين جميع الناس وأوصاهم ان يتعارفوا ويتألفوا ، وأكد على ذلك وشدد عليه في حق القرابة المعبر عنها بالرحم . . هذه الرحم أوصى الله بصلتها ونهى عن قطيعتها وحذر الأرحام من التدابر والتقاطع ، وليس معنى ذلك ان تصبح القرابة صنماً يتحكم بعواطف الناس وعقائدها وتتحول الأرحام إلى آلهة تجرف في طريقها كل عدل وحق ويتحول على أساسها الباطل إلى حق والحق إلى باطل . . . بل معناها أن يكون بين الارحام تواصل وتعاطف وتواد في الله ومن أجل  الله . . فتتحول هذه الصلة إلى طهر ونزاهة يجتمع فيها الأرحام على طاعة الله وتقواه ولا يفصهما ولا يزلزلها حادث عابر أو قضية تافهة ومن هنا كان للأرحام حقوق أشد وأقوى من حقوق سائر المسلمين يحسن بنا ان نمر عليها ونتدبرها . . .
صلة الأرحام :
الأرحام مفهوم يعنيه والقدر المتيقن منه الآباء والأخوة والأعمال والاخوال وأولادهم المباشرون  وهؤلاء أمرنا الله بصلتهم وفرض علينا التعاون معهم وكانت الوصية بالأرحام من الله لكي تحفظهم ونرعاهم .
قال تعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء : 1] .
عن جميل بن دراج قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من قول الله عز وجل : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1].
قال : هي أرحام الناس أمر الله تبارك وتعالى بصلتها وعظمها ألا ترى انه جعلها منه(1).
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : إن الرحم معلقة بالعرش تقول : اللهم صلى من وصلني واقطع من قطعني وهي رحم آل محمد . . . إلى أن قال : ورحم كل ذي رحم (2).
قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ومن قطعني في الدنيا فاقطع في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه (3).
قطيعة للرحم :
وإن من الذنوب الكبيرة والجرائم العظيمة أن يقطع الإنسان رحمه ويناصبه العداء ويقف في وجهه شاهراً لسانه معلناً غضبه . . إن قطيعة الرحم من الكبائر وهي لا تجوز في قاموس المسلمين وإن كنا نجد هذه الظاهرة موجودة ولو بدرجة خفيفة فإن بعض الناس يتخذ فوراً موقف المقاطعة من ارحامه لمجرد أن يختلفوا معه في الرأي أو لم يوافقوه في قضية .. إن الأخ قد يصرم اخاه ويمتنع عن الكلام معه ويقطعه حتى يصل الأمر به ان يمتنع عن إلقاء التحية عليه إذا مر به وقد يتطور الحال إلى درجة الشتائم والسباب والغيبة ناسياً علاقة الرحم والقرابة الحميمة.
إن موقف الأرحام بعضهم من بعض يجب أن يتخذ طابع الرحمة والتعاطف والتواد فهذا هو الذي أمر به الإسلام.
وقد يترتب على قطع الرحم آثار سيئة وعقوبة جسيمة وعذاب من الله شديد وهذه بعض آثار قطيعة الرحم وبعض آثار صلة الرحم :
آثار قطيعة الرحم :
1- إن أهم أثر لقطيعة الرحم أنها تدخل النار وتغضب العزيز الجبار فإن الله أوعد بعذاب أليم لمن قطع رحمه.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أخبرني جبرائيل أن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ، ما يجدها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان (4).
2- من آثار قطيعة الرحم ان تتحول الأموال إلى أيدي الأشرار.
عن الإمام علي (عليه السلام) : إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار (5).
3- إن قطيعة الرحم من الذنوب التي تعجل الفناء.
لأن قطيعة الرحم سوف تجر إلى المشاحنات والخصام والصدام وقد يؤدي هذا إلى القتل والأقتتال .
ففي خطية لأمير المؤمنين يقول : أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء . . فقام إليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال : يا أمير المؤمنين : أو تكون ذنوب تعجل الفناء ؟
فقال : نعم ويلك قطيعة الرحم (6).
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : الذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم (7).
4- إن قطيعة الرحم سبب لحلول النقم .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : حلول النقم في قطيعة الرحم (8).
5- إن قاطع الرحم لا تنزل عليه الرحمة بل وحتى القوم الذين هم معه.
عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم ..(9).
6- إن قطيعة الرحم تمنع الملائكة من النزول عليه بل على قوم هو فيهم.
قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن الملائكة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم.
7- إن قاطع الرحم يعجل له العقوبة في الدنيا مع ما له من العذاب في الآخرة.
عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما من ذنب أجدر من ان يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب(10).
الآثار الإيجابية لصلة الرحم :
وإذا كان ما تقدم هي الآثار السلبية لقطيعة الرحم فإن لصلة الرحم إيجابيات كثيرة وعظيمة جدير بكل إنسان عاقل أن يتدبرها ويكتسبها ويبحث عنها ويوفرها لنفسه فإنها في متناول يده وتحت سلطانه ولا يستطيع أن يأتي بالمعاذير فإنها غير مقبولة على الإطلاق وهذه الآثار الإيجابية هي :
1- إن في صلة الرحم طاعة الله وامتثالاً لأمره وهذا المعنى هو غاية مطمح أنظار المؤمنين فإنهم باستمرار يبحثون عن رضاه ويكون ذلك من أهم عوامل إدخال السرور عليهم والراحة لنفوسهم . .
2- صلة الرحم تزيد في العمر لأن قطيعة الرحم إذا كانت تقصر العمر لأنها تورث الهم والسحناء في النفوس وتسبب القتل والنزاع بين الأرحام فإن صلة الرحم توجب الراحة والسرور وسلامة الطوية وتزرع الألفة والمحبة ، وهذه أسباب في إطالة عمر الإنسان بحسب العادة مضافاً إلى أن الله بقدرته العظيمة قد يرتب الأسباب لإطالة عمر الإنسان ويجعل أحدها صلة الرحم . .
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً أحد أصحابه واسمه نوف : يا نوف صل رحمك يزيد الله في عمرك (11).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها الله عز وجل ثلاثين سنة ، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ثم تلا : { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد : 39](12).
3- إن صلة الرحم تهون سكرات الموت وشدائده وتقي من ميتة السوء.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) : من أحب ان يخفف الله عز وجل وعنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه باراً ، فإذا كان كذلك ، هون الله عليه سكرات الموت ، ولم يصبه في حياته فقرأ أبداً (13).
عن الإمام الهادي (عليه السلام) : فيما كلم الله تعالى بن موسى (عليه السلام) قال موسى : إلهي فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال يا موسى له اجله وأهون عليه سكرات الموت (14).
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : صلى الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء(15).
4- إن صلة الرحم تنفي الفقر وتجلب الخير لأن التواصل والتحابب يجعل من الناس وسائل تبحث عن راحة أحبابها وأصدقائها وتسعى في سبيل رفع العوز عنهم ونفي الفقر وهذا يستدعيهم ان يبحثوا عن ذلك ويوفروه لهم.
عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : صلة الرحم تزيد في العمر وتنفي الفقر ..(16).
5- إن صلة الرحم تزيد في الرزق لأن الأرحام يهمهم ان يتحول كل أرحامهم إلى أغنياء أثرياء فيبحثون لهم عما يوفر ذلك.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من سره ان يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه ..(17).
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم (18).
6- إن صلة الأرحام تعمر الديار وعمارتها إن كان المقصود بها تردد الناس بعضهم على بعض فهذا واضح وإن كان عمارتها بمعنى إشادتها فهذا من باب حفظ الأموال وصيانتها لعدم وقوع المنازعة بين أربابها.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الأعمال وإن كان أهلها غير أخبار ..(19).
أفضل صلة الرحم :
وأفضل صلة الرحم وأعظمها إذا كان الرحم قاطعاً لها فإن صلتها حينئذ تكون خالصة لوجه الله صافية من جميع شوائب الرياء والتعصب للأهل والأقارب .. فإن في حالة الرضا والوفاق تتدخل المصالح والمنافع والقرابة ولكن إذا كان رحمك قاطعاً لك تستطيع ان تصله وبعملك هذا تخرجه من عدائه لتضمه إلى جانبك في حب ورضى . . . بل الإسلام يفرض عليك عدم مقاطعة أرحامك وإن كادوك ونصبوا لك العداوة وحاولوا الإضرار بل . .
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول الله إن أهل بيتي أبوا إلا توثبا علي وقطيعة لي فأرفضهم ؟.
فقال : إذا يرفضكم الله جميعاً.
قال : فكيف أصنع ؟
قال : تصلي من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك فإنك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عز وجل ظهير(20).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تقطع رحمك وإن قطعتك . .(21). 
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أوصي الشاهد من امتي والغائب منهم ومن في أصحاب الرجال النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنة فإنك ذلك من الدين . .(22).
وهذا الحديث يقطع أعذار المتعللين بالبعد أو كثرة الشغل أو زيادة الهم والاتعاب  . . .
استحباب الإنفاق على الرحم :
وإذا كان للمسلم أرحام يستحب له أن ينفق عليهم وخصوصاً إذا كانوا من النساء الآتي يحتجن إلى إعالة فإن النفقة عليهن أفضل من النفقة على الآخرين وكذلك الصدقة على الأرحام أفضل من الصدقة على غيرهم . . حتى الحقوق الشرعية إذا توفرت عند أحد يستحب أن يخص بها أرحامه الفقراء ويقدمهم على غيرهم من الفقراء . .
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : من عال ابنتين او اختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن الله (23).
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام ) قال : سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي صدقة أفضل ؟ فقال : على ذي الرحم الكاشح (24).
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : سئل عن الصدقة على من يسأل على الأبواب أو يمسك ذلك عنهم ويعطيه ذوي قرابته؟
قال : لا بل يبعث بها إلى من بينه وبينه قرابة فهذا أعظم للأجر(25).
صل رحمك ولو بالسلام :
وإذا أعوزك المال ولم تسعفك ذات يدك ان تبسطها إلى أرحامك وتمدهم بما أعطاك الله من فضله فلا تبخل عليهم بما تقدر عليه من الزيادة لهم والتردد عليه ولا أقل من السلام عليهم فإن صلتهم بهذا القدر القليل يطيب قلوبهم ويرفق مشاعرهم ويرزق الحب والثقة في نفوسهم وهذا القدر ينمو ويربو ويعطي أفضل الثمار.
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : صلوا أرحامكم ولو بسلام (26).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : صلوا أرحامكم ولو بالتسليم يقول الله تبارك وتعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء : 1] (27).
___________________
البحار : ج71 , ص98 , ح36. الكافي : ج2 , ص151 , ح7. الوسائل : ج21 , ص534 , ح27789. معاني الأخبار : ص330 , ح1. الوسائل : ج12 , ص273 , ح16287. الكافي : ج2 , ص347 , ح7. البحار : ج71 , ص94 , ح23. غرر الحكم : ص406 , ح9318. كنز العمال : ج3 , ص367 , ح6974. كنز العمال : ج3 , ص368 , ح6986. البحار : ج68 , ص383 , ح20. البحار : ج71 , ص93 , ح21. البحار : ج71 , ص66 , ح33. الأمالي للصدوق : ص276. أمالي الطوسي : ص481. البحار : ج71 , ص88 , ح2. الخصال : ص32 , ح112. الكافي : ج2 , ص152 , ح15. البحار : ج71 , ص94 , ح21. الوسائل : ج21 , ص538. الكافي : ج2 , ص347 , ح6. البحار : ج71 , ص105 , ح68. الوسائل : ج21 , ص527 , ح27765. الفقيه : ج2 , ص68 , ح1740. الوسائل : ج9 , ص412 , ح12359. البحار : ج71 , ص85 , ح96. الكافي : ج2 , ص155 , ح22.