خصائص الصناعة الحديثة

حينما تجد الصناعة الحديثة بيئة مناسبة تماما، تنمو بشكل حتى تكاد تستأثر بمعظم القوة العاملة في المدينة. وقد يعني نوعا من التخصص في إنتاج سلعة معينة. فبرمنغهام Bermingham متخصصة في الآلات، ومدينة شفيلد مدينة الأسلحة القاطعة، وروشستر الأمريكية مدينة آلات كوداك للتصوير، ومدينة أتلانتا الأمريكية مدينة الكوكاكولا، مثلما هي مدينة المحلة الكبرى متخصصة في المنسوجات القطنية. ولكن أهم من هذا أن نجاح صناعة ما يغري صناعة أخرى بالوفود والتوطن قربها، خاصة إذا كانت متكاملة. فصناعة دباغة الجلود، تدعو إليها صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية الأخرى. كما تدعو صناعة المنسوجات صناعة الأصباغ. وإقامة صناعة الحديد والصلب، تستقطب بجانبها صناعة السيارات والبرادات والعدد كلها، لتستفيد بمقومات تلك الصناعة القائمة. ومما يميز الصناعة الحديثة، هو التنويع في الصناعات بالمدينة أو الإقليم الصناعي الواحد. فكثيرا ما تصاب المدينة الأحادية الصناعة بنكسة، إذا ما فشلت في مقاومة رياح التغيير. فالتنويع يخفف من الآثار السيئة التي تخلفها صناعة منهارة.

فالمصانع الحديثة بما تضمه من مبان مجهزة، على نحو معين وورش ومرافق عامة، كالشوارع والمياه والكهرباء والغاز، وكذلك العمال ومساكنهم، والبنوك والمكاتب التجارية، كلها مجتمعة تساعد على استمرار نمو البيئة الصناعية، وشدة مقاومتها لعوامل التصدع والانهيار؛ لأنها تستطيع تركيب نوع جديد من ا الصناعات، مثال ذلك صناعة الطائرات الحربية، على الساحل الغربي للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. فبعد الحرب استمرت هذه الصناعة، في إنتاج الطائرات للأغراض السلمية.

فالوظيفة الصناعية، إذا ازدهرت في منطقة معينة، فإنها تجتذب إليها عناصر صناعية جديدة، قد يحل بعضها محل صناعات قديمة. مثال ذلك مدينة لوس أنجلوس والتي بدأ المركب الصناعي فيها باكتشاف البترول، ثم أخذت صناعة الأفلام السينمائية بالنمو والازدهار فيها. وبعد أن أوشك البترول على النضوب، وتدهورت صناعة الأفلام، ازدهرت صناعة أخرى وثيقة الصلة، بالصناعات السابقة، وهي صناعة الملابس والأزياء والموديلات الحديثة من الأثاث المنزلي، واعتمادا على شهرة المدينة، كمركز لكواكب السينما، أصبحت المنافس القوي لمدينة نيويورك، في صناعة الملابس والأزياء. ثم توافدت على المدينة صناعة الطائرات، لملاءمة الطقس لهذه الصناعة.

ولكن بعد أن دأبت الحكومة على تشتيت هذه الصناعة لأغراض عسكرية، نشأت صناعات أخرى، مثل الصناعات الإلكترونية وبرامج الفضاء. كل هذا جعل الصناعة الحديثة أطول عمرا مما كانت عليه الصناعة القديمة. أما لتنويعها أو اجتذابها لصناعات أخرى، تساعد على بقاء المدينة واستمراريتها، حية بوظيفتها الأساسية وهي الصناعة.