أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-6-2020
2677
التاريخ: 20/9/2022
3089
التاريخ: 2024-10-14
174
التاريخ: 28/9/2022
1293
|
التطور الفكري لمفهوم التسويق الأخضر
الحقيقة التي لا بد من الاشارة اليها ابتداءً بأن أي اجتهاد علمي لا يأتي منفصلاً عن ما سبقه من ملامح لتكوينه، وهذا الأمر ينطبق بشكل كبير على العلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية فبالتالي يمكن القول بأن مفهوم التسويق الأخضر لم يأتي من فراغ، أو هو تعبير عن حالة اجتهاد شخصي وآني في لحظة من الزمن. بل أنه جاء على وفق تسلسل تاريخي منطقي ليتبلور كفكرة ومن ثم ممارسة ميدانية. وعليه يمكن القول بأنه قد مر بالمراحل التاريخية الفكرية التالية :
1 ـ مرحلة المسؤولية الاجتماعية والتسويق
تعبر المسؤولية الاجتماعية عن توجه منظمة الأعمال نحو المجتمع، وهذا التوجه يتحقق من خلال الأنشطة التي تمارسها. وبالتالي فأن التسويق سيكون احد ابرز المجالات التي تمارس المنظمة من خلالها المسؤولية الاجتماعية، ويستطيع أن يتلمسها المستهلك كحقيقة ماثلة امامه وليس ادعاء. فهي تعبير عن واجب المديرين في انجاز العمليات التبادلية بالشكل المناسب وبما يحقق مصلحة المستثمرين، ومنفعة الزبائن وحاجات المستهلكين. والتي يعبر عنها جميعاً وبشكل مختصر عن مجموعة البضائع والخدمات التي يحصلون عليها وبدرجة مناسبة من الجودة والكفاءة (البكري، 2001، ص 104-108).
ولكن الأمر لا يقف عند هذا الحد في تأشير المسؤولية الاجتماعية للتسويق رغم انها قد عبرت عن مرحلة تاريخية مبكرة الا انها تنطلق لكي تكون فلسفة تسويقية تجسدها المنظمة من خلال السياسات والاجراءات والافعال التي تحققها، والمنصبة نحو رفاهية المجتمع كهدف اساسي. وبالتالي فأن المسؤولية الاجتماعية كانت تعبير عن قبول المسوقين بالالتزامات التي وضعوها على انفسهم وأخذين بنظر الاعتبار تحقيق الارباح ورضا المستهلك ورفاهية المجتمع بذات الوقت، وذلك بما يتوافق مع مستوى الاداء المتحقق للشركة.
وهذا يعني بأن رجال التسويق في منظمات الأعمال الملتزمة تجاه تبني وتطبيق المسؤولية الاجتماعية، تضع في اعتبارها تحقيق المزيد من الاهتمام في الابعاد النوعية التي يهدف المستهلك للحصول عليها عبر المنتج المقدم أو النشاط الذي تقوم به منظمة الأعمال له أو للمجتمع بشكل عام. وان يضع القائمين على النشاط التسويقي القياسات الدقيقة لذلك الاداء وبشكل مماثل، والعائد المتحقق منها والارباح التي يحصلون عليها، وباتجاه تحقيق رفاهية المجتمع.
ولابد من الاشارة هنا إلى أن هذه المرحلة بدأت ملامحها في المقالة التي نشرها Peter Drucker عام 1956 عندما قال "بأننا اذا كنا نرغب في معرفة ماهية الأعمال، علينا أن نبدأ من خلال غاياته. وهذه الغايات يجب أن تمتد إلى خارج منظمة الأعمال، أي أنها تمتد إلى عموم المجتمع. ولتعبر بذلك عن مسؤوليتها الاجتماعية من خلال نشاطتها التسويقي. وعلى هذا الأساس فأن التسويق ليس بنظام أو هيكل تنظيمي داخل المنظمة فحسب، بل هو فلسفة تمتد ابعادها للقيم والمفاهيم السائدة في المجتمع ولتحقيق الأهداف في الارتقاء بنوعية الحياة" (1994.0.2,Nellis).
الخلاصة التي نصل اليها من هذه المرحلة بأنها كانت تأكيد لبروز المفهوم المجتمعي للتسويق كنتيجة منطقية لبروز المسؤولية الاجتماعية واتساع امتدادها الفكري والتطبيقي. وبالتالي فأن المفهوم المجتمعي للتسويق قاد للاهتمام بجوانب تسويقية تخص المستهلك لم تكن مفروضة سابقاً وتتعلق تحديداً بحماية المستهلك وظهور الحركة الاستهلاكية فضلاً عن الاهتمام الواضح بالبيئة والمخاطر المترتبة عليها. وهذه وغيرها من النتائج قادت لظهور المرحلة التالية في تكوين ملامح مفهوم التسويق الأخضر.
2 ـ مرحلة الحركة الاستهلاكية والتوجه البيئي
تاريخياً ظهرت الحركة الاستهلاكية Consumerism منذ أمد ليس بالقصير، وتحدد المراجع العلمية بأنها كانت في حدود عام 1900 كنتيجة لحالة الارتفاع الواضح في اسعار السلع المقدمة للمستهلك. بما أوجب على المستهلكين في اعتماد صيغ تعاضدية فيما بينهم للدفاع عن انفسهم في التعامل مع منظمات الأعمال وبما يكفل حصولهم على السلع التي اعتادوا على اقتنائها وقد اعقبها ظهور المرحلة الثانية التي كانت في حدود عام 1930 وفي اعقاب الازمة الاقتصادية العالمية والتي نتج عنها ضعف كبير لدى المستهلك في اشباع حاجاته من السلع والخدمات ومحدودية قدراتهم الشرائية. وكانت المرحلة الثالثة في حدود 1960 والتي اصبح المستهلكون اكثر وعياً وادراكاً للمخاطر التي يتعرضون اليها من المنتجين الكبار عبر المنتجات التي تقدم لهم . وهذا ما تأشر في كتابات الداعية الاجتماعي اللبناني الاصل Ralph Nader ومن معه من كتاب آخرين ولتتوج بالرسالة التي تقدم بها الرئيس الأمريكي انذاك جون كندي John F.Kennedy إلى الكونغرس الأمريكي في عام 1962 والتي عرفت بـ " قائمة حقوق المستهلك" Consumer Bill of Right والتي يراها البعض بأنها هي التأريخ الحقيقي لظهور الحركة الاستهلاكية. (kotler&Armstrong.2007.p.633) .
ويمكن تحديد أهم اهداف الحركة الاستهلاكية بالآتي والتي تتمحور في جوهرها على حقوق المستهلك والتي تقود إلى التوضيح لمضامين وافكار التسويق الأخضر في مرحلته الأولى للتكوين.
ــ حماية المستهلك تجاه اساليب الخداع والتضليل والحيف الذي يصيبه جراء الطرق المختلفة والمعتمدة في مجال البيع، وسواء كان ذلك من قبل المنتجين أو الوسطاء.
ــ التعهد بالالتزام بحقوق المستهلك وحمايته من التلاعب الحاصل في السلع التي يحتاجها.
ــ تقديم المساعدة لذوي الدخل المنخفض والمعوزين بشكل خاص من عوائل المجتمع في الحصول على السلع الأساسية التي يحتاجونها.
ــ التعاون مع منظمات الأعمال في تقديم المعلومات المتعلقه بالمستهلك والتي يتعذر على تلك المنظمات من الحصول عليها بسبب محدودية قدراتها في الاتصال الواسع والمعمق مع المستهلكين.
هذه الاهداف وغيرها لم تعد هي نهاية المطاف لهذه الحركة، بل اصبحت جزءاً من ابعاد مختلفة اخرى برزت في انشطة الحركة ومسؤوليتها. حيث اصبح التغير الحاصل في اتجاهات المستهلكين والقييم التي يحملونها والمرتبطة بالمنتجات مجالات جديدة لعمل الحركة فكان ذلك انعكاس جديد لظهور مفاهيم جديدة تقوم في جوهرها على توافق المنتجات المقدمة مع البيئة التي يعيش بها الافراد وان لا تحدث أي ضرر بها سواء كان ذلك قبل أو خلال أو بعد الانتاج أو الاستخدام أو الاستهلاك بأعتبار أن الفرد وبشكل عام لا يهدف إلى الاستهلاك أو الاستخدام للمنتج فحسب بل أن يكون ذلك متوافقاً مع المجال الذي يعيش به ويتفاعل من خلاله مع الحياة وأن تبقى مكونات الحياة جميلة وسليمة. وهذا ما قاد إلى ظهور حركة جديدة متوافقة مع هذه التوجهات المجتمعة تسمى بالحركة البيئية Environmentalism.
ويقصد بالحركة البيئية على أنها حركة منظمة تولي اهتمام للمواطنين، منظمات الأعمال والوكالات الحكومية لحماية وتطوير البيئية التي يعيش بها الأفراد (634.Ibid, p) . والحركة البيئية في نشوئها ليست موجهة ضد النشاط التسويقي أو الاستهلاكي، بل أنها تسعى وببساطة لأن يكون الأفراد والمنظمات أكثر حماية واهتمام بالبيئة . حيث أن الأهداف التي يسعى إليها النظام التسويقي يجب أن تتغير وأن لا تبقى في حدود تعظيم الاستهلاك، ووضع الخيارات المتعددة لدى المستهلك في الحصول على السلع والخدمات ومن ثم تحقيق رضاه . بل يجب أن يكون عمل النظام مرتبط ايضاً بتعظيم جودة الحياة Life Quality التي تعني بأنها ليست فقط النوعية والكمية في المنتجات والخدمات التي يحصل عليها المستهلك، بل أنها تعني نوعية البيئة. وأن الحركة البيئية تسعى لأن تكون كلفة البيئة جزءاً من القرارات التي يتخذها المنتج والمستهلك، وأن لا تحدث تلك القرارات أي ضرر في البيئة التي نعيش في ضلالها.
3 ـ مرحلة التسويق الأخضر:
سبق القول بأن مصطلح التسويق الأخضر قد ظهر لأول مرة في اعقاب ورشة العمل التي اقامتها جمعية التسويق الامريكية في عام 1975. والتي كان من نتائجها المباشرة والملموسة هو صدور أول كتاب يعني بالتسويق الأخضر وتحت عنوان التسويق الايكيولوجي (الاحيائي). وفي بداية ثمانينات القرن الماضي اصبح هنالك تغير في سلوكية منظمات الأعمال في تعاملها الانتاجي والتسويقي، ويتمثل ذلك في مراعاة الاهتمام بالجوانب الاجتماعية للمستهلك والتأثير البيئي المتحقق من التعامل مع منتجاتها المقدمة للسوق. وهذا ما قاد ادارات الشركات إلى تبني انظمة الإدارة البيئية. وتقليل التالف من استخدام المواد الأولية الطبيعية، والسعي نحو تحقيق التكامل ما بين القضايا البيئية والأنشطة الرئيسة التي تقوم بها الشركة.
وتأسيساً على ذلك تشير الكاتبة المتخصصة في مجال التسويق الأخضر جاكولين أوتمن Jocquelyn Ottman (مؤلفة كتاب التسويق الأخضر - الفرص من اجل الابداع والذي يعد مصدر رئيسي في التسويق الأخضر) إلى أنه ومن وجهة نظر تنظيمية بأنه على الشركات أن تقوم بدمج الاعتبارات البيئية مع جميع الجوانب في العملية التسويقية. وتحديداً فيما يتعلق بتطوير المنتجات الجديدة، الاتصالات التسويقية مع المجتمع وكذلك جميع نقاط البيع، وبما يتوافق مع حاجات المستهلك.
وفي هذه المرحلة ايضاً صدرت العديد من المؤلفات والدوريات المتخصصة
في التسويق الأخضر ومنها استراتيجية الأعمال والبيئة، والإدارة العالمية الخضراء وكان أول كتاب نشر تحت مسمى "التسويق الأخضر" من قبل Ken Peattie في المملكة المتحدة عام 1992 وكذلك صدر دليل المستهلك الأخضر Green Consumer Guide عام 1988 في الولايات المتحدة الامريكية والذي يمثل تفسيرات ادارية وقانونية وضعت من قبل اللجنة التجارية الاتحادية في امريكا Federal Trade Commission(FTC) لتوجيه الجمهور في انجاز شؤونهم بما يتوافق مع متطلبات القانون. ويوفر الدليل قاعدة للالتزام الطوعي بالمنظمات التي احتواها الدليل الارشادي . وقد تجاوزت مبيعات هذا الدليل في السنة الأولى من نشره أكثر من مليون نسخة.
وقد تميزت فترة العقد الأول من الالفية الثالثة بتوجهات جديدة وعلى أعلى المستويات نحو التسويق الأخضر، وهذا مؤشر في تقرير الامم المتحدة عام 2005 وما اعقبه في عام 2007 عندما منح نائب الرئيس الامريكي الأسبق Al Gore جائزة نوبل للسلام مناصفة مع هيئة التغيرات المناخية لمناداته بقضايا البيئة المختلفة والمتعلقة بارتفاع درجة الحرارة العام ، نظافة الماء والهواء ، ومعالجة التلوث، فضلاً عن كونه المؤسس والرئيس الحالي للتحالف من اجل حماية المناخ، حتى أنه يطلق عليه تسمية الديمقراطي الأخضر.
ونتيجة لتظافر كل هذه الجهود وغيرها والنمو الحاصل في مفهوم "الأخضر" فقد بدأت المناداة وخلال الفترة 2009-2010 إلى ضرورة تحول الاقتصاد التقليدي في بلدان العالم إلى الاقتصاد الأخضر. وهذا يعني العمل على اقامة مشاريع صديقة للبيئة تعتمد على مصادر بديلة للطاقة كالشمس وقوة الرياح والضوء ولا تحدث ضرر أو تلوث للبيئة. ومدعاة هذا التوجه ينحصر اساساً في الحد من تفاقم التدهور الحاصل في البيئة، وتعاظم التأثيرات السلبية لظاهرة التغير المناخي وما ينجم عنه من ارتفاع درجة دفئ الأرض وذوبان الجليد في قطبي الكرة الأرضية، وما ينجم عنه من حصول كوارث بيئية لاحقة تهدد بغرق العديد من مدن العالم الساحلية.
|
|
استبدال مفصل الركبة.. "خطوة ضرورية" قبل إجراء الجراحة
|
|
|
|
|
روسيا.. ابتكار محطة طاقة شمسية على شكل موشور
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. عمليتان في آنٍ واحد لزراعة عظم وتبديل مفصل لمُقعَدة تعيد لها الحركة
|
|
|