علاقة التزكية بالمعرفة عند المدرسة الوجودية
المؤلف:
جواد علي كسار
المصدر:
فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة:
ص 290- 293 .
22-12-2014
6627
تولي المدرسة الوجودية عنايتها الكبرى بعنصر التزكية، فبالتزكية وتطهير
الباطن تتفتّح مكنونات الإنسان وقابلياته التكوينية، وتزداد سعته الوجودية فيرتقي
مرتبة على سلّم وعي حقائق القرآن.
نبدأ
بنصوص للإمام باللغة العربية نقتبسها من كتابه «شرح دعاء السحر» الذي يعود تأليفه
إلى عام 1347 هـ، حيث يواجهنا نصّ يربط بوضوح تام بين طهارة الباطن ومعرفة الحقيقة
القرآنية، نقرأ فيه : «وأنت إذا كنت ذا قلب منوّر بالأنوار الإلهية وذا روح
مستضيء بالأشعة الروحانية، وأضاء زيت قلبك ولو لم تمسسه نار التعاليم الخارجية، وكنت
مستكفيا بالنور الباطني الذي يسعى بين يديك، لانكشف لك سرّ الكتاب الإلهي، بشرط
الطهارة اللازمة في مسّ الكتاب الإلهي، ولعرفت في مرآة المثل الأعلى والآية الكبرى
حقيقة الكلام الإلهي وغاية تكلّمه تعالى»
(1). في هذه المعرفة الشهودية لا مكان للعلم
المكتسب، بل يتوقّف إدراك سرّ القرآن وحقيقته وغايته على توهّج نور الباطن.
في نص
عربي آخر يميّز الإمام بين ضربين من المعرفة القرآنية أحدهما معرفة الظاهر وهي
التي تتمّ بالفعّالية العقلية والنشاط الإدراكي، والثاني هو ما يلي ذلك من مراتب
معرفية وجوديّة تتوقّف على طهارة الباطن، إذ يقول : «فإنّ للقرآن منازل ومراحل وظواهر
وبواطن. أدناها ما يكون في قشور الألفاظ وقبور التعيّنات ... وهذا المنزل الأدنى
رزق المسجونين في ظلمات عالم الطبيعة. ولا يمسّ سائر مراتبه إلّا المطهّرون عن
أرجاس عالم الطبيعة وحدثه، والمتوضّئون بماء الحياة من العيون الصافية، والمتوسلون
بأذيال أهل بيت العصمة والطهارة، والمتّصلون بالشجرة المباركة الميمونة، والمتمسّكون
بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والحبل المتين الذي لا نقض له ... فإذا انشرح
صدره للإسلام وصار على هدى ونور من ربّه علم أنّ النور لم يكن محصورا في هذه
المصاديق العرفية ... بل يظهر له أنّ العلم أيضا نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء
من عباده»
(2).
كما
يقول في نصّ آخر يربط فيه بين السلوك المعنوي وتوالي المعاني، ما نصه : «واعلم أنّ
من أجلّ ما يرد على السالك بقدم المعرفة إلى اللّه من عالم الملكوت، وأعظم ما يفاض
على المهاجر من القرية الظالم أهلها من حضرة الجبروت، وأكرم خلعة البست عليه ... وأحلى
ما يذوقه ... انشراح صدره لأرواح المعاني وبطونها وسرّ الحقائق ومكنونها، وانفتاح
قلبه لتجريدها»
(3).
الحقيقة
يخلص الإمام إلى قاعدة جدلية تطّرد بين التزكية والمعرفة، يقول في تقريرها نصّا :
«كلّ من [كان] تنزّهه وتقدّسه أكثر، كان تجلّي القرآن عليه أكثر وحظّه من حقائقه
أوفر»
(4). فالتزكية تأتي في البدء ثمّ يأتي دور
العلم والتعليم، وهذا هو منطق القرآن :
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة : 2]. أجل، الهدف هو إيجاد المعرفة، بيد أنّ الطريق إلى
هذه المعرفة لا بدّ وأن يمر بالتزكية وإلّا فالنفوس لا تبلغ هذا الهدف :
«الهدف
الأساسي للوحي هو إيجاد المعرفة عند البشر؛ المعرفة بالحقّ تعالى التي تقع في
طليعة جميع الامور. وإنّما تمّ الحديث عن التزكية أولا ثمّ جاء التعليم من بعدها
[المنطق القرآني] وذلك لأنّ النفوس ما لم تتزك لا يمكنها بلوغ المقصد»
(5).
____________________
(1)-
شرح دعاء السحر : 56- 57.
(2)-
نفس المصدر : 38، وفيه إشارة إلى الحديث الشريف عن الإمام جعفر الصادق عليه
السّلام : «ليس العلم بالتعلم، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه تبارك وتعالى
أن يهديه». بحار الأنوار 1 : 225.
(3)-
شرح دعاء السحر : 37.
(4)-
نفس المصدر : 59.
(5)-
صحيفه امام 19 : 225، وقد كان يتحدث إلى جمع من مسئولي الحكومة عام 1985.
الاكثر قراءة في هل تعلم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة