أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-07
488
التاريخ: 25-9-2016
1511
التاريخ: 24-9-2016
1406
التاريخ: 2024-04-20
754
|
كان إقليم أسوان منذ أقدم العهود المصرية يعتبر الجهة التي تتجمع فيها تجارة سكان القطر المصري وبلاد النوبة السفلى. ولا غرابة في ذلك فإنه كانت بين البلدين روابط جنسية وثقافية، إذ نجد أن نمو البلدين وثقافتهما العامة من الشلال الأول قد بقيت واحدة بشكل ظاهر، ولكن الوحدة الثقافية التي كانت بين البلدين انفصم عراها حوالي العصر الذي بدأ فيه ملوك «نخن» (الكوم الأحمر) يتولون عرش البلاد المصرية. ومنذ العهد الطيني أخذت بلاد النوبة السفلى بما هو معروف عن أهلها من بطء الحركة تتباعد عن الصعيد وتنحاز إلى السودان، فغلب عليهم في ذلك عوامل الدم. وعلى أية حال فإن مقاطعة «الفنتين» المتاخمة لحدود بلاد النوبة رغم أنها كانت تابعة لمصر سياسيا، فقد بقي سكانها من الجنس النوبي حتى هضبة السلسلة، وكان هذا الإقليم يطلق عليه اسم (أرض ستت) «تاستت» أي نوبية أو مقاطعة النوبيين. وقد بقيت صبغة إقليم أسوان كما حتى يومنا هذا، وذلك لأن موقعها الجغرافي قد جعل منها إقليم انتقال بين البلدين من الوجهة الجنسية، وكذلك من الوجهة التجارية، ويدل على ما كان بين مصر وبلاد النوبة من النشاط التجاري نفس كلمة «آب» (الفنتين) ومعناها العاج. وكذلك «سونت» أي أسوان الحالية ومعناها التجارة (1). والواقع أن إقليم بلاد النوبة السفلي كانت أهميته تنحصر في أنه الطريق الموصل إلى الصحراء التي كانت تحتوي على مناجم الذهب الواقعة في الشرق، وكذلك نحو الأقاليم اليانعة الواقعة في أعالي النيل. وقد كان سكان قبائل هذه المقاطعة يعيشون على تربية الماشية ومن تسهيل سبل المبادلة بين القطرين. ولما كانوا بطبعهم يجنحون إلى العصيان هو الحال مع كل الأقوام المتاخمة لمصر، فإن الفرعون كان يرسل عليهم حملات شديدة لكبح جماحهم، على أنهم كانوا دائمًا على استعداد للقيام للهيئة الحاكمة بقيادة القوافل أو الانخراط في سلك الجيش بصفتهم جنودًا مرتزقة (2). وقد كان ملوك الدولة القديمة يرسلون الحملات المسلحة إلى هذه الجهات لتأمين الطرق التي تؤدي إلى السودان أو لإخضاع أهالي النوبة المغيرين على بلاد القطر. وقد كانت هذه الحملات تأتي بفوائد من كل جهة، إذ كانت أحيانًا تستولي على ما لديهم من العاج والأبنوس، فتدلنا الآثار على أن الملك «خع سخموي» أحد ملوك الأسرة الثانية وبعده الملك «زوسر»، قد توغلا في بلاد النوبة وقد أخضع الأخير منهما لسلطانه ما يقرب من اثني عشر فرسخًا من أسوان إلى المحرقة، وهذا الإقليم أطلق عليه اليونان اسم دوديكاشين Dodecashene». وجاء في تواريخ حجر «بلرم» أن الملك «سنفرو». أو ملوك الأسرة الرابعة - ذهب لإخضاع هذه الجهات وقد رجع ومعه 7000 أسير و200,000 رأس من الحيوانات الكبيرة والصغيرة (3). وفي عهد «الملك الأول» نجد في النقوش بعض أسماء القبائل النوبية التي جند بيبي منها «وني» جيشه لإخضاع الآسيويين منها قبائل: «إرتت» و «مجا»، و«أمام» و«واوات» و«كاوو». وقد ذكر «مسبرو» أن قبائل «واوات»، و«المجا» كانوا في شرق النيل، أما البقية فكانت على الضفة الغربية (4). ومن المحتمل جدًّا أن هذه القبائل لم تمتد قط نحو الجنوب، ولم تصل الفتوح المصرية إلى الشلال الثاني. أما الأقاليم السودانية التي كانت تقع في الشرق فإنها لم تكن معروفة إلا عن طريق روايات النوبيين من الخدم والجنود الذين قاموا برحلات متوغلين في داخل هذه البلاد مع عظماء الفنتين. وفي عهد الملك«مرنرع» خلف «بيبي الأول»، كلف «وني» بحفر خمس ترع عند شلال أسوان لتسهيل مرور السفن والقوارب، وقد صنعت هذه القوارب من خشب السنط من بلاد «واوات». وقد وجد ذكرى هذا الحادث ممثلا في نقش غائر على صخور الشلال وهو في كنف الإله «خنوم» إله الشلال (5). وكذلك في عهد حكومة الملك «مرنرع» قام «حرخوف» برحلاته الأولى نحو الجنوب... ومن منطوق نقوش سياحات «حرخوف»، يمكن الوصول إلى بلاد «بنت» بالتوغل في الفنتين نحو الجنوب الشرقي. على أن العقبة الوحيدة في عدم إمكاننا تتبع «حرخوف» في مخاطراته والبعوث التي قام بها هي عدم معرفتنا بالضبط المواقع الجغرافية التي ذكرها لنا، أي أننا لم نوفق للآن إلى تحديد أقصى نقطة وصل إليها في حوض نهر النيل الأعلى. وعلى أية حال فإن حفائر الأستاذ «ريزنز» في السودان قد أظهرت أن الأسرة السادسة قد بلغت في توغلها حتى (كرمه) عند الشلال الثالث (6) إذ أقيم هناك متجر. ولا نزاع في أن وعثاء الطريق ومخاطرها كانت عظيمة جدًّا، ولذلك كان يعد التوغل في هذه الجهات من أعظم الأعمال الجليلة بالنسبة لهذا العصر. ولذلك يقول «مسبرو» كان الطريق البري متعبًا ولا نهاية له، ولم يكن لدى القوم غير الحمير من حيوانات الحمل، ولم يكن في مقدورها غير قطع مسافات قصيرة، فكان الإنسان يقضي الأشهر تلو الأشهر في السير في أقاليم كانت قوافل الجمال تقطعها في بضعة أسابيع. أما الطرق التي كان المسافرون يقتحمونها فهي التي كان قد حفر فيها آبار للماء على مسافات متقاربة، وقد كانت الحاجة لإرواء ظمأ الحمير كبيرة، واستحالة نقل المياه معهم بكميات وفيرة من الأسباب التي أجبرت المسافر على أن يسلك طرقًا ملتوية مرتبكة. وقد كانوا ينتخبون لأجل التبادل ما خف حمله وغلا ثمنه، فكان المصري يحمل معه من بلاده الخرز المختلف الأنواع، والمجوهرات والسكاكين الخشنة الصنع، والروائح الشديدة الشذا، ولفافات النسيج البيضاء أو الملونة التي لا تزال تروق في أعين هذه الجهات الأفريقية حتى الآن. أما أهالي النوبة والسودانيون فكانوا يدفعون ثمنًا لهذه الذخائر التي لا تقدر بثمن في نظرهم، الذهب على هيئة تبر أو قطع، ريش النعام، أو جلود الأسود أو الفهود، أو العاج، والودع، وقطع خشب الأبنوس، أو البخور، أو الصمغ. وكذلك كان يهتم المصريون بأخذ القردة والنسانيس التي كان الملوك والأمراء يتسلون بها ويعرضونها موثوقة في قوائم كراسيهم في أيام المقابلات الرسمية، أما القزم الذي كان من السلع النادرة (دنج) فكان دائمًا يطلب ولكن دون الحصول عليه قط. وقد أصبح أمراء «الفنتين من أهل اليسار وذلك إما بالنهب أو بالتجارة وصاروا يعدون من عظماء أشراف الصعيد. وكذلك يقص علينا نخت» أمير «الفنتين» أعماله العظيمة في بلاد النوبة (انظر جزء أول ص 389 إلخ) إذ يقول: إنه بناء على أمر الملك «بيبي الثاني» قام بمهاجمة بلاد «واوات» و «إرتت» الثائرة وذبح من أهلها خلقًا كثيرين وقد أحضر معه رؤساءهم رهينة، وعددًا عظيمًا من الأسرى والماشية، وقد قام بعده بفترة «سبني» بحملة لإحضار جثة والده (انظر جزء أول ص 391) «مخو» الذي مات في بلاد «واوات» ليحنطه ويدفنه في بلده الأصلي. وقد انتهز هذه الفرصة وحمل مائة حمار من محاصيل هذه البلاد الأجنبية، وهذا آخر عمل من نوعه نعرفه في عهد الدولة القديمة وربما ما خفي كان أعظم. وهكذا نرى أنه منذ العصر الطيني حتى نهاية الدولة القديمة كان ثراء البلاد الاستوائية يجذب المصريين إلى بلاد النوبة والسودان ويحملهم على القيام ببعثات بالقوافل محفوظة بالمخاطر. ويلاحظ في خلال تلك الفترة أن الرسل الذين كان يرسلهم الفرعون وأمراء أسوان كانوا يتبعون بلا هوادة سياسة حكيمة قبلتها توسيع نفوذ الفرعون في هذه الجهات، وقد كان هذا يتطلب من وقت لآخر إرسال حملات تأديبية لإخضاع الثوار كما كان الحال في سيناء وسوريا وفلسطين.
..............................................
1. Erman Ranke, Ægypten und Ægytisches Leben, p. 592; Kees,
.Ægypten p.p. 107, 339. Sq.; Meyer, Hist. de l’Ant. t. II, p. 44
2. Moret, Des clans aux empires, p. 196; Meyer, Hist. de I’Ant. T
.II, p. 46. ; Cf. Meyer, op. cit. t, II, p.p. 155, 185 ET 233
3. Br. A. R. t. I, p.146
4. Msspero, Etudes de Myth. ET d’Arch. Eg. t. VI, p. 36
5. Lepsius Denkmaler, t. II, p. 116 b
6. Reisner, Excav. At Kerma (Harvard African studies) t. V–VI
. (1923); Kees, Ægypten, p. 346
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|