استعرض الباحث الدكتور نعمة العبادي، بحثًا بعنوان (العلاقة الإشكالية بين ثقافة العزة وذاكرة الألم لدى أهل جنوب العراق، وانعكاساتها على صيرورة الهوية الوطنية). جاء ذلك في الجلسة البحثية الصباحية من اليوم الثاني للمؤتمر الدولي السنوي (ذاكرة الألم في العراق)، الذي يقيمه المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرّف التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، بالتعاون بين كرسي اليونسكو لدراسات منع الإبادة الجماعية في كلية الآداب - جامعة بغداد، ومؤسسة الشهداء، ومؤسسة السجناء السياسيين، والهيأة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، بتاريخ 16 – 17 نيسان 2025. وطرح الباحث السؤال المركزي لإشكالية هذه الدراسة الذي بحث في إجابته، وهو: كيف أثرت التفاعلات بين ثقافة العزة وذاكرة الألم لدى أهل جنوب العراق على تطور هويتهم الوطنية، وكيف شكّلت هذه العلاقة الملتبسة مواقفهم من الدولة العراقية طوال تاريخها الحديث؟ وأوضح الباحث أنّ منطقة جنوب العراق تُعد إحدى المناطق البارزة التي شكّلت الذاكرة التاريخية للعراق الحديث، إذ تتكون هذه المنطقة من محافظات ذي قار، والبصرة، وميسان، وهي تمثل نقطة التقاء بين الحضارات القديمة، كالحضارة السومرية، التي كان لها تأثير عميق في تطور ثقافة هذه المنطقة، ومع ذلك فإنّ سكان هذه المنطقة عانوا من محن متعددة، بدءًا من الاستعمار البريطاني؛ وصولًا إلى الأنظمة الاستبدادية التي سادت العراق، مما ترك آثارًا عميقة في الذاكرة الجمعية لسكان الجنوب.
وبيّن العبادي أنّ ما يميز الجنوب العراقي عن باقي المناطق في العراق، هو المزيج من الثقافات، والمعاناة المستمرة، والهوية المتشكلة على مرّ العصور، إذ نرى تأثيرًا كبيرًا للموروثات التاريخية التي تتسم بشعور عميق من العزة والاعتزاز الذاتي، ولكن في الوقت نفسه، هناك ذاكرة جماعية من الألم، والتضحيات التي خاضها أبناء هذه المنطقة في مواجهة الأنظمة القمعية، تشكل هذه الثنائية محورًا أساسيًا لفهم التوترات الاجتماعية والنفسية التي أفرزت هوية جماعية تختلف عن بقية مناطق العراق. ويهدف المؤتمر إلى تجاوز الماضي ببناء هوية وطنية عراقية مناهضة للتطرّف؛ من أجل ضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة خال من الألم، وتدوين جرائم التطرّف وعرضها أمام الرأي العام الدولي؛ للمساهمة في معالجة الآثار الاجتماعية والنفسية للعنف والإبادات الجماعية والجرائم والانتهاكات.