الفصل الرابع

تخطيط المبيعات  

مدخل عام إلى التخطيط

يعتبر التخطيط أحد المرتكزات الأساسية للعملية الإدارية، فهو من أهم وظائف الإدارة، وقد كتب فيه العديد من البحوث والدراسات وألفت فيه الكثير من الكتب المتخصصة. وبالرغم ما كتب فيه فان مفاهيمه الأساسية ثابتة ومتفق عليها، حيث يفهم على أنه عملية واعية لتوجيه الموارد المادية والبشرية المتاحة على النحو الذي يساعد على تحقيق الأهداف المقررة. وقد وضح هنري فويل ⁽¹⁾، الذي هو من أعلام المدرسة الكلاسيكية في الإدارة، بأن كل خطة ينبغي ان تتضمن نتائج منشودة تسعى المنظمة إلى تحقيقها، ومسار عمل يوضح إتجاهات النشاط الرئيسية، ومحددات وضوابط العمل، ومراحل عمل مترابطة فيما بينها، وأساليب عمل لإنجاز المهام تبين كيف تنجز تلك المهام.

وتكمن أهمية التخطيط في أنه عامل ضمان أساسي في توجيه كافة الموارد المتاحة ، البشرية والمادية صوب النتائج المنشودة وعدم تشتتها بإتجاهات متفرقة مما يؤدي إلى هدرها وبذلك يكون التخطيط - حين الأخذ به - يضفى صفة النشاط الهادف على الجهد الإنساني، ويمنح العاملين الإحساس الجميل بلذة الشعور بالإنجاز عند تحقيق الأهداف.

وعندما تمارس الإدارة وظيفة التخطيط فذلك يعني انها تتعامل مع عاملين هما موارد المنظمة، واتجاهات المستقبل. فلكل منشأة موارد ثابتة تتمثل بالقوى العاملة بما تمثله من خبرات ، والمال ،و موارد مادية أخرى كالبنايات والمكائن والمعدات والأجهزة.. الخ. ومهما كبر حجم المنظمة فالموارد المتاحة ثابتة ومحدودة، والعامل الثاني الذي تتعامل معه المنظمة هو اتجاهات المستقبل، فالإدارة وهي تسعى لتسخير مواردها المتاحة لتحقيق الأهداف المقررة لها انما تتعامل مع مرحلة زمنية قادمة.

والمستقبل غالباً ما يحمل الكثير من المستجدات والتغيير خصوصاً ان بعدت الفترة الزمنية المراد التخطيط لها. فهناك الكثير من العوامل البيئية عرضة للتغيير مع مرور الوقت مثل حجم السكان، ونسبة النمو السكاني، والدخل القومي، والقوة الشرائية للفرد والتطورات العلمية والفنية والقوانين والتعليمات، والعوامل السياسية، وغيرها من العوامل الأخرى التي تؤثر بدرجات متباينة على اتجاهات المستقبل .

التخطيط الستراتيجي للمبيعات

ان التخطيط الستراتيجي لمبيعات المنشأة هو جزء ومكون أساسي من ستراتيجية المنشأة، ولا يمكن ولا يصح الشروع بوضع ستراتيجية للمبيعات بمعزل عن ستراتيجية المنشأة. والخطوة الأولى نحو التخطيط الستراتيجي هي فهم وإدراك نوع العمل الذي تمارسه المنشأة فهماً تسويقياً، بمعنى النظر إلى واقع السوق وإلى نشاط المنشأة من منظار تسويقي من أجل تحديد هوية المنشأة في مجال الأعمال. فإدارة المنشأة التي تصنع الثلاجات مثلاً، إذا رأت في عمل المنشأة بأنه مجرد { نشاط إنتاج وبيع للثلاجات} فأن هذه الإجابة وان كانت صحيحة الا أنها تلغي الأفق الرحب المحتمل لفرص الأعمال أمام المنشأة. لكن، إن كان كانت إدارة المنشأة ترى في نشاط المنشأة على أنه توفير المعدات الكهربائية التي تجعل حياة الانسان الطف في المنازل والمكاتب، فان هذه النظرة ركزت على حاجة السوق مما يفتح آفاق واسعة لعمل المنشأة، فهي تتعامل اليوم بصناعة وبيع الثلاجة، الا انها غداً قد تمارس صناعة التلفزيون أو وبيع الغسالة الكهربائية أيضاً، فهما أيضاً معدات ويحققان حياة الطف للإنسان في المنازل والمكاتب، وهذا إن تحقق سيزيد من الفرص التسويقية المتاحة أمام المنشأة في زيادة مبيعاتها . ان طريقة النظرة إلى نشاط المنشأة، أو الطريقة التي يستوعب فيها ذلك النشاط هو الذي يحدد هوية نشاط المنشأة وعملها. أن فهم واستيعاب نشاط عمل المنظمة شيء ممتاز، الا انه لا يكفي لوحده لأن يضمن نجاحها في تحقيق أهدافها. فالمنظمة بحاجة ماسة لمعرفة المسار (ووضوح المسار) الذي يوصلها إلى أهدافها. والمسار هـو التعبير المبسط للتخطيط الستراتيجي للمنظمة والذي يمكن ان نعبر عنه أيضا ًبانه رد فعل المنظمة بكل مواردها وطاقاتها تجاه كل عوامل البيئة.

فالإدارة الحاذقة تدرك وتستوعب ان امام المنظمة عدد من المسارات التي توصلها إلى نقطة النهاية المطلوبة، وعليها ان تختار ما تراه الأفضل، وهذا مجال مناسب للإستعانة بمركز إستشاري ليقدم يد العون في ذاك. ولتوضيح ذلك نقدم المثال الآتي : ـ عزمت إحدى الشركات الصناعية على تحقيق نمو ملموس في مبيعاتها خلال السنة الجديدة ، وتدارست هذا الأمر مع أحد الإستشاريين الذي أخذ على عاتقه دراسة الموضوع من جوانبه المختلفة. وبعد الإنتهاء من عمله، وضع الإستشاري أمام إدارة الشركة بدائل لأربع ستراتيجيات تسويقية معول على كل منها زيادة مبيعات المنشأة، هي ^{(2) :}

1- ستراتيجية التغلغل في السوق :

يمكن تطبيق هذه الستراتيجية في الحالات التي فيها لدى الشركة امكانية زيادة احد أو بعض سلعها في السوق باستخدام الاعلان او الاساليب الترويجية الاخرى، أو تخفيض الأسعار، وتنصرف هذه الجهود إلى زيادة حصص السلع الحالية في أسواقها الحالية .

2 ـ ستراتيجية توسيع السوق :

وتقوم هذه الستراتيجية بالاعتماد على السلع الحالية للشركة في توسيع الأسواق. ويمكن تحقيق ذلك باحد الصيغتين الآتيتين أو بكلاهما معاً :

أ. التوسع الجغرافي في السوق : وهذا يعني الدخول إلى مناطق بيعية جغرافية جديدة. ولا تواجه الشركة عادة مشاكل كبيرة باعتماد هذه الستراتيجية حيث انه يمكنها الاستمرار باعتماد نفس نظم العمل والستراتيجيات المطبقة على الأسواق الحالية في مجال التوزيع والاعلان والتسعير. 

وقد يُتاح للشركة ان توسع سوقها جغرافياً عن طريق تصدير سلعها الى دول أخرى،  إلا ان ذلك يتطلب ستراتيجيات توزيعية واعلانية وتسعيرية جديدة تتماشى مع الظروف التسويقية للدول المصدر إليها.

ب ـ كسب فئات إستهلاكية جديدة : تسعى الشركة إلى توسيع سوق سلعها الحالية عن طريق كسب شرائح أو فئات استهلاكية جديدة وذلك عن طريق توجيه المؤثرات الترويجية نحوهم لخلق الحاجة لديهم لسلع الشركة أو بتوفير الخدمات التوزيعية والخدمات التسويقية الأخرى نحوهم لاتاحة الفرصة لهم لشراء السلع .

فلابد هنا من التمييز بين فئتين من الأفراد فهناك فئه لها الاستعداد الكامل لاستعمال السلع الا انها اعتادت استعمال سلع أخرى، بمعنى ان سلع الشركة لم تتوفر امامها. وهناك فئة أخرى من الأفراد لم يسبق لها أن استعملت هذه السلعة أو السلع المنافسة لها من قبل، وتصنف هذه الفئة بفئة اللامستخدمين للسلعة، مثال الأشخاص اللامدخنين أو الذين لا يلبسون الملابس الريفية.

3- ستراتيجية التوسع السلعي :

تقوم هذه الاستراتيجية على طرح سلع جديدة الى اسواق الشركة الحالية. وتعتمد هذه الستراتيجية بشكل أساسي على تحوير السلع الحالية مثل اجراء تغييرات على المذاق او الحجم او اللون او تغيير في بعض المكونات .

وتلجأ بعض الشركات الى طرح سلع متماثلة الى حد بعيد مع اختلاف العلامة التجارية وذلك لتحقيق كسب المزيد من الزبائن  كإنتاج عدة صوابين متشابهة إلى حد كبير لكن بفارق العلامة التجارية .

وتستفيد الشركات المصنعة للسلع الاستهلاكية المعمرة كالثلاجات والتلفزيونات والغسالات من هذه الستراتيجية ايضاً  وبطريقتين. فالطريقة الأولى هي توفير أحجام أو ألوان مختلفة من السلع، والطريقة الثانية تقوم على تقديم نفس السلعة بعلامات تجارية متعددة مع إجراء فوارق بسيطة بينها تعطي خيارات الإنتقاء للمستهلكين.

4 ـ ستراتيجية التنويع : وتعني طرح سلع جديدة الى أسواق جديدة. فقد ترى إدارة الشركة ان ضرورات نمو الشركة تقضي اللجوء إلى مثل هذه الستراتيجية التي يمكن تحقيقها عن طريق تطوير منتجات جديدة، أو لجوء الشركة مثلاً الى إمتلاك مصنع جديد لهذا الغرض.

ان وجود ستراتيجية عمل واضحة للمنظمة أمر في بالغ الأهمية، ورغم ذلك نجد العشرات من المنظمات من دون ستراتيجية واضحة أو أهداف واضحة مما يجعل عمل المنظمة أقرب إلى العشوائية. ان العمل على إيجاد ستراتيجية عمل للمنظمة هو من أولويات إرساء خطة التنمية الإدارية. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) Fayol, Henri :"Planning", Printed in Koontz and O'Donnel's "Management: a Book of Readings", McGraw-Hill Book Company, 1972, P99-102.

2 ـ باسم الحميري / مبادئ واسس التسويق ، مطبعة عصام ـ بغداد ، 1988 ، ص253 – 256 .