المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8829 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


مظاهر من شخصية الإمام الكاظم ( عليه السّلام )  
  
1027   08:21 مساءً   التاريخ: 28-12-2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 9، ص27-38
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام موسى بن جعفر الكاظم / مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام) /

1 - وفور علمه :

لقد شهد للإمام موسى الكاظم ( عليه السّلام ) بوفور علمه أبوه الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السّلام ) إذ قال عنه :

« إنّ ابني هذا لو سألته عمّا بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم » .

وقال أيضا : « وعنده علم الحكمة ، والفهم ، والسخاء ، والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم » .

ويكفي لمعرفة وفور علومه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها مما ملأوا به الكتب ، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة ، حتى عرف بين الرواة بالعالم .

وقال الشيخ المفيد : وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه[1].

2 - عبادته وتقواه :

نشأ الإمام موسى ( عليه السّلام ) في بيت القداسة والتقوى ، وترعرع في معهد العبادة والطاعة ، بالإضافة إلى أنه قد ورث من آبائه حب اللّه والايمان به والاخلاص له فقد قدموا نفوسهم قرابين في سبيله ، وبذلوا جميع إمكانياتهم في نشر دينه والقضاء على كلمة الشرك والضلال فأهل البيت أساس التقوى ومعدن الايمان والعقيدة ، فلولاهم ما عبد اللّه عابد ولا وحّده موحّد . وما تحقّقت فريضة ، ولا أقيمت سنة ، ولا ساغت في الاسلام شريعة .

لقد رأى الإمام ( عليه السّلام ) جميع صور التقوى ماثلة في بيته ، فصارت من مقوّمات ذاته ومن عناصر شخصيته ، وحدّث المؤرخون أنه كان أعبد أهل زمانه[2] حتى لقّب بالعبد الصالح ، وبزين المجتهدين إذ لم تر عين انسان نظيرا له قط في الطاعة والعبادة . ونعرض أنموذجا من مظاهر طاعته وعبادته :

أ - صلاته : إنّ أجمل الساعات وأثمنها عند الإمام ( عليه السّلام ) هي الساعات التي يخلو بها مع اللّه عزّ اسمه فكان يقبل عليه بجميع مشاعره وعواطفه وقد ورد :

أنه إذا وقف بين يدي اللّه تعالى مصلّيا أو مناجيا أو داعيا ارسل ما في عينيه من دموع ، وخفق قلبه ، واضطرب موجدة وخوفا منه ، وقد شغل أغلب أوقاته في الصلاة « فكان يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ، ثم يعقب حتى تطلع الشمس ، ويخرّ للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد حتى يقرب زوال الشمس[3] ، من مظاهر طاعته أنه دخل مسجد النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في أول الليل فسجد سجدة واحدة وهو يقول بنبرات تقطر إخلاصا وخوفا منه :

« عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك »[4].

ولمّا أودعه طاغية زمانه الملك هارون الرشيد في ظلمات السجون تفرغ للطاعة والعبادة حتى بهر بذلك العقول وحير الألباب ، فقد شكر اللّه على تفرغه لطاعته قائلا :

« اللّهم انّني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللهمّ وقد فعلت فلك الحمد »[5].

لقد ضرب الإمام المثل الأعلى للعبادة فلم يضارعه أحد في طاعته واقباله على اللّه ، فقد هامت نفسه بحبه تعالى ، وانطبع في قلبه الايمان العميق .

وحدّث الشيباني[6] عن مدى عبادته ، فقال : كانت لأبي الحسن موسى ( عليه السّلام ) في بضع عشر سنة سجدة في كل يوم بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال[7] ، وقد اعترف عدوه هارون الرشيد بأنه المثل الأعلى للإنابة والايمان ، وذلك حينما أودعه في سجن الربيع[8] فكان يطل من أعلى القصر فيرى ثوبا مطروحا في مكان خاص من البيت لم يتغير عن موضعه فيتعجب

من ذلك ويقول للربيع :

« ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع » ؟ !

- يا أمير المؤمنين : ما ذاك بثوب ، وإنما هو موسى بن جعفر ، له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال .

فبهر هارون وانطلق يبدي إعجابه .

- أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم ! !

والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بزهد الإمام وعزوفه عن الدنيا طالبا أن يطلق سراحه ولا يضيّق عليه قائلا :

يا أمير المؤمنين : ما لك قد ضيّقت عليه في الحبس ! ! ؟

فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من عدم الرحمة والرأفة قائلا :

« هيهات : لا بد من ذلك ! »[9].

ب - صومه : كان الإمام ( عليه السّلام ) يصوم في النهار ويقوم مصلّيا في الليل ، خصوصا لمّا سجنه هارون فإنه لم يبارح العبادة الاستحبابية بجميع أنواعها من صوم وغيره ، وهو يشكر اللّه ويحمده على هذا الفراغ الذي قضاه في عبادته .

ج - حجّه : وما من شيء يحبه اللّه وندب إليه إلّا فعله الإمام عن رغبة واخلاص ، فمن ذلك أنه حج بيت اللّه ماشيا على قدميه ، والنجائب تقاد بين يديه ، وقد حج معه أخوه علي بن جعفر وجميع عياله أربع مرات ، وحدّث علي بن جعفر عن الوقت الذي قطعوا به طريقهم فقال : كانت السفرة الأولى ستا وعشرين يوما ، والثانية كانت خمسا وعشرين يوما ، والثالثة كانت أربعا وعشرين يوما ، والرابعة كانت إحدى وعشرين يوما[10].

د - تلاوته للقرآن : كان الذكر الحكيم رفيق الإمام في خلواته ، وصاحبه في وحشته وكان يتلوه بامعان وتدبر ، وكان من أحسن الناس صوتا به ، فإذا قرأ يحزن ، ويبكي السامعون لتلاوته[11].

وحدّث حفص عن كيفية تلاوته للقرآن فقال : وكان قراءته حزنا فإذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا[12] بهذه الكيفية كان يتلو آيات الذكر الحكيم فكان يمعن في تعاليمه ويمعن في آدابه ، ويتبصر في أوامره ونواهيه وأحكامه .

ه - عتقه للعبيد : ومن مظاهر طاعة الإمام ( عليه السّلام ) عطفه واحسانه على الرقيق فقد أعتق الف مملوك[13] كل ذلك لوجه اللّه ، وابتغاء مرضاته ، والتقرب إليه .

3 - زهده :

كان الإمام في طليعة الزاهدين في الدنيا والمعرضين عن نعيمها وزخارفها فقد اتجه إلى اللّه ورغب فيما أعدّه له في دار الخلود من النعيم والكرامة ، وقد حدثنا عن مدى زهده إبراهيم بن عبد الحميد فقال : دخلت عليه في بيته الذي كان يصلي فيه ، فإذا ليس في البيت شيء سوى خصفة ، وسيف معلق ، ومصحف[14] ، لقد كان عيشه زهيدا ، وبيته بسيطا فلم يحتو على شيء حتى من الأمتعة البسيطة التي تضمها بيوت الفقراء الأمر الذي دل على تجرده من الدنيا ، وإعراضه عنها . على أنه كانت تجبى له الأموال الطائلة ، والحقوق الشرعية من العالم الشيعي ، بالإضافة إلى أنه كان يملك البسرية وغيرها من الأراضي الزراعية التي تدر عليه بالأموال الخطيرة ، وقد أنفق جميع ذلك بسخاء على البائسين والمحرومين في سبيل اللّه وابتغاء مرضاته ، وكان ( عليه السّلام ) دوما يتلو على أصحابه سيرة أبي ذر الصحابي العظيم الذي ضرب المثل الاعلى لنكران الذات والتجرد عن الدنيا والزهد في ملاذها ، فقال ( عليه السّلام ) :

« رحم اللّه أبا ذر . فلقد كان يقول : جزى اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير ، أتغدى بأحدهما ، وأتعشى بالآخر ، وبعد شملتي الصوف أئتزر بأحدهما وارتدي بالأخرى . . . »[15].

4 - جوده وسخاؤه :

لقد تجلّى الكرم الواقعي ، والسخاء الحقيقي في الإمام فكان مضرب المثل في الكرم والمعروف ، فقد فزع إليه البائسون والمحرومون لينقذهم من كابوس الفقر وجحيم البؤس وقد أجمع المؤرخون أنه أنفق ( عليه السّلام ) جميع ما عنده عليهم كل ذلك في سبيل اللّه لم يبتغ من أحد جزاءا أو شكورا ، وكان ( عليه السّلام ) في صلاته يتطلب الكتمان وعدم الذيوع لئلا يشاهد على الآخذ ذلة الحاجة ، وكان يلتمس في ذلك وجه اللّه ورضاه ، ولهذا كان يخرج في غلس الليل البهيم فيصل الطبقة الضعيفة ببرّه وإحسانه وهي لا تعلم من أيّ جهة تصلها تلك المبرة ، وكان يوصلهم بصراره التي تتراوح ما بين المائتي دينار إلى الأربعمائة دينار[16] وكان يضرب المثل بتلك الصرار فكان أهله يقولون :

« عجبا لمن جاءته صرار موسى وهو يشتكي القلة والفقر ! ! »[17].

وبلغ من عطفه المستفيض أنه إذا بلغه عن شخص يؤذيه ويسيء إليه بعث له بصرّة فيها ألف دينار[18]. وقد قامت هباته السرية وصلاته الخفية بإعاشة فقراء يثرب ، فكانوا جميعا يرتعون بنعمته ويعيشون من عطاياه .

وحدّث عيسى بن محمّد القرطي قال : « زرعت بطيخا وقثاء وقرعا[19] في موضع بالجوانيّة[20] على بئر يقال لها أم عضام .

فلمّا استوى الزرع بغتني الجراد ، فأتى على الزرع كلّه ، وكنت قد غرمت عليه مع ثمن جملين مائة وعشرين دينارا . فبينما أنا جالس إذ طلع عليّ الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) فسلّم ثم قال لي : كيف حالك ؟

فقلت : أصبحت كالصريم بغتني الجراد فأكل كل زرعي .

فقال : كم غرمت فيه ؟

فقلت : مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين .

فالتفت ( عليه السّلام ) لعرفة وقال له : زن لابن المغيث مائة وخمسين دينارا . ثم قال لعيسى : فربحك ثلاثون دينارا مع الجملين »[21].

5 - حلمه :

وكان الحلم من أبرز صفات الإمام موسى ( عليه السّلام ) فقد كان مضرب المثل في حلمه وكظمه للغيظ ، وكان يعفو عمن أساء إليه ، ويصفح عمن اعتدى عليه ، ولم يكتف بذلك وانما كان يحسن لهم ويغدق عليهم بالمعروف ليمحو بذلك روح الشر والأنانية من نفوسهم ، وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من حلمه فقد رووا : « أن شخصا من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للامام ، ويكيل السب والشتم لجده أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) فأراد بعض شيعة الإمام اغتياله فنهاهم ( عليه السّلام ) عن ذلك ورأى أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل : أنه يزرع في بعض نواحي المدينة ، فركب ( عليه السّلام ) بغلته ومضى إليه متنكرا ، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه ، فصاح به : لا تطأ زرعنا واستمر الإمام حتى وصل إليه ، ولمّا انتهى إليه جلس إلى جنبه وأخذ يلاطفه ويحدّثه بأطيب الحديث ، وقال له بلطف ولين :

- كم غرمت في زرعك هذا ؟

- مائة دينار .

- كم ترجو أن تصيب منه ؟ .

- أنا لا أعلم الغيب ! !

- انما قلت لك : كم ترجو أن يجيئك منه ؟

- أرجو أن يجيئني منه مئتا دينار .

فأعطاه ( عليه السّلام ) ثلاثمائة دينار ، وقال : هذه لك وزرعك على حاله فتغير العمري ، وخجل من نفسه على ما فرط من قبل في حق الامام ، وتركه ( عليه السّلام ) ومضى إلى الجامع النبوي ، فوجد العمري قد سبقه ، فلما رأى الإمام مقبلا قام إليه تكريما وانطلق يهتف :

اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ في من يشاء » .

فبادر إليه أصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب ، فأخذ يخاصمهم ، ويتلو عليهم مناقب الإمام ومآثره ، ويدعو له ، فالتفت ( عليه السّلام ) إلى أصحابه قائلا :

أيّما كان خيرا ؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار ؟ »[22].

ومن آيات حلمه ( عليه السّلام ) أنه اجتاز على جماعة من حسّاده وأعدائه ، وكان فيهم ابن هياج فأمر بعض اتباعه أن يتعلق بلجام بغلة الإمام ويدّعيها فمضى الرجل إلى الإمام وتعلق بزمام بغلته فادعاها له فعرف الإمام غايته فنزل عن بغلته وأعطاها له[23]. لقد أقام ( عليه السّلام ) بذلك أسمى مثل للانسانية الفذّة والحلم الرفيع .

وكان ( عليه السّلام ) يوصي أبناءه بالتحلّي بهذه الصفة الرفيعة ويأمرهم بالصفح عمن أساء إليهم فقد جمعهم وأوصاهم بذلك فقال :

« يا بنيّ : إني أوصيكم بوصية من حفظها انتفع بها ، إذا أتاكم آت فأسمع أحدكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم ، وقال : إني لم أقل شيئا فاقبلوا عذره »[24].

6 - ارشاده وتوجيهه :

إنّ إرشاد الناس إلى الحق وهدايتهم إلى الصواب من أهم الأمور الاصلاحية التي كان الإمام يعنى بها ، فقد قام بدور مهم في انقاذ جماعة ممن أغرّتهم الدنيا وجرفتهم بتيّاراتها . وببركة ارشاده ووعظه لهم تركوا ما هم فيه من الغيّ والضلال وصاروا من عيون المؤمنين . وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة له في هذا المجال فقد رووا قصته مع بشر الحافي ، إذ كان في بداية أمره - فيما يقول الرواة - يتعاطى الشراب ويقضي لياليه وأيامه في المجون والدعارة فتاب ببركة إرشاد الإمام ( عليه السّلام ) وتوجيهه كما سوف نشير إلى قصّته مع الإمام ( عليه السّلام ) فيما سيأتي[25].

وممن أرشدهم الإمام ( عليه السّلام ) إلى طريق الحق : الحسن بن عبد اللّه ، فقد كان شخصية مرموقة عند الملوك زاهدا في الدنيا ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لا تأخذه في اللّه لومة لائم ، فاجتمع بالامام فقال ( عليه السّلام ) له :

يا أبا علي ، ما أحب اليّ ما أنت عليه ، وأسرني به ، إلا أنه ليست لك معرفة فاطلب المعرفة .

قال : وما المعرفة ؟

فقال له : تفقّه واطلب الحديث .

فذهب الرجل فكتب الحديث عن مالك وعن فقهاء أهل المدينة ، وعرضه على الإمام فلم يرض ( عليه السّلام ) ، وأرشده إلى فقه أهل البيت وأخذ الأحكام منهم ، والاعتراف لهم بالإمامة فانصاع الرجل لذلك واهتدى[26].

لقد كان ( عليه السّلام ) يدعو الناس إلى فعل الخير ويدلّهم على العمل الصالح ويحذرهم لقاء اللّه واليوم الآخر ، فقد سمع رجلا يتمنّى الموت فانبرى ( عليه السّلام ) له قائلا : « هل بينك وبين اللّه قرابة يحابيك لها ؟

فقال : لا .

فقال له ( عليه السّلام ) : فأنت إذن تتمنّى هلاك الأبد »[27].

7 - احسانه إلى الناس :

وكان الإمام بارّا بالمسلمين محسنا إليهم ، فما قصده أحد في حاجة إلّا قام بقضائها ، فلا ينصرف منه إلّا وهو ناعم الفكر مثلوج القلب ، وكان ( عليه السّلام ) يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر ، ورفع الظلم عن المظلوم ، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون وجعل كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان مبرّرا له ، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءا ورحمة .

ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام ( عليه السّلام ) شخص من أهالي الري[28] كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائها ، وخاف على نعمته أن تسلب منه ، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل ، فسأل عن حاكم الري ، فأخبر أنه من الشيعة ، فطوى نيته على السفر إلى الإمام ليستجير به فسافر إلى المدينة فلما انتهى إليها تشرف بمقابلة الإمام فشكى إليه حاله ، فزوده ( عليه السّلام ) برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة :

إعلم أنّ للّه تحت عرشه ظلا لا يسكنه إلّا من أسدى إلى أخيه معروفا ، أو نفّس عنه كربة ، أو أدخل على قلبه سرورا ، وهذا أخوك والسلام .

وأخذ الرسالة ، وبعد أدائه لفريضة الحج ، اتّجه إلى وطنه ، فلما وصل ، مضى إلى الحاكم ليلا ، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه ، فقال له : من أنت ؟

فقال : رسول الصابر موسى ؟

فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك فخرج حافي القدمين مستقبلا له ، فعانقه وقبّل ما بين عينيه ، وجعل يكرر ذلك ، ويسأله بلهفة عن حال الامام ، ثم إنه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريما ، فلما قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعها وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة وهو يقول له : يا أخي هل سررتك ؟

فقال له : أي واللّه وزدت على ذلك ! !

ثم استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه وأعطاه براءة منها ، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحا وسرورا ، ورأى أن يجازيه على إحسانه ومعروفه فيمضي إلى بيت اللّه الحرام فيدعو له ، ويخبر الإمام بما أسداه إليه من البر والمعروف ، ولمّا أقبل موسم الحج مضى إليه ثم اتّجه إلى يثرب فواجه الإمام وأخبره بحديثه ، فسرّ ( عليه السّلام ) بذلك سرورا بالغا ، فقال له الرجل :

يا مولاي : هل سرّك ذلك ؟

فقال الإمام ( عليه السّلام ) : إي ، واللّه ! لقد سرّني ، وسرّ أمير المؤمنين ، واللّه لقد سرّ جدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ولقد سرّ اللّه تعالى . . »[29].

وقد دلّ ذلك على اهتمامه البالغ بشؤون المسلمين ورغبته الملحة في قضاء حوائج الناس .

 

[1] الارشاد : 2 / 225 .

[2] جوهرة الكلام : 139 .

[3] الارشاد : 2 / 231 وعنه في كشف الغمة : 3 / 18 .

[4] وفيات الأعيان : 4 / 293 ، وكنز اللغة : 766 ، وتاريخ بغداد : 13 / 27 وعنه في الأنوار البهية : 190 .

[5] مناقب آل أبي طالب : 4 / 343 ، ووفيات الأعيان : 4 / 293 .

[6] الشيباني : هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسن مولى لبني شيبان حضر مجلس أبي حنيفة سنين ، وتفقه على أبي يوسف ، وصنف الكتب الكثيرة ونشر علم أبي حنيفة وقال الشافعي : حملت من علم محمد بن حسن وقر بعير وقال أيضا : ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر الا تبينت في وجهه الكراهة الا محمد بن الحسن . توفي بالري سنة ( 187 ه ) وهو ابن ثمان وخمسين سنة كما جاء في طبقات الفقهاء : ص 114 .

[7] حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) : 1 / 140 عن بحار الأنوار .

[8] الربيع بن يونس كان حاجبا للمنصور ثم صار وزيرا له بعد أبي أيوب ، وكان المنصور كثير الميل إليه حسن الاعتماد عليه قال له يوما : ويحك يا ربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت ، فقال له الربيع : ما طابت الدنيا إلّا بالموت ، قال له : وكيف ذلك ؟ فأجابه لولا الموت لم تقعد هذا المقعد ، فقاله له : صدقت ، وقال له المنصور لمّا حضرته الوفاة : بعنا الآخرة بنومة ، ويقال إن الربيع لم يكن له أب يعرف ، وان بعض الهاشميين وفد على المنصور فجعل يحدثه ويقول له : كان أبي رحمه اللّه ، وكان ، وكان ، وأكثر من الترحم عليه ، فقال له الربيع : كم تترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين ؟ فقال له الهاشمي : أنت معذور لأنك لا تعرف مقدار الآباء فخجل أشدّ الخجل . توفي الربيع سنة ( 170 ه ) جاء ذلك في وفيات الأعيان : ( ج 1 / ص 231 - 233 ) ط . بولاق .

[9] عيون أخبار الرضا : 1 / 95 ح 14 وعنه في الأنوار البهية : 189 .

[10] بحار الأنوار : 48 / 100 ح 2 عن قرب الإسناد .

[11] المناقب : 4 / 348 .

[12] أصول الكافي : 2 / 606 وعنه في بحار الأنوار : 48 / 111 .

[13] عن الدر النظيم ، في مناقب الأئمة اللهاميم ليوسف بن حاتم الشامي ، مخطوط في مكتبة الإمام الحكيم العامة ( النجف الأشرف ) .

[14] بحار الأنوار : 48 / 100 ، ح 1 عن قرب الإسناد .

[15] أصول الكافي : 2 / 134 .

[16] تأريخ بغداد : 13 / 28 .

[17] عمدة الطالب : 185 .

[18] تاريخ بغداد : 13 / 27 .

[19] القرع : نوع من اليقطين ، الواحدة قرعة .

[20] منطقة قرب المدينة .

[21] تاريخ بغداد : 13 / 29 ، وكشف الغمة : 2 / 217 .

[22] تأريخ بغداد : 13 / 28 - 29 ، والارشاد : 2 / 233 وعنه في إعلام الورى : 2 / 26 ، 27 ، وكشف الغمة :

3 / 18 ، 19 واختصر في مناقب آل أبي طالب : 4 / 344 .

[23] بحار الأنوار : 48 / 148 عن فروع الكافي : 8 / 86 .

[24] كشف الغمة : 3 / 8 عن الجنابذي ، والفصول المهمة لابن الصباغ : 235 .

[25] راجع تمام القصة في الفصل الثّاني من الباب الثّالث : 80 .

[26] المناقب لابن شهرآشوب : 4 / 312 .

[27] الاتحاف بحب الأشراف : 55 .

[28] كان يدعى : علي بن طاهر الصوري كما في مصدر الخبر .

[29] اعتمدنا في هذا الفصل على ما كتبه الأستاذ باقر شريف القرشي ، راجع حياة الإمام موسى بن جعفر ( عليه السّلام ) : 1 / 138 - 162 . وخبر الصوريّ من أهل الريّ رواه المجلسي في بحار الأنوار : 48 / 174 ح 16 عن كتاب قضاء حقوق المؤمنين المنشور في نشرة تراثنا : 34 / 186 ح 24 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






الهيأة العليا لإحياء التراث تنظّم ورشة عن تحقيق المخطوطات الناقصة
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنكليز
وفد جامعة الكفيل يزور دار المسنين في النجف الأشرف
زرع على مساحة 900 دونم شركة الكفيل للاستثمـارات العامة تباشر بأعمال الحصاد لمحصول الحنطة من مزارعها