الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
المحاكاة والتشبيه عند حازم القرطاجني
المؤلف:
د. عصام قصبجي
المصدر:
اصول النقد العربي القديم
الجزء والصفحة:
ص247-252
14-08-2015
4104
يقول حازم: (اعلم ان الشيء إذا حوكي بالشيء والمقصود محاكاة أحد فعلين بالآخر، وكان في فعل المحاكي تقصير عن فعل المحاكى به فانه مستساغ في الشعر ان يحاكي المقصر عنه، وان يجعل مثله، أو مربياً عليه، إذا كانت الزيادة في ذلك الفعل مستحسنة بالنسبة إلى ما يراد منه من منفعة أو غير ذلك، ومن هذا تشبيه الفرس بالريح والبرق)(1) ويبدو ان حازماً حين ذكر المحاكاة هنا، اراد محاكاة فعل المشبه، بفعل المشبه به، وظاهر انه ليس ثمة علاقة بين محاكاة الفعل هذه، ومحاكاة ارسطو، فالجملة الاخيرة نفسر المسألة، وتنم على ان حازماً يتكلم على المحاكاة وهو يريد التشبيه، ولا ريب ان لهذا التفسير اثره في النظر إلى كلام حازم دون مبالغة في الحديث عن الأثر الارسطي في "منهاجه" وربما كان اولى بنا ان نتحدث عن اثر الفارابي، وابن سينا في تكوين نظرات حازم، وأفكاره النقدية فحتى الفارابي، وابن سينا، لم يأخذوا من ارسطو إلا بقدر لم يخف افكارهما الخاصة.
والحق اننا لا نحتاج إلى عناء كبير في الكشف عن معنى المحاكاة عند حازم، فهو يصرح بوضوح انها ليست شيئاً غير التشبيه: (وتنقسم المحاكاة ايضاً ــ من جهة ما تكون مترددة على السن الشعراء قديماً بها العهد، ومن جهة ما تكون طارئة مبتدعة لم يتقدم بها عهد ــ قسمين : فالقسم الاول هو التشبيه المتداول بين الناس، والقسم الثاني هو التشبيه الذي يقال فيه: انه مخترع)(2) على ان هذا لا يعني ان حازماً قصر المحاكاة على التشبيه، فقد تكلم على محاكاة التحسين، والتقبيح التي تختلف عن محاكاة التشبيه وان كانت ترجع إليه(3)، وأدرك شيئاً من محاكاة القصص والتواريخ، كما يبدو من قوله: (وتنقسم المحاكاة ايضاً بالنظر إلى محاكاة جزء من معنى بجزء من معنى، أو محاكاة معنى بمعنى، أو محاكاة قصة تتضمن معاني بقصة تتضمن معاني: ثلاثة اقسام، الثالث منها تاريخ) (4) وهذا القول على إيجازه يشير إلى إدراك حازم لضرب من الشعر القصصي، أو التاريخي، ولكنه فيما يبدو يريد ضرباً من ايراد القصص المتشابهة في الشعر لا تخييل قصة بذاتها، وان كان كلامه يبدو غامضاً، فنحن لا نعرف: هل كان يريد محاكاة قصص موجود حقاً، او يمكن وجوده؟ وأغلب الظن انه يعني القصص التاريخي الذي يقرب من المثل والحكمة، ولعل ما يفيد في جلاء هذا الغموض قوله في موضع آخر: انه مما يحسن في صناعة الشعر أن يلاحظ الشاعر وجه الشبه بين قصة أو خبر تاريخي قديم، وبين قصة أو خبر تاريخي جديد، بحيث يحيل المعهود على المأثور: (وملاحظات الشعراء الاقاصيص، والاخبار المستطرفة في اشعارهم، ومناسباتهم بين تلك المعاني المقدمة، والمعاني المقاربة لزمان وجودهم، والكائنة فيها التي يبنون عليها اشعارهم ، مما يحسن في صناعة الشعر، ويجب للشاعر ان يعتمد من ذلك المشهور الذي هو واضح في معناه الذي يناسب بينه، وبينه، ويعلقه على طريق التشبيه، أو التنظير، او المثل، أو غير ذلك، ويسمى ما تسبب إلى ذكره من القصص المتقدمة المأثورة، بذكر قصة، أو حال معهودة الإحالة لأن الشاعر يحيل بالمعهود على المأثور)(5). وظاهر ان حازماً هنا لا يقصد إلى حض الشاعر على تخيل قصة محتملة الحدوث، وانما يقصد إلى حضه على المقارنة بين قصة تاريخية قديمة، واخرى حديثة، من قبيل التماس وجه الشبه بغية العظة والعبرة غالباً، ويبدو ان معنى التشبيه ما انفك ماثلاً في ذهن حازم وهو يفكر في محاكاة خبر بخبر بحيث يريد اتباع (طريق التشبيه أو التنظير، او المثل) ولكن المهم هنا هو انه لا ينسى في معرض الحض على الأخذ بما اشتهر من الاخيار، ان يجيز للشاعر محاكاة الاشياء العلمية والصناعية ما دام غرضه ان يخيل في الاشياء ما تميل إليه النفوس أو تنفر عنه: (لأن للشاعر ان يحاكى شيئاً من جميع الموجودات، ويخيل في واحد منها ما تميل إليه النفوس أو تنفر عنه) (6) والحق ان هذه الملاحظة هامة لأنها ترتبط بما من شأنه ان يكون وسيلة إلى التأثير في النفوس وهو ايراد القصص والاخبار في الشعر.
ويدو انه لا بد من الوقوف طويلاً عند مسألة الحض على الفعل التي اولع بها حازم، لأنه اذا كان قد جعل التشبيه حقيقة المحاكاة، فقد جعل الحض على الفعل غايتها، وحقاً ، ذهب ابن سينا ايضاً إلى ان (المخيل هو الكلام الذي تذعن له النفس، فتنبسط عن أمور، وتنقيض عن أمور ، من غير روية وفكر واختبار)(7) بيد انه كان يشير إلى ما يحدثه من أثر نفساني لا شأن له بالفكر، أكثر مما يشير إلى غرض التخييل في البسط، أو القبض إزاء الفعل، ولا سيما انه كان يتكلم من خلال مسألة الصدق والكذب موضحاً ان غاية المحاكاة الانفعال النفساني، سواء أكان الكلام صادقاً أم كاذباً أما حازم فقد كان واضحاً في ادراكه ان المحاكاة ليست غاية بذاتها، وانما هي وسيلة إلى تحسين الشيء أو تقبيحه على نحو يفضي إلى فعل معين، وربما كان في ذلك الناقد الوحيد الذي يجعل للشعر غاية ابعد من التعجيب المحض: (لما كان المقصود بالشعر انهاض النفوس إلى فعل شيء، أو طلبه أو اعتقاده، بما يخيل لها فيه من حسن ، أو قبح، وجلالة أو خسة، ويجب ان تكون موضوعات صناعة الشعر الاشياء التي لها انتساب إلى ما يفعله الانسان، ويطلبه، ويعتقده والأقاويل الدالة على تلك الاشياء من حيث تخيل بها تلك الاشياء، فتحسين المحاكاة، وتقبيحها، اما ان يتعلقا بفعل أو اعتقاد، أو يتعلقا بالشيء الذي يفعل، أو يعتقد)(8) ويلاحظ ان حازماً لم يستنبط امراً ذا شأن من هذا القول، وانه لم يورد امثلة تشرحه، فإما انه كان يروم وضع القاعدة دون ان يبالي بالتمثيل لها، واما انه كان يعسر عليه الاهتداء إلى الامثلة في شعر غنائي غلب فيه الطابع الزخرفي على الطابع الفكري، على انه لم يدع كلامه دون شرح نظري لمسألة التحسين، والتقبيح من حيث تعلقها بالشيء ذاته، أو بفعله (لأن الشيخ اذا عشق جارية جميلة، واردنا ان نصرفه عنها بالأقاويل الشعرية، اعتمدنا ذم الفعل، وعيب التصابي في حال المشيب، وما ناسب هذا ، فان كانت قبيحة، أو ممن يجوز تخييل القبح فيها، أضفنا إلى ذم تصابي الشيخ، ذم قبح الفتاة، فإن كان العاشق شاباً اعتمدنا ذم ما في المرآة من قبح خلق وخلائق، نحو ما يوصف النساء به من الغدر والملالة، وغير ذلك، ولم نقبح عليه العشق في الشباب، إلا من جهة عقل أو نحو ذلك)(9) والحق ان هذا الشرح لا يغني كثيراً، لأنه مبني على الطريقة التقريرية التي تذم أو تمدح على نحو مباشر يقرب من الوعظ ــ وهو ما ستفاض في الشعر العربي ــ وقد كان المرء يتوقف ان يبين حازم كيف يحاكي الشاعر الافعال افضل مما هي عليه، أو أسوأ مما هي عليه لكي يدفع السامع دون ان يشعر إلى الرغبة في الخير، والنفور من الشر لا ان يحاكيها كما هي، فيسحنها ، أو يقبحها، بضرب من التلاعب كأن يخيل القبح فيما ليس بقبيح، أو الغدر فيمن قد لا يكون غادراً، ومهما يكن، فقد اتى حزم حقاً في هذه المسألة بما كان من شأنه ان ينبه على الغاية الفكرية، أو الخلقية في الشعر، وان كان قد منعه من الافادة من هذه المسألة خير افادة، اما استقر في الاذهان من الاسلوب التقريري المباشر الذي دفعه إلى وضع قواعد التحسين والتقبيح، على نحو يذكرنا بقواعد المدح والذم عند قدامة، فكأن حازماً كان وهو يصبو إلى التجديد اسير مبادئ النقد العربي فلم يكد يفعل شيئاً سوى تغيير المصطلحات، وغرض تلك المبادئ ذاتها ولكن في مظهر اغريقي، يقول: (فوقوع التحسينات، والتقبيحات، في التخايل الشعرية، انما يسلك به ابدا طريق من هذه الاربعة وهي: الدين والعقل، والمروءة والشهوة)(10)، واذا كان قيم المديح قد تغيرت ليلاً بين حازم وقدامة وقد كانت عند قدامة تتجلى في العقل والشجاعة، والعدل والعفة، (11)، فإن، المبدأ النقدي ظل واحداً وكأن وضع التحسين مقابل المدح، والتقبيح مقابل الم يغير شيئاً، على الرغم من الاختلاف الطفيف بين التحسين والمدح، وعلى الرغم من ان التحسين والتقبيح يرتبطان عند حازم بغاية المحاكاة في الشعر، دون ان يكون لهما هذا الارتباط عند قدامة، ولعل ذلك هو فضل حازم حقاً، اذ لم يجعل الشعر مجرد كلام موزون مقفى يدل على معنى(12).
وهكذا يلوح ان حازماً كان حائراً بين "الفعل" و "التعجيب" أو بين الغاية الفكرية، والغاية الفنية، وانه كان يقفو في ذلك اثر ابن سينا(13) ، ولكنه وحد بين الغرضين، فقال: ان الشعر يجمع بينهما ، فهو للفعل ولكن من خلال التعجيب، وهي ملاحظة قيمة ولكن تطبيقها على الشعر الغنائي العربي اضعفها، من حيث غلبة التعجيب على الشعر العربي، وما يقترن به من التشبيه، مما يجعل الكلام في "الفعل" غامضاً قلقا، ولما كان مفهوم المحاكاة اصلاً ملتبساً، فلا بد من مغرفة معنى التشبيه، وطبيعته، وحدوده مع ملاحظة ان حازماً اطلق عليه لقب "المحاكاة التشبيهية" وهو لقب ذو مدلول واضح.
_______________________________
(1) منهاج البلغاء: ص115.
(2) المصدر نفسه: ص96 وقد كثر الترادف بين المحاكاة والتشبيه في منهاج حازم، انظر: ص14-ص113 – ص127.
(3) انظر مثلاً: المصدر نفسه ص 90
(4) المصدر نفسه: ص97.
(5) منهاج البلغاء، ص189.
(6) المصدر نفسه: ص190.
(7) فن الشعر: ص161.
(8) منهاج البلغاء: ص106.
(9) فن الشعر: ص108.
(10) المصدر نفسه: ص107.
(11) انظر: نقد الشعر ص59.
(12) انظر: المصدر نفسه ص [؟]
(13) انظر: فن الشعر ص162.
الاكثر قراءة في النقد القديم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
