شقاء الشرك
المؤلف:
ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
تفسير الامثل
الجزء والصفحة:
ج4 ص363-364
28-09-2014
6013
نظراً إلى أنّ منشأ جميع أنواع الشقاء في نظر القرآن هو الشرك، ورأس مال جميع السعادات هو التوحيد، يتّضح لماذا يكون هؤلاء الضالون المضلون أظلم الناس. إنّ هؤلاء ظلموا أنفسهم كما ظلموا المجتمع الذي يقيمون فيه، إنّهم يغرسون النفاق والتفرقة في كل مكان، ويشكّلون سدّاً ومانعاً كبيراً في طريق وحدة الصفوف والتقدم والإصلاحات الواقعية(1)
ثمّ إنّه تعالى يصف وضعهم عند الموت فيقول: {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } [الأعراف: 37] أي أنّ هؤلاء سيأخذون ما هو نصيبهم وما هو مقدر مكتوب لهم من النعم المختلفة، حتى إذا استوفوا حظهم من العمر، وانتهوا إلى آجالهم النهائية، حينئذ تأتيهم ملائكتنا الموكلون بقبض أرواحهم.
والمراد من «الكتاب» هي المقدرات من النعم المختلفة التي قدرها الله تعالى لعباده في هذا العالم، وإن احتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الكتاب هو العذاب الإلهي، أو ما هو أعمّ من المعنيين.
ولكن بالنظر إلى كلمة (حتى) التي تشير عادة إلى إنتهاء الشيء، يتّضح أنّ المراد هو فقط نعم الدنيا المتنوعة المختلفة التي لكل أحد فيها حظ ونصيب، سواء المؤمن أو الكافر، الصالح والطالح، والتي تؤخذ عند الموت، لا العقوبات الإلهية التي لا تنتهي بحلول الموت، والتعبير بالكتاب عن هذه النعم والمقدرات إنّما هو لأجل شبهها بالأُمور التي تخضع للتقسيم والأسهم وتكتب.
وعلى كل حال، فإنّ عقوباتهم تبدأ منذ لحظة حلول الموت، ففي البداية يواجهون التوبيخ وعتاب الملائكة المكلّفين بقبض أرواحهم، فيسألونهم: أين معبوداتكم الّتي اتخذتموها من دون الله والتي طالما تحدثتم عنها، وكنتم تسوقون إليها ثرواتكم سفهاً. (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله).
فيجيبهم هؤلاء بعد أن يرون أنفسهم منقطعين عن كلّ شيء، ويرون كيف تبددت جميع أوهامهم وتصوراتهم الخاطئة حول آلهتهم وذهبت أدراج الرياح، قائلين: لا نرى منها أثراً وإنّها لا تملك أن تدافع عنّا، وإنّ جميع ما فعلناه من العبادة لها كان عبثاً وباطلا (قالوا ضلّوا عنّا).
وهكذا يشهدون على أنفسهم بالكفر والضلال (وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين).
إنّ ظاهر المسألة وإن كان يوحي بأنّ الملائكة تسأل وأنّهم يجيبون، ولكنّه في الحقيقة نوع من العقوبة النفسية لهم يُلفتون بها نظرهم إلى الوضع المأساوي الذي يصيبهم من جراء أعمالهم، ويرونهم كيف ضلوا وتاهوا في المتاهات والضلالات مدة طويلة من العمر، وضيّعوا كل رؤوس أموالهم الثمينة دون جدوى دون أن يحصدوا منها حصيلة مسِرَّة مشرّفة في حين أغلق في وجههم طريق العودة، وهذا هو أوّل سوط جهنّمي من سياط العقوبة الإلهية التي تتعرض لها أرواحهم.
_______________________
1- لمزيد من التوضيح راجع تفسير الآية21 من سورة الأنعام .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة