المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 8823 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
معنى المسيح
2024-04-17
تفويض الامر الى الله
2024-04-17
معنى القنوت
2024-04-17
فاطمة الزهراء شبيهة مريم العذراء
2024-04-17
معنى الحضر
2024-04-17
التحذير من الاستعانة بالكافر
2024-04-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المنصور والتضييق على الإمام الصادق ( عليه السّلام )  
  
1354   03:34 مساءً   التاريخ: 3/12/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 8، ص199-208
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / قضايا عامة /

حين تولّى الحكم أبو جعفر المنصور بعد أخيه أبي العباس السفّاح سنة ( 136 ه ) عبّر عن مكنون حقده على الإمام الصادق ( عليه السّلام ) وصحبه من العلويين وغيرهم ، وقال عنه المؤرّخون : وكان المنصور خدّاعا لا يتردّد في سفك الدماء وكان سادرا في بطشه مستهترا في فتكه[1].

ووصفه ابن هبيرة وهو أحد معاصريه بقوله : ما رأيت رجلا في حرب أو سلم أمكر ولا أنكر ولا أشدّ تيقّظا من المنصور[2].

لقد بادر المنصور إلى قتل أبي مسلم الخراساني الذي كان يبغضه ، وأبو مسلم هو القائد الأوّل للإنقلاب العبّاسي ، وذلك بعد أن أعدّ له المنصور مكيدة وأغراه بالمجيء إلى بغداد . وجرّده من جميع مناصبه العسكرية .

ولمّا دخل أبو مسلم الخراساني على المنصور قابله بقساوة بالغة وأخذ يعدّد عليه أعماله وأبو مسلم يعتذر عن ذلك .

ثمّ صفّق المنصور عاليا حسب الاتّفاق مع حرّاسه لتكون الصفقة بمثابة ساعة الصفر ، فدخل الحرّاس وبأيديهم السيوف فقال : أبو مسلم للمنصور متوسّلا استبقني لعدوّك . فصاح به : وأيّ عدو أعدى لي منك ؟ !

وبمثل هذا الأسلوب أيضا قد غدر بعمّه عبد اللّه بن علي حيث ارسل عليه بعد أن أعطاه الأمان ثم قتله بعد ذلك[3].

أما مخطّطه الخبيث ضدّ الإمام الصادق ( عليه السّلام ) ونهضته الإسلاميّة بشكل عام فقد أخذ ثلاثة اتّجاهات :

الاتّجاه الأول :

اتّخذ المنصور في هذا الاتّجاه أسلوبا مرنا محاولا فيه الاستفادة من جهد الإمام ( عليه السّلام ) واحتوائه ضمن سياسة الخلافة العباسية فقد كتب إليه : « لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟

فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) : « ليس لنا ما نخافك ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنّئك بها ولا تراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عنك ! ؟ »

فكتب اليه : تصحبنا لتنصحنا .

فأجابه ( عليه السّلام ) : « من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك » .

قال : المنصور : واللّه لقد ميّز عندي منازل الناس ، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة وإنه ممّن يريد الآخرة لا الدنيا[4].

ومن أساليب المنصور مع الإمام ( عليه السّلام ) في هذا الاتّجاه ما جاء عن عبد الوهّاب عن أبيه حيث قال :

بعث أبو جعفر المنصور إلى أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد ( عليه السّلام ) وأمر بفرش فطرحت له إلى جانبه ، فأجلسه عليها ثم قال عليّ بمحمد ، عليّ بالمهدي . فأقبل المنصور على جعفر ( عليه السّلام ) فقال : يا أبا عبد اللّه حديث حدّثتنيه في صلة الرحم ، اذكره ، يسمعه المهدي .

قال : « نعم ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه عن علي ( عليه السّلام ) قال ، قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله وسلّم ) : ان الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين ، فيصيرها اللّه عزّ وجلّ ثلاثين سنة ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة ، فيصيرها اللّه ثلاث سنين » ثم تلا ( عليه السّلام ) :

يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[5].

قال : هذا حسن يا أبا عبد اللّه ، وليس إيّاه أردت ، قال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) :

نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ ( عليه السّلام ) قال : قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : صلة الرحم تعمّر الديار وتزيد في الاعمار وان كان أهلها غير أخيار » .

قال هذا حسن يا أبا عبد اللّه ، وليس هذا أردت .

فقال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) : « نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن علي ( عليه السّلام ) قال ، قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) صلة الرحم تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء » .

قال المنصور : نعم إيّاه أردت[6].

إنّ السلاطين يخافون الموت ، فالإمام ( عليه السّلام ) ركّز على هذه الناحية وربطها بصلة الرحم لتعالج الحقد والكيد الذي يشغل ذهن المنصور ضدّ الإمام والعلويين من أهل بيته ، لذا أكّد ( عليه السّلام ) عن طريق الأحاديث بأن طول العمر يرتبط بصلة الرحم .

الاتّجاه الثاني :

كما تحرّك المنصور بقوة نحو الإمام ( عليه السّلام ) عن طريق نشر عيونه وجواسيسه التي كانت تراقب حركة الإمام الصادق وترصد نشاطاته لتزوّده بآخر المعلومات ، ليتّخذ منها مسوّغا للنيل من الإمام ( عليه السّلام ) والتضييق على حركته التي كان يرى فيها المنصور خطرا حقيقيا على سلطانه وبالتالي تمهّد له تلك التقارير أن يصوغ ما يريده من الاتّهامات لأجل أن يتخذها ذريعة في قتله . وقد تضمّن هذا الاتّجاه جملة من الأساليب .

الأسلوب الأول : عن رزام بن مسلم مولى خالد القسري قال : بعثني أبو جعفر المنصور إلى المدينة ، وأمرني إذا دخلت المدينة أن أفضّ الكتاب الّذي دفعه إليّ وأعمل بما فيه ؛ قال : فما شعرت إلّا بركب قد طلعوا عليّ حين قربت من المدينة ، وإذا رجل قد صار إلى جانبي ، فقال : يا رزام اتق اللّه ، ولا تشرك في دم آل محمّد قال : فأنكرت ذلك فقال لي : دعاك صاحبك نصف الليل ، وخاط رقعة في جانب قباك ، وأمرك إذا صرت إلى المدينة ، تفضها وتعمل بما فيها .

قال : فرميت بنفسي من المحمل ، وقبّلت رجليه ، وقلت : ظننت أن ذلك صاحبي وأنت يا سيّدي صاحبي ، فما أصنع ؟ قال : ارجع إليه ، واذهب بين يديه وتعال ، فإنه رجل نسّاء ، وقد أنسي ذلك ، فليس يسألك عنه ، قال : فرجعت إليه ، فلم يسألني عن شيء ، فقلت صدق مولاي[7].

وعن مهاجر بن عمار الخزاعي ، قال : بعثني أبو الدوانيق إلى المدينة ، وبعث معي بمال كثير ، وأمرني أن أتضرّع لأهل هذا البيت ، وأتحفّظ مقالتهم ، قال : فلزمت الزاوية التي مما يلي القبلة ، فلم أكن أتنحّى منها في وقت الصلاة ، لا في ليل ولا في نهار .

قال : وأقبلت أطرح إلى السؤال الذين حول القبر الدارهم ومن هو فوقهم الشيء بعد الشيء حتى ناولت شبابا من بني الحسن ومشيخة [ منهم ] حتى ألفوني وألفتهم في السّر .

قال : وكنت كلما دنوت من أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) يلاطفني ويكرمني حتى إذا كان يوما من الأيام - بعد ما نلت حاجتي ممن كنت أريد من بني الحسن وغيرهم - دنوت من أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) وهو يصلّي ، فلما قضى صلاته ، التفت إليّ وقال :

تعال يا مهاجر ! - ولم أكن أتسمّى [ باسمي ] ولا أتكنّى بكنيتي - فقال :

قل لصاحبك : يقول لك جعفر : « كان أهل بيتك إلى غير هذا أحوج منهم إلى هذا ، تجيء إلى قوم شباب محتاجين فتدسّ إليهم ، فلعلّ أحدهم يتكلّم بكلمة تستحلّ بها سفك دمه ، فلو بررتهم ووصلتهم [ وانلتهم ] واغنيتهم ، كانوا إلى هذا أحوج مما تريد منهم » .

قال : فلما أتيت أبا الدوانيق ، قلت له : جئتك من عند ساحر ، كذّاب كاهن كان من أمره كذا وكذا فقال : صدق واللّه لقد كانوا إلى غير هذا أحوج ، وإيّاك أن يسمع هذا الكلام منك انسان[8].

الأسلوب الثاني : ومن أساليبه باتّجاه سياسة التضييق التي فرضها على الإمام ( عليه السّلام ) محاولة تسليط الضوء على بعض الشخصيّات ليجعل منها بدائل علميّة تغطّي على الإمام وتؤيّد سياسته وتساهم من جانب آخر في تضعيف القدسية والانجذاب الجماهيري نحو الإمام وتؤدّي بالنتيجة إلى شق وحدة التيار الاسلامي الذي يقرّ بزعامة الإمام ( عليه السّلام ) وأعلميته وايجاد الفرقة والاختلاف .

وقد نجح المنصور بهذه الخطوة فكسب البعض من طلّاب الإمام ( عليه السّلام ) حين أحاطهم بهالة من الاحترام والتقدير وخلق منهم وجودا قبال مذهب الإمام ونهجه الاسلامي الأصيل .

ذكر أبو القاسم البغّار في مسند أبي حنيفة فقال : قال الحسن بن زياد سمعت أبا حنيفة وقد سئل : من أفقه من رأيت ؟ قال جعفر بن محمد ، لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ ، فقال يا أبا حنيفة ! ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّء له من مسائلك الشداد .

فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبي جعفر وهو بالحيرة فأتيته .

فدخلت عليه ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت عليه ، فأومى إليّ فجلست ، ثم التفت إليه ، فقال :

يا أبا عبد اللّه : هذا أبو حنيفة ، قال : نعم أعرفه . ثم التفت إليّ فقال :

يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) من مسائلك .

فجعلت ألقي عليه فيجيبني ، فيقول : « أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا » فربما تابعنا ، وربما تابعهم ، وربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الأربعين مسألة ، فما أخلّ منها بشيء ثم قال أبو حنيفة :

أليس إنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ؟ ![9].

الأسلوب الثالث : لقد كانت سياسة الإمام ( عليه السّلام ) إزاء حكومة المنصور ذات طابع غير ثوري ، وإنما سلك الإمام نفس نهجه السابق في التغيير والاصلاح ، وقد أوحى للمنصور في وقت سابق بأنه لم يكن بصدد التخطيط للثورة ضدّه بل صرّح له في أكثر من مرة بذلك ، إلّا أن المنصور لم يطمئن لعدم تحرك الإمام وثورته التغييرية وذلك بسبب ما كان يشاهده من كثرة مؤيديه .

يحدثنا الإمام الصادق ( عليه السّلام ) عن الشكوك والتساؤلات التي أثارها المنصور بوجه الإمام عند لقائه به كما في النصّ التالي :

عن حمران قال : « قال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) وبعد ذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال : « إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو في موكبه ، وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل ، وأنا على حمار إلى جانبه ، فقال لي :

يا أبا عبد اللّه ! قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا اللّه من القوة وفتح لنا من العزّ ، ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك ، فتغرينا بك وبهم .

قال : فقلت : « ومن رفع هذا إليك عنّي فقد كذب » . فقال : أتحلف على ما تقول ؟

قال : فقلت : « إن الناس سحرة يحبّون أن يفسدوا قلبك عليّ ، فلا تمكنّهم من سمعك ، فأنا إليك أحوج منك إلينا » .

فقال لي : تذكر يوم سألتك هل لنا ملك ؟ فقلت : نعم طويل عريض شديد ، فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة في دنياكم حتى تصيبوا منّا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام !

فعرفت أنه قد حفظ الحديث ، فقلت : لعلّ اللّه ( عزّ وجلّ ) أن يكفيك ، فإني لم أخصك بهذا ، وإنما هو حديث رؤيته ، ثم لعلّ غيرك من أهل بيتك يتولّى ذلك ، فسكت عنيّ[10].

الاتّجاه الثالث :

واستخدم المنصور مع الإمام ( عليه السّلام ) أيضا سياسة الاستدعاء والمقابلة المصحوبة بالتهم والافتراءات ، أو الاستدعاءات الفارغة من أيّ سؤال ، محاولا عن طريق هذه السياسة شلّ حركة الإمام وجعله تحت ضوء رقابة أجهزته ليطمئنّ المنصور من خطر الإمام ، كما استخدم بعض الأساليب التي من شأنها أن تنال من كرامة الإمام ( عليه السّلام ) ، فمن أساليبه بهذا الاتّجاه :

1 - ما جاء عن بشير النبّال أنه قال : كنت على الصفا وأبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) قائم عليها إذ انحدر وانحدرت معه ، وأقبل أبو الدوانيق على حمارته ، ومعه جنده على خيل وعلى إبل ، فزاحموا أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) حتى خفت عليه من خيلهم وأقبلت أقيه بنفسي وأكون بينهم وبينه ، قال : فقلت في نفسي : يا رب عبدك وخير خلقك في أرضك ، وهؤلاء شرّ من الكلاب قد كانوا يفتنونه !

قال : فالتفت إليّ وقال : « يا بشير ! قلت : لبيك . قال : ارفع طرفك لتنظر » .

قال : فإذا - واللّه - واقية من اللّه أعظم مما عسيت أن أصفه .

قال فقال : يا بشير ! إنا أعطينا ما ترى ، ولكنّا أمرنا أن نصبر ، فصبرنا »[11].

2 - ما جاء عن المفضل بن عمر أنه قال : إن المنصور قد كان همّ بقتل أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) غير مرّة ، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله ، فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله ، غير أنه منع الناس عنه ، ومنعه من القعود للناس ، واستقصى عليه أشدّ الاستقصاء حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه ، في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم ، ولا يصلون إليه ، فيعتزل الرجل أهله .

فشقّ ذلك على شيعته وصعب عليهم ، حتى ألقى اللّه عزّ وجلّ في روع المنصور أن يسأل الصادق ( عليه السّلام ) ليتحفه بشيء من عنده ، لا يكون لأحد مثله ، فبعث إليه بمخصرة[12] كانت للنبي ( عليه السّلام ) طولها ذراع ، ففرح بها فرحا شديدا ، وأمر أن تشق له أربعة أرباع ، وقسّمها في أربعة مواضع .

ثم قال له : ما جزاؤك عندي إلّا أن اطلق لك ، وتفشي علمك لشيعتك ، ولا أتعرّض لك ، ولا لهم ، فاقعد غير محتشم ، وافت الناس ، ولا تكن في بلد أنا فيه ، ففشى العلم عن الصادق ( عليه السّلام )[13].

3 - وعن عبد اللّه بن أبي ليلى ، قال : كنت بالربذة مع المنصور ، وكان قد وجّه إلى أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) فاتي به ، وبعث إليّ المنصور فدعاني ، فلما انتهيت إلى الباب سمعته يقول : عجلّوا عليّ به قتلني اللّه إن لم أقتله ، سقى اللّه الأرض من دمي إن لم أسق الأرض من دمه .

فسألت الحاجب من يعني ؟ قال : جعفر بن محمد ( عليه السّلام ) . فإذا هو قد اتي به مع عدّة جلاوزة[14] ، فلما انتهى إلى باب - قبل أن يرفع الستر - رأيته قد تململت شفتاه عند رفع الستر ، فدخل .

فلما نظر إليه المنصور قال : مرحبا يا بن عمّ ، مرحبا يا بن رسول اللّه . فما زال يرفعه حتى أجلسه على وسادته ، ثم دعا بالطعام ، فرفعت رأسي ، وأقبلت أنظر إليه ، وجعل يلقمه جيّدا باردا ، وقضى حوائجه ، وأمره بالانصراف .

فلما خرج ، قلت له : قد عرفت موالاتي لك ، وما قد ابتليت به في دخولي عليهم ، وقد سمعت كلام الرجل وما كان يقول ، فلما صرت إلى الباب رأيتك قد تململت شفتاك ، وما أشك أنه شيء قلته ، ورأيت ما صنع بك ، فإن رأيت أن تعلّمني ذلك ، فأقوله إذا دخلت عليه .

قال : نعم ، قلت : « ما شاء اللّه ، ما شاء اللّه ، لا يأتي بالخير إلّا اللّه ، ما شاء اللّه ، ما شاء اللّه ، لا يصرف السوء إلّا اللّه . . . »[15].

 

[1] الكامل في التأريخ : 4 / 355 .

[2] تأريخ اليعقوبي : 2 / 399 .

[3] تاريخ اليعقوبي : 2 / 369 وتاريخ الأمم والملوك : 6 / 266 .

[4] كشف الغمة : 2 / 420 عن تذكرة ابن حمدون ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 184 .

[5] الرعد ( 13 ) : 39 .

[6] أمالي ابن الشيخ : 480 ح 1049 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 163 ، والبرهان : 2 / 299 .

[7] دلائل الإمامة : 129 ، ومدينة المعاجز : 364 ، واثبات الهداة : 5 / 456 .

[8] الخرائج والجرائح : 2 / 646 ، وبحار الأنوار : 47 / 172 .

[9] سير أعلام النبلاء : 9 / 543 ومناقب آل أبي طالب : 4 / 277 عن مسند أبي حنيفة لأبي القاسم البغار .

[10] روضة الكافي : 31 حديث الصادق مع المنصور في موكبه ، وعنه في بحار الأنوار : 52 / 255 ، واثبات الهداة : 5 / 351 .

[11] الأصول الستة عشر : 100 ، واثبات الهداة : 5 / 465 .

[12] المخصرة : شيء كالسوط ما يتوكأ عليه كالعصا .

[13] المناقب لابن شهرآشوب : 4 / 259 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 180 .

[14] الجلاوزة : جمع الجلواز معرّب من الفارسية : گلوبازاى المفتوح الجيب كناية عن الشرطيّ المستعد لتنفيذ الأوامر .

[15] كشف الغمة : 2 / 407 عن الدلائل للحميري ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 183 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.






جامعة الكفيل تنظم ورشة عمل حول متطلبات الترقيات العلمية والإجراءات الإدارية
خَدَمة العتبتَينِ المقدّستَينِ يُحيون ذكرى هدم قبور أئمّة البقيع (عليهم السلام)
قسم السياحة: (71) عجلة ستشارك في نقل الطلاب للمشاركة في حفل التخرج المركزي
جمعية العميد تصدر وقائع المؤتمر العلمي الدولي السنوي التاسع لفكر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)