المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8258 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
مـحددات الطبقـة الاجتـماعيـة للمستهلك وقـياسهـا
2024-12-04
الطبقة الاجتماعية والمنزلة الاجتماعية وخصائص الطبقة الاجتماعية
2024-12-04
معطيات الإخلاص
2024-12-04
موانع الإخلاص
2024-12-04
حقيقة الإخلاص
2024-12-04
الإخلاص في الروايات الشريفة
2024-12-04

عمليات خدمة الأرض قبل الزراعة
11-2-2022
الكشف عن الكالسيوم Ca+2
3-6-2017
عموم اعتبار الإدراكات العقلية
1-07-2015
الوصية
22-10-2014
السبب هو الباعث الدافع إلى التعاقد
28-8-2020
معاينة المنقول
21-6-2016


الإشتراك واستعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى  
  
4374   01:37 مساءاً   التاريخ: 26-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 146 - 158.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

ولا بدّ فيه من تقديم اُمور:

الأمر الأوّل: في إمكان وضع الألفاظ المشتركة وعدمه، ثمّ في وقوعه بعد ثبوت إمكانه.

ففيه ثلاث مذاهب: مذهب القائلين بالإمكان، ومذهب القائلين بالاستحالة، ومذهب القائلين بالوجوب.

المذهب الأوّل: فاستدلّ له بوجوه أحسنها وقوع الاشتراك في اللّغة، وأدلّ دليل على إمكان شيء وقوعه، ووقوعه أمر وجداني ثابت بمثل التبادر ونحوه من سائر علائم الحقيقة، مضافاً إلى أنّ الإمكان يثبت بنفي أدلّة القائلين بالامتناع والوجوب كما سيأتي.

أمّا القائلين بالامتناع: فاستدلّوا له بدليلين:

الدليل الأوّل: ما ذكره غير واحد من أنّ الاشتراك مخالف لحكمة الوضع لأنّ به لا يحصل التفهيم والتفهّم.

وفيه: أوّلا: أنّه يمكن حصول التفهّم بالقرينة ولا حاجة إلى كونها لفظيّة حتّى يستشكل بأنّه تطويل بلا طائل بل يمكن كونها مقاميّة أو حاليّة، مضافاً إلى أنّه ليس من قبيل التطويل بل قد يكون موافقاً للفصاحة والبلاغة.

وثانياً: أنّه قد تقتضي الحكمة إطلاق الكلام مجملا مبهماً، والتكلّم من وراء الحجاب وغائباً عن الأغيار، ولا إشكال حينئذ في ثبوت الحاجة.

الدليل الثاني: (وهو مبني على كون الوضع بمعنى التعهّد والالتزام وكون الوضع تعييناً) استحالة أن يتعهّد الإنسان أوّلا على أن يستعمل اللفظ في أحد المعنيين للفظ كلّما استعمله في

كلامه، ثمّ يتعهّد ثانياً كذلك بالنسبة إلى المعنى الآخر، لأنّ أحد التعهّدين مناقض للآخر.

أقول: يمكن التعهّد والالتزام بأنّه كلّما استعمل هذا اللفظ أراد أحد هذين المعنيين، وأمّا تعيين أحدهما بعينه فهو إنّما يكون بالقرينة فلا يلزم حينئذ محذور التناقض.

وأمّا القائلين بالوجوب: (وهو في المقام بمعنى اللابدّية) فاستدلّوا له بأنّ الألفاظ محدودة والمعاني غير متناهية ولولا الألفاظ المشتركة لوقعنا في ضيق وحرج بالنسبة إلى المعاني التي لم توضع بإزائها ألفاظ، فلابدّ لنا من المصير إلى الاشتراك.

والجواب عنه:

أوّلا: إن كان المراد من عدم التناهي، عدم التناهي حقيقة فلا ترتفع الحاجة إلى غير المتناهي بالمتناهي ولو زيد عليه ألف مرّة كما لا يخفى، وإن كان المراد منه الكثرة.

ففيه: أنّ الألفاظ أيضاً كثيرة بل تتجاوز مئات الملايين كما يظهر لنا بمحاسبة ساذجة، بملاحظة ثلاثين حرفاً من الحروف الهجائيّة (لو فرضنا كونها ثلاثين حرفاً) وضربها في نفسها

 (30 × 30 = 900) ليحصل منه التراكيب الثنائيّة، ثمّ ضرب العدد الحاصل في الثلاثين أيضاً ليحصل به الكلمات الثلاثيّة (900 × 30 = 27000)، ثمّ ضرب العدد الحاصل في الثلاث لإمكان تغيير موضع الحروف الثلاثة وإمكان تصوير كلّ كلمة ثلاثيّة على ثلاث صور، (27000 × 30 = 810000) وهكذا إلى آخره فيضرب العدد الحاصل في الثلاثين أيضاً ليتشكّل منه الكلمات الرباعيّة، ثمّ ضربه في الأربع، ثمّ ضربه في اثني عشر، ثمّ في الثلاثين أيضاً، ثمّ في خمسة وعشرين ثمّ ملاحظة كيفية الحركات الثلاثة (810000 × 30 = 2430000 × 4 = 9720000 × 12 × 30 × 25 × ...) وعليه فلا إشكال في كفاية الألفاظ عن المعاني بل أنّها أكثر من المعاني، أي تكون القضيّة على العكس، فيمكن أن يقال: إنّ الألفاظ غير متناهية عرفاً، والمعاني التي نحتاج إليها في حياتنا متناهية.

ثانياً: سلّمنا كون المعاني غير متناهية وكون الألفاظ متناهية إلاّ أنّ كلّية كثير من الألفاظ بل أكثرها توجب رفع المشكلة لأنّ مورد الحاجة كثيراً ما يكون هو الكلّي وأمّا الجزئيات والمصاديق فترتفع الحاجة إليها بتطبيق الكلّي على الفرد كما لا يخفى، فإنّا نحتاج إلى وضع اسم لكلّي الحجر أو الشجر أو الدار مثلا ولا نحتاج إلى وضع لفظ لأفرادها بل نتكلّم عنها بتطبيق كلّياتها عليها.

وثالثاً: لا ينحصر طريق حلّ المشكل في الاشتراك بل إنّ باب المجاز واسع.

فظهر: أنّ الحقّ إمكان الاشتراك لا وجوبه ولا امتناعه، كما أنّ الحقّ إمكان الترادف أيضاً لكونه مقتضى حكمة الوضع، فربّما تقتضي الفصاحة استعمال ألفاظ مترادفة في معنى واحد للتأكيد أو غيره.

الأمر الثاني: في علّة الاشتراك ومنشئه

لا إشكال في أنّه من البعيد جدّاً أن يكون منشأ اشتراك بعض الألفاظ وضع واضع واحد، فيضع لفظاً واحداً تارةً لمعنى واُخرى لمعنى آخر، بل يحتمل فيه وجهان آخران:

الوجه الأوّل: أن يكون المنشأ تعدّد الوضع التعييني بسبب تعدّد القبائل والطوائف في لغة واحدة كأن تضع قبيلة لفظاً في معنى، وتضع قبيلة اُخرى من نفس تلك اللّغة ذلك اللفظ في معنى آخر.

الوجه الثاني: الوضع التعيّني، فوضع لفظ العين مثلا في بدو الأمر للعين الباكية ثمّ استعمل في الجارية مجازاً بعلاقة الجريان، وصار بعد كثرة الاستعمال حقيقة، وكذلك بالنسبة إلى المتجسّس بعلاقة النظر وكونه بمنزلة البصر على الخصم، وهكذا بالنسبة إلى سائر معانيه.

أضف إلى ذلك ما يقع في الأعلام الشخصيّة، فإنّه كثيراً ما يختارون اسم «محمّد» لأفراد كثيرة، أو اسم فاطمة لعدّة بنات تبرّكاً بإسم النبي (صلى الله عليه وآله) وبنته الزهراء (سلام الله عليها) ، فيكون هذا من أسباب الاشتراك في الأعلام، أو يسمّون مسجداً باسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض البلاد، ومسجداً آخر بإسمه (عليه السلام) في بلدة اُخرى وهكذا.

لكن هنا أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أنّا وإن قلنا بإمكان المشترك ووقوعه لا سيّما في باب الأعلام إلاّ أنّ كثيراً من الألفاظ التي يتوهّم كونها مشتركاً لفظيّاً، مشترك معنوي أو من

قبيل الحقيقة والمجاز، نحو «القرء» فإنّ المعروف كونه مشتركاً لفظياً وإنّه وضع للطهر تارةً وللحيض اُخرى، مع أنّه مشترك معنوي وضع لمعنى انتقال المرأة من حال إلى حال، والانتقال له فردان: الانتقال من الطهر إلى الحيض وبالعكس، ويشهد عليه استعماله في مطلق الانتقال في لسان القرآن وكلمات بعض أهل اللّغة، ولعلّ لفظ «العين» بالنسبة إلى معانيها الكثيرة أيضاً كذلك، كما يشهد له عبارات المفردات للراغب في ذيل البحث عن كلمة «عين» وإليك نصّها

بالحرف: عين = العين الجارحة ... ويستعار العين لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة، ويستعار للثُقب في المِزادة تشبيهاً بها في الهيئة وفي سيلان الماء منها، فاشتقّ منها سقاءٌ عيِّن ... والمتجسّس عين تشبيهاً بها في نظرها، وقيل للذهب عين تشبيهاً بها في كونها أفضل الجواهر، كما أنّ هذه الجارحة أفضل الجوارح، ومنه قيل: أعيان القوم لأفاضلهم، وأعيان الاُخوّة لبني أب واُم ... ويقال لمنبع الماء عين تشبيهاً بها لما فيها من الماء، وعن عين الماء اشتقّ «ماء معين» أي ظاهر للعيون ... ويقال لبقر الوحش «أعين» و «عيناء» لحسن عينيه. (انتهى).

ولا يخفى أنّ هذه العبارة تنادي بأعلى صوته أنّ العين ليس مشتركاً لفظيّاً، والظاهر عدم اختصاص هذا المعنى بهذه اللّفظة، بل يجري في كثير من الألفاظ التي يدّعي اشتراكها.

اللهمّ إلاّ أن يقال في خصوص لفظ «العين» إنّ ما ذكره الراغب في المفردات إنّما هو بيان لوجه استعمال العين في غير الجارحة المعروفة، والعلاقة الموجودة بينهما، ولكن بعد كثرة الاستعمال صار حقيقة فيها كما هو حقيقة في الجارحة المعروفة، فحصل الاشتراك اللّفظي.

وعلى كلّ حال نحن وإن قلنا بأنّ كثيراً من الألفاظ التي يتصوّر اشتراكها لفظاً تكون من المشترك المعنوي واقعاً، ولكن ما قد يظهر من بعض (مثل صاحب كتاب: «التحقيق في كلمات القرآن الكريم») من إرجاع جميع الكلمات المشتركة الواردة في القرآن الكريم إلى أصل واحد ممّا لا دليل عليه، ولا داعي له، ومن أقوى الأدلّة على نفي هذا القول بعض التكلّفات التي ارتكبها في كثير من اللغات المشتركة بداعي ارجاعها إلى أصل واحد.

الأمر الثالث: في إمكان وقوعه في كلام الله تعالى

ويدلّ عليه أوّلا: أنّه مقتضى بلاغة الكلام لأنّها تقتضي أحياناً إطلاق الكلام مجملا مردّداً، ولا إشكال في أنّ كلام الله تعالى أبلغ الكلمات.

وثانياً: ما قد يقال: إنّ أدلّ الدليل على إمكان شيء وقوعه، ولقد وقع استعمال المشترك في القرآن نحو لفظ العين فإنّه تارةً استعمل في العين الجارية في قوله تعالى { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر: 45] واُخرى في العين الباكيّة في قوله تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ } [يوسف: 84] ولكن قد عرفت الإشكال في كون لفظ العين من المشتركات اللّفظيّة.

هذا تمام الكلام فيما أردناه من الاُمور الثلاثة بعنوان المقدّمة.

ولنرجع إلى البحث في استعمال المشترك في أكثر من معنى، الذي له أثرات مهمّة في الفقه والتفسير، وليس محل النزاع استعمال اللفظ المشترك في القدر الجامع بين المعنيين فإنّه لا مانع منه ولا خلاف فيه، بل البحث في استعمال لفظ واحد في آن واحد في كلّ من المعنيين في عرض واحد، كما أنّ النزاع يعمّ الحقيقة والمجاز أو الحقيقة والكناية أي استعمال لفظ واحد في معناه الحقيقي والمجازي أو في معناه الحقيقي والكنائي في عرض واحد، لعدم كون النزاع مختصّاً بالألفاظ المشتركة، ولتداخل الجميع في كثير من الأدلّة، وعليه فعنوان البحث «هل يجوز استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى سواء كان من باب الاشتراك، أو الحقيقة والمجاز أو الحقيقة والكناية؟».

الأقوال في مسألة استعمال المشترك في أكثر من معنى:

والأقوال فيها كثيرة يمكن جمعها في ثلاثة:

الأوّل: الجواز مطلقاً، الثاني: الاستحالة مطلقاً، الثالث: التفصيل تارةً بين المفرد والتثنية والجمع، واُخرى بين النفي والإثبات.

وقد ذهب كثير من الأعاظم إلى الاستحالة عقلا، بل هو المشهور بين المتأخّرين مثل المحقّق الخراساني والمحقّق النائيني (رحمهما الله) وغيرهما، وذهب إلى الجواز في التهذيب والمحاضرات وهو المحقّق المختار.

واستدلّ القائلون بالاستحالة بما حاصله: أنّ استعمال لفظ واحد في المعنيين يستلزم الجمع بين اللحاظين في آن واحد وهو محال.

توضيحه: أنّ حقيقة الاستعمال ليست عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى حتّى يقال أنّه لا مانع من جعل لفظ واحد علامة لمعنيين أو الأكثر، بل هو فناء اللفظ في المعنى وجعله وجهاً ومرآة وعنواناً للمعنى، كأنّ ما يجري على اللسان هو نفس المعنى لا اللفظ، كما يشهد عليه سراية قبح المعنى إلى اللفظ وبالعكس، إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استعمال لفظ واحد في معنيين يستلزم كونه فانياً في كلّ واحد مستقلا، ومن المعلوم أنّ لحاظه كذلك في معنى ينافي لحاظه في معنى آخر فلا يكون وجهاً لمعنيين وفانياً في اثنين إلاّ أن يكون اللاحظ أحول العينين.

ويرد عليه:

أوّلا: أنّ القول بكون حقيقة الاستعمال فناء اللفظ في المعنى كلام شعري لا دليل عليه، بل هي عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى كما عرفت بيانه في محلّه، وأمّا قضيّة سراية القبح والحسن فليست من جهة الفناء بل هي ناشئة من كثرة الاستعمال وحصول الاُنس أو المنافرة بالنسبة إلى المعنى، ولذا لا يحسّ متعلّم اللّغة الجديدة قبحاً ولا حسناً في الألفاظ لعدم حصول كثرة الاستعمال والاُنس بالنسبة إليه.

ثانياً: سلّمنا كون اللفظ فانياً في المعنى لكن إنّما يستلزم المحال فيما إذا تحقّق اللحاظان في آن واحد، وأمّا ملاحظة المعنيين بلحاظين مستقلّين في آنين مختلفين قبل وقوع الاستعمال ثمّ استعمال اللفظ فيهما ثانياً فلا مانع منه ولا يلزم منه محذور ولا حاجة إلى لحاظ المعنيين في آن واحد، أي لا دليل على لزوم وحدة آن اللحاظ في الاستعمال.

وثالثاً: أنّ أدلّ دليل على إمكان شيء وقوعه، ولا ينبغي الإشكال في وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد في كلمات الفصحاء والبلغاء، كما يقال في جواب من شكى وجعاً في عينه الباكية وجفاف عينه الجارية: «أصلح الله عينك» ويراد منه كلا المعنيين، بل لا يخفى لطفه وأنّه يستحسنه الطبع والوجدان اللغوي، كما لا إشكال في أن يقول من دخل على زيد في داره ورأى جوده وسخائه مضافاً إلى كثرة رماده: «أنت كثير الرماد» بمعنيين فيريد المعنى الحقيقي والمعنى الكنائي معاً في استعمال واحد، وكقول الشارع في مدح النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) في شعر لطيف له:

المرتمى في الدجى والمبتلى بعمى *** والمشتكى ظمئاً والمبتغى ديناً

يأتون سدّته من كلّ ناحية *** ويستفيدون من نعمائه عيناً

فاستعمل لفظ العين في معان أربعة : الشمس والعين الباكية والعين الجارية والذهب(1).

لا يقال: إنّه استعمل حينئذ في الجامع بينهما وهو المسمّى بالعين فيكون من باب المشترك المعنوي، لأنّ استعماله في جامع من هذا القبيل في غاية الغرابة وخارج عن المحسنات الذوقيّة بل يوجب خروج تلك الأبيات عن جمالها ولطافتها إلى أمر مبتذل كما لا يخفى. مضافاً إلى كونه خلاف الوجدان، ولا فرق في ذلك بين كون العين مشتركاً لفظيّاً أو حقيقة في الجارحة ومجازاً في غيرها.

ورابعاً: الرّوايات الكثيرة الواردة في بيان أنّ للقرآن بطناً أو سبعة أبطن أو أكثر من ذلك ظاهرة في أنّ اللفظ الواحد استعمل في معان متعدّدة.

وقد جمعها العلاّمة المحقّق المجلسي(رحمه الله) في المجلّد 89 في كتاب القرآن في الباب 8 «أنّ للقرآن ظهراً وبطناً ...» وقد أورد فيها أكثر من ثمانين رواية كثير منها دليل على المطلوب.

منها: ما رواه عن المحاسن عن جابر بن يزيد الجعفي قال «سألت أبا جعفر(عليه السلام)عن شيء من التفسير فأجابني ثمّ سألته عنه ثانيّة فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: ياجابر، إنّ للقرآن بطناً وللبطن بطن وله ظهر وللظهر ظهر»(2).

ومنها: ما رواه عن تفسير العياشي عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن هذه الرّواية «ما في القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن ... ما يعني بقوله «لها ظهر وبطن» قال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما تجري الشمس والقمر...»(3).

وقد رويت هذه الرّواية في الوسائل بعبارة أوضح عن فضيل بن يسار قال سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن هذه الرّواية: «ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن» فقال: ظهره تنزيله وبطنه تأويله منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن يجري كما يجري الشمس والقمر ـ إلى أن قال ـ وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم »(4).

إلى غير ذلك ممّا ورد في هذا المعنى، هذا من جانب.

ومن جانب آخر هناك روايات كثيرة وردت في تفسير آيات القرآن ممّا لا يحتمله ظاهره أو يعلم أنّه ليس بمراد من ظاهره، مثل تفسير «البحرين» في قوله تعالى {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 19] بأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام)، وتفسير «اللؤلؤ والمرجان» في قوله تعالى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] بالحسنين (عليهما السلام)وكذلك تفسير «الماء المعين» في قوله تعالى: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] بظهور الحجّة (عليه السلام) وتفسير قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] (التفث بمعنى الوسخ) بلقاء الإمام (عليه السلام) حيث سأل عنه عبدالله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) فقال: أخذ الشارب وقصّ الأظفار وما أشبه ذلك، قال: جعلت فداك فإنّ ذريحاً المحاربي حدّثني أنّك قلت: ثمّ ليقضوا تفثهم لقى الإمام ... فقال: صدق ذريح وصدقت، إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً ومن يحتمل ما يحتمل ذريح »(5) إلى غير ذلك من أشباهه.

ولا ريب أنّ الحسنين (عليهما السلام) ليسا معنىً حقيقيّاً للؤلؤ والمرجان، وكذلك المهدي (أنفسنا لنفسه الوقاء) ليس مصداقاً حقيقيّاً للماء المعين بل معناه الحقيقي هو المادّة السيّالة المخصوصة حتّى أنّ الماء المضاف من معانيه المجازيّة فكيف بغيره؟ فلا يبقى هنا مجال إلاّ الاستعمال في أكثر من معنى، كلّ واحد مستقلّ عن الآخر، معنى حقيقي ومعنى مجازي (وإن كان المجاز هنا أرقى من الحقيقة من حيث الجمال الأدبي وروعة البيان).

إن قلت: لِمَ لا يجوز استعماله في القدر الجامع المشترك بين المعنيين اشتراكاً معنويّاً كأن يقال: إنّ المراد بالماء المعين هو الذي يكون سبباً للحياة، والمراد باللؤلؤ والمرجان هو الشيء النفيس مادّياً كان أو معنويّاً، وكذلك «التفث» أعمّ من الوسخ الظاهري والباطني، فالأوّل يزول بقصّ الأظفار وأخذ الشارب وغيرهما، والثاني بملاقاة الإمام (عليه السلام)؟

قلنا: أوّلا: لازم ذلك أن تكون الآيات القرآنيّة محمولة على المجازات كلّها أو جلّها لأنّ جميعها يشتمل على البطون، ومن الواضح أنّ البطن معنى مجازي (كاستعمال الماء المعين في المهدي أرواحنا فداه) واستعمال اللفظ في القدر الجامع بين المعنى الحقيقي والمجازي استعمال

مجازي (لأنّ النتيجة تابعة لأخسّ المقدّمتين) ولا يمكن الالتزام بذلك.

وثانياً: لازم ذلك أن يكون قوله تعالى: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)(مثلا) عامّاً شاملا لكلّ شيء نفيس، فلا ينحصر بوجود الحسنين (عليهما السلام) بل يشمل كلّ ما كان ثميناً معنويّاً، ولا يمكن الالتزام بذلك أيضاً، وكذلك الماء المعين يشمل جميع ما كان سبباً للحياة المعنويّة من العلم والتقوى والمعرفة، وكلّ إنسان له حظّ من المعنويات، وهل يلتزم القائل بذلك؟

وإن شئت قلت: الجامع بين خصوص «اللؤلؤ والمرجان» الظاهريين اللّذين هما المعنى الحقيقي لهذين اللّفظين بحسب المتبادر ونصّ أهل اللّغة، وبين وجود الحسنين (عليهما السلام) بحيث لا يشمل غيرهما، غير موجود، والموجود من القدر الجامع يشمل كلّ موجود له نفاسة وقيمة.

وثالثاً: حمل اللفظ على القدر الجامع بين المصاديق المادّية والمعنويّة (الحقيقيّة والمجازيّة وإن كان المجاز ما فوق الحقيقة) أمر يعرفه كلّ من له خبرة بمعنى الكلمات ولا يختصّ ذلك بالراسخين في العلم من الأئمّة المعصومين (عليهم السلام).

ويستفاد من جميع ذلك أنّ البطون ليست سوى معان مستقلّة اُريدت من الكلام إلى جنب المعنى الظاهري، وعلمها عند أهلها، فيكون من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، وإن لم يكن كلّها معان حقيقيّة (فإنّ محلّ الكلام أعمّ).

إن قلت: أو لست تقول: إنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى وإن كان جائزاً ولكنّه يحتاج إلى القرينة، ولا نرى قرينة للبطون.

قلنا: نعم، ولكن اُقيمت القرينة لمن قصد افهامه من اللفظ وهم الأئمّة المعصومون الراسخون في العلم، وإرادة معنى من اللفظ في خطاب جميع الناس وإرادة معنى آخر (مضافاً إلى المعنى الأوّل) لأوحدي منهم مع إقامة القرائن له فقط ـ لا يعدّ أمراً مستنكراً كما لا يخفى.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله) لتوجيه روايات البطون غير مرضي عندنا فإنه قال:

1 ـ إنّ المراد من البطون معان اُخرى قد اُريدت في أنفسها في حال الاستعمال لا من اللفظ.

2 ـ يمكن أن يكون المراد لوازم المعنى المستعمل فيه اللفظ وإن كانت أفهامنا قاصرة عن ادراكها.

ولكن الجواب الأوّل عجيب منه، فإنّ لازمه أنّ المراد من بطون القرآن معان كانت

موجودة في ذهن المتكلّم فأرادها مقارناً للمعنى المستعمل فيه اللفظ من دون أي ربط بينهما ومن دون استعمال اللفظ في تلك المعاني، وهذا عجيب منه ومعلوم بطلانه.

وأمّا الجواب الثاني ففيه أنّه ينتقض بما يعدّ من بطون القرآن ولا يكون من لوازم المعنى الموضوع له، نحو كلمة «الجوار الخنّس» في الآية التي فسّرت في الرّواية بالإمام الغائب (أنفسنا له الفداء) مع كونه في اللّغة بمعنى الكواكب المتحرّكة التي تغرب وتحتجب عن النظر، ولا ملازمة بين المعنيين كما لا يخفى.

وأمّا القول بأنّه استعمل في معنى جامع ـ و يرد عليه ما سبق آنفاً من الإيرادات الثلاثة.

وممّا ذكرنا ظهر أمران:

الأوّل: أنّ استعمال اللفظ في أكثر من معنى وإن كان ممكناً إلاّ أنّه حيث كان مخالفاً لظاهر الكلام فيحتاج إلى القرينة المعيّنة للمعاني المرادة لا القرينة على المجاز كما في الأبيات المذكورة آنفاً، وبدونها لا يصحّ حمل اللفظ على المعنيين أو أكثر، بل يحمل على معنى واحد من معانيه، فإن كان هناك قرينة معيّنة فيها فهو وإلاّ كان مجملا.

نعم لا فرق بين أن تكون القرينة داخلية أو خارجيّة، فالداخلية مثل ما مرّ في ما مضت من الأبيات، فإنّ كلمة «في الدجى» وكلمة «ظمئاً» مثلا قرينتان على استعمال العين في الشمس والعين الجارحة، والخارجيّة نظير ما مرّ من تفسير الإمام (عليه السلام) في الآيات الثلاث.

الثاني: قد ظهر ممّا ذكرنا هنا أنّه لا فرق من ناحية العقل بين استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين، أو المعنى الحقيقي والمجازي، أو الحقيقي والكنائي نفياً واثباتاً، لأنّ دليل الاستحالة المذكورة سابقاً كان منحصراً في امتناع اجتماع اللحاظين، وهو يتصوّر في كلّ واحد من التقادير، فبمنعه يثبت الجواز أيضاً في جميعها.

إلى هنا تمّ الدليل الأوّل للامتناع، وقد تبيّن ممّا ذكر في جوابه دليل المختار من جواز الاستعمال في أكثر من معنى.

وأمّا الدليل الثاني فهو ما قد يقال من أنّ الألفاظ وجودات تنزيلية للمعاني وكأنّ المعنى يوجد بإيجاد اللفظ، ولذلك قالوا بأنّ للوجود أنواعاً أربعة: وجوداً خارجياً، ووجوداً ذهنياً، ووجوداً كتبيّاً، ووجوداً لفظيّاً، فعدّ اللفظ أيضاً من أنواع الوجود، وحيث لا يكون لحقيقة واحدة وجودان خارجيان، فكذلك لا يكون للفظ واحد معنيان.

والجواب عنه: إنّ المراد من كون الألفاظ وجودات تنزيلية للمعاني تشبيه للألفاظ بالوجودات الخارجيّة، ويكون المقصود هيهنا أنّ وجود اللفظ علامة لوجود المعنى، وإلاّ لا إشكال في أنّ اللفظ ودلالته على معناه أمر اعتباري عقلائي ولا يقاس بالوجودات الحقيقيّة الخارجيّة، فإنّ هذا أيضاً من الموارد التي وقع فيها الخلط بين المسائل اللغويّة والمسائل الفلسفية، وعليه لا مانع من استعمال لفظ وإرادة معنيين.

وإن شئت قلت: سلّمنا كون اللفظ وجوداً تنزيليّاً للمعنى، ولكن أي مانع من تنزيل شيء واحد منزلة الشيئين، فإنّ التنزيل أمر اعتباري ولا مانع من اجتماع اُمور اعتباريّة عند استعمال لفظ واحد.

الثالث: إنّه باللفظ يوجد المعنى، واللفظ يكون علّة للمعنى ولا يصدر من العلّة الواحدة إلاّ معلول واحد.

وفيه: أنّ هذا أيضاً من أوضح مصاديق الخلط بين المسائل الفلسفية والحقائق الاعتباريّة، فإنّ قاعدة الواحد (على القول بها) مختصّة بالواحد البسيط الحقيقي التكويني كما مرّ غير مرّة، وأمّا وضع الألفاظ فأمر اعتباري محض ولا يجري فيه قانون العلّية فضلا عن قاعدة الواحد. هذا أوّلا.

وثانياً: سلّمنا ـ لكن ليس اللفظ في استعماله في أكثر من معنى تمام العلّة لإيجاد المعنى بل هو جزء للعلّة التامّة، والجزء الآخر هو القرينة ولا إشكال في أن يصير لفظ واحد بضمّ قرينة علّة لإيجاد معنى، وبضمّ قرينة اُخرى علّة لإيجاد معنى آخر فتأمّل(6).

هذا كلّه في أدلّة القائلين بالاستحالة العقليّة.

أمّا القائلون بعدم الجواز لغة وعرفاً فهم طائفتان: طائفة قالوا بعدم الجواز حقيقة والجواز مجازاً، وطائفة اُخرى قالوا بعدم الجواز حقيقة ومجازاً، والإنصاف أنّ طريق هاتين الطائفتين أسلم اشكالا من طريق القائلين بالاستحالة العقليّة وإن كانت مقالتهم أيضاً لا تخلو من الضعف والإشكال كما سيأتي.

واستدلّ الطائفة الاُولى بوجهين:

الأوّل: أنّ الوحدة جزء للموضوع له لأنّ اللفظ وضع للمعنى الواحد، فإذا استعمل في المعنيين استعمل في غير ما وضع له فيصير مجازاً.

الثاني: أنّ اللفظ وضع للمعنى في حال الوحدة، فكأنّ الواضع اشترط أن يستعمل اللفظ حال الوحدة، حيث إنّ اللغات توقيفيّة، فلابدّ لاستعمال اللفظ في المتعدّد إلى إذن من الواضع.

وأمّا الطائفة الثانيّة: فاستدلّوا لعدم الجواز حقيقة بنفس ما استدلّ به الطائفة الاُولى، ولعدم الجواز مجازاً بعدم وجود علاقة بين الواحد والمتعدّد لأنّهما ضدّان، لكون أحدهما مأخوذاً بشرط شيء والآخر بشرط لا، ولا إشكال في أنّهما متباينان، وأمّا علاقة الكلّ والجزء فلا تتصوّر هنا لأنّ الوحدة شرط للموضوع له وليست بجزء له.

والجواب: عن كلتا الطائفتين: إن كان المراد من قيد الوحدة أنّ اللفظ وضع لمعناه لأن يستعمل فيه باللحاظ الاستقلالي فإنّه حاصل في ما نحن فيه، لأنّ المراد من استعمال لفظ في أكثر من معنى استعماله في كلّ واحد بلحاظ مستقلّ لا في المجموع من حيث المجموع.

وإن كان المراد منها أنّ اللفظ وضع لأن يراد منه معنى واحد لا معنيان وإن كان يلاحظ كلّ واحد منهما مستقلا فهو دعوى بلا دليل.

وإن كان المراد أنّ اللفظ يستعمل في الاستعمالات المتعارفة في معنى واحد وهذا يوجب ظهور اللفظ في معنى واحد، فهو حقّ ولكنّه ظهور انصرافي، أي ينصرف اللفظ إلى الوحدة لا ظهور حقيقي بحيث يكون في غيره مجازاً، لأنّ منشأ الظهور هنا كثرة الاستعمال في العرف لا التبادر الذي يكون من علائم الوضع، فليست الوحدة جزءاً للموضوع له بل اللفظ ظاهر في معنى واحد ولا بدّ لاستعماله في الأكثر من قرينة معيّنة للأكثر وصارفة عن المعنى الواحد.

وأمّا القائلون بالتفصيل بين التثنية والجمع والمفرد فتمسّكوا لعدم الجواز في المفرد بما مرّ من اعتبار الوحدة أيضاً فقالوا: إنّ التثنية أو الجمع في حكم تكرار اللفظ فلا ينافيان قيد الوحدة فإنّ «العينين» مثلا بمعنى عين وعين.

والجواب عنه: أنّه لا إشكال في أنّ معنى التثنية هو الفردان من معنى واحد، وكذلك الجمع فإنّه أفراد من كلّي واحد كما أنّ المفرد فرد واحد من ذلك المعنى فالتثنية والجمع في حكم تكرار الفرد لا تكرار اللفظ.

إن قلت: فما تقول في «زيدان» مع أنّ المفرد فيه جزئي لا يتصوّر فيه الأفراد؟

قلت: الوجدان حاكم على أنّ المراد من «زيدان» فردان من كلّي «المسمّى بزيد».

وأمّا القائلون بالتفصيل بين النفي والإثبات فاستدلّوا بأنّ ما وقع في حيّز النفي يفيد معنى الجمع فدليلهم هو الدليل، والجواب أيضاً هو الجواب.

_______________

1. ومن طريف ما ينبغي ذكره في هذا المجال ما أنشده الشاعر الفارسي وقال:

«از در بخشندگى و بنده نوازى ـ مرغ هوا را نصيب ماهى دريا» حيث يمكن أن يراد منه خمس معان مختلفة في نفس الوقت، كلّ واحد أحسن من غيره: أحدها: أن يراد كون بعض الطير نصيباً لأسماك البحر (كما نقل أنّ هناك سمكة تشبه بالسفرة المبسوطة على وجه الماء) ثانيها: أنّ بعض الأسماك يكون نصيباً لطير الهواء. ثالثها: أنّ نصيب الطير هو الهواء كما أنّ نصيب السمك هو الماء. رابعها: أنّ الله جعل كليهما نصيب الإنسان. خامسها: أنّ لكلّ من الطير والسمك نصيباً ورزقاً يختصّ به ـ لكن الشاعر العربي استعمل لفظ العين في معان أربعة، والشاعر الفارسي استعمل مجموع الجملة في معان مختلفة.

2. بحار الأنوار: ج89، ص91، ح37.

3. المصدر السابق: ص94، ح47.

4. بحارالانوار: ج 89، ص97، ح64.

5. نفس المصدر: ص83: ح15 (ملخّصاً).

6. ووجه التأمّل أنّ هذا غير معقول، لأنّه كيف يمكن ويتصوّر أن يصير شيء واحد في آن واحد جزءً لعلّتين تامّتين؟




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.