المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الإمام علي (عليه السلام) أوّل من يقرع باب الجنة ويدخلها التجفيف الصناعي لبعض الفواكه طبيعة وأهمية الإدارة الإستراتيجية في المصرف ( المهمات الثلاث لإستراتيجية المـصارف ــ تكوين الإستراتيجية Strategy Formulation) التقسيمات العلمية للنفقات العامة أشكال النفقات العامة بطاقة الدرجات المتوازنة في اطار إستراتيجية المصرف وربط المكافأة معها ومزايا التغذية العكسية الحماية الجنائية للأموال العامة في ظل القوانين العقابية مكونات ثمار الخضار والفواكه اسلوب بطاقة الدرجات المتوازنة Balanced Scorecard, BSC ( تعريف البطاقة ومقاييس الاداء على مستوى المصرف) درجة الاستقلال الذاتي لمراكز المسؤولية في المصرف والتضحية بالأمثلية الجزئية للأقسام تـحديـد أسعار التحويـل فـي المـصارف على أسـاس التـفـاوض صناعة السكاكر والكراميل تكنولوجيا تصنيع الهلاميات تكنولوجيا تصنيع المرملاد تكنولوجيا تصنيع المربيات


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الغلط في الأسباب الذاتية المؤدية لفقدان الإدراك أوالإرادة  
  
2689   10:19 صباحاً   التاريخ: 20-3-2017
المؤلف : مجيد خضر احمد عبد الله
الكتاب أو المصدر : نظرية الغلط في قانون العقوبات
الجزء والصفحة : ص282.
القسم : القانون / القانون العام / المجموعة الجنائية / قانون العقوبات / قانون العقوبات العام /

نتناول في هذا المقام حالة الغلط في أسباب فقدان الإدراك والإرادة لجنون أو عاهة في العقل ، أو لحالة السكر أو التخدير التي نتجت عن مواد مسّكرة أو مخّدرة أعطيت للفاعل على غير علم  منه بها :

 أولاً – الغلط في حالة الجنون أو العاهة العقلية

الجنون (( مرض يفقد المريض قدرته على إدراك العلاقة بين العالم الحقيقي وأفكاره الذاتية ، ويعجزه عن التمييز والتفكير بوضوح فيقبل في يسر أفكاراً غير مألوفة ويتعرض للهذاء ، وتبدو أعراض الجنون في صورة هلوسة أو تخيلات أو هذيان أو انفعالات متغيّرة أو تغيرات في الإرادة )). أو هو (( اضطراب في القوى العقلية بعد تمام نموّها ، يؤدي إلى اختلاف المصابين به في تصوّراتهم وتقديراتهم عن العقلاء )) (1) .          والحق ، أن معظم الكتّاب لم يهتم أو ربما لم يهتد إلى الفارق الكبير بين مفهوم العاهة العقلية ومفهوم الجنون ، إذ ينبغي التمييز بين ( العاهة العقلية ) نفسها لكونها مرضاً يصيب القوى الذهنية بالخلل والاضطراب، و( الجنون ) بوصفه مظهراً قانونياً جنائياً للإصابة بها ، بحيث يرتب عليه القانون أثراً محدداً مقتضاه عدم قيام مسؤولية المصاب بتلك العاهة متى كان من شأنها القضاء على أحد شرطي المسؤولية وهما ( سلامة الإدراك والإرادة ) . ويطلق على هذا المظهر برمّته (( الجنون )) اصطلاحا (2). والعاهة العقلية طبقاً لمضمونها القانوني الجنائي هي (( اضطراب عقلي أو نفسي أو عضوي ذو أصل مرضي ذاتي ، يصيب السير الطبيعي للقوى والملكات الذهنية على نحو يفضي إما إلى فقد الإدراك أو الإرادة أو فقدهما معا ، أو إلى مجرد الإنتقاص من أحدهما أوكليهما  (3) . أما الجنون بوصفه مظهراً قانونياً جنائياً فهو (( مظهر من مظاهر اضطراب عقلي أو نفسي أو عضوي ، يكون من شأنه الإفضاء إلى فقد الإدراك أو حرية الاختيار أوكليهما معا ))،أو هو (( أحد مظاهر العاهة العقلية المؤدية إلى فقد الإدراك أو حرية  الاختيار )) (4 ). وبعبارة موجزة ، فإن الجنون يحيط بأنواع المرض العقلي كلها ، سواء اتخذ شكل الإضطراب العقلي أم الضعف الخطير في الملكات بكل ما يتضمنه هذا الضعف من صور . ولا يقيم القانون فرقاً بين الأنماط المختلفة لعدم سلامة العقل بالنسبة لمعيار المسؤولية الجنائية ، فأي منها يكفي أن يكون مانعاً من المسؤولية إذا سبّب فقدان المعرفة المطلوبة بموجب القانون أو أفضى إلى الفهم غير الصحيح أو المغلوط للحقيقة . وعليه يؤدي الجنون إلى عجز المجنون عن الإدراك أو المعرفة أو العلم بكنه أفعاله ، فيؤدي إلى نتيجتين :- الأولى ، عدم القدرة على معرفة ماهية الفعل ونوعه . و الثانية ، عدم القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ . والقول بأن أيّاً من هاتين النتيجتين تكون كافية لمنع المسؤولية إنما يقوم على أساس منطقي معقول ، لأن مَن لا يعرف على وجه الحقيقة ماذا يفعل ، لا يكون في وضع يجعله قادراً على تمييز صواب فعله من خطئه ، فالشخص المجنون الذي يقطع يد طفلة معتقدا على سبيل الغلط أنه يقطع شجرة ، فهو لا يعرف بالتأكيد طبيعة فعله ونوعه ، وهو من باب أوْلى لا يعرف صواب أو خطأ فعله (5)  . فيلازم ذهنه الغلط الدائم فيتوهم غير الحقيقة ويتصوّر صحتها . وحالات الخلط و التشوش الذهني المؤدية إلى الوقوع في الغلط بطبيعة الفعل عادة ما نجدها في حالات الجنون الشديد ، حين يكون الغلط منصباً على الفعل المحظور بوصفه أحد مكونات الركن المادي لا الوسيلة التي لا تعد كذلك . فلو إن مجنونا قتل آخر ظانّاً – على سبيل الغلط – أنه قتله بسهم ، على حين كانت وسيلته في القتل هي البندقية ، فلا يتعلق هذا الغلط بطبيعة الفعل أو نوعه،ومن ثم لا قيمة له في منع قيام المسؤولية الجنائية ، بخلاف ما لو ذبح هذا المجنون شخصاً بسكّين ظاناً أنه ينشر جذع شجرة ، فهو لم يكن يعرف حقيقة طبيعة فعله أو نوعه على الرغم من معرفته بأنه يستعمل سكيناً ، ولا يمكن لأحد أن يدّعي بأن معرفته بأنه يستخدم سكّينا ترقى إلى معرفته بطبيعة الفعل ونوعه المتمثل بقتل شخص آخر ، فمن غير الجائز الا رتفاع بالوقائع إلى مثل هذه الدرجة العالية من الذهول والخلط التي تســــــــمح بقــــــــــــــــول ذلك (6) . ولا يقتصر العلم الحقيقي على الفعل المادي والحركة العضلية فقط وإنما يمتد إلى نتائجه وظروفه أيضاً ،ومن ثم ينبغي للمجنون أن يكون علمه مشوشاً يشوبه الغلط في كل ذلك للقول بامتناع مسئوليته ، فالفعل في جريمة القتل العمد عبارة عن سلسلة سببية تبدأ بحركة عضلية أو امتناع وتنتهي بوفاة الضحية . وقد يعلم المتهم ( المجنون) انه يقوم بعمل ما على جسد شخص ما ومع ذلك لا يتوقع بأن يكون الموت نتيجة فعله ، كما لو أن مجنوناً قطع يد طفل لكي يعلّمه درساً ما ، ونتيجة لهذا الفعل مات الطفل ، فبالرغم من أن موته كان محتملاً ، إلاّ أن هذا المجنون لم يكن يتوقعه إذ إن قصد الإيذاء وإن كان متوافرا لدى المجنون إلاّ أنه وبسبب جنونه  لم يكن يتوقع الموت نتيجة لفعله ، الأمر الذي قد يدرأ المسؤولية الجنائية عنه بصدد الوفاة . ولمّا كان الفعل الجرمي يتضمن الظروف التي ترافقه بقدر الاتصال به من الناحية القانونية ، فإن الغلط في  هذه الظروف المصاحبة للفعل المادي  يكوّن غلطاً في الفعل نفسه ، ولذلك إذا اقدم مجنون  على قتل آخر معتقدا بسب جنونه انه في مقام الدفاع  الشرعي عن النفس فإنه لا يعد عالماً بطبيعة فعله و نوعه (7) . و يقتضى التنويه إلى أن حالات الغلط من وجهه النظر الطبية لا يقتصر وجودها على نطاق أوهام المجانين و هذيانهم ،إنما توجد أيضا في حالات التشوش و الخلط الذهني و غيرها . إذ يمكن أن يرتكب الفعل في حالة الغيبوبة الناجمة عن مرض مفاجئ ينتاب    المريض ، و إن هذا المريض يمكن أن يدرك الملامح المركزية لفعله و لكنه يبقى غير مدرك كنه  أفعاله، و بسب ظاهرة الانفصال هذه فإن الفعل لا يمكن تذكّره عند عودة المريض إلى حالته الطبيعية ، الأمر الذي يعنى أن فقدان الذاكرة يقوم دليلاً على أن الفعل قد تم في حالة الغيبوبة . غير أنه قد توجد بعض الحالات التي يكون فيها فقدان الذاكرة مزيّفاً ، أو يكون الإدراك فيها واضحاً وقت ارتكاب الفعل ولكن تذكّر التفاصيل والظروف قد يكون  غير واضح .ولهذا لا يكون المتهم قادراً في حقيقة الأمرعلى التذكّر ، فيمكن أن يرتكب المجنون فعلاً  جرمياً خلال فقدان ذاكرته ومن دون هذيان . والخلاصة ، أنه يجوز عدّ الإنسان مسؤولاً جزائيا عن فعل أو ترك ، على الرغم من اختلال عقله ، إنْ لم ينجم عن ذلك الاختلال العقلي اختلال وغلط في فهم الفعل ومعرفة طبيعته ونتائجه وظروفه(8) .

وهكذا يتضح بأن القانون رسم للمجنون معنىً أوسع من المعنى الذي رسمه له علم       الطب .  فكلمة المجنون ( Madness )  التي تعني في علم الأمراض العقلية زوالاً كاملاً للقوىالعقلية ناجماً عن مرض متعاظم كالشلل العام،  تعني في مجال القانون الجنائي على حد قول البروفيسور دي فابرس( De Vabress  ) الاختلال العقلي بمختلف أشكاله. ويعني الاختلال العقلي (( انعدام أهلية الفهم )) وعدم ممارسة قوة الإرادة على النحو الذي يمارسه الشخص الاعتيادي (9).  وقد نص المشرع الجنائي الأردني في المادة (92 ) من قانون العقوبات على ذلك بوضوح قائلاً : - (( 1- يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلاً أو تركاً إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزاً عن إدراك كنه أفعاله  أوعاجزاً عن العلم عليه بأنه محظور ارتكاب  ذلك الفعل أوالترك بسبب اختلال في عقله )) . والمادة (33) من قانون العقوبات اليمني بقولها : (( لا يُسأل من يكون في وقت ارتكاب الفعل عاجزاً عن إدراك طبيعته ونتائجه بسبب :- 1- الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية )) .  وكذلك المادة (10) من قانون العقوبات السوداني بقولها  : (( لا يعد مرتكباً جريمة الشخص الذي لا يكون ، وقت ارتكاب الفعل المكوّن للجريمة ، مدركاً لماهية أفعاله أو نتائجها أو قادراً على السيطرة عليها بسبب :-

 أ - الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية )) .         وبعد ، فإنه من خلال الإطلاع على صفات ومواصفات وطبيعة فئات المجرمين والتعرّف على أسباب إجرامهم – بقدر ارتباط وتعلق هذه الفئات بحالة الجنون – وجدنا أن الغلط المذهل في التفكير والتقدير ثم الخطأ في التصرف لا يظهر إلاّ في المجرمين الذهانيين   ( Psychotics  ) الأمر الذي نتناوله بالبحث دون الفئات الأخرى . فالمجرمون   الذهانيون ، هم المجرمون المصابون بلوثة عقلية تجعلهم بعيدين عن الواقع ، ويعانون من هلوسات سمعية وأوهام خيالية وغيرها من التصوّرات التي لا تمت بصلة إلى الواقع ، فقد يظن الذهاني – على سبيل الغلط – أنه شخصية دينية أو تاريخية أو سياسية مهمة أو مشهورة ، وقد يعتقد أو يتصوّر أشياء لا يتصوّرها غيره ، لأنها غير موجودة في الحقيقة . وعلى هذا، فإنه يقوم بارتكاب جريمته بناءً على الهلوسات والأوهام التي تدور في ذهنه ، فمثلاً يقدم على قتل أسرته لتصوره بأنهم قد ارتكبوا أخطاء تمس شرفه أو إنهم سوف يتصرفون على هذه الشاكلة مستقبلاً – خلافا للحقيقة – وقد أعطــــــى الباحث (  Gwynn Natter ( ثلاث خصائص للشــــــــــــــــخص الذهاني :-

 الأولى : تشويه الحقيقة بصورة كلية ( غلط في التفكير والتصوّر ) والثانية ، الحالة المزاجية غير المستقرّة والغريبة والمرفوضة . أما الثالثة ، فهي فقدان القدرة على التعامل مع الآخرين(10) . 

والشخص الذهاني يسمى بالمجنون حين يتصرف بصورة غير عقلانية ، وهو يصنف أحيانا تحت مرض ( الشيزوفرينيا ) أو مرض ( البارانويا) وكما يأتي :-

1- الشيزوفرينيا ( الفصام)   -(  Schizophreina )  

يعد من اخطر الأمراض العقلية الوظيفية واعقدها ،وذلك لمجهولية أسبابه . ومن بعض صفات المصاب به ( الابتعاد عن الحقيقة ) ، فضلا عن التدهور التدريجي في بناء الشخصية ، والميل إلى الصمت والخجل الشديد والحساسية المفرطة ، ( والميل إلى الخيال وتجاهل الواقع ) (11) .  ويعد هذا المرض كذلك في مقدمة الأمراض التي تدفع   بصاحبها إلى الجريمة ، وفيه تنفصم مركبات الشخصية بصورة عامة ويختل الجانب الانفعالي بصورة خاصة . وشخصية المريض تكون في حالة تبلد وعدم اكتراث ،و يكون الشخص بعيدا عن عالم الحقيقة والواقع ولا يكون لديه أي توافق بين تفكيره وانفعاله ، إذ تكون صلة المصاب بالعالم الخارجي الحقيقي منقطعة إنما ضعيفة جدا ، فهو يرتكب الجريمة ثم لا يلبث إن يعود سريعا إلى هدوئه ثانية ويرتبط بعالم الواقع (12) .

2- البر انويا ( جنون العقائد الوهمية ) –)  Paranoia  )

   وهي حالة يعاني المصاب فيها من أفكار تتسلط عليه فلا يمكنه مقاومتها ، كأن يعتقد بأنه ضحية اضطهاد أو إنه نبي أو يتقمص شخصية تاريخية معروفة ، وهذا النوع من الجنون يدفع إلى ارتكاب الجرائم تحت تأثير الأفكار المتسلطة عليه (13).  وإن الجرائم التي يرتكبها المصابون بهذا المرض تكون في الغالب وليدة هذاءات العظمة والاضطهاد والصراع اللاشعوري والانهيار العاطفي ، إذ يظن المريض – على سبيل الغلط – بأن شخصاً ما يضطهده ، ثم سرعان ما يحاول التخلص من تلك المخاوف غير الحقيقية القائمة في ذهنه دون الواقع ، وذلك من خلال إيذاء ذلك الشــــــــــخص ولو كان ذلك بقتله (14) .

وفي قضية من القضاء الإنكليزي ، أن شخص يدعى ( دانيال ماكناتن ) أقدم على إطلاق النار على سكرتير السيد ( روبرت بيل ) ويدعى ( إدوارد دراموتد ) ظنّاً أنه السيد بيل نفسه . ولدى النظر في قضيته ادعى(ماكناتن )أنه كان واقعاً تحت تأثير هذيان الجنون  ( Delusion Insanity) أو ما يسمى بجنون العقائد الوهمية ( البارانويا ) ، وقدّم دليلاً طبياً على ذلك ، فقرر المحلفون أنه غير مذنب بسبب الجنون ، ثم سُلّم إلى المستشفى بالطريقة الاعتيادية تسليماً مدنياً لخطورته . وان معيار ( ماكناتن ) هذا يتضمن ما يأتي :-

1. إنه يصار إلى تطبيقه فقط في حالة وجود نقص في التمييز أساسه مرض العقل ، وراثيا كان أو مكتسباً .

2. إذا تسبب نقص التمييز هذا في جعل المتهم عاجزاً عن فهم أو أدراك ما كان يفعل ، فيشوب تصرفه غلط يفضي إلى خطأ ، فلا يمكن عدّه مذنباً ولا يُسأل عن الجريمة ، حتى وإنْ كان مدركاً لما يفعل فلا يعد مذنبا ، إذا كان نقص التمييز هذا قد سبب عدم إدراكه أو عدم معرفته أن فعله خاطئ .

3. إذا علم أن المتهم تحت تأثير هذيان الجنون فهو من حيث المسؤولية في مقام ما لو كانت هذه الأوهام حقيقية (15) .      يبقى إن نقول بصدد معيار المنع الكلي للمسؤولية الجزائية ، بأن هناك عدة معايير للمنع الكلي للمسؤولية الجزائية بشأن حالة الجنون والعاهة العقلية ، يمكن تقسيمها إلى تقليدية وحديثة . أما المعايير التقليدية ، فقد انفرد بصياغتها القضاء الجنائي الأنكلوسكسوني ، الذي  استلزم لانعدام مسؤولية المصاب عقليا عن الجريمة التي ارتكبها أن يفقد كامل إدراكه و( فهمه ) لواقع الأمور حوله ، وأن يفقد القدرة تماما على التمييز بين الخير والشر ، وان تكون تصرفاته هوجاء وعنيفة . أما المعايير الحديثة ، فكان أبرزها معيار ( ماكناتن )  - (Mcnaghten test ) . الذي يطلق عليه جانب من الفقه إسم المعيار العقلاني ( Rational test)  ، أو معيار الخطأ والصواب ، ويقرر القضاء الإنكليزي أنه لكي يمكن تقرير عدم مسؤولية الفاعل بسبب العاهة العقلية ، يجب أن يثبت بأنه كان يعاني وقت ارتكابه الجريمة من عاهة عقلية يتعذر عليه معها (( العلم )) بطبيعة وصفه الفعل الذي ارتكبه ، أو أنه إذا استطاع ذلك فإنه (( لا يعلم )) علماً صحيحاً أو لا يعلم بان ما يقوم به هو (( فعل خاطئ )) . ويرى القضاء الأسترالي (( إن المقصود بالفعل الخاطئ هو عدم قدرة الفاعل على التقدير العقلاني للأمور قياسا على ما يفعله الشخص الاعتيادي السليم في تفكيره ))(16). أما المعيار الحديث الآخر فهو المعيار النفسي ((أو معيار فقد الإدراك أو حرية الإدراك )) ، الذي تدين له أغلب التشريعات التي اعتنقته ، فقد عبّر عنه الأستاذ (لوفاسير) بصورة واضحة إذ قال أنه يتعذر عدّ مجرد إصابة مرتكب الجريمة بالعاهة العقلية بصورها المختلفة معياراً للقول بامتناع المسؤولية الجنائية ،إنما يتعين التثبت من أن الشخص كانت له القدرة على (( فهم )) الموقف وإدراكه وقت الجريمة ، وان باستطاعته التصرف كما يجب عادة في ظل هذا الموقف ، بمعنى يجب التثبت – تمهيداً لتقرير حالة امتناع المسؤولية بسبب العاهة العقلية – من أن الفاعل كان وقت ارتكاب الجريمة إما فاقداً إدراكه أو حريته في الاختيار أو كليهما معا (17).

ويشار إلى أن المشرع العراقي نص في المادة ( 60 ) من قانون العقوبات على  أنه : (( لا يُسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة  فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون أوعاهة في العقل أما إذا لم يترتب على العاهة في العقل ... سوى نقص أو ضعف في الإدراك إنما الإرادة وقت ارتكاب الجريمة عدّ ذلك عذرا مخففاً )) .

ثانيا – الغلط في حالة السكر أو التخدير

لا يمكن إعفاء الفاعل من المسؤولية الجنائية إذا تناول مادة مسكّرة أو مخدرة إلاّ إذا  وقع ذلك رغما عنه أو على غير علم منه بها ، على نحو لا يمكن معه عدّه مخطئا في تناول المادة التي كانت سبباً في وقوع حالة السكرأو التخدير ، أما إذا غلط في المادة التي كانت موضوعة أمامه فتناولها على أنها مشروب اعتيادي فإذا هي مسكّر أو مخدر شديد التأثير ، فلا يمكن عدّه مخطئا مادام قد ثبت اتخاذه الحيطة اللازمة وتصرف تصرف الرجل المعتاد لو كان في مثل حالته وظروفه (18) . بمعنى أن المشرع يفترض في هذه الحالة أن يكون تصرف الفاعل حين يقدم على تعاطي مواد مسكّرة أو مخدرة مجرداً من الخطأ ، ويتحقق ذلك حين يقع الفاعل في غلط فيتناول المادة المسكّرة أو المخدّرة وهو جاهل بطبيعتها وآثارها ، فيكون غلطه هذا غير راجع إلى خطا قوامه الإهمال أو التقصير ، ومعيار ذلك أن شخصاً معتاداً لو وضع مكانه كان سيقع مثله في الغلط نفسه . ولقد قررت محكمة التمييز الجزائية السورية في هذا السياق بشأن هذا الشرط (( إنه يجب أن يكون تناول المدعي عليه للكحول قد حصل بسبب طارئ أو قوة قاهرة ، أي أن يكون في مطلق الحالات خارجا عن إرادته ولم يكن منه مختاراً ، كأن يكون مثلا قد وقع في غلط بين دواء مسكّر ، أو إن يكون قد أرغم قسراً على تناوله  )) (19) . أو كما لو تناول أحد المدعوين في حفلة ما قدحا قدّم له على أنه عصير ، فإذا به في الحقيقة مسكر أو مخدّر ، ثم يرتكب جريمته في ظل فقدان إدراكه و إرادته وعدم أدراك كنه أفعاله . ومناط الإعفاء من المسؤولية أن ينعدم العلم وتنعدم المعرفة لدى الفاعل حدّاً يفقد معه الإدراك والإرادة تماماً ، وتخفف المسؤولية بقدر الضعف في الملكات المذكورة. أما المشرع اللبناني فقد حدّد في الفقرة الأولى من المادة ( 235 ) من قانون العقوبات شروط امتناع المسؤولية ، بان يكون السكر أو التسّمم ناتجاً عن سبب طارئ أو قوّة قاهرة ، وأن يفضي ذلك إلى  فقدان الوعي أو الإرادة ، وان يكون ذلك معاصراً لإرتكاب الفعل الجرمي . وهكذا ، يقرر المشرع اللبناني الأمر نفسه الذي يقرره المشرع السوري، إذ قصد بالسبب الطارئ تجرد المتهم عند تصرفه من الخطأ لدى تناوله المسكّر أو المخدر ، وذلك عند غلطه بطبيعة هذه المواد وآثارها غلطاً لا يشوبه إهمال ولا يعتريه تقصير أو أية صورة من صور الخطأ، إذ لو أن شخصاً اعتيادياً كان في مثل مكانه وظروفه لوقع مثله في الغلط نفسه . أما المقصود بالقوة القاهرة هنا فهو أن يكون تناول المادة المسكّرة أو المخدرة قد حصل تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي أواستجابة لضرورة معينة كعلاج مرض أو التهيّؤ لجراحة . والذي يجمع بين حالتي السبب الطارئ والقوة القاهرة ، أن حدوث السكر والتخدير يكون متجرداً من الخطأ (20) .   ولو ألفينا المادة (60) من قانون العقوبات العراقي لوجدناها تعالج هذه الحالات بقولها :

(( لا يُسأل جزائياً من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقداً الإدراك أو الإرادة... بسبب كونه في حالة سكر أو تخدير نتجت عن مواد مسكرة أو مخدّرة أعطيت له قسراً أو على غير علم منه بها .... أما إذا لم يترتب على .... المادة المسكرة أو المخدرة أو غيرها سوى نقص أو ضعف في الإدراك أو الإرادة وقت ارتكاب الجريمة  عدّ ذلك عذراً مخففاً  )).

ويتضح من هذا النص إن المشرع العراقي قد اشترط لكي يصار إلى الإعفاء من المسؤولية الجزائية لفقد الإدراك أو الإرادة بسبب السكر أو التخدير أو تخفيفها ، أن تكون حالة السكر أو التخدير قد نجمت عن مواد مسكّرة أو مخدّرة أعطيت لمرتكب الجريمة عنوة دون رضاه ، أو أنه تعاطاها (( على غير علم منه بها )) وبأن من شأنها أن تسكّره أوتفقده وعيه ، كأن يتناول حبة أو قرصا أو اكثر معتقداً – على سبيل الغلط –إنها من العقاقير المسكنة أو الخافضة للحرارة  فإذا بها حبوب أو أقراص مخدرة (21) . وفي كل الأحوال ، يشترط في السكر أو التخدير المانع للمسؤولية الجنائية أن يكون قد حصل بغير إرادة الشخص ، ويتحقق ذلك في حالة الإكراه المادي أو المعنوي، أو في حالة الاضطرارأو الغلط العلاجي ، أو في حالة الغلط في ذات المسكّر أو المخدّر (22) . أما في الشريعة الإسلامية ، فإن (( فهم خطاب الشارع )) على الوجه الصحيح شرط من شروط صحة التكليف ، إذ إن قدرة المكلف على فهم خطاب الشارع هي مناط الامتثال لأوامره ، ومن لا يستطيع الفهم لا يستطيع الامتثال . وإنّ  (( العقل )) شرط آخر من شروط التكليف ، فهو أداة الفهم والتفكير ، وبه يمكن للإنسان أدراك مقصود الشارع وبزواله ينتفي أعظم مقوم من مقومات الإنسان ، فلا يصح تكليف بلا عقل (23). وفي الشريعة إذا حصل الإسكار رغماً عن الشخص نتيجة الغلط فيكون عليه الديّة والأروش عن الإصابات التي يحدثها في الأشخاص حال سكره ، وذلك لعدم وجود شخص آخر غيره يمكن تحميله مسؤولية هذه الإصابات (24) .

___________________________________

1- د. ضاري خليل محمود – أثر  العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية – ط/1 –   دار القادسية للطباعة/ بغداد – 1982 – ص 42 .

2- المصدر والموضع السابق .

3- المصدر السابق –ص 50 .

4- المصدر السابق – ص 53 .

5- د. كامل السعيد-شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات-ط1-الناشر الدار العلمية الدولية ودار الثقافة للنشر والتوزيع-عمان/الأردن-2002 – ص 589 وص 595 وما بعدها .

6- المصدر السابق- ص 598وما بعدها .

-H.Oppenheimer-The criminal responsibility of Lunatics- London-Sweet- 7

and- Mqxwell-1909-P.142-143.

146 -  8  -William C. Sullivan – Crime and insanity- London – 1924 –p .99. 145 

     and,p.152

نقلا عن د. كامل السعيد – المصدر السابق- ص 602 – 605.            

9- Royal Commission on Capital punishment -1949 1953 –London – Her      Majesty`s stationery        office – 1973 – p 412

نقلا عن د. كامل السعيد – ص 587 .

10- د.فتحية عبد الغني الجميلي-الجريمة والمجتمع ومرتكب الجريمة-دار وائل للنشر-عمان/الأردن-2001 –ص167 ومابعدها.

11 - د. ضاري خليل محمود-أثر العاهة العقلية في المسؤولية الجزائية –ط1-دار القادسية للطباعة-بغداد-1982– ص 77 .

12- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986 – ص 168 .وينظر د. فتحية عبد الغني الجميلي– ص 168.

13- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986ص 169 .

14- د. فتحية عبد الغني الجميلي – ص 168 وما بعدها .

15- -Lafave and Scott : Criminal Law – West published – St paul  Minnessota- 1979-p . 274 .                                                                                                                   

نقلا عن د. كامل السعيد – المصدر السابق – ص 582 – 584 .

16- د. ضاري خليل محمود – أثر العاهة العقلية – ص 101 .

17-  المصدر السابق – ص 109 .

18- د. محمد زكي أبو عامر ود.عبد القادر القهوجي-قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-الدار الجامعية للطباعة والنشر-بيروت-1984– ص 164 .

19-  عبد الوهاب حومد – الحقوق الجزائية العامة – ط/6 – المطبعة الجديدة / دمشق – 1963 – ص 550 .

20- د. محمود نجيب حسني-شرح قانون العقوبات اللبناني/القسم العام-المجلد الأول-ط3-منشورات الحلبي الحقوقية-بيروت/لبنان-1998 – ص 690 – 692 ، وص 692 هامش رقم (1) .

21- عبد المحسن السالم-العوارض الوجوبية والتقديرية للمسؤولية التأديبية للموظف العام/مقارنة بعوارض المسؤولية الجنائية في التشريعين العراقي والمصري-ط1-مطبعة عصام-بغداد-1986– ص 175 .

22- د. علي حسن الشرفي-شرح قانون الجرائم والعقوبات اليمني/القسم العام-ج/1 النظرية العامة للجريمة-ط3-1997– ص 349 .

23-د. محمد مسعود المعيني – الأكراه وأثره في التصرفات الشرعية –ط/ 1 – مطبعة الزهراءالحديثة – العراق / الموصل / 1985-ص 177- 179 .

24- د. علي حسن الشرفي – المصدر السابق – ص 349 وما بعدها .

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .






الأمين العام للعتبة الحسينية: ينبغي أن تحاط اللغة العربية بالجلالة والقدسية فهي سلاح الأمة وسبيل وحدتها ونهضتها
بالفيديو: الامين العام للعتبة الحسينية: مشروع الكابل الضوئي هو مشروع تنموي كبير سيرفع من سقف التنمية في محافظة كربلاء
بالفيديو: بحضور ممثل المرجعية العليا والامين العام للعتبة الحسينية.. جامعة الزهراء (ع) للبنات تحتفي بتخرج (دفعة طوفان الاقصى)
بالتعاون مع جامعة ليفربول وتستهدف مليون فحص مجاني... العتبة الحسينية تعلن عن موعد إطلاق حملة للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية