المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
Untitled Document
أبحث في الأخبار


قبح العذاب وشدته


  

852       04:39 مساءً       التاريخ: 2023-04-17              المصدر: الشيخ عبدالله الجوادي الطبري الاملي
المراد من {سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة: 49] هو قبح العذاب وشدته؛ وذلك لأن بني إسرائيل كانوا يقومون مقام العبيد والخدم والعمّال للأقباط ولحاشية فرعون بحيث كان يوليهم الشاق والمضني من الأعمال من قبيل الزراعة، وأعمال الطين، وصناعة اللبن، وحمل ما ثقل من الأحمال، والأعمال التي تبدو موهنة وحقيرة كالكنس والحفر وأمثالها (1) .
بالطبع إن هذا التفسير لـ {سوء العذاب} لا يكون صحيحاً إلا عندما لا تكون جمل الآية التالية؛ أي {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49] بياناً للجملة مدار البحث (كما أن وجود حرف العطف بعد يسومونكم سوء العذاب في الآية السادسة من سورة "إبراهيم" يؤيد ذلك، وإلا لكان المقصود من "سوء العذاب" هو ذاك الذبح للأولاد والاستبقاء للنساء ء وأخذهن أسيرات؛ كما أشار لذلك الكثير من المفسرين ومنهم الطبرسي (2).
على أي تقدير فإنه وفقاً للاحتمال الثاني تكون الجملتان اللاحقتان في الآية توضيحاً للجملة السابقة لهما فكأنّه يقول: إن سومكم شديد العذاب إنما يتمثل بذبح أبنائكم واستحياء نسائكم وأسرهن: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49]
أما الشاهد على كون الجملتين المذكورتين بياناً وتوضيحاً لجملة: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة: 49] فهو أنه على الرغم من أن هاتين الجملتين معطوفتان على بعضهما بالواو لكنّه لم يأت حرف عطف بينهما وبين جملة {يَسُومُونَكُمْ} [البقرة: 49] (3).
من الممكن أن يكون المقصود في موضع هو التذكير بالأنواع من العنايات الإلهية، نظير ما يُستفاد من جملة {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] ، فيكون الملحوظ هو تعدد النعم وكثرة الآلاء الإلهية. لذا فإنها أتت مع واو العطف الذي يحكي التعدد، أما في الموضع الذي لا يكون فيه هذا المعنى مراداً، نظير محلّ البحث، فإنّه يأتي من دون حرف العطف.
ويعد تعذيب بني إسرائيل من أبرز مصاديق {سوء العذاب} فهي مسألة موغلة في القدم ولا تختص بزمان ظهور موسى الكليم ونهضته الإسلامية من أجل ذلك فقد قال قومه له {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 129] فنبي الله موسى قد دعا بني إسرائيل إلى الثبات، ووعدهم بالنصر، وحذرهم من الاختبار الإلهي إن أهم عذاب تعرض له بنو إسرائيل هو هذا الرق الاستثمار، وأقذر من الاستعمار، وأقبح من المطلق الذي هو أسوأ من الاستبداد؛ إذ أن كل هذه المظالم تندرج تحت عنوان الاستعباد وإن أكثر اعتراضات موسى الكليم صراحةً كانت في قضية تعبيد بني إسرائيل عندما قال لفرعون: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22]
فالرق هو التبعية والعبودية المحضة. فمن كانت إرادته مقيدة بإرادة الآخر وكان فكره ودافعه خاضعين لفكر ودافع الآخر فهو يدعى أنه "عبد" وهوية الإنسان إنّما تظهر في سيرة علمه وسنة إرادته.
فإن كانت مثل تلك الأمور الإدراكية والتحريكية مقيدة وموثقة بمكان آخر فلن تعود للإنسان أي هوية من ذاته ولنفسه. حينها ستقطف. الشجرة الخبيثة ثمار مرة أخرى من قبيل الاستعمار و ... . الخ؛ فقطف ثمار الاستبداد وما شاكل يكون من بعد لملمة بساط الحرّية والاستقلال. من هذا المنطلق فقد سعى موسى الكليم - من أجل الخلاص من نظام التسلط، وبموازاة العمل على رفع الاستعباد - لأن يبسط بساط الحرية والاستقلال في محله الأصلي؛ وذلك لأنه إذا غادر الشيطان حل الملاك" (4)، أو "ما حل الملك إلا برحيل الشيطان" (5). إن أول ما تفوه به النبي موسى الكليم بعد الهداية إلى أصول الدين كان الأمر بتحرير المحرومين عندما قال لآل فرعون {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الدخان: 18] ؛ أي إن عباد الله مقيدون بالحكم الإلهي وإنكم قد اختطفتموهم خيانة، وحيث إنهم أمانة إلهية فلابد من جعلهم تحت قيادة أمين الله وأنا أمين الله.
أجل فالأمة الحرة هي التي بمقدورها أن تقيم الحكومة الدينية وتنقذ بلادها من نهب المتطاولين وسلبهم وغاراتهم بهذا التحليل يُعلم أن من أبرز مصاديق وسوء العذاب و"سوم العذاب" هو التعبيد والاسترقاق الذي يُفرز كل أنماط المساوئ والمآسي المريرة.
تنويه: ما كان قد فُرض على بني إسرائيل بعنوان أنه سوء العذاب قد حاق بفرعون نفسه: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 45].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. جامع البيان، ج 1، ص 356؛ والجامع لأحكام القرآن مج 1، ج 1، ص 361؛ وتفسير روض الجنان وروح الجنان، ج 1، ص 113 (وهو بالفارسية).
2. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 226 - 227.
3. راجع جوامع الجامع، ج 1، ص 50.
4. في إشارة إلى مصرع بيت شعر لحافظ الشيرازي ديوان حافظ، قصيدة الغزل المرقمة 232 "دیو چو بیرون رود فرشته در آید".
5.  في إشارة إلى مصرع بيت شعر لحافظ الشيرازي، ديوان حافظ، قصيدة الغزل المرقمة 175: به حكم آن كه چو شد اهرمن سروش آمد".


Untitled Document
حسن السعدي
البرق: قوة طبيعية مذهلة
د. فاضل حسن شريف
من دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة (ح 3) (أحدا صمدا)
عبد العباس الجياشي
الحارث بن النعمان الفهري ( يستعجل العذاب في الدنيا قبل...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 3)
إسلام سعدون النصراوي
بِدَايَةُ مَرْحَلَةِ التَّغْيِيْرِ الشَّامِلَةِ...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 2)
أنور غني الموسوي
الفرق بين التبيين والتفصيل والتصريف في القرآن الكريم...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب مسلم بن عقيل للشيخ البغدادي (ح 5)
علي جبار الماجدي
الكوفة شهري ذي القعدة و ذي الحجة سنة 60هـ
د. فاضل حسن شريف
كتاب الامام الباقر عليه السلام للشيخ الكعبي والقرآن...
حسن الهاشمي
الآثار الوضعية للذنوب... معالجة الاسلام لآفة الزنا (14)
د. فاضل حسن شريف
كتاب الامام الباقر عليه السلام للشيخ الكعبي والقرآن...
محمدعلي حسن
لا تعجب بعملك
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية في كتاب مناسك الحج للسيد السيستاني (ح 2)