المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4921 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الدليل على ارسال الرسل والانبياء  
  
5263   01:15 صباحاً   التاريخ: 3-08-2015
المؤلف : العلامة المحقق السيد عبد الله شبر
الكتاب أو المصدر : حق اليقين في معرفة أصول الدين
الجزء والصفحة : ج 1، ص 121-127
القسم : العقائد الاسلامية / النبوة / الانبياء /

[قال الشيخ المفيد] في بيان اضطرار الخلق إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإمام عليه السّلام و احتياجهم إلى ذلك‌ ووجوب إرسال الرسل و نصب الأئمة على اللّه تعالى و الدليل على ذلك وجوه:

الأول: إن ذلك من باب اللطف الواجب عليه تعالى ... .

الثاني: إنك قد عرفت أن الغرض و الحكمة في إيجاد الخلق المعرفة و العبادة كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وذلك يتوقف على تعيين واسطة بين الحق والخلق نبيا كان أو إماما يعلّمهم ذلك لاستحالة الإفاضة و الاستفاضة بلا واسطة، إذ لا ربط و لا نسبة بين النور و الظلمة، وكمال الكمال و منتهى النقص، فتستحيل المشاهدة و المكالمة إلا بالواسطة كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51] ، وإنما كان الواسطة قابلا لذلك لأن له جهتي نورانية و جسمانية كما قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أول ما خلق اللّه نوري. وقوله ‌تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } [الكهف: 110]. و في الكافي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال للزنديق الذي سأله‌ من أين أثبت الأنبياء و الرسل قال: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ‌ما خلق، و كان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه و لا يلامسوه فيباشرهم ‌ويباشروه و يحاجهم و يحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه و عباده‌ و يدلونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون‌ و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه المعبرون عنه جل وعز وهم الأنبياء، صفوته في ‌خلقه حكماء مؤدين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس على مشاركتهم لهم في ‌الخلق و التركيب في شي‌ء من أحوالهم مؤيدين عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك‌ في كل دهر و زمان مما أتت به الرسل و الأنبياء من الدلائل و البراهين لكيلا تخلو أرض اللّه‌ من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته و جواز عدالته.

 و عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن اللّه أجل و أكرم من أن يعرف‌ بخلقه بل الخلق يعرفون به، قال: صدقت. قلت إن من عرف له ربا فقد ينبغي له أن يعرف‌ لذلك الرب رضا و سخطا، وإنه لا يعرف رضاه و سخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته‌ الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنهم الحجة و أن لهم الطاعة المفترضة، وقلت فحين مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كان الحجة على خلقه، فقالوا القرآن‌ فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ و القدري و الزنديق الذي لا يؤمن به حتى ‌يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلا بقيّم، فما قال فيه من شي‌ء كان حقا فقلت لهم من قيّم القرآن فقالوا ابن مسعود كان يعلم و عمر يعلم و حذيفة يعلم، قلت كله قالوا لا فلم أجد أحدا يقال إنه يعرف ذلك كله إلا عليا عليه السّلام، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا لا أدري و قال هذا لا أدري و قال هذا أنا أدري، فأشهد أن عليا كان قيّم ‌هذا القرآن و كانت طاعته مفترضة و كان الحجة على الناس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن ما قال ‌في القرآن فهو حق، فقال رحمك اللّه. ويجري هذا البرهان العقلي بعينه في سائر الأئمة المعصومين بعد أمير المؤمنين عليه السّلام. وعن يونس بن يعقوب قال كان عند أبي عبد اللّه جماعة من أصحابه ‌منهم حمران بن أعين، ومحمّد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيار و جماعة فيهم‌ هشام بن الحكم و هو شاب؛ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت‌ بعمرو بن عبيد و كيف سألته، قال هشام: يا بن رسول اللّه إني أجلّك و أستحييك و لا يعمل ‌لساني بين يديك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أمرتكم بشي‌ء فافعلوا. قال هشام: بلغني ‌ما كان فيه عمرو بن عبيد و جلوسه في مسجد البصرة، فعظم ذلك علي فخرجت إليه ‌ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزر بها من صوف و شملة متردي بها و الناس يسألونه فاستفرجت‌ الناس، فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتين ثم قلت: أيها العالم إني رجل‌ غريب تأذن لي في مسألة، فقال نعم، فقلت له: ألك عين. فقال يا بني أي شي‌ء هذا من ‌السؤال و شي‌ء تراه كيف تسأل عنه، فقلت هكذا مسألتي، فقال يا بني سل و إن كانت‌ مسألتك حمقاء، قلت أجبني فيها، قال لي سل، قلت ألك عين، قال نعم. قلت فما تصنع‌ بها، قال أرى بها الألوان و الأشخاص، قلت فلك أنف، قال نعم، قلت فما تصنع به، قال ‌أشم به الرائحة، قلت فلك فم، قال نعم، قلت فما تصنع به، قال أذوق به الطعم، قلت ‌فلك اذن، قال نعم، قلت فما تصنع بها، قال أسمع بها الصوت، قلت ألك قلب، قال‌ نعم، قلت فما تصنع به، قال أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح و الحواس، قلت أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب، قال لا، فقلت و كيف ذلك و هي صحيحة سليمة، قال يا بني إن الجوارح إذا شكّت في شي‌ء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردته إلى القلب‌ فتستيقن اليقين و يبطل الشك، قال هشام فقلت له فإنما أقام اللّه القلب لشك الجوارح، قال‌ نعم، قلت لا بد من القلب و إلا لم تستيقن الجوارح، قال نعم، فقلت له يا أبا مروان فاللّه ‌تبارك و تعالى لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح و تستيقن به ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون ‌إليه شكهم و حيرتهم، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك و شكك، قال فسكت و لم ‌يقل لي شيئا ثم التفت إلي و قال أنت هشام بن الحكم، قلت لا، فقال أمن جلسائه، قلت ‌لا، قال فمن أين، قلت من أهل الكوفة، فقال فأنت إذا هو ثم ضمني إليه و أقعدني في‌ مجلسه و زال عن مجلسه، وما نطق حتى قمت، قال فضحك أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال ياهشام من علمك هذا، قلت...شي‌ء أخذته منك و ألفته، فقال و اللّه هذا مكتوب في صحف ‌إبراهيم و موسى.

 محاورة الشامي مع هشام بن الحكم :

وعن يونس بن يعقوب قال كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فورد عليه رجل من أهل‌ الشام فقال إني رجل صاحب كلام و فقه و فرائض و قد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبوعبد اللّه عليه السّلام: كلامك من كلام رسول اللّه أو من عندك. فقال من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وسلّم ‌و من عندي. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: فإذا أنت شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال لا. قال‌ فالتفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلي فقال: يا يونس بن يعقوب هذا قد خصم نفسه قبل أن‌ يتكلم، ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس فيا لها من حسرة. قلت‌ جعلت فداك إني سمعتك تنهى عن الكلام و تقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا ينقاد و هذا لا ينقاد، و هذا ينساق و هذا لا ينساق، و هذا نعقله و هذا لا نعقله، فقال عليه السّلام: إنما قلت فويل لهم أن تركوا ما أقول و ذهبوا إلى ما يريدون، ثم قال لي أخرج إلى الباب‌ فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله، قال فأدخلت حمران بن أعين و كان يحسن الكلام، و أدخلت الأحول و كان يحسن الكلام، و ادخلت هشام بن سام و كان يحسن الكلام، و ادخلت قيس بن الماصر و كان عندي أحسنهم كلاما، وقد كان تعلم الكلام من علي بن‌ الحسين عليهما السّلام، فلما استقر بنا المجلس و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام قبل الحج يستقر أياما في‌ جبل في طرف الحرم في خيمة له مضروبة، قال فأخرج أبو عبد اللّه عليه السّلام رأسه فإذا هو ببعير يخب، فقال عليه السّلام: هشام ورب الكعبة. قال فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل‌ كان شديد المحبة له، قال فورد هشام بن الحكم و هو أول ما اختطت لحيته و ليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، قال فوسع له أبو عبد اللّه عليه السّلام و قال: ناصرنا بقلبه و لسانه و يده، ثم‌ قال يا حمران كلم الرجل فكلمه فظهر عليه حمران، ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه‌ الأحول، ثم قال يا هشام ابن سام كلمه فتعارفا ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لقيس الماصر كلمه فكلمه، فاقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي، فقال ‌للشامي كلم هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال نعم، فقال لهشام يا غلام سلني في ‌إمامة هذا ، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال للشامي: يا هذا أربّك أنظر لخلقه أم خلقه ‌لأنفسهم، فقال الشامي بل ربي أنظر لخلقه، قال ففعل بنظره لهم ما ذا، قال أقام لهم حجة و دليلا كيلا يتشتتوا أو يختلفوا بتألفهم، و يقيم لهم أودهم أي اعوجاجهم و يخبرهم بفرض‌ ربهم، قال فمن هو قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال هشام فبعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من، قال‌ الكتاب و السنة، قال هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب و السنة في دفع الاختلاف هنا، قال ‌الشامي نعم، قال فلم أختلف أنا و أنت و صرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك، قال ‌فسكت الشامي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام للشامي: ما لك لا تتكلم. قال الشامي: إن ‌قلت لم نختلف كذبت، و إن قلت إن الكتاب و السنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه، وإن قلت قد اختلفنا و كل واحد منا يدعي الحق فلم ينفعنا إذا الكتاب‌ والسنة إلا أن لي عليه هذه الحجة. فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: سله تجده مليا. فقال‌ الشامي: يا هذا من أنظر للخلق أربهم أو أنفسهم، فقال هشام ربهم أنظر لهم منهم ‌لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم و يقيم أودهم و يخبرهم بحقهم ‌وباطلهم، قال هشام في وقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو الساعة، قال الشامي في وقت رسول‌ اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والساعة من، فقال هشام هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أب عن جد، قال الشامي فكيف لي أن أعلم ذلك، قال هشام سله عما بدالك، قال الشامي قطعت عذري فعلي السؤال، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا شامي أخبرك‌ كيف كان سفرك و كيف كان طريقك، كان كذا و كان كذا. فأقبل الشامي يقول صدقت‌ أسلمت للّه الساعة، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: بل آمنت باللّه الساعة إن الإسلام قبل الإيمان‌ و عليه يتوارثون و يتناكحون، و الإيمان عليه يثابون. فقال الشامي صدقت فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وان محمّدا رسول اللّه، وأنك وصي الأوصياء. ثم ‌التفت أبو عبد اللّه عليه السّلام إلى حمران بن أعين فقال: تجري الكلام على الأثر فتصيب، والتفت إلى هشام بن سالم فقال تريد الأثر فلا تعرفه، ثم التفت إلى الأحول فقال قياس‌ رواغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر، ثم التفت إلى قيس الماصر فقال تتكلم و أقرب‌ ما تكون من الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبعد ما تكون منه تمزج الحق مع الباطل، و قليل ‌من الحق يكفي عن كثير الباطل أنت و الأحول قفازان حاذقان، قال يونس فظننت و اللّه أنه ‌يقول لهشام قريبا مما قال لهما، ثم قال: يا هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت‌ بالأرض طرت، مثلك فليكلم الناس فاتق الزلة و الشفاعة من ورائها إن شاء اللّه. ولا يخفى على الناقد البصير و المحقق الخبير ما في هذه الأخبار الساطعة الأنوار الظاهرة المنار من الأدلة القطعية و البراهين اليقينية على وجوب إرسال الرسل و نصب‌ الإمام في جميع الأزمنة.

الثالث: قال بعض المحققين: اعلم أن الدنيا منزل من منازل السائرين إلى اللّه عزو جل و البدن مركب، و من ذهل عن تدبير المنزل و المركب لم يتم سفره، وما لم ينتظم أمر المعاش في الدنيا لا يتم أمر التبتل و الانقطاع إلى اللّه الذي هو السلوك، و لا يتم ذلك حتى ‌يبقى بدنه سالما و نسله دائما، و إنما يتم كلاهما بأسباب الحفظ لوجودهما وأسباب الدفع ‌لمفسداتهما، و مهلكاتهما، أما أسباب الحفظ لوجودهما فالأكل و الشرب و ذلك لبقاء البدن، و المناكحة و ذلك لبقاء النسل، وقد خلق اللّه الغذاء سببا للحياة، والإناث محلا للحراثة، إلا أنه ليس يختص المأكول و المنكوح  ببعض الآكلين و الناكحين بحكم الفطرة مع أنهم محتاجون إلى تمدن و اجتماع و تعاون، إذ لا يمكن لكل منهم أن يعيش وحده‌ يتولى تدبيراته المتكثرة المختلفة من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته، بل لا بد مثلا من أن ينقل هذا لهذا و يطحن هذا لهذا و يخبز هذا لهذا و على هذا القياس، فافترقت‌ اعدادا و اختلفت أحزابا و انعقدت ضياع و بلدان فاضطروا في معاملاتهم و مناكحاتهم ‌وجناياتهم إلى قانون مرجوع إليه بين كافتهم يحكمون به بالعدل و إلا لتهارشوا و تقاتلوا، بل شغلهم ذلك عن السلوك للطريق بل أفضى بهم إلى الهلاك و انقطع النسل و اختل النظام ‌لما جبل عليه كل أحد من أنه يشتهي لما يحتاج إليه و يغضب على ما  يزاحمه  فيه ، وذلك ‌القانون هو الشرع، ولا بد من شارع يعيّن لهم ذلك القانون والمنهج لتنتظم به معيشتهم في ‌الدنيا، ويسن لهم طريقا يصلون به إلى اللّه عز و جل بأن يفرض عليهم ما يذكرهم أمر الآخرة و الرحيل إلى ربهم، و ينذرهم يوما ينادون فيه من مكان قريب و تنشق الأرض عنهم ‌سراعا، ويهديهم إلى صراط مستقيم لأن لا ينسوا ذكر ربهم و يذهلوا بدنياهم عن عقباهم‌ التي هي الغاية القصوى و المقصد الأسنى.

الرابع: قال أيضا إنه لما كان الإنسان في أول أمره و بدء نشوه خاليا عن كماله الذي ‌خلق له، قاصرا عن الغاية التي ندب إليها كما قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } [النحل: 78] قابلا أتاه بفطرته التي فطر عليها يمكن الوصول إليه بما أوتي‌ من أسبابه و هيأ له من شرائطه كما قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9]. وقال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] لكنه‌ ممنوع بمقتضيات نشأته التي جبل عليها، لو خلي و شأنه لنشأ كله على ما يقتضيه مزاجه ‌و طبيعته بحسب الغالب من قواه و موجب طينته و هواه كما قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] . إذ كل مزاج يناسب قوة دون أخرى، ويسهل له فعل بعضها مما يلائم حالها دون بعض على ما عبر عنه في القرآن مرة بقوله:{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]. وأخرى: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسراء: 100] ، {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] ، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]. فمن ‌الواجب أن يكون له سياسة تسوسه و تربيه لصلاحية الكمال و تدبيره، وتجريه في طريق ‌الخير و السعادة و إلا لبقي في مرتبة البهائم و حيل بينه و بين النعيم الدائم.

الخامس: إنه كما لا بد في العناية الإلهية لنظام العالم من المطر، ورحمة اللّه لم‌ تقصر عن إرسال السماء مدرارا لحاجة الخلق، فنظام العالم لا يستغني عمن يعرفهم‌ موجب صلاح الدنيا والآخرة، نعم من لم يهمل إنبات الشعر على الحاجبين المزينة، وكذا تقعير الأخمص في القدمين، كيف أهمل وجود رحمة للعالمين مع أن ما في ذلك من النفع ‌العاجل والسلامة في العقبى والخير الآجل، ولم يترك الجوارح والحواس حتى جعل لها رئيسا يصحح لها الصحيح ويتقن به ما شكت فيه وهو الروح، كيف يترك الخلائق كلهم في‌ حيرتهم و شكهم و ضلالتهم لا يقيم لهم هاديا يردون إليه شكهم وحيرتهم كما تقدم، ويجب‌ أن يكون ذلك الواسطة إنسانا لأن مباشرة الملك لتعليم الإنسان على هذا الوجه مستحيل‌ كما قال اللّه عز وجل: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] . ودرجة باقي الحيوانات أنزل، ولأن خوارق العادات لا تحال عليهم والنفوس لا تركن إلا إلى ابناء نوعهم ولنهاية المباينة بين الإنسان الناسوتي والملك الملكوتي ولا يمكن‌ الاستغناء عن الأنبياء بتوجيه الخطاب من اللّه تعالى بخلق الأصوات وإيجاد الكلمات لقيام ‌الوجوه والاحتمالات وضعف عقول سائر الناس واحتمالهم أن يكون صدور ذلك من بعض‌ الجان أو الشيطان، ولا بد من تخصيصه بآيات من اللّه سبحانه دالة على أن شريعته من عند ربهم العالم القادر الغافر المنتقم ليخضعوا له، ويلزم من وقف عليها أن يقر بتقدمه ورئاسته‌ وهي المعجزات البينات والبراهين الواضحات.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.