دور تكاليف العمالة:

ويمضي (فيبر) قائلاً: إن تكاليف العمالة من مكان إلى آخر، تستطيع أن تفرض تأثيرها على موقع الصناعة، وبالتالي فإن الموقع الذي تعترضه نفقات النقل العالية، يستطيع تعويض هذه الخسارة عن طريق التوفير في تكاليف العمالة، وخلق أسواق عمل جديد في المناطق التي تسودها البطالة.

وعلى هذا الأساس، يمكن تحديد موقع الصناعة، في ضوء الإجابة عن السؤالين الآتيين :

١- ما تكاليف النقل المطلوبة ؟

٢- وما تكاليف العمل اللازمة ؟

للإجابة عن هذين السؤالين، قدم (فيبر) نظرية ((خطوط تكاليف النقل المتساوية) (sodapane,) ، وهي الخطوط التي تصل بين النقاط المتساوية في تكاليف النقل الاجمالية.

ويمكن توضيح هذه النظرية بدراسة الشكل (١٩)، الذي يمثل إحدى الحالات البسيطة، فهو يشتمل على سوق واحدة ق، ومصدر واحد للمادة الخام م خ. وينطوي هذا الشكل الهندسي على عدة افتراضات:

١- تكاليف النقل بالنسبة للطن - الكيلو متري في المادة الخام هي نفسها في المنتجات النهائية، فالدوائر المتحدة المركز حول ق تمثل تكاليف النقل من جميع الجهات إلى ق، والدوائر المتحدة المركز حول م خ، تمثل تكاليف النقل من مخ لى جميع الجهات. وكلا هاتين المجموعتين من الدوائر قد نظمت أبعادها المكانية، بحيث يمثل كل منها تكلفة النقل عن الطن الواحد.

الشكل (19) الآيزودابين

ق السوق

م خ مصدر المادة الخام

وحدة مسافية

خطوط تكاليف النقل المتساوية

٢- المادة الخام غير نقية، تفقد 50% من وزنها، وهذا يعتني أن كل (طنين)

المادة الخام يدخلان المصنع، يغادرانه (طنا) واحداً من الإنتاج النهائي, والآن، إذا أقيم المصنع عنده، فلا بد من نقل جميع الإنتاج النهائي من مخلى ق، وهذا يكلف 10 وحدات من تكاليف النقل، وإذا أقيم المصنع عند ق ، فإن المادة الخام تتطلب 20 وحدة من تكاليف النقل، لأنه ينبغي نقل (طنين) من المادة الخام، لمسافة عشر وحدات من م خ إلى ق، لكل (طن) من الإنتاج النهائي في المصنع.

ولنفرض أن المصنع كان عند س، حينئذ تبلغ تكاليف النقل الإجمالية ٨ وحدات للمواد الخام (طنان إلى الدائرة الرابعة حول المركز م خ)، زائد عشر وحدات للإنتاج النهائي (طن واحد إل ق من الدائرة العاشرة حول المركز ق)، أو ما يساوي ٨ ١ وحدة.

ويمثل الخط العريض في الشكل (19) الآيزودابين، الذي يصل بين جميع النقاط التي تبلغ عندها نفقات النقل ١٨ وحدة فقط. والنقطة ع مثلاً، تكلف ١٣ وحدة من تكاليف النقل (لطنين) من المادة الخام. يقطعان ٦,٥ وحدة مسافية زائد ٥ وحدات من النفقات لنقل (طن) واحد من الإنتاج النهائي.

هذا النوع من خطوط تكاليف النقل المتساوية يكون عديم الأهمية، حينما تكون تكاليف النقل العامل المحدد الوحيد لموقع الصناعة، لكن حالما يتدخل عامل (متغير) جديد، فإن الموقع قد يصبح في مكان آخر غير السوق أو مصدر المادة الخام، وتظهر خطوط تكاليف النقل المتساوية مدى قدرة هذا المكان الآخر على تعويض الخسارة الناجمة عن تكاليف النقل، وإغراء الصناعة على الاستقرار في ذلك المكان.

ويوضح الشكل (١٩) أن جميع النقاط الواقعة على خطوط تكاليف النقل المتساوية تكلف ٨ ١ وحدة من نفقات النقل، وهي تتضمن عبئا إضافيا قدره ثماني وحدات من نفقات النقل، بالمقارنة مع موقع الصناعة عند مصدر المادة الخام، وتبعاً لذلك فإنه ينبغي على جميع النقاط الواقعة على هذا الخط، أن تحصل على فائدة من تكاليف العمالة تعادل ثماني وحدات من نفقات النقل على الأقل (لكل من المنتجات النهائية) لإغراء الصناعة على الإفادة من هذه الخطة. والواقع، أن طريقة (الآيزودابين) التي عرضها (فيبر) قد زودت الصناعة بطريقة تقنية لإدخال متغيرات جديدة (مثل العمل) ضمن مخطط هذه النظرية.

وهكذا، حاول (فيبر) أن يدرس العوامل المؤثرة في موقع الصناعة، وانتهى إلى أن تكاليف النقل هي أهم عامل في اختيار موقع الصناعة, وقد أقام (فيبر) نظريته على أساس واضح ومعقول، يتلخص في أن الصناعات التي يقل وزن منتجاتها النهائية عن وزن المواد المستخدمة في إنتاجها، تكون مواقعها بالقرب من مصادر خاماتها، إذا تساوت الظروف الأخرى، لأنه من الأفضل نقل المنتجات الخفيفة بدلاً من الخامات الثقيلة، على الرغم من الفرق في تكلفة النقل بين المنتجات الصناعية والخامات الأولية مع تساوي الوزن والمسافة.

وخلص (فيبر) إلى ما سماه بقرينة المواد (Material index)، أي نسبة الخامات إلى المنتجات، حسب المعادلات الآتية:

هذا بغض النظر عن بعض المواد الخام المستخدمة في هذه الصناعة، كالصخور الجيرية وغيرها، لأنها غالباً ما تكون متوفرة، عند مصادر الخامات وأسواق الاستهلاك على حد سواء ، وكلما زادت القرينة، أو نسبة المواد المستخدمة، كانت الصناعة أكثر قرباً من موادها الخام، وكلما تناقصت القرينة، كانت الصناعة اكثر قرباً من أسواق الاستهلاك.