رجل الإدارة في البلديات

يمثل الرئيس الإداري في المدن والبلديات حلقة الوصل بين وضع السياسة وتنفيذها في الهياكل التنظيمية للمدن الحديثة ، وهو المسؤول عن نقل السياسات والخطط وترجمتها إلى برامج ونشاطات تنفيذية واتخاذ القرارات اللازمة لذلك. والإشراف على مختلف أجهزة التنفيذ المنوط بها انجاز المشاريع وأداء الخدمات وتطبيق الخطط والسياسات، ووضعها في متناول أجهزة الرقابة والإشراف ووضع الميزانيات وتقدير النفقات المالية اللازمة وتحديد حجم الجهاز الإداري والفني، واقتراح الأساليب التي يرى أن يستعين بها للقيام بعمله على الوجه الأمثل.

لماذ رجل واحد؟ ولماذا جسر واحد؟

لماذا نصر على أنه ينبغي أن يكون هناك جسر بين واضعي السياسات والخطط وبين القائمين على الإدارة والتنفيذ ؟ ولماذا جسر واحد؟ ولماذا رجل واحد؟

ــ ليس هناك إجابة على هذا الأسئلة غير التي أجاب بها رجل أمضى عشرين سنة مديراً لإحدى البلديات بالولايات المتحدة الأمريكية عندما قال أن البلدية ليست كغيرها من المنظمات الحكومية تشرف على مجموعة من القوى العاملة المنوط بها أداء عدة أعمال، وليست تعني بتنفيذ العديد من البرامج والمشاريع : الصحية والأمنية، والأشغال والتنسيق بينها، لهذا كأن من الضروري أن يكون لدينا مسؤولون إداريون يتفاعلون مع الناس والمنظمات والبرامج في وقت واحد. إذن ينبغي أن يوجد بين المجالس المحلية والهيئات المسؤولة عن السياسات والخطط والجهاز المنفذ جسر تعبره السياسات والخطط والقرارات في مرحلة الإعداد والتقرير إلى مرحلة التنفيذ، فالمجالس ينتهي عملها عند إصدار القرار وتترك مهمة التنفيذ لمسؤولية شخص واحد له أن يستعين بمن يرى لإنجاز أعماله.

كما أن الرقابة الشعبية من قبل المجالس يلزم أن تكون من خلال هذا الجسر، فتسائل الإدارة وتتابعها وتقيم الإنجاز من خلال المقارنة بين ما انجز وما رسم من خطط وبرامج وتوصيات. وتتجمع لدى هذا الشخص الواحد مختلف الأنشطة الإدارية، ليسيرها وينسق بينها ويوجهها بما أوتي من علم وما حصل من خبرات وما أفاد من ممارسته للعمل.

تتركز مهمة رجل الإدارة المسؤول في المدن والبلديات في تفجير ينابيع الخبرة والمعرفة وجمع خيوط السلطة وتحريكها بمهارة بين عناصر الإدارة وتحسين استخدام قدرات القيادات العاملة معه والإفادة من كل جديد في العلوم والتقنية ليسير جهازه بكفاءة واقتدار نحو الهدف المنشود.

نطاق عمل المسؤول الإداري

وتتطور وظيفة المسؤول الإداري عن المدينة نحو زيادة الأعباء وإضافة واجبات جديدة، فلم يعد عمله مقصوراً على الخدمات والشؤون البلدية التقليدية بل تجاوز الشوارع ومرافقها ونظافتها وانسياب حركة المرور فيها، إلى مقاومة الحرائق وضبط المجرمين، وأعمال الشرطة والأمن.

ويطرأ التساؤل عن دور المسؤول عن المدينة فيما إذا كأن عليه أن يشرف على الجديد والقديم من المرافق والخدمات مادام لكل منها مسؤول عليه أن يؤدي عمله المتخصص فيه بكفاءة ؟ لماذا يحتاج إلى إشراف المسئول الإداري ؟ أن من المهام الأساسية لمسؤول المدينة أو مدير البلدية دفع الآخرين إلى الإنجاز والإجادة والإتقان بالتوجيه والتشجيع وحل المشاكل وتصويب المسيرة .

وتستغرق هذه المهمة الكثير من الوقت في الاتصال المباشر بالمسؤولين وجهاً لوجه أو بالكتابة أو المخابرة .

ولقد جمع واحد وعشرون من مسؤولي المدن في الولايات المتحدة الأمريكية وطلب إليهم وضع قوائم بما يستغرقه أداء وظائفهم من وقت خلال الـ 24 ساعة عن ستة أيام عمل في الأسبوع فكأن المتوسط 54 ساعة أسبوعياً أي بمعدل 9 ساعات يومياً.

وأهم من عدد الساعات التي تستغرقها الاتصالات الهاتفية واللقاءات والقراءة والكتابة، هناك السؤال عما يقوله ويسمعه في الهاتف أو في اللقاءات وماذا يكتب أو يقرأ في الخطابات والمذكرات ? أن جوهر عمل الإداري يتمثل في قيادة وتوجيه مختلف أعمال المدينة وأنشطتها.

ثم في وضع الفواصل بين صلاحياته واختصاصات الأجهزة الأخرى العاملة في نطاق المدينة والتي تتبع سلطات أخرى وأسلوبه في التعامل معها والتنسيق بين نشاط البلدية وأنشطتها .

وإذا أخذنا ذلك مثلاً وأردنا تطبيقه على رئيس المدينة أو أمينها أو رئيس البلدية أو المسؤول الإداري في مدن الوطن العربي لوجدنا أن هذه الساعات التسع قد ترتفع إلى ما يزيد باثنتي عشرة ساعة فسياسة الباب المفتوح وطبيعة التعامل مع المواطنين، والزيارات الميدانية، وضعف بعض التخصصات وحاجتها إلى مزيد من الرقابة والتوجيه ومشاكل التعديات على الأراضي، وعدم الالتزام بالنظم واللوائح والمهام الطارئة كسقوط الأمطار والسيول والثلوج، والخلل الذي يصيب مرفقاً من المرافق الهامة كالمياه والإنارة  . كل ذلك يدعو إلى نظرة تقدير وإعجاب لهذه القيادات التي تكرس وقتها وجهدها كله للمصلحة العامة وخدمة المدينة وراحة المواطنين.