المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16311 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
بطانة الرجل وولیجته
2024-04-19
معنى الصِر
2024-04-19
تحتمس الرابع وتاريخ هذه المسلة.
2024-04-19
تحتمس الثالث يقيم مسلتين في معبد عين شمس وتنقلان إلى الإسكندرية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19
مسلة القسطنطينية.
2024-04-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (10-19) من سورة النحل  
  
7010   06:50 مساءً   التاريخ: 5-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {هُو الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُو الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النحل: 10 - 19]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 عد سبحانه نعمة أخرى دالة على وحدانيته فقال { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } أي: مطرا { لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ } أي: لكم من ذلك الماء شراب تشربونه وَمِنْهُ شَجَرٌ } فيه وجهان ( أحدهما ) أن يكون المراد ومنه شرب شجر أوسقي شجر فحذف المضاف ( والآخر ) أن يكون المراد ومن جهة الماء شجر ومن سقيه وإنباته شجر فحذف المضاف إلى الهاء في منه كما قال زهير :

أمن أم أوفي دمنة لم تكلم                             بحومانة الدراج فالمتثلم(2)

أي: أ من ناحية أم أوفي وقال أبوذؤيب :

أمنك البرق أرقبه فهاجا                                     فبت أخاله دهما خلاجا(3)

أي: أ من جهتك وقال الجعدي :

لمن الديار عفون بالتهطال                    بقيت على حجج خلون طوال

 أي: على مر حجج والمعنى وينبت منه شجر ونبات { فِيهِ تُسِيمُونَ } أي: ترعون أنعامكم من غير كلفة والتزام مئونة لعلفها { يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } أي: ينبت الله لكم بذلك المطر هذه الأشياء التي عددها لتنتفعوا بها { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً } أي: دلالة وحجة واضحة { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيه فيعرفون الله تعالى به وخص المتفكرين فيه لأنهم المنتفعون به { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } قد مضى بيانه والتسخير في الحقيقة للشمس والقمر لأن النهار هو حركات الشمس من وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس والليل حركات الشمس تحت الأرض من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوع الفجر إلا أنه سبحانه أجرى التسخير على الليل والنهار على سبيل التجوز والاتساع.

 { وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ } مضى بيانه { إن في ذلك } التسخير { لآيات } أي: دلالات { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} عن الله وينبئون أن المسخر لذلك على هذا تقدير الذي لا يختلف لأجل منافع خلقه ومصالحهم والمدبر لذلك قادر عالم حكيم { وما ذرأ لكم في الأرض } أي: سخر لكم ما خلقه لكم في الأرض أي لقوام أبدانكم من الملابس والمطاعم والمناكح من أنواع الحيوان والنبات والمعادن وسائر النعم { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } لا يشبه بعضها بعضا { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً } أي: دلالة { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } أي: يتفكرون في الأدلة فينظرون فيها ويتعظون ويعتبرون بها .

ثم عدد سبحانه نوعا آخر من أنواع نعمه فقال: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ } أي: ذلّله لكم وسهل لكم الطريق إلى ركوبه واستخراج ما فيه من المنافع { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا } أي: لتصطادوا منه أنواع السمك وتأكلوا لحمه { طَرِيًّا } ولا يجوز أن يهمز طريا لأنه من الطراوة { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً } يعني اللآلىء التي تخرج من البحر بالغوص { تلبسونها } وتتزينون بها وتلبسونها نساءكم ولولا تسخيره سبحانه ذلك لكم لما قدرتم على الدنومنه والغوص فيه { وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي: وترى أيها الإنسان السفن شواق في البحر وقواطع لمائه عن عكرمة وقيل جواري عن ابن عباس { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } أي: ولتركبوه للتجارة وتطلبوا من فضل الله تعالى { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: ولكي تشكروا الله على نعمه ليزيدكم منها ويثيبكم والواوإنما دخلت في ذلك للدلالة على أن الله سبحانه أراد جميع ما ذكره إنعاما منه على عباده.

 { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي: جبالا عالية ثابتة واحدها راسية { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } الأرض أي: كراهة أن تميد بكم أولئلا تميد بكم أي تتحرك وتضطرب { وأنهارا } أي وجعل فيها أنهارا { وسبلا } أي: طرقا لكي تجروا الماء في الأنهار إلى بساتينكم وحيث تريدون وتهتدوا بالطرق إلى حيث شئتم من البلاد وقيل أراد بالأنهار النيل والفرات ودجلة وسيحان وجيحان وأمثالها { لعلكم تهتدون } قد ذكرنا معناه وقيل: لتهتدوا بها إلى توحيد الله { وعلامات } وجعل لكم علامات أي معالم تعلم بها الطرق وقيل العلامات الجبال يهتدى بها نهارا { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } ليلا عن ابن عباس والمراد بالنجم الجنس أي جميع النجوم الثابتة وقيل تم الكلام عند قوله { وعلامات } ثم ابتدأ { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } وقيل إن العلامات هي النجوم أيضا لأن من النجوم ما يهتدى بها ومنها يكون علامات لا يهتدى بها عن قتادة ومجاهد وقيل أراد به الاهتداء في القبلة.

 قال ابن عباس سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عنه فقال الجدي علامة قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم وقال أبوعبد الله (عليه السلام): نحن العلامات والنجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال إن الله جعل النجوم أمانا لأهل السماء وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ } معناه أفمن يخلق هذه الأشياء في استحقاق العبادة والإلهية كالأصنام التي لا تخلق شيئا حتى يسوي بينها في العبادة وبين خالق جميع ذلك { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } أي: أ فلا تتذكرون أيها المشركون فتعتبرون وتعرفون أن ذلك من الخطإ الفاحش وجعل من فيما لا يعقل لما اتصل بذكر الخلق.

 ثم عطف سبحانه على ذلك تذكر كثرة نعمه فقال { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} معناه: وإن أردتم تعداد نعم الله سبحانه عليكم ومعرفة تفاصيلها لم يمكنكم إحصاؤها ولا تعديدها وإنما يمكنكم أن تعرفوا جملها بين سبحانه أن من وراء النعم التي ذكرها نعما له لا تحصى { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ } لما حصل منكم من تقصير في شكر نعمه { رحيم } بكم حيث لم يقطعها عنكم بتقصيركم في شكرها .

لما قدم سبحانه الدعاء إلى عبادته بذكر نعمة وكمال قدرته عقبه ببيان علمه بسريرة كل أحد وعلى نيته ثم ذكر بطلان الإشراك في عبادته فقال { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} أخبر سبحانه أنه يعلم ما يسرونه وما يظهرونه فيجازيهم على أفعالهم إذ لا يخفى عليه الجلي والخفي من أحوالهم.

____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص143-147.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ هُو الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ومِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } .

كل ما قام على ساق من نبات الأرض فهو شجر ، وتسيمون ترعون فيه مواشيكم ، والمعنى ان اللَّه أنعم على عباده بالماء فجعله شرابا لهم ، وأنبت منه الشجر الذي ترعاه المواشي .

{ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ والزَّيْتُونَ والنَّخِيلَ والأَعْنابَ ومِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . وأيضا أنبت اللَّه سبحانه بالماء هذه الأشياء لمصالحنا ومنافعنا ، ولنتفكر ونتدبر قدرة اللَّه وعظمته ونشكر آلاءه بطاعته والعمل بمرضاته ، وأشرنا فيما سبق ان الماء يتولد من أسبابه الطبيعية التي أوجدها اللَّه في هذا الكون ، وإنما أسنده إليه تعالى من باب اسناد الشيء لفاعله الأول . وتقدم نظير هذه الآية في سورة إبراهيم الآية 32 وفي سورة الحجر الآية 22 .

{ وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والْقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } . تقدم نظيره في سورة الرعد الآية 2 وفي سورة إبراهيم الآية 33 ، وقوله بأمره يشير إلى الرد على الماديين الذين يرجعون جميع الحوادث الكونية إلى الطبيعة نفسها .

وتسأل : ألا يغني ذكر الليل عن ذكر القمر ، وذكر النهار عن ذكر الشمس ؟ .

الجواب : كلا ، لأن الليل قد يوجد من غير القمر ، أما النهار فهو بعض فوائد الشمس وآثارها ، وليس كلها .

{ وما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } .

المراد بذرأ خلق وأوجد ، وألوانه أصنافه ، والمعنى ان اللَّه سبحانه سخر لنا ما أودعه في الأرض من معادن جامدة ومائعة ، ونبات وغير ذلك ، ليتذكر متذكر ويشكر شاكر .

{ وهُو الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . ذكر سبحانه من فوائد البحر ثلاثة أشياء :

الأول : الأسماك .

الثاني : الحلية كاللؤلؤ والمرجان ، قال تعالى : « يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ والْمَرْجانُ - 22 الرحمن » . قال المراغي عند تفسير هذه الآية : « توجد حقول من المرجان في البحر الأبيض المتوسط أمام تونس والجزائر ، وتحصد هذه الحقول الدولة الفرنسية وتبيعها على أصحابها أنفسهم ، وكأنهم لم يقرؤوا القرآن . . وكأنهم لم يخلقوا في هذه الأرض . . وكأنهم لم يؤمروا بالعمل والاستخراج » .

الثالث : السفر بالبحر للتجارة وغيرها .

{ وأَلْقى فِي الأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أقام الجبال في الأرض لتثبت ولا تضطرب ، ومر نظيره في الآية 19 من سورة الحجر { وأَنْهاراً } أجرى أنهارا { وسُبُلًا } جعل طرقا { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } بتلك الطرق إلى ما تريدون { وعَلاماتٍ } والمراد بها الدلائل التي تهدي المسافر إلى الطريق مثل الجبال والوديان ونحوها

{ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } إذا سافروا في الليل برا وبحرا ، مر نظيره في الآية 97 من سورة الأنعام ج 3 ص 233 .

{ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ } بعد أن ذكر سبحانه انه هو الذي خلق السماوات والأرض والإنسان والأنعام والحيوانات والماء والأشجار والشمس والقمر الخ . بعد هذا قال : هل اللَّه الذي خلق هذه الأشياء يكون هو والأحجار والأصنام شركاء وسواء بسواء ؟ ! . وهذا السؤال يحمل جوابه معه . ( وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها ) تقدمت هذه الآية بحروفها في سورة إبراهيم الآية 34{ إِنَّ اللَّهً لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } يغفر لمن قصر في أداء شكره وحقه تعالى ، ولا يسلبه النعمة رحمة به { واللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وما تُعْلِنُونَ }. وإذا كان عالما بما نسر ونعلن فيجب أن نطيعه خوفا من غضبه وعذابه .

____________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص 501-503.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } شروع في نوع آخر من النعم وهي النعم النباتية التي يقتات بها الإنسان وغيره وما سخر له لتدبير أمرها كالليل والنهار والشمس والقمر وما يحذوحذوها، ولذلك غير السياق فقال:{هو الذي} إلخ، ولم يقل: وأنزل من السماء.

وقوله:{تسيمون} من الإسامة وهي رعي المواشي ومنه السائمة للماشية الراعية و{من} الأولى تبعيضية والثانية نشوئية والشجر من النبات ما له ساق وورق وربما توسع فأطلق على ذي الساق وغيره جميعا، ومنه الشجر المذكور في الآية لمكان قوله:{فيه تسيمون} والباقي واضح.

قوله تعالى:{ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } إلخ، الزيتون شجر معروف ويطلق على ثمره أيضا يقال: إنه اسم جنس جمعي واحده زيتونة، وكذا النخيل، ويطلق على الواحد والجمع، والأعناب جمع عنبة وهي ثمرة شجرة الكرم ويطلق على نفس الشجرة كما في الآية، والسياق يفيد أن قوله:{ومن كل الثمرات} تقديره ومن كل الثمرات أنبت أشجارها.

ولعل التصريح بأسماء هذه الثمرات الثلاث بخصوصها وعطف الباقي عليها لكونها مما يقتات بها غالبا.

ولما كان في هذا التدبير العام الوسيع الذي يجمع شمل الإنسان والحيوان في الارتزاق به حجة على وحدانيته تعالى في الربوبية ختم الآية بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.

قوله تعالى:{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} إلى آخر الآية قد تكرر الكلام في معنى تسخير الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، ولكون كل من المذكورات وكذا مجموع الليل والنهار ومجموع الشمس والقمر والنجوم ذا خواص وآثار في نفسه من شأنه أن يستقل بإثبات وحدانيته في ربوبيته تعالى ختم الآية بقوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } فجمع الآيات في هذه الآية بخلاف الآيتين السابقة واللاحقة.

قوله تعالى:{ وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } الذرء الخلق، واختلاف ألوان ما ذرأه في الأرض غير ما مر كما يختلف ألوان المعادن وسائر المركبات العنصرية التي ينتفع بها الإنسان في معاشه ولا يبعد أن يكون اختلاف الألوان كناية عن الاختلاف النوعي بينها فتقرب الآية مضمونا من قوله تعالى:{ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ }: الرعد: 4، وقد تقدم تقريب الاستدلال به.

واختلاف الألوان فيما ذرأ في الأرض كإنبات الشجر والثمر أمر واحد يستدل به على وحدانيته في الربوبية ولذا قال:{إن في ذلك لآية} ولم يقل: لآيات.

وهذه حجج ثلاث نسب الأولى إلى الذين يتفكرون، والثانية إلى الذين يعقلون، والثالثة إلى الذين يتذكرون، وذلك أن الحجة الأولى مؤلفة من مقدمات ساذجة يكفي في إنتاجها مطلق التفكر، والثانية مؤلفة من مقدمات علمية لا يتيسر فهمها إلا لمن غار في أوضاع الأجرام العلوية والسفلية وعقل آثار حركاتها وانتقالاتها، والثالثة مؤلفة من مقدمات كلية فلسفية إنما ينالها الإنسان بتذكر ما للوجود من الأحكام العامة الكلية كاحتياج هذه النشأة المتغيرة إلى المادة وكون المادة العامة واحدة متشابهة الأمر، ووجوب انتهاء هذه الاختلافات الحقيقية إلى أمر آخر وراء المادة الواحدة المتشابهة.

قوله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } إلخ وهذا فصل آخر من النعم الإلهية وهو نعم البحر والجبال والأنهار والسبل والعلامات وكان ما تقدمه من الفصل مشتملا على نعم البر والسهل من الأشجار والأثمار ونحوها، ولذلك قال:{وهو الذي سخر} ولم يقل: وسخر إلخ.

والطري فعيل من الطراوة وهو الغض الجديد من الشيء على ما ذكره في المفردات، والمخر شق الماء عن يمين وشمال، يقال: مخرت السفينة تمخر مخرا فهي ماخرة ومخر الأرض أيضا شقها للزراعة.

على ما في المجمع والمراد بأكل اللحم الطري من البحر هو أكل لحوم الحيتان المصطادة منه، وباستخراج حلية تلبسونها ما يستخرج منه بالغوص من أمثال اللؤلؤ والمرجان التي تتحلى وتتزين بها النساء.

وقوله:{ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } أي تشاهد السفائن تشق ماءه عن اليمين والشمال، ولعل قوله:{وترى} من الخطابات العامة التي لا يقصد بها مخاطب خاص وكثيرا ما يستعمل كذلك ومعناه يراه كل راء ويشاهده كل من له أن يشاهد فليس من قبيل الالتفات من خطاب الجمع السابق إلى خطاب الواحد.

وقوله:{ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي ولتطلبوا بعض رزقه في ركوب البحر وإرسال السفائن فيه والجملة معطوفة على محذوف والتقدير وترى الفلك مواخر فيه لتنالوا بذلك كذا وكذا ولتبتغوا من فضله، وهوكثير النظير في كلامه تعالى.

وقوله:{ولعلكم تشكرون} أي ومن الغايات في تسخير البحر وإجراء الفلك فيه شكركم له المرجومنكم إذ هو من زيادته تعالى في النعمة فقد أغناكم بما أنعم عليكم في البر عن أن تتصرفوا في البحر بالغوص وإجراء السفن وغير ذلك لكنه تعالى زادكم بتسخير البحر لكم نعمة لعلكم تشكرونه على هذا الزائد فإن الإنسان قليلا ما يتنبه في الضروريات أنها نعمة موهوبة من لدنه سبحانه ولو شاء لقطعها وأما الزوائد النافعة فهي أقرب من هذا التنبه والانتقال.

قوله تعالى:{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } قال في المجمع: الميد الميل يمينا وشمالا وهو الاضطراب ماد يميد ميدا. انتهى.

وقوله:{أن تميد بكم} أي كراهة أن تميد بكم أوأن لا تميد بكم والمراد أنه طرح على الأرض جبالا ثوابت لئلا تضطرب وتميل يمينا وشمالا فيختل بذلك نظام معاشكم.

وقوله:{وأنهارا} أي وجعل فيها أنهارا تجري بمائها وتسوقه إلى مزارعكم وبساتينكم وتسقيكم وما عندكم من الحيوان الأهلي.

وقوله:{ وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } معطوف على قوله:{وأنهارا} أي وجعل سبلا لغاية الاهتداء المرجومنكم، والسبل منها ما هي طبيعية وهي المسافات الواقعة بين بقعتين من الأرض الواصلة إحداهما بالأخرى من غير أن يقطع ما بينهما بحاجب أومانع كالسهل بين الجبلين، ومنها ما هي صناعية وهي التي تتكون بعبور المارة وآثار الأقدام أويعملها الإنسان.

والظاهر من السياق عموم السبل لكلا القسمين، ولا ضير في نسبة ما جعله الإنسان إلى جعله تعالى كما نسب الأنهار والعلامات إلى جعله تعالى وأكثرها من صنع الإنسان وكما نسب ما عمله الإنسان من الأصنام وغيرها إلى خلقه تعالى في قوله:{والله خلقكم وما تعملون}: الصافات: 96.

وذلك أنها كائنة ما كانت من آثار مجعولاته تعالى وجعل الشيء ذي الأثر جعل لأثره بوجه وإن لم يكن جعلا مستقيما من غير واسطة.

قوله تعالى:{ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } العلامات جمع علامة وهي ما يعلم به الشيء، وهو معطوف على قوله:{أنهارا} أي وجعل علامات تستدلون بها على الأشياء الغائبة عن الحس وهي كل آية وأمارة طبيعية أو وضعية تدل على مدلولها ومنها الشواخص والنصب واللغات والإشارات والخطوط وغيرها.

ثم ذكر سبحانه الاهتداء بالنجوم فقال:{ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } ولعل الالتفات فيه من الخطاب إلى الغيبة للتحرز عن تكرار{تهتدون} بصيغة الخطاب في آخر الآيتين.

والآية السابقة:{ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } المتضمنة لمسألة الهداية المعنوية التي هي كالمعترضة بين الآيات العادة للنعم الصورية وإن كان الأنسب ظاهرا أن يوضع بعد هذه الآية أعني قوله:{وبالنجم هم يهتدون} المتعرضة هي وما قبلها للهداية الصورية غير أن ذلك لم يكن خاليا من اللبس وإيهام التناقض بخلاف موقعها الذي هي واقعة فيه وإن كانت كالمعترضة كما هو ظاهر.

قوله تعالى:{ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ - إلى قوله - إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } الآيات تقرير إجمالي للحجة المذكورة تفصيلا في ضمن الآيات الست عشرة الماضية واستنتاج للتوحيد وهي حجة واحدة أقيمت لتوحيد الربوبية، وملخصها أن الله سبحانه خالق كل شيء فهو الذي أنعم بهذه النعم التي لا يحيط بها الإحصاء التي ينتظم بها نظام الكون، وهو تعالى عالم بسرها وعلنها فهو الذي يملك الكل ويدبر الأمر فهو ربها، وليس شيء مما يدعونه على شيء من هذه الصفات فليست أربابا فالإله واحد لا غير وهو الله عز اسمه.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعضهم أن الآيات تثبت التوحيد من طريقين طريق الخلقة وطريق النعمة، بيان الفساد أن طريق الخلقة وحدها إنما تثبت الصانع ووحدانيته في الخلق والإيجاد، والوثنيون - وإليهم وجه الكلام في الآيات - لا ينكرون وجود الصانع ولا أن الله سبحانه خالق الكل حتى أوثانهم وأن أوثانهم ليسوا بخالقين لشيء وإنما يدعون لأوثانهم تدبير أمر العالم بتفويض من الله لذلك إليهم والشفاعة عند الله فلا يفيد إثبات الصانع تجاه هؤلاء شيئا.

وإنما سيقت آيات الخلقة لتثبيت أمر النعمة إذ من البين أنه إذا كان الله سبحانه خالقا لكل شيء موجودا له كانت آثار وجودات الأشياء وهي النعم التي يتنعم بها له سبحانه كما أن وجوداتها له ملكا طلقا لا يقبل بطلانا ولا نقلا ولا تبديلا فهوسبحانه المنعم بها حقيقة لا غيره من شيء حتى الذي نفس النعمة من آثار وجوده فإنه وما له من أثر هولله وحده.

ولذلك ضم إلى حديث الخلق والإنعام قوله تعالى:{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } لأن مجرد استناد الخلق والإنعام إلى شيء لا يستلزم ربوبيته ولا يستوجب عبادته لولا انضمام العلم إليهما ليتم بذلك أنه مدبر يهدي كل شيء إلى كماله المطلوب له وسعادته المكتوبة في صحيفة عمله، ومن المعلوم أن العبادة إنما تستقيم عبادة إذا كان المعبود موسوما بسمة العلم عالما بعبادة من يعبده شاهدا لخضوعه.

فمجموع ما تتضمنه الآيات من حديث الخلق والنعمة والعلم مقدمات لحجة واحدة أقيمت على توحيد الربوبية الذي ينكره الوثنية كما عرفت.

فقوله:{ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} قياس ما له سبحانه من النعت إلى ما لغيره منه ونفي للمساواة، والاستفهام للإنكار، والمراد بمن لا يخلق آلهتهم الذين يدعونهم من دون الله.

وبيانه - كما ظهر مما تقدم - أن الله سبحانه يخلق الأشياء ويستمر في خلقها فلا يستوي هو ومن لا يخلق شيئا فإنه تعالى لخلقه الأشياء يملك وجوداتها وآثار وجوداتها التي هي الأنظمة الخاصة بها والنظام العام الجاري عليها.

وقوله:{ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا } إلخ، إشارة إلى كثرة النعم الإلهية كثرة خارجة عن حيطة الإحصاء، وبالحقيقة ما من شيء إلا وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلي وإن كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر.

وقد علل سبحانه ذلك بقوله:{ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } وهو من ألطف التعليل وأدقه فأفاد سبحانه أن خروج النعمة عن حد الإحصاء إنما هو من بركات اتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة فإنه بمغفرته - والمغفرة هي الستر - يستر ما في الأشياء من وبال النقص وشوهة القصور، وبرحمته والرحمة إتمام النقص ورفع الحاجة - يظهر فيها الخير والكمال ويحليها بالجمال فببسط المغفرة والرحمة على الأشياء يكون كل شيء نافعا في غيره خيرا مطلوبا عنده فيصير نعمة بالنسبة إليه فالأشياء بعضها نعمة لبعض فللنعمة الإلهية من السعة والعرض ما لمغفرته ورحمته من ذلك: فإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، فافهم ذلك.

والآية من الموارد التي استعملت فيها المغفرة في غير الذنب والمعصية للأمر المولوي هو المعروف عند المتشرعة.

وقوله:{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} إشارة إلى الركن الثالث من أركان الربوبية وهو العلم فإن الإله لوكان غير متصف بالعلم استوت العبادة واللاعبادة بالنسبة إليه فكانت عبادته لغوا لا أثر لها.

فمن الواجب في الرب المعبود أن يكون له علم ولا كل علم، كيفما كان بل العلم بظاهر من يعبده وباطنه فإن العبادة متقومة بالنية فهي إنما تقع عبادة حقيقة إذا أتي بها عن نية صالحة وهو مما يرجع إلى الضمير فلا يتم العلم بكون صورة العبادة واجدة لحقيقة معناها إلا بعد إحاطة المعبود بظاهر من يعبده وباطنه لكن الله سبحانه عليم بما يسره الإنسان وما يعلنه كما أنه خالق منعم ويستحق بذلك أن يعبد.

ومن هنا يظهر وجه اختيار ما في الآية من التعبير لبيان علمه فلم يعبر بمثل قوله:{عالم الغيب والشهادة} وقوله:{والله بكل شيء عليم} بل قال:{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} فذكر العلم بالإسرار والإعلان، وأضافه إلى الإنسان لأن الكلام في عبادة الإنسان لربه، والواجب في العلم بالعبادة المرتبطة بعمل الجوارح والقلب جميعا أن يكون عالما بما يسره الإنسان وما يعلنه من النية القلبية والأحوال والحركات البدنية.

__________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص175-180.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وفي الآية التالية يعود إِلى الجانب المادي بما يثير حسّ الشكر للمنعم عند الناس، ويوقد نار عشق اللّه في قلوبهم بدعوتهم للتقرب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق، فيقول: { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ } ماء فيه سبب الحياة، وزلالا شفافاً خال من أيِّ تلوّث { لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ}، وتخرج به النباتات والأشجار فترعى أنعامكم { وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ }.

«تسيمون»: (من مادة الإِسامة) بمعنى رعي الحيوانات، وكما هو معلوم فإِنّ الحيوانات تستفيد من النباتات الأرضية وورق الأشجار، و «الشجر» لغةً: ذو معنى واسع يشمل إِطلاقه الأشجار وغيرها من النباتات.

وممّا لا شك فيه أيضاً أنّ ماء المطر لا تقتصر فائدته لشرب الإِنسان وإِرواء النباتات، بل ومن فوائده أيضاً: تطهير الأرض، تصفية الهواء، إِيجاد الرطوبة اللازمة لطراوة جلد الإِنسان وتنفسه براحة، وما شابه ذلك.. فالمذكور من فوائده في هذه الآية لا حصراً وإِنّما من باب الأهم.

فيكمل الموضوع بقوله: { يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ }.

ولا شك أنّ خلق هذه الثمار المتنوعة وكل ما هو موجود من المحاصيل الزراعية لآية للمتفكرين { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }.

«الزرع»: يشمل كل مزروع و «الزيتون» اسم لشجرة معروفة واسم لثمرها أيضاً.

إِلاّ أن بعض المفسّرين يذهبون إِلى أنّ «الزيتون» هو اسم الشجرة فقط، واسم ثمرتها «زيتونة». في حين أنّ الآية الخامسة والثلاثين من سورة النّور تطلق كلمة «الزيتونة» على الشجرة.

و«النخيل» تستعمل للمفرد والجمع... و«الأعناب» جمع أعنبة، وهي ثمرّة معروفة.

وهنا يرد سؤال وهو: لماذا اختار القرآن ذكر هذه الثمار دون غيرها (الزيتون، التمر، العنب)؟ ستقرأ توضيح ذلك في البحوث التّفسيرية لهذه الآيات إِن شاء اللّه.

ثمّ يشير إِلى نعمة تسخير الموجودات المختلفة في العالم للإِنسان بقوله: { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } على عظمة وقدرة اللّه وعظمة ما خلق.

قلنا في تفسيرنا لآيات سورتي الرعد وإِبراهيم، أنّ المفهوم الواقعي لتسخير الموجودات للإِنسان أنْ تكون في منفعته، ويكون ذلك من شأنها ووظيفتها مع تمكين الإِنسان من الإِستفادة منها.

فكل من الشمس والقمر والليل والنهار والنجوم له نوع وأثر خاص في حياة الإِنسان، وما أجمل عبارة (تسخير الموجودات للإنسان بأمر اللّه) فبالإضافة لما تظهره من شرف ورفعة شخصية الإنسان بنظر الإِسلام والقرآن، وإِعطائه من الجلال ما يجعله مؤهلا لمقام خليفة اللّه، فهي تذكرة للإِنسان بأن لا يغفل عمّا أنعم اللّه عليه، وباعثة فيه شعور لزوم الشكر للّه تعالى من خلال ما يلمس ويرى، عسى أن يتقرب لحالقه فينال حسن مآبه.

ولهذا يقول تعالى في ذيل الآية: {إِنّ في ذلك لآيات لقوم يعقلون}.

راجع تفسيرنا للآيتين (32 و 33) من سورة إِبراهيم للإِستزادة في معرفة أسرار التسخير المذكور.

وإِضافة لكل ما تقدم { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ } من مخلوقات سخرها لكم { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } من الأغطية والملابس والأغذية والزوجات العفيفات ووسائل الترفيه، حتى أنواع المعادن وكنوز الأرض وسائر النعم الأُخرى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }.

نعمة الجبال والبحار والنجوم:

تبيّن هذه الآيات قسماً آخر من النعم الإِلهية غير المحدودة التي تفضل بها اللّه عزَّوجلّ على الإِنسان، فيبدأ القرآن الكريم بذكر البحار، المنبع الحيوي للحياة، فيقول: { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ }.

وكما هو معلوم أنّ البحار تشكل القسم الأكبر من سطح الكرة الأرضية، وأن الماء أساس الحياة، ولا زالت البحار باعتبارها المنبع المهم في إِدامة الحياة البشرية وحياة جميع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية.

فما أكبرها من نعمة حين جعلت البحار في خدمة الإِنسان...

ثمّ يشير الباري سبحانه إِلى ثلاثة أنواع من منافع البحار: { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } فقد جعل اللّه في البحار لحماً ليتناوله الإِنسان من غير أن يبذل أدنى جهد في تربية، بل أوجدته ونمّته يد القدرة الإِلهية، وقد خصه بالطراوة، فمع الأخذ بنظر الإِعتبار أنّ اللحوم غير الطازجة متوفرة في ذلك الزمان وفي هذا الزمان على السّواء ندرك جيداً أهمية هذه النعمة، وفي ذلك إشارة أيضاً الى أهمية اللحوم الطازجة.

ومع ما شهدته الحياة البشرية من التقدم والتمدن المدني في كافّة أصعدة الحياة لا زال البحر أحد المصادر الرئيسية للتغذية، ويصاد سنوياً مئات الآلاف من الأطنان من الأسماك الطرية التي أوجدتها ورعتها يد اللطف الإِلهية لأجل الإِنسان.

ونجد أنظار العلماء متجهة صوب البحار في قبال ما سيهدد البشرية من خطر نقص المواد الغذائية في المستقبل جراء الزيادة السكانية الهائلة، آملين خيراً بأنّ البحار ستسد مقداراً ملحوظاً من ذلك النقص، بواسطة تربية وتكثير أنواع الأسماك.

ومن جهة أُخرى وضعوا عدّة مقررات لمنع تلوّث مياه البحار للحد من تلف نسل الحيوانات البحرية، وكل ذلك يوضح ما في الآية المذكورة من مسائل علمية طرحت على البشرية قبل أربعة عشر قرناً.

ومن فوائد البحار أيضاً تلك المواد التجميلية المستخرجة من قاعه: { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا }.

الحس الجمالي من الأُمور الفطرية التي فطر الإِنسان عليها وهو الباعث على إِثارة الشعر والفن الأصيل وما شاكلها عنده.

وبلا شك، يلعب هذا البعد دوراً مهمّاً في حياة البشر، وينبغي العمل على إِشباعه بشكل صحيح وسالم بعيداً عن أي نوع من الإِفراط والتفريط..

فلا فرق بالنتيجة بين مَنْ غرق في عبادة التجميل والزينة، وبين مَنْ أهملها وعاش حالة الجفاف الجمالي، لأنّ الأوّل مارس الإِفراط الباعث على تلف رأسماله وبات سبباً في إِيجاد الفواصل الطبقية المصاحب لقتل كل ما يمت للمعنويات بصلة، والثّاني مارس التفريط الباعث على الخمود والركود. فالإِثنان معاً عملا بما لا ينبغي أن يعمله أيْ إِنسان ذو فطرة سليمة بكافة أبعادها.

ولهذا أوصى الإِسلام كثيراً بالتزين المعقول الخالي من أيْ إِسراف مثل: لبس اللباس الجيد، التطيب بالعطور، استعمال الأحجار الكريمة...الخ.

ثمّ يتطرق القرآن إِلى الفائدة الثّالثة في البحار: حركة السفن على سطح مياهها، كوسيلة مهمّة لتنقل الإِنسان ونقل ما يحتاجه، فيقول: { وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ }، وما أجمل ما تقع عليه أنظار راكبي السفينة حين حركتها على سطح البحار والمحيطات.

وأعطاكم اللّه هذه النعمة لتستفيدوا منها في التجارة أيضاً { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ }(2).

وبعد ذكر هذه النعم التي تستلزم من الإِنسان العاقل أن يشكر واهبها، يأتي في ذيل الآية: { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

«الفلك»: أيْ السفينة، وتأتي بصيغتي المفرد والجمع.

«مواخر» جمع «ماخرة» (من مادة مخر) على وزن (فخر) بمعنى شق الماء يميناً وشمالا، وتطلق على صوت الرياح الشديد أيضاً، وباعتبار السفن عند حركتها تشق الماء بمقدمتها فيطلق عليها اسم (الماخر) أو الماخرة.

ونتساءل: مَنْ الذي أعطى المواد التي تصنع منها السفن خاصية الطفو على سطح الماء؟

فالسفينة بما تحمل أثقل من الماء بكثير، ولو لم تكن تلك القوّة الدافعة للماء، هل بإِمكاننا العوم على سطح المياه؟

ومَنْ الذي يحرك الرياح على سطح البحر؟

بل مَنْ أعطى البخار القوّة لتحريك السفينة في مسيرها على سطح الماء؟

أوَ ليس ذلك كله من نعم اللّه تعالى؟

وممّا يكشف عن عظم نعمة البحار أنّها: أوسع بكثير من الطرق البرية، أقلّ كلفة، أكثر أهليةً للحركة، أعظم وسيلة نقلية للبشر، وذلك بملاحظة كبر السفن المستخدمة في النقل وضخامة ما تحمله.

ثمّ يأتي الحديث عن الجبال بعد عرض فوائد البحار: { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ }(3).

كما قلنا سابقاً فإِنّ الجبال متصلة من جذورها وتقوم بتثبيت الإرض ممّا يجعلها مانعاً حصيناً من الزلازل الأرضية الشديدة الناشئة من الغازات الكامنة في باطن الأرض والمهددة بالخروج في أية لحظة على شكل زلزال.

إِضافة لخاصية الجبال في مد القشرة الأرضية بالمقاومة اللازمة أمام جاذبية القمر (التي تسبب ظاهرة المد والجزر) ويقلل من أثرها إِلى حد كبير.

وللجبال من جانب ثالث القدرة على تقليل شدة حركة الرياح وتوجيه حركتها، ولو لم تكن الجبال لكن سطح الأرض عرضة للعواصف الشديدة المستمرة.

ثمّ يتطرق القرآن الكريم مباشرة إِلى نعمة الأنهار، لما بين الجبال والأنهار من علاقة وثيقة حيث تعتبر الجبال المخازن الأصلية للمياه، فيقول: {وأنهاراً}.

ثمّ يقطع القرآن الكريم الوهم الحاصل عند البعض من أن الجبال حاجز بين ارتباط الأراضي فيما بينها بالإِضافة لكونها مانعاً رهيباً أمام حركة النقل، فيقول { وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(4).

وهذه المسألة ملفتة للنظر حقاً، حيث نجد طرق عبور يستطيع أن يتخذها الإِنسان سبيلا لتنقلاته بين أكبر السلاسل الجبلية وعورة في العالم، وقليلا ما يكون هناك قطع كامل بين المناطق بسبب الجبال.

ثمّ يضيف قائلا: (وعلامات) لأنّ الطريق لوحدها لا يمكنها أن توصل الإِنسان لمقصده دون وجود علامات فارقة ومميزات شاخصة يستهدي بها الإِنسان لسلك ما يوصله لمأربه، ولذا ذكر هذه النعمة.

ومن تلك العلامات: شكل الجبال، الأودية، الممرات، الإِرتفاع والإِنخفاض، لون الأرض والجبال وحتى طبيعة حركة الهواء.

ولمعرفة ما لوجود هذه العلامات من أهمية، يكفينا أن نلقي نظرة إِلى حال الصحاري الواسعة ذات الصفة الواحدة الموجودة في بعض مناطق العالم، حيث عملية التنقل فيها أمر صعب مستصعب إِلى حد كبير، إِضافة لخطورته الكبيرة، وكم هناك من مسافر دخل فيها ولم يعد...

فلو كان سطح الأرض كله على شاكلة الصحاري، كأن تكون الجبال كلها بشكل وحجم واحد، وحقولها بلون واحد، وأوديتها متشابهة تماماً.. فهل كان من اليسير على الإِنسان أن يسير عليها؟!

وأمّا في حال عدم تشخيص هذه العلامات بسبب ظلمة الليل في أيّ من سفر البر أو البحر، فقد جعل اللّه تعالى علامات في السماء تعوض عن علامات الأرض في تلك الحال: { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.

بطبيعة الحال فهذه إِحدى الفوائد الجمة للنجوم، ولو لم يكن لها سوى هذه الفائدة لكان كافياً لوجودها، خصوصاً في زمن لا أسطرلاب فيه ولا مؤشرات قطبية تعين السفن في تحديد مسيرها وفق خرائط أعدت لذلك الغرض، وقديماً كانت الرحلات تتوقف إِذا ما غطيت السماء بالسُّحب وتلبدت بالغيوم، ومَنْ يجرؤ على تكملة السفر فسيواجه خطر الموت.

وكما هو معلوم اليوم، فإنّ النجوم التي تبدو لنا متحركة في السماء عبارة عن خمسة كواكب، ويطلق عليها اسم السيارات، والسيارات أكثر من خمسة، إِلاّ أنّ البقية لا يمكن تشخيصها بالعين المجرّدة بسهولة، أمّا بقية النجوم فإِنّها تحتفظ بمكانها النسبي، وكأنّها لآليء خيطت على قطعة قماش أسود، وهذه القطعة كأنّها تسحب من إِحدي جهاتها فتتحرك بكاملها.

وبعبارة أُخرى: إِنّ حركة النجوم الثوابت جمعية، وحركة السيارات إنفرادية، حيث تتغير المسافات بينها وبين الثوابت باستمرار.

إِضافة لذلك، فالنجوم الثوابت تشكل فيما بينها أشكالا معينة تعرف بـ (الصور الفلكية) ولها الأثر الكبير في معرفة الإِتجاهات الأربعة (الشمال، الجنوب، الشرق، والغرب).

وبعد أن بيّن القرآن كل هذه النعم الجليلة والألطاف الإِلهية الخفية، راح يدعو الوجدان الإِنساني للحكم في ذلك { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }؟!

وكما اعتدنا عليه من القرآن في أُسلوبه التربوي الهادف المؤثر، فقد طرح مسألة المحاججة بصيغة سؤال يترك الجواب عنه في عهدة الوجدان الحي للإِنسان، مستعيناً بتحريك الإِحساس الباطني ليجيب من أعماق روحه، ولينشد عشقاً بخالقه.

والثابت في الواقع النفسي للإِنسان، أن التعليم والتربية السليمة يستلزمان بذل أقصى سعي ممكن لإِقناع المقابل بقبول ما يوجه إِليه عن قناعة ذاتية، أي ينبغي إِشعاره بأن ما يعطى إليه ما هو في حقيقته إلاّ انبعاث من داخله وليس فرضاً عليه من الخارج ليتقبلها بكل وجوده ويتبناها ويدافع عنها.

ونجد من الضرورة إعادة ما قلناه سابقاً من أن المشركين الذين كانوا يسجدون للأصنام كانوا يعتقدون أنّ اللّه عزَّوجلّ هو الخالق، ولهذا يتساءل القرآن الكريم.. مَنْ أحقُ بالسجود.. خالق كل شيء أم المخلوق؟!

وفي نهاية المطاف، يفند الباري سبحانه مسألة حصر النعم الإِلهية بما ذكر، بقوله: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }.

إِنّكم غارقون في النعم الإِلهية وفي كل نفس يصعد وينزل آلاف النعم (ولكل نعمة شكر واجب).

إِنّ كل دقيقة تمر من عمرنا نكون فيها مدينين لفعاليات ملايين الموجودات الحيّة في داخل بدننا وملايين الموجودات الحية وغير الحية في خارجه، والتي لا يمكننا أن نحيا ولو للحظة واحدة بدونها.

ولكنّ ضبابية الغفلة حالت دون معرفتنا لهذه النعم الجمة التي كلّما خطا العلم الحديث خطوة إِلى الأمام اتّضحت لنا أبعاد واسعة وانفتحت لنا آفاقاً جديدة في معرفة النعم الإِلهية، وكل ما ندركه في هذا المجال قليل جدّاً ممّا قدّره الباري لنا، فهل بإمكان المحدود أن يعد ما أعطاه المطلق؟!

ونواجه في هذا المقام سؤالا وإستفساراً: كيف إِذَنْ نؤدي حق الشكر للّه؟ و.. ألسنا مع ما نحن فيه زمرّة الجاحدين؟

وقوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } خير جواب لما واجهنا به.

نعم، فهو سبحانه أرحم وأرأف من أن يؤاخذنا على عدم الإِستطاعة في أداء أتمّ الشكر على نعمه.

ويكفينا من لطفه تعالى بأن يحسبنا من الشاكرين في حال اعتذرنا له واعترافنا بالعجز عن أداء حق الشكر الكامل.

ولكن هذا لا يمنع من أن نتتبع ونحصي النعم الرّبانية بقدر المستطاع، لأنّ ذلك يزيدنا معرفة للّه، وعلماً بعالم الخليقة، وآفاق التوحيد الرحبة، كما يزيد من حرارة عشقه سبحانه في أعماق قلوبنا، وكذا يحرك فينا الشعور المتحسس بضرورة ووجوب شكر المنعم جل وعلا.

ولهذا نجد أنّ الأئمّة(عليهم السلام) يتطرقون في أقوالهم وأدعيتم ومناجاتهم إِلى النعم الإِلهية ويعدون جوانب منها، عبادةً للّه وتذكيراً ودرساً للآخرين.

(وقد تناولنا مسألة شكر النعمة وعدم قدرة الإِنسان على إِحصاء النعم الإِلهية عند بحث الآية الرّابعة والثلاثين من سورة إِبراهيم).

آلهة لا تشعر!

تناولت الآيات السابقة ذكر صفتين ربانيتين لا تنطبق أية منها على الأصنام وسائر المعبودات الأُخرى غير اللّه تعالى وهما: (خلق الموجودات، إِعطاء النعم)، أمّا الآية الأُولى أعلاه فتشير إِلى الصفة الثّالثة للمعبود الحقيقي (وهي العلم)، فتقول: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }.

فلماذا تسجدون للأصنام التي لم تكن هي الخالقة لكم، ولم تمنّ عليكم بأيةِ نعمة، ولا تعرف عن علنكم شيئاً مضافاً الى سرّكم؟!

فهل يصح عبادة مَنْ لا يمتلك مستلزمات المعبود؟!

_____________

1-تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص21-35.

2- ابتدأت عبارة (ولتبتغوا من فضله) بواو العطف بما يستوجب تقدم المعطوف وهو هنا مقدراً، تقديره «لتنتفعوا بها ولتبتغوا من فضله».

3- (أن تميد بكم) على تقدير (لئلا تميد بكم) أو (كراهة أنْ تميد بكم).

4 ـ تعتبر هذه الآية إحدى المعجزات العلمية للقرآن الكريم، حيث ذكرت هذا الأمر وبما يحمل من ظواهر علمية في زمن لم يصل الإِنسان لا كتشافه بعد.

ولأجل مزيد من التوضيح راجع كتابنا (القرآن وآخر نبي) ـ فصل المعجزات العلمية للقرآن.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



موكب أهالي كربلاء يهدي ممثل المرجعية العليا درعا تثمينا للمساهمات الفاعلة والمساندة لإنجاح الفعاليات التي يقيمها خلال المناسبات الدينية
مراحل متقدمة من الإنجاز يشهدها مشروع مركز الشلل الدماغي في بابل
الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة: يجب الاهتمام بالباحثين عن العمل ومنحهم الفرص المناسبة عبر الاهتمام بقدراتهم ومؤهلاتهم وإبداعاتهم
يمتد على مساحة (500) دونم ويستهدف توليد الطاقة الكهربائية.. العتبة الحسينية تعلن عن الشروع بإنشاء مشروع معمل لتدوير النفايات في كربلاء