المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


عوامل دفع الابداع في أدب الأطفال / واقع حركة النشر  
  
2482   10:01 صباحاً   التاريخ: 18-11-2021
المؤلف : الاستاذ فاضل الكعبي
الكتاب أو المصدر : الطفل بين التربية والثقافة
الجزء والصفحة : ص241 ـ 263
القسم : الاسرة و المجتمع / الطفولة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-6-2016 1598
التاريخ: 21-12-2017 7261
التاريخ: 18-1-2023 1193
التاريخ: 5-7-2022 1480

لا شك ان هناك العديد من العوامل الأساسية التي تعمل على دفع حركة الإبداع، وتوسيع دائرة نشاطه، وفعالياته في ميدان أدب الأطفال، وتساعد على الارتقاء الكبير بمستوى تقديم هذا الأدب وانتشاره، الذي يعني انتشار تجارب مبدعيه بشكل واسع وأكيد..

ـ ومن بين أبرز هذه العوامل هي:

ـ واقع حركة النشر

عامل مهم ينشط بشكل واسع، ويتحرك بفاعلية متواصلة وكبيرة، لإنتاج ونشر كتب الأطفال بتقنية عالية في مواصفاته الفنية، وفي مستوى إخراجه وفي تقنياته الطباعية، التي يضاهي البعض منها، ما هو موجود من كتب الأطفال العالمية.. ويكاد هذا النوع من الكتب إغراء الأطفال وشدهم إلى شكله ومحتواه، حيث استخدمت فيه أرقى التقنيات الطباعية الحديثة، وقد احتوى على آلاف العناوين المتنوعة، التي تغطي مجمل المعارف والعلوم والفنون التي يحتاجها الطفل..

وبالمقابل فان هذه الكتب، وعلى الرغم من تـطـورها، واتساع مجالاتها، يلاحظ عليها القصور في جانبين أساسيين، جانب القارئ، وجانب الكاتب، فهي – بهذا الكم وهذا النوع – تقصر في الوصول إلى الطفل في مساحته الواسعة، وذلك بسبب أسعارها الباهظة التي تحول بينها وبين كثير من الأطفال لدى شراءها.. أما من ناحية الكاتب، فهناك طرقاً (وعرة) تحول دون إدامة الصلة بينها وبين الكاتب، حيث نجد محدودية المساحة التي وضعتها اغلب دور النشر لأدب الأطفال المنتج محلياً أو عربياً.. فلا تعمل هذه الدور على توسيع قواعدها في النشر والانتشار لفاعلية العقل المبدع في مجال الكتابة العربية للأطفال، إلى جانب سيادة مبدأ (الربح والخسارة) وعدم المصداقية في التعامل مع كاتب الاطفال العربي وحقوقه من قبل اغلب دور النشر المعنية وغير المعنية بصناعة كتب الأطفال، حيث تنظر هذه الدور – وقبل كل شيء – في حالة إقدامها على نشر كتاب الأطفال المحلي، في إمكانية (ربحها) من هذا الكتاب، دون ان توازن بين حقوقها في الطباعة والنشر والتوزيع، وحقوق الكاتب الأساسية في التأليف، إذ ان حقوق الكاتب وانتشاره، تكاد تكون المسألة الأخيرة في بنود التعاقد أو التعامل مع كاتب الأطفال من قبل العديد من دور النشر العربية، التي سعت بنفس الوقت إلى استخدام كافة الوسائل والإمكانيات والطرق المشروعة وغير المشروعة في نشر كتب الأطفال وترويجها بأساليب متقدمة في النشر والطباعة سعياً وراء (الربح المادي) الذي يتقدم على كافة الغايات التي تسعى إليها هذه الدور في نشر وإنتاج كتب الأطفال، التي أصبحت لدى العديد من أصحاب دور النشر والطباعة بمثابة البضاعة التجارية، التي ينظر إلى مردودها المادي قبل مردودها الثقافي والتربوي كوسيلة ثقافية ومعرفية غاية بالأهمية بالنسبة للقارئ الطفل . .

وعلى هذا الأساس أصبحت دور النشر هي المتحكمة بعملية إصدار وطباعة ونشر كتب الأطفال من كل النواحي، بل وصل الأمر بها إلى التحكم حتى بعملية التأليف في الكثير من الأحيان، حيث تطلب بعض دور النشر من الكاتب أن يكون خاضعاً لها، ويأتمر بأوامرها، ويكتب لها ما تشاء هي، من المواضيع والاتجاهات والأساليب في عملية التأليف لكي تتماشى مع سياستها وخطتها في الإصدار والنشر.. أما الكاتب هنا فما له شبيه بحال الموظف في هذه الدار، أو الكاتب الذي يحمل صفة (كاتب تحت الطلب) مقابل أجور لا تساوي حجم المطلوب منه في هذا النوع من التأليف، الذي يقوم به البعض من الكتاب، وأحياناً يصار إلى الاتفاق بين الكاتب وصاحب دار النشر، بصيغة (البيع والشراء) التي يتم من خلالها شراء حقوق الكتاب من المؤلف، حيث يصبح لصاحب دار النشر التصرف الكامل بهذا الكتاب.. مقابل مبلغ ضئيل جداً.

وأمام هذا الواقع نجد الكثير من كتاب الأطفال يعانون جملة من المعاناة والصعوبات والمشكلات التي تحول دون نشر إبداعاتهم بالمستوى اللائق الذي يضمن حقوقهم المادية والمعنوية، هذه الحقوق التي تهدر في الكثير من الأحيان، وليس هنالك من جهة تحفظ لهم هذه الحقوق، سوى وثيقة (التعاقد) المبرم بين الكاتب وصاحب دار النشر، وهذه الوثيقة (العقد) هي الأخرى تخترق ولا يؤخذ بها في العديد من الحالات التي يحصل فيها الإخلال ببعض أو كل البنود المتفق عليها بين الطرفين في العقد، وبالرغم من ان هناك شروط جزائية داخل العقد تلزم الطرفين بضرورة الالتزام وعدم الإخلال، ومع ان العقد هو شريعة المتعاقدين كما هو معروف ومتفق عليه لدى الجميع.. إلا ان هذا العقد يصبح بعد توقيعه مجرد ورقة صماء لا قيمة لها في نظر المسؤول عن دار النشر الذي يتهرب من الإيفاء بالتزاماته للكاتب، إذا ما طالب بحقوقه المشروعة في كتابه..

والمشكلة هنا ان العقد بين الكاتب ودار النشر لا يتم تصديقه لدى جهة قانونية يمكن الرجوع إليها في حالة الإخلال ببنوده لذلك يصبح لا قيمة له، وليس له سند قانوني.. ويصبح أحياناً مصيدة يقع فيها العديد من الكتاب.. وقد كنت ضحية لهذه المصيدة في عدد من الحالات مع بعض دور النشر العربية..

وكل ذلك قد دفع الكثير من الكتاب إلى الحذر من التعامل السهل مع دور النشر والخوف من دفع الكتاب إلى النشر إلا بعد أخذ الضمانات والتعهدات الأكيدة.. وهذا الحال قد ساهم في تضييق الانتشار المطلوب لإبداعات الأدباء والكتاب المعنيين بأدب الأطفال وغياب الرؤية الشاملة بشكل دقيق عن هذا الأدب في الوطن العربي.. فنجد ان الكثير من دور النشر تعتمد على الترجمة في نشر كتب الأطفال أكثر من اعتمادها على الأدب المكتوب من المبدعين العرب في هذا المجال.

ومع ذلك نجد ان هناك العديد من المؤسسات الثقافية، ودور النشر العريقة التي تحرص على دعم حركة الإبداع العربي في مجال أدب الأطفال، منها حكومية، ومنها أهلية.. وهذه المؤسسات ودور النشر، المنتشرة في بعض الأقطار العربية – على قلتها - قد كان لها دور واضح، وفاعل، في نشر كتب الأطفال ودعمها بشكل متوازن، مثلما عملت على التعريف بأدب الأطفال العربي، والإسهام بانتشاره بنسب معينة..

ويمكن في هذا المجال الإشارة إلى بعض هذه المؤسسات ودور النشر العربية، كشواهد على ما ذهبنا إليه.. وهي: (دار ثقافة الأطفال في العراق.. دار المعارف في مصر.. اتحاد الكتاب العرب في سوريا.. دار يمان في الأردن.. دار الحدائق في لبنان.. المجلس العربي للطفولة والتنمية في القاهرة.. مراكز الطفولة في الشارقة) وغيرها.

ولكي لا يطول بنا الحديث في خصائص وتوجهات هذه القنوات المهمة في نشر كتب الأطفال، ارتأينا ان نسلط الضوء على إحداها، كعينة مختارة للبحث في هذا المحور، وهي - (دار الحدائق لكتب الأطفال في لبنان)..

وبداية نتوقف قليلاً عند أصل التسمية وحقيقتها في (الحدائق)، ومدى ارتباطها بالأطفال وكتبهم، وهذا - باعتقادنا - شيء مهم للدخول إلى عالم هذه الدار الغنّاء.. إذ ان (دار الحدائق) التي جاءت تسميتها منسجمة كل الانسجام مع عالم الطفل والطفولة، تعطيك عبقها الفواح، وجمالها المزهر للوهلة الأولى، في ذلك الانسجام الروحي والمادي والثقافي، الذي يربط العلاقة العضوية والموضوعية بين الأطفال والحدائق في صيرورة واحدة، تعبر أصدق تعبير عن معنى الحياة وجوهرها، أو فلنقل شكل الحياة ومضمونها، كدلالة واضحة تدل على الطبيعة الإنسانية والطبيعة الكونية في إطار واحد، يمثل الحياة - شكلاً ومضموناً - فالأطفال، بطبيعة الحال، تعبير عن الطبيعة الإنسانية في: الغرس.. والنماء.. والرعاية.. والتهذيب.. والصلاح.. والجمال.. والعطاء..

كذلك حال الحدائق، فهي تعبير عن الطبيعة الكونية في الغرس.. والنماء.. والرعاية.. والتهذيب.. والصلاح.. والجمال.. والعطاء..

وبمعنى آخر: ان الطفل في حقيقته غرس مما تغرس، فان كان هذا الغرس صالحاً، وغرس في التربة الصالحة، وزدناه غرساً بالقيم الدينية والدنيوية الصالحة، وسقيناه بماء طاهر، نشأ وترعرع سليماً معافى، ليكون نبتة صالحة تسر الناظرين وعكس ذلك شر ووبال على نفسه وعلينا وعلى المجتمع.. لذا علينا ان نقف أمام مسؤوليتنا التي أوجبها الله علينا قبل ان يوجبها المجتمع، بضرورة ان نحسن الغرس، ونمده بالنماء اللازم، لكي ينمو طبيعياً، ثم نرعاه الرعاية الأساسية التي تقومه، لنقوم بعدها بتهذيبه، تهذيباً كاملاً من كـل الـشـوائب، وبذلك نصلحه ليكون صالحاً بين الصالحين، يحمل معاني الجمال الروحي والمعنوي والسلوكي، ليعطي من ذلك، ومما حباه الله من نعمة عطاء إنسانيا لا ينضب.

أما الحدائق، فسبحان الخالق الذي جعلها زينة وحياة لنا، فاصلها غرس من الله أنبته، وغرس نغرسه في تربة صالحة، فينشأ وينمو بأمر الله.. فنعينه على النماء والتفتح حتى يستطال بالرعاية اللازمة، ولا ننسى تهذيبه من الأشواك والأدغال، فنصلحه من كل شائبة تعلق به ليكون صالحاً يرفل بالجمال، فيعطي من العطر والثمار ما لذ وطاب.

هكذا هي الحدائق، وهكذا هم الأطفال، تلازم لا ينفصل، وتداخل جوهري بين صفات الموصوفين، في واقعهما المادي والمعنوي، الذي يسير باتجاه واحد، يقودنا إلى تفسير حقيقتهما في الوجود، وصياغتها في المعنى المجازي الذي يكشف لنا: ان الأطفال هم الحدائق، والحدائق هي الأطفال، وكلاهما يمثلان (زينة الحياة) وسر ينبوعها المتدفق بالحياة والنماء والتجدد..

وهذا التداخل الدلالي، وقوته الموضوعية في الاندماج الكلي بين الطبيعيتين: الطبيعة الإنسانية، والطبيعة الكونية، هو الذي ينتج (التكيف) وفق مبدأ (الأخذ والعطاء) بين الطبيعيتين، وصولاً إلى تحقيق الغاية الأساسية من هذا التكيف، وهي الغاية التي تحقق الطبيعة الاجتماعية، وترقى بها على الدوام.. ليتواصل التناسل الإنساني والتناسل الكوني في هذه الطبيعة الاجتماعية، بشكل متناسق، ومنظم، وعادل، وآمن، يستجيب للحقوق، ويفعل الواجبات، باتجاهاتها المتعددة.. واجبات الإنسان تجاه الخالق، وواجبات الإنسان تجاه المخلوق، وواجبات الإنسان اتجاه نفسه، واتجاه البيئة، واتجاه المجتمع.. ليتم بذلك الارتقاء بإنسانية الإنسان، عبر تعزيز هذه الإنسانية في أرقى مستويات التعزيز داخل إطار الظروف والـطـوارئ البيئية والثقافية والعلمية والحضارية، حاضراً ومستقبلاً..

وهـذا لا يـتـم دون الانطلاق مـن الـطـفـل، بـوصـفـه أسـاس الـبـنـاء الإنساني، الذي يديم العلاقة الانسجامية بين الطبيعة الإنسانية والطبيعة الكونية، ليوصلها إلى حدود المستقبل بنفس متقدم، وروح ايجابية، ومسؤولية واجبة، مهمتها تداول البناء المتقدم للمجتمع، وإحياء دوافعه بين الأجيال، كأمانة ومسؤولية يحملها هذا الجيل إلى الجيل القادم..

وهذا الأساس (الطفل) لا يمكن ان ينمو، وتتسع قدراته ومهاراته ومحفزاته، ومبتكراته، لأداء وظائفه وواجباته ومسؤولياته في المجتمع، دون ان يستند إلى العلم والتعلم والتهذيب والاطلاع المتواصل من أوسع أبوابه، في إطار الأسرة والمدرسة والمحيط الاجتماعي، إذ ان هذا الإطار يصبح عقيماً، لا يعلم ولا يتعلم ولا يعلم، دون اعتماده على وسيلة أساسية ومهمة في هذا الاتجاه، لتحقيق أهدافه العليا في الحياة، تلك هي وسيلة (الكتاب).. الوسيلة التي توصلنا إلى كل شيء في هذا الوجود المادي والمعنوي..

هذه حقيقة لا يمكن نكرانها.. كل شيء أساسه الكتاب.. أسباب الأسباب، وشيء الأشياء، معرفة المعارف، علم العلوم، فكر الأفكار، قاعدة القواعد، مبدأ المبادئ، أصل الأصول، فن الفنون، أدب الآداب، قيمة القيم، خلق الأخلاق، حكمة الحكم، مفهوم المفاهيم.. حاضر الحاضر، ماضي الماضي، مستقبل المستقبل، كل ذلك ندركه، نبحثه، نتلقاه في الكتاب..

كل شيء في الكتاب.. قيمة الإنسان، بصره، بصيرته، هدايته، جوهره.. كل شيء في الكتاب.. لذا قال رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله): (اطلب العلم من المهد إلى اللحد).. تجسيداً لقيمة العلم في الكتاب منذ الصغر.. لندرك بذلك قيمة الكتاب للطفل، وقيمة الطفل في الكتاب.. إذ ان حاجة الطفل إلى الكتاب كحاجته إلى الغذاء لإدامة الحياة، بل ان الحاجة إلى الكتاب توازي الحاجة إلى الغذاء، بل وتتفوق عليها أحيانا، لتصبح من اهم الحاجات التي تغذي نموه الروحي والفكري والوجداني والعقلي والنفسي والانفعالي والابتكاري والسلوكي.. ودون هذه الحاجة ومستلزمات إشباعها ترى وجدان الـطـفـل كـصحراء قاحلة، يتخبط بالظلمات، وتتقاذفه الـريـاح العاتية، والأهـواء الخطيرة، من كل الاتجاهات.. وبذلك يصبح الطفل بمثابة الأعمى، الذي لا يبصر النور، ولا يهتدي إلى قيمته.. والأشد من ذلك ان تر الطفل بهذا الحال طفلا معاقاً، إعاقة واسعة، ويظل يعاني معاناة كبيرة طيلة حياته، من ويلات هذه الإعاقة العلمية، والفكرية، والحسية، والذوقية، والثقافية، والاجتماعية، وما إلى غير ذلك من الإعاقات المحتملة، التي تلحق الطفل الذي يعاني من (مرض الأمية والجهل) و(الفقر الثقافي)، الذي أفقده قيمته، بفقدانه لقيمة الكتاب، بعد ان فقد صلته بهذا الكتاب، دون ان يشعر بفقدانه لحاجة أساسية وضرورية تعد من أهم الحاجات في حياته..

لذا فان إحياء هذه الحاجة، والاستجابة لها بدقة وحرص شديدين، عبر طبعها ونشرها وتوزيعها، على نطاق واسع، وتمكين الطفل من الوصول اليها، وتمكينها من الوصول إلى الطفل، بأفضل السبل وأيسرها، وبكافة الإمكانيات والوسائل، التي تجعل من اقتناء الكتاب وقراءته من قبل الطفل، عادة من عاداته، وغريزة من غرائزه.. وكل ذلك يعد واجباً ضرورياً، ووظيفة مقدسة، ومطلباً ملحاً، ومسؤولية إنسانية ودينية وأخلاقية وعلمية ووطنية.. تقع – بالدرجة الأولى – على صناع الكتاب والمعنيين بشؤونه.. قبل غيرهم من المسؤولين الآخرين في المجتمع..

من هنا جاءت (دار الحدائق) لتختص، تخصصاً علمياً بكتب الأطفال لا غيرهم.. مدركة منذ البداية قدسية الواجب الذي تقوم به، وعظمة المسؤولية التي تضطلع بها تجاه الأطفال وحساسية التعامل معهم ومع أدبهم وثقافتهم.. ومن هنا أدركت هذه الدار خصوصية الخط الذي اختطته لمسارها الصحيح في إنتاج كتب الأطفال، انتاجاً متقدماً في الشكل والمضمون، وتتواصل باجتهادها لجعل هذا الإنتاج أكثر استجابة وأهمية لحاجة الأطفال ومتطلباتهم المتنوعة من الكتب.. ومن هنا أيضاً برزت دار الحدائق من بين العشرات من دور النشر، لتكون قريبة من الطفل، ومستجيبة له، في كافة المراحل والخصائص، والمتطلبات التي يتطلبها الطفل في كتابه، وفي أدق التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي يحتاجها كتاب الطفل من ناحية: الطباعة، والتصميم، والرسوم، واللغة والمواد، وغير ذلك..

فمن ناحية الطباعة: نجد هناك تقنيات عالية قد استخدمت في هذا الجانب اعتماداً على الورق الممتاز الذي يسهل على الطفل التعامل معه وحفظه، إلى جانب التنوع في طباعة (الأغلفة) وبألوان زاهية وبراقة تشد الطفل وتجذبه إلى المحتوى..

أما التصميم فقد كان مدركاً لخصائص الطفل في تعامله مع الحدود اللونية، وقياس المسافات وأبعاد الخطوط التي تتفتح على مساحة الحروف والرسوم في فضاء الصفحة وتناسقها مع تلقي الطفل.. وهذا يقودنا إلى الداخل حيث المحتوى الذي تتناسق فيه الرسوم مع المادة المكتوبة تناسقاً بارعاً، يعبر عن براعة الرسام وقدرته العالية على تجسيد الفكرة تجسيداً خلاقاً، ورائعاً، وإلى جانب ذلك بإمكانك ان تفصل الرسوم عن المادة المكتوبة، فتطالع في تلك الرسوم أفكاراً وقصصاً وحكايات مدهشة تتيح للطفل الخيال الواسع، والابتكار الخلاق على تـصـور الفكرة الأساسية وبناء الأفكار المتتابعة في تتابع صورها المرسومة.. وهذا يدلل على الإمكانيات العالية والإبداعات الفائقة لهؤلاء الرسامين الذين صاغوا هذه الكتب صياغة جميلة.. تتيح للطفل قراءتها قبل قراءة اللغة.. حيث جاءت هذه اللغة في مجمل الكتب التي أصدرتها الدار لغة طيعة، سلسلة، مبسطة، لا تخلو من بعض المفردات الصعبة التي لا يدركها الطفل بسهولة، ومع ذلك فان الطابع الغالب على آليات اللغة المستخدمة في كتب الدار، قد اختيرت بعناية فائقة، وبتركيز شدید يرقی بقاموس الطفل اللغوي ويتناغم معه، ويستجيب لمفرداته.. التي تختلف من مرحلة إلى أخرى.. بحسب طبيعة المواد التي تحملها هذه الكتب، وهي مواد متنوعة وعديدة تتوزع على مجمل سلاسل الكتب العديدة التي تصدرها الدار.. وقد تنوعت بين كتب القصص والحكايات والأشعار، وكتب الأنشطة المدرسية، وكتب التسلية والتلوين، وكتب تفسير القرآن الكريم، التي تنطلق من القصص القرآنية في تعليم الأطفال الناشئة الكثير من الأمثال وحكايات الأقوام وشتى العلوم التي حملها القرآن الكريم..

وإلى جانب هذه السلاسل المتنوعة في موادها فهناك سلاسل أخرى من الكتب التي تعني بالقصص العالمية، والقصص المصورة، والكتب العلمية والتعليمية التي تعلم الأطفال الكثير من المهارات، وتطلعهم على الكثير من المهن والمخترعات والعلوم المتنوعة في عالم الحيوان وعالم الطبيعة.. وغير ذلك.. إلى جانب الإصدارات الخاصة للأهل والمربين، كإصدار (الملف التربوي) وهو إصدار فصلي يضم مختارات من الصحافة الأجنبية والعربية في مجال تربية وعلم نفس الطفل.. وكتاب (القصة في أدب الأطفال).. وغيرها من الإصدارات التي تتمثل بالوسائل التعليمية، واللوحات التزينية، وبطاقات المناسبات.. والقواميس المنوعة.. وغير ذلك.. إلى جانب قيام الدار بإصدار مجلة (أحمد) مجلة شهرية لكل الفتيان ابتداء من عمر 8 سنوات، ومجلة (توته توته) مجلة شهرية للصغار ابتداء من عمر 5 سنوات..

أما التوجه العام لسلاسل الكتب التي تصدرها الدار، فقد كان توجهاً صحيحاً ومناسباً لمختلف الفئات العمرية، حيث تبرز لنا ميزة مهمة في هذا المجال وهي: ان الدار انطلقت في هذا التوجه من عمر (سنتين)، فخصصت لهذه الفئة من الأطفال مجموعة من الكتب في سلاسل مناسبة تتيح لها القراءة الصورية والاطلاع والتعلم تدريجياً، كسلاسل (مرمر، نافذتي الأولى، من حولي، قوس قزح، كتاب تفاحة).. وهناك كتب أخرى تصدر في سلاسل متنوعة قد خصصت للأطفال ابتداء من عمر ثلاث سنوات كسلاسل (مكتبة الصيصان، غابة الأصدقاء، عصافير الجنة وكتب وأنشطة مدرسية أخرى).. وتتصاعد بعدها كتب السلاسل الأخرى للأعمار المتقدمة بعد هذه الفئات العمرية..

والميزة التي تميزت بها الكتب التي تتوجه للأعمار الأولى، انها موجهة لأطفال دون سن المدرسة، ولم يسبق لهم تعلم أبجدية القراءة والكتابة.. غير ان هذه الكتب وجدت لتعلمهم مهارة القراءة وتقوية الصلة بالكتاب بأساليب وتقنيات خاصة تستجيب لدوافع هؤلاء الأطفال، من خلال خاصية الصورة وعوالمها ورموزها داخل الكتاب، إلى جانب بعض المفردات والحروف التي تدفعهم إلى الفضول وتعلم اللغة تدريجياً.. وهذه الكتب تعد من أصعب الكتب وأكثرها أهمية للأطفال الصغار، الذين يحتاجون إلى خبرات متقدمة، وتقنيات متوافقة، تستطيع التعامل معهم بجدية وعلمية نافذة.. وقد نجحت هذه الكتب في سلاسلها المتنوعة في جلب انتباه الأطفال الصغار، وشدهم إلى عالم الكتاب ومحتواه المدهش منذ سنواتهم الأولى، وعد الكتاب هنا بمثابة اللعبة (التعليمية والمسلية)، والوصول إلى تحقيق هذه الغاية، من أهم الأهداف التي يسعى إليها كتاب الأطفال بشكل عام.. فما بالك بالكتاب الذي يخاطب الأطفال دون سن المدرسة.. فنجاح مهمته في هذه المستوى يعد نجاحاً كبيراً للطفل وللكتاب في ان واحد.. وهذه الميزة قد ميزت نهج (الحدائق) عن مثيلاتها الأخريات في قضية الإدراك والاستجابة لحاجة الطفل إلى الكتاب.

ودليلنا على هذا ذلك النجاح الواسع الذي حققته الدار في مسعاها، والذي تكلل بحصدها لكثير من الجوائز العربية والعالمية المهمة في كتب الأطفال، من بينها على وجه الخصوص: (ضمن كتب السلسلة القصصية للصغار، التي تتوجه للأطفال الصغار ابتداء من عمر سنتين.. حيث نال کتاب (المولود الجديد) جائزة نوما Noma لكتب الأطفال في اليابان، ومنظمة اليونسكو.. وجائزة أفضل مؤلف، وأفضل رسام، وأفضل ناشر نالها كتاب (صديقي الذي يحبني كثيراً) من معرض الشارقة الدولي للكتاب.. ونال كتاب (الغيمة لا تمطر ألعاباً) جائزة الهيئة اللبنانية لكتب الأولاد لأفضل تأليف. وضمن كتب السلسلة نفسها حصل كتاب (السمكة والبحر) على جائزة الإبداع الأدبي الأولى من معرض النادي الثقافي العربي في بيروت لقصص الأطفال.. ومن كتب سلسلة حكايات ملونة للصغار ابتداء من عمر 8 سنوات نال کتاب (عندما تهب العاصفة) جائزة الهيئة اللبنانية لكتب الأولاد لأفضل رسم.. وضمن كتب السلسلة القصصية للفتيان نال كتاب (يوم خارج المدرسة) باللغتين العربية والفرنسية جائزة الهيئة اللبنانية لكتب الأولاد، الجائزة التقديرية لكتب المرحلة العمرية (10 – 12).. وضمن سلسلة كتاب تفاحة.. نالت شخصية تفاحة الجائزة التشجيعية في مسابقة الشخصية الكرتونية العربية التي نظمها المجلس العربي للطفولة والتنمية في القاهرة..)..

إن هذه الجوائز جاءت نتيجة أكيدة لتلك الخبرات العالية، ولتلك الأساليب الفنية الدقيقة، في التخطيط السليم، وفي التنفيذ الناجح، الذي أوصلها إلى الإنتاج المتميز.. كذلك جاء نتيجة صادقة لتلك الجهود المخلصة التي بذلتها الدار في عملها.. وبالأخص جهود زميلتنا أديبة الأطفال السيدة (نبيهة محيدلي)، وكل من يقف معها في إدارة ورعاية (الحدائق) والإسهام في تقدمها، من الماهرين والمجتهدين والمبدعين والعاملين، الذين يحرصون كل الحرص على إدامة زرعها بالزرع الطيب، وسقيه بماء المكرمات، وزيادته بإنبات الصالح من النبات، وغرس ما هو مثمر وعابق وجميل من الغرس النافع، والبراعم المفيدة، والأزهار الشذية، والأشجار الوارفة في تلك (الحدائق) التي جذبتنا إليها مثلما جذبت العصافير والأطفال لتكون حدائق للجميع.

من الواضح ان (دار الحدائق) قد جعلت الغاية التربوية والتعليمية والثقافية والامتاعية غاية أساسية في عملها، وفي نهجها الثقافي والإنساني لمخاطبة الطفل، من أجل بناء جسور العلاقة الطيبة بين الطفل وبين الكتاب.. فهي حين تخاطب الطفل بقولها: (اختر زاوية في مكتبة بيتك واجعلها زاويتك، والزاوية ستصبح حديقة)(١)..

إنما هي بهذا الخطاب تضع أمام الطفل المبادئ الأساسية لقاعدة العلاقة الأكيدة بينه وبين الكتاب، حين تعلمه كيف يختار الكتاب المناسب له، وكيف يحفظ هذا الكتاب، ويحافظ عليه، ويجعله في الزاوية المناسبة له في المكتبة البيتية، وكيف تتوسع هذه الزاوية بالكتب المختارة، التي تغريه وتدفعه إلى ان يجعل منها مكتبة خاصة به إلى جانب مكتبة البيت..

وبهذا النهج تتعمق علاقة الطفل بالكتاب، ليصبح هذا الكتاب جزءاً هاماً في واقعه، وحاجة أساسية في حياته، وضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، وبهذا يصبح الكتاب حالة ملازمة للطفل، ليس في مراحل طفولته فحسب، إنما يمتد معه ويتواصل في المراحل الأخرى المتعاقبة طيلة حياته..

وهذا هو الهدف الجوهري والأساسي من ربط الطفل بالكتاب، والذي ينبغي ان لا يكون هدف (الحدائق) وحدها، بل يجب أن يكون إقراره وتحقيقه هدف الجميع الآباء والأمهات، المعلمون والمعلمات، التربويون والمفكرون والعلماء والناشرون والأدباء والكتاب والفنانون، وغيـرهـم مـن المثقفين، ومن يقع الطفل في رعايتهم.. إلى جانب المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية المتنوعة في المحيط الاجتماعي العام..

وبتحقيق هذا الهدف يمكن ان نحقق الأهداف الأساسية لثقافة الأطفال، ونعمق صلتها الموضوعية بالاتجاهات الايجابية للثقافة الاجتماعية العامة.. لنصل بذلك إلى إقرار وتحقيق المستويات الإنسانية والاجتماعية والعلمية والثقافية والحضارية المتقدمة لعناصر التطور والرقي في المجتمع..

وعلى هذا الأساس، فان ما قامت به (دار الـحـدائـق) مـن جـهـود وانجازات ونشاطات، ضمن إطار عملها الدؤوب، ومساعيها في مجال كتاب الطفل، يشكل خطوة هامة في تعزيز ثقافة الأطفال بشكل عام، وفي تـعـزيـز مـكـانـة (أدب الأطـفـال) بـشـكـل خـاص.. ولـكـن هـناك بعض الملاحظات التي تتطلب المعالجة والاهتمام لكي يأخذ عملها مجالاً أوسع، ودقة أكبر.. ومن هذه الملاحظات:

1. يعد الغلاف واجهة الكتاب، ومدخله الذي يغري القارئ الصغير ويدفعه إلى داخل المحتوى.. وقد لاحظنا أغلفة لبعض الكتب التي أصدرتها الدار مجردة وتخلو من الصور أو الرسوم.. خاصة في أغلفة مجلدات (سلسلة عصافير الجنة)، التي تتوجه للأطفال الصغار ابتداء من عمر ثلاث سنوات، والمعروف ان هذه الفئة العمرية من الصغار أحوج من غيرها إلى الرسوم والأشياء المجسدة والمجسمة، ان للرسوم دليلها إلى فهم الكتاب ومحتواه، كونها عاجزة عن القراءة الأبجدية، فتعوض عنها بالقراءة الصورية عن طريق الرسوم...

٢. يشكل الشعر ركناً أساسياً من أركان الأدب، ويوصف قديماً - كما هو معروف، ومتداول في الوصف الشائع - على انه: ديوان العرب، ولسان حالهم، ودليلهم إلى فصاحة القول والتعبير.. وبذلك فقد اكتسب الشعر أهميته البالغة في حياة الأفراد، ومنهم الأطفال، حيث نجد ان هناك صفات مشتركة بين الشعر والطفل...

من هنا فقد احتل الشعر مساحة واسعة في نزعات الأطفال، وفي عالمهم، وقد استخدم استخداماً كبيراً كوسيلة أساسية وأسلوب أمثل لمخاطبة الطفل والدخول إلى وجدانه وعوالمه الداخلية.. فعد الشعر بذلك من أبرز الفنون التعبيرية، وأكثر الأساليب الفنية أهمية وضرورة في أدب الأطفال. إلا إننا لدى متابعتنا لجملة العناوين التي طالعتنا بها سلاسل الدار، لم نجد ما يشير إلى سلسلة خاصة بالشعر ضمن هذه السلاسل، مثلما يشير العديد منها إلى: (السلسلة القصصية للصغار، سلسلة قصص مصورة، السلسلة القصصية للفتيان، سلسلة حكايات ملونة، سلسلة القصص العالمية، السلسلة القصصية للأولاد، سلسلة قصص متنوعة).. وغيرها.. حيث أخذت القصة المساحة الأكبر في ادب الأطفال الذي تقدمه الدار، فكان انحيازها الكبير للقصة دون الشعر يتجلى بوضوح حتى في إصداراتها المهمة للأهل والمربين، فأصدرت کتاب (القصة في أدب الأطفال)، ولم تطالعنا بإصدار (الشعر في أدب الأطفال) كما هو مطلوب.. واعتقد ان الدار في هذا المنحى قد سارت على نفس الاتجاه الذي سارت عليه دور النشر الأخرى، التي تهتم بالقصة اهتماماً أوسع من اهتمامها بالشعر، فانعكس ذلك سلباً على تلقي القارئ الصغير وتذوقه للشعر..

والمفارقة في هذا الاتجاه: ان الغالبية من دور النشر تذهب في اعتقادها إلى ان ميول الأطفال هي التي تحكمهم في هذا المنحى.. وهذا صحيح بقدر كبير من الصحة نوعاً ما.. ولكن ما هو غير صحيح ما خلصوا إليه باعتقادهم هذا، من أن ميل الأطفال للقصة يعد أكبر بكثير من ميلهم (الضعيف) للشعر.. لذلك فهم يستجيبون لميل الأطفال للقصة بقدر أكبر.. ويقينا، ان هذا الاعتقاد ليس دقيقاً في فهمه لاتجاهات، ودوافع، ومحفزات الميول القرائية لدى الأطفال.. وفي جانب كبير منه - باعتقادنا - يعد اعتقاداً خاطئاً، لأسباب عديدة منها:

أ - إذا عدنا إلى بداية رعاية الطفل بعد ولادته، في الأشهر الأولى من عامه الأول وما بعده تقريباً، نلاحظ ان الأسلوب الأول المتبع مع الطفل، هو الأسلوب الأدبي والفني، الذي يعرف بـ (مناغاة) الأطفال ومداعبتهم، بهدف إدخال البهجة والسرور إلى نفوسهم، وأشعارهم بالطمأنينة والهدوء، وجعلهم يفرحون على وقع الألفاظ العذبة التي تأتيهم من الأم.. فالطفل يطرب لأمه وتداعبه وتهدهده.. وحين تحكي له بإيقاع صوتي سهل ومبسط، وتشده إلى عطفها وحنانها بما تعكسه له من عاطفة الأمومة الصادقة..

وهذا الأسلوب يأخذ طابع الشعر في البداية، ثم يتطور بتطور إدراك الطفل، ليأخذ طابع القصة والحكاية، في محاولة منا لترويضه وتطبيعه بطبيعتنا الإنسانية، ودفعه إلى التكيف والتوافق مع واقعنا الاجتماعي.. وهذا يعني ان أسلوبنا الشعري والحكائي هذا هو بداية تثقيفنا للطفل، مثلما يشكل بطبيعته الخطوة الأولى التي تقود الطفل إلى فهم الحياة، ومدخله الأول لدخول العالم الذي جاء إليه.. وبذلك فقد ربطناه بالشعر والقصة ربطاً مباشراً منذ البداية.. خاصة من قبل الأم المسؤولة الأولى عن هذا الأسلوب وطرق استخدامه مع الطفل..

وعلى هذا الأساس فقد ذكر الجاحظ (أبو عثمان عمر بن بحر) في (البيان والتبيين) ذلك الدر الثمين من الشعر البليغ الذي جرى على لسان مرضعة الرسول الـكـريـم محمد (صلى الله عليه وآله) (الشيماء) حليمة السعدية بنت الحارث، وهي تناغي (محمداً) وهو طفل مرضع في بادية بني سعد بن بكر، فتقول:

یا ربـنـا ابـق لـنـا مـحـمـدا              حتـى أراه يـافـعـاً وأمـردا

ثــم أراه سـيــداً مــســوداً               واكبُـت أعـاديـه مـعـاً والحُسّدا

                   واعـطـه عـزاً يـدوم أبـدا) (2)..

إذن كان الشعر في (المناغاة)، والمناغاة في الشعر، بداية التعامل مع الطفل، قبل أي أسلوب، أو فن آخر..

(ب) – يعد الشعر المعرفة الأولى التي سبقت كل المعارف إلى إدراك الطفل، بدليل ما ذهبنا إليه في أعلاه، من خلال أسلوب الأم وتعاملها مع الطفل عبر مناغاتها وترقيصها ومداعبتها وتدليلها له، في هذا الأسلوب الذي يتخذ طابع الشعر في أغلب الأحيان، فكانت الأم، كما يصفها مصطفى صادق الرافعي: (هي المدرسة الأولى لشعر الأطفال) (3).

ولمكانة الأم، ودورها الفاعل في حياة الطفل، وفي تحفيز اتجاهاته المعرفية، وتوجيه ميوله بكل الاتجاهات التي تطور قابلياته وقدراته المختلفة، ومنها ميله إلى الشعر، راح (الرافعي) يخاطب الأمهات بقوله: (لو ان سيداتنا الأمهات يتقبلن شعر الأطفال، ويجرين به على السنتهن، لكبرت اللغة العربية مع أولادهن، ولغرسن بذلك في أذواق الأطفال أصول الوزن والقافية وأصول الأدب معها.. وابنائنا بحاجة شديدة إلى مثل هذه العناية منهن، فيتنبهن إلى ذلك، فان الأمهات يلدن في ظاهر الرأي الأطفال، ولكنهن في الحقيقة يلدن التاريخ) (4)..

ومطالعة سريعة لهذا التاريخ نجد ان أطفال العرب، خاصة بعد الإسلام، لا يختلفون عن الراشدين – بل هناك من يتفوق عليهم – في فصاحة اللسان وبلاغته في الشعر.. وذلك يعود إلى بلاغة الأمهات وطلاقة السنتهن بالشعر، وغرسه في نفوس أطفالهن في ذلك الزمان.. مما جعل من طبيعة البيئة الاجتماعية، طبيعة شعرية، برز فيها الكثير من الأطفال، فأصبحوا فيما بعد من كبار الشعراء، والعلماء، والمفكرين، والفلاسفة، والأطباء، والحكماء.. وغير ذلك.. لأن الشعر في ذلك الزمان، كان مدرسة تحوي مجمل العلوم والمعارف.. وكان يستغل استغلالاً واسعاً ودقيقاً في تجسيد هذه العلوم والمعارف، ونشرها بين الأطفال..

ج - ان الطفل بطبيعته، وميله الفطري، يطالع كل ما هو متوفر أمامه، وتقع عليه عيناه، من الكتب التي تجذبه، سواء كان في داخلها قصة، أو شعراً، أو حكاية، أو سيرة، او حتى كتابة علمية أو تاريخية، المهم أن تجذبه، ويجد فيها ما يشده إلى محتواها من الرسوم الجميلة، والمواد المثيرة لاهتمامه، وبالأساليب الأخاذة التي تدفعه إلى مواصلة المطالعة، والقراءة برغبة شديدة، وتلعب الأسرة دوراً مهما في تعميق هذه الرغبة، في خطوتها الأولى والخطوات اللاحقة..

لذلك فان ما نريد التوصل اليه، في المحصلة النهائية التي نتوقف عندها هنا، هي استخلاص النتيجة الواضحة من هذه الأسباب التي ذكرناها، والتي نلخصها بالنقاط التي تؤكد حقائق ارتباط الطفل بالشعر، على النحو التالي:

1. ان الطفل منذ بدايته، قد أدرك الشعر وتعرف عليه، قبل ان يدرك القصة ويتعرف عليها.. وذلك من خلال (المناغاة) التي يتناغم وقعها مع الإيقاع الوجداني للطفل، لتحرك شعور الطفل نحو الشعر، والإحساس بالمتعة والتأمل والخيال والسرور.. وهذه حقيقة أولية تؤكد ارتباط الطفل بالشعر..

٢. يحتاج الطفل إلى الشعر لدوافع وجدانية تمليها غريزة الذات التي تدفع (الأنا) إلى المقدمة من الدوافع لتعزيز هذه الغريزة وحاجتها إلى الشعور والإحساس بالمتعة والجمال والتخيل والابتكار، والشعر خير من يستجيب لهذه الحاجة.. وهذه حقيقة ثانية تؤكد ارتباط الطفل بالشعر..

3. ان الشعر أساس منطلق أدب الأطفال، وما ينتجه هذا الأدب من فنون تعبيرية وتجسيدية أخرى، كالأنشودة والمسرحية وغير ذلك.. وهذه حقيقة ثالثة تؤكد ارتباط الطفل بالشعر.

4. للشعر وجود حقيقي في القصة والحكاية والمسرحية، وان لم يظهر هذا الوجود بشكله التقليدي، وسماته الإيقاعية الموزونة، فهو وجود (مخفي وظاهر) في آن واحد – ان صح التعبير - مخفي بجسده ونظامه، وظاهر بلغته وروحه.. فالتعبير الوصفي الجميل، ولغته السردية المدهشة في القصة والحكاية، هو في اغلبه تعبير جمالي مستعار من لغة الشعر، ومجسداً لها.. والجزء الأكبر من الحوار المثير، بإيقاعه الـصـوتي في المسرحية، هو في جانب كبير منه تجسيد موضوعي للغة الشعرية، لهذا ينشد الطفل إلى القصة والحكاية والمسرحية ذات الوقع الجميل في لغتها التعبيرية.. وان خلت هذه الأشكال التعبيرية من سمات هذا الوقع الجميل في لغتها، فهو لا ينشد اليها، وبجانب آخر فهو ينشد أكثر عندما يكون الشعر حاضراً بكامل حضوره، ووجوده الحقيقي في الشكل والمضمون في هذه الأشكال الأدبية.. حيث نجد ان المسرحية التي تتضمن مقاطع شعرية جميلة ينشد الطفل إليها أكثر من المسرحية التي تخلو من هذه المقاطع.. كذلك الحال مع الحكاية.. وخاصة الطويلة منها.. وهذه حقيقة رابعة تؤكد ارتباط الطفل بالشعر.

 5. ان ميول الطفل القرائية، بالدرجة الأولى، تنمو وتتحدد وتتخذ اتجاهاتها الواضحة بناء على طبيعة النشأة التي ينشأ عليها الطفل، ووفق معطيات الأسرة واتجاهاتها العلمية والقرائية.. وان الأم تلعب دوراً أساسياً ومؤثراً في تحفيز هذه الميول، وبالأخص ميل الطفل إلى الشعر.. ويساعدها على تطوير هذا الميل وتصعيد وتائره مؤسسات المجتمع الأخرى، ومنها بشكل خاص دور النشر التي تتحكم بوسيلة مهمة من وسائل اتصال الطفل بالشعر من خلال الكتاب.. ومن خلال تحكمها هذا تستطيع ان تضعف، أو تقوي ميل الطفل إلى الشعر.. وهذه حقيقة خامسة تؤكد ارتباط الطفل بالشعر.

لهذا كله يعد الاعتقاد الذي ذهبت إليه بعض دور النشر، التي أشرنا لها في البداية، اعتقاد خاطئ، ولا يستند إلى حقيقة علمية، ودلائل واقعية تشير إلى صحته.. والحقيقة في هذا الأمر، لو ان دور النشر هذه اهتمت بالشعر، ونشرته على نطاق واسع، لدفعت الطفل وميله إلى الشعر بدرجة عالية توازي ميله إلى القصة.. خاصة وان الأساليب الحديثة في شعر الأطفال قد تطورت في السنوات الأخيرة، لتتداخل معها الأساليب الحكائية والبناءات القصصية، لتخرج إلى الطفل في قالب جديد، وصياغة تعبيرية جميلة تمزج بين عوالم الشعر ونظامه، وعوالم القصة ونظامها، في اتجاه واحد، مثلما عبرت عنه القصيدة المعاصرة بأساليب (الحكاية الشعرية) أو (القصيدة القصصية)..

وعودة إلى النقطة التي توقفنا عندها، في الملاحظات التي خلصنا إليها في مناقشتنا لدار الحدائق، وخاصة في الملاحظة الثانية والأخيرة، والتي دفعتنا إلى مناقشة واسعة لقضية الشعر والأطفال، فأوصلتنا إلى ما وصلنا إليه هنا..

لقد أكدنا في تلك الملاحظة التي مرت في الأسطر السابقة، على ان عناوين السلاسل التي تصدرها (دار الحدائق) لم تحمل عنواناً خاصاً للشعر.. وهذا القول لا يعني ان (الحدائق) خالية من الشعر، ولم يفح منها عطره.. ففي (الحدائق) أشجار للشعر، ولكنها ليست وارفة كأشجار القصة والحكاية، المهم انها موجودة.. بل وندرك إدراكاً كاملاً – وهذه حقيقة - ان الدار تهتم بشعر الأطفال، اهتماماً كبيراً، يكاد يكون أوسع من اهتمامات العديد من الدور الأخرى.. حيث توزعت كتب الشعر في جملة السلاسل المتنوعة التي تصدرها، كسلسلة (حكايات ملونة) وسلسلة (عصافير الجنة) وسلسلة (قصص متنوعة)، وكنا نتمنى لهذه الكتب ان تصدر في سلسلة خاصة بها تحت عنوان (السلسلة الشعرية).

وخاتمة القول في هذا المجال، ان الملاحظات التي وردت هنا لا تشكل (إدانة) لدار الحدائق، إنما جاءت لتقييم وتقويم نشاطها وجهودها الإبداعية المخلصة، تلك الجهود التي ساهمت، مساهمة فعالة، في نشر أدب الأطفال وتعميق علاقة الطفل العربي بهذا الأدب، وهذه حقيقة، لابد من ذكرها والإشادة بها..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(۱) دار الحدائق، قائمة منشورات عام ٢٠٠٥.

(2) الجاحظ - البيان والتبيين - ج1.

(3) إبراهيم محمد صبيح - الطفولة في الشعر العربي الحديث.

(4) مصطفى نعمان البدري - أغاريد الرافعي. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






بالفيديوغراف: ممثل المرجعية الدينية العليا والامين العام للعتبة الحسينية يتفقدان مشروع مطار كربلاء الدولي
بالصور: سنابل تفيض بالخير في مزارع العتبة الحسينية (عمليات حصاد الحنطة)
تضمنت الجولة توجيهات متعلقة براحة المسافرين.. ممثل المرجعية العليا والامين العام للعتبة الحسينية يطلعان ميدانيا على سير العمل في مطار كربلاء الدولي
بالفيديو: مركز لعلاج العقم تابع للعتبة الحسينية يعلن عن أجراء (117) عملية تلقيح اصطناعي خلال الربع الاول من العام الحالي