أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
![]()
التاريخ: 31-8-2016
![]()
التاريخ: 1-9-2016
![]()
التاريخ: 29-8-2016
![]() |
«فصل» المعروف ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة، فقولنا: إن جاءك زيد فأكرمه، مشتمل على كيفيّة خاصّة مستلزمة لقضيّة سالبة هي قولنا: إن لم يجئك فلا يجب إكرامه، ومرجع هذا القول إلى دعوى الظهور الوضعي أو العرفي الثانوي أو الظهور المستند إلى مقدّمات، مثل ظهور الأمر في الطلب التعييني بمعونة احتياج غيره إلى المئونة الزائدة، لا مثل الظهور المستند إلى مقدّمات الحكمة في المطلقات؛ لانفكاكه عن اللفظ في مورد عدم ثبوت تلك المقدّمات، والمدّعى في المقام هو الظهور الغير القابل للانفكاك من اللفظ، فلا بدّ أن يكون مستندا إلى مقدّمات غير منفكّة عنه، نظير ما قلنا في كلمة «كلّ» من كونها قرينة على إرادة الإطلاق من مدخولها.
وليعلم أوّلا أنّه لا نزاع في الحكم الشخصي بمعنى أنّ انتفائه عند انتفاء موضوعه عقلي لا يقبل النزاع، فإذا قيل: إذا جاء زيد فأكرمه فعند عدم تحقّق المجيء عدم تحقّق وجوب الإكرام المسبّب عن المجيء عقليّ، وبالجملة، فانتفاء الموضوع الشخصي موجب لانتفاء الحكم الشخصي المتعلّق بذاك الموضوع عقلا، وانّما النزاع في انتفاء سنخ الحكم المذكور في القضيّة الشرطيّة أو الوصفيّة عند انتفاء الموضوع، كأن يكون انتفاء المجيء في قولنا: إذا جاء زيد فأكرمه أو العلم في قولنا: أكرم زيد العالم موجبا لانتفاء وجوب الإكرام رأسا، ولو كان مسبّبا من جهة اخرى فلو احتملنا حينئذ وجوبه مستندا إلى جهة اخرى ككونه محسنا أو مسنّا أو نحوهما كان هذا الاحتمال مدفوعا بمقتضى ظاهر القضيّة.
فنقول: هنا أشياء يمكن القطع بظهور القضيّة الشرطيّة في بعضها ولا يمكن في بعض آخر، فمجرّد المقارنة الاتّفاقيّة بين شيئين لا يرتبط أحدهما بالآخر بجهة من الجهات أصلا يمكن دعوى الجزم بعدم كونها معنى القضيّة المذكورة ولو استعملت فيها أحيانا كما لو قيل: إن أكلت في اليوم طعاما فأنت تموت في آخر عمرك إمّا في الليل أو النهار فمحمول على الهزل والمزاح.
وبالجملة، فمجرّد المقارنة الاتفاقيّة بين مثل الثلج والباب غير محقّق لمعنى «إن» وأمثالها، بل يمكن الترقّي من هذا والقول بعدم كفاية مجرّد التلازم أيضا، فالمعلولان لعلّة ثالثة وإن كان بينهما ربط لكونهما متلازمين في الوجود ويصحّ استعمال القضيّة فيهما، إلّا أنّ التلازم بهذا النحو خلاف الظاهر الأوّلي للقضيّة، بل الظاهر الأوّلي منها هو التلازم بنحو ترتّب الثاني على الأوّل وكونه في طوله لا في عرضه، وكذا الكلام فيما إذا كان في البين ترتّب لكن على العكس، بأن كان الأوّل معلولا للثاني ومترتّبا عليه.
فتحصّل أنّ المستفاد من القضيّة الشرطية شيئان، أحدهما اللزوم في قبال مجرّد المقارنة الاتفاقيّة، والثاني ترتّب الجزاء على الشرط في قبال عدم الترتّب رأسا وترتّب الأوّل على الثاني، كما يشهد به صحّة إتيان «الفاء» في صدر الجزاء.
وهنا دعويان اخريان:
إحداهما: دعوى العليّة التامّة المستقلّة لتالي «إن» وأمثالها بالنسبة إلى الجزاء، وهذه الدعوى إنّما هي مثمرة لباب الأسباب بتقريب نقلناه هناك عن الشيخ الجليل المرتضى قدّس سرّه وقد مرّ دفعهما هناك أيضا بأنّا لا نفهم من كلمة «إن» ونحوها إلّا مجرّد أنّه متى وجد الشرط وجد الجزاء عقيبه، نعم لا بدّ أن لا يكونا غير مرتبطين أصلا بل يستفاد أنّ بينهما ربطا ما بنحو ترتّب الثاني على الأوّل أعمّ من العليّة الناقصة والتامّة، وفرّعنا على هذا أنّه لو تحقّق أسباب شرعيّة متعدّدة على التعاقب أو دفعة يكفي وجود مسبّب واحد عقيبها؛ إذ بصدق عليه أنّه مرتّب على هذا وذاك وأنّ هذا وذاك مؤثران فيه على وجه الشركة، وليس على الزائد من هذا المقدار دليل إلّا في صورة التخلّل.
والثانية: دعوى الانحصار، والقول بالمفهوم فيما نحن فيه مبنيّ على هذه الدعوى فقط؛ ضرورة أنّه كما يصحّ أخذ المفهوم في صورة كون الشرط علّة تامّة منحصرة، كذلك يصحّ في صورة كونه جزاء أخيرا للعلّة المنحصرة، فالمهمّ في المقام إنّما هو إثبات ذلك، وأقوى ما يدلّ عليه- لو كان- هو حكم الوجدان بتقريب أنّ من المسلّم فيما بينهم دلالة كلمة «لو» على امتناع الجزاء لأجل دلالتها على امتناع الشرط، ولا شبهة في أنّ انتفاء الشرط إنّما يوجب انتفاء الجزاء لو كان السبب منحصرا فيه، ضرورة أنّه لو لم يكن منحصرا فيه أمكن قيام سبب آخر مقامه، فلا يدلّ انتفائه على امتناع الجزاء، فدلالة هذه الكلمة على امتناع الجزاء لو سلّمنا كما يتوقّف على دلالتها على امتناع الشرط كذلك يتوقّف على دلالة اخرى لها على انحصار السبب فيه، ثمّ بعد ذلك نقول: لا فرق بين هذه الكلمة وبين كلمتي «إن» و«إذا» إلّا في مجرد دلالة الاولى على امتناع وقوع الشرط، والثانية على احتمال وقوعه وعدم وقوعه، والثالثة على تحقّق وقوعه، وفي غير هذه الجهة لا فرق بينها حتى في الدلالة على الانحصار بحكم الوجدان، ولكن لم يحصل لنا الجزم بذلك إلى الآن في غير كلمة «لو».
وبعبارة اخرى: إنّا نفهم من قول القائل: إذا جاء زيد فأكرمه، أنّ السبب الموجب للإكرام غير موجود في نفس زيد، وأنّه أمر خارجيّ، وأنّ وجود المجيء سبب له، وأمّا أنّه لو لم يتحقّق المجيء وتحقّق شيء آخر احتملنا كونه سببا لوجوب إكرامه أيضا، فهذه القضيّة متعرّضة لنفي هذا الاحتمال، فلم يحصل الجزم به إلى الآن.
ثمّ إنّه ربّما يستدل للانحصار بوجوه آخر ضعيفة.
منها: أنّه لا شكّ في دلالة أداة الشرط على اللزوم كما مرّ وله أنحاء أكملها اللزوم الثابت بين العلّة المنحصرة ومعلولها، والمطلق منصرف إلى الفرد الأكمل عند الإطلاق.
وفيه أوّلا: أنّ مجرّد عدم وجود الشريك في التأثير لا يوجب أكمليّة المؤثّر، مثلا لو فرض كون شخص واجدا لمرتبة خاصّة من صناعة فلا يعقل حدوث تفاوت في حاله بوجود الشريك له في تلك المرتبة وعدمه، فلا يحدث بالأوّل نقصان لهذا الشخص ولا بالثاني كمال له، نعم عدم الشريك موجب للكمال فيما إذا كان وجوده موجبا للنقص كما في الشركة في مالكيّة الدار، ومن الواضح أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.
وثانيا أنّ الأكمليّة على فرض تسليمها لا يوجب الانصراف وإنّما المنشأ للانصراف هو الانس الذهني للفظ بالمعنى الناشئ من شيوع الاستعمال أو المناسبة؛ ولهذا لا ينصرف لفظ الإنسان إلى أكمل أفراده.
فإن قلت: سلّمنا منع الانصراف لنفس اللفظ، ولكن يمكن بضمّ مقدّمات الحكمة حمل مطلق التعليق واللزوم المستفاد من الأداة على خصوص التعليق على العلّة المنحصرة كما يحمل مطلق الوجوب على الوجوب النفسي بضمّها.
قلت: ربّما يجاب عن هذا بأنّ التمسّك بتلك المقدّمات فرع إمكان جريانها وليس بممكن، لكونه منافيا لكون التعليق معنى الحرف، وفيه أنّ هذا إنّما يتمّ على القول بجزئيّة معنى الحرف؛ إذ الأخذ بتلك المقدّمات إنّما يصحّ فيما إذا كان في البين جامع حتى يحكم بتعيينه في فرد خاص بضمّها، وأمّا الجزئي الحقيقي فليس إلّا نفسه، وأمّا على القول بكونه كلّيا كما هو مذاق هذا القائل فحاله حال سائر الكليّات، فكما يمكن في سائر الكليّات تعيينها في فرد خاص بمقتضى الانصراف أو بضمّ تلك المقدّمات فكذا فيه بلا فرق، ومسألة عدم استقلال معنى الحرف باللحاظ غير مضرّة، وبيانه أنّه لا إشكال في احتياج الواضع في وضع الحرف إلى ملاحظة الإجمال المنتزع من المعنى الذي هو حالة للغير، مثلا في وضع «من» يحتاج إلى ملاحظة الابتداء الملحوظ حالة للغير وهذا الإجمال يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي أنّه مستقلّ باللحاظ ومعنى اسميّ، وبالحمل الذاتي أنّه غير مستقلّ فيه ومعنى حرفي، وهو إجمال وعنوان تفصيله ومعنونه نفس المعنى الحرفي، والوضع إنّما يكون بإزاء واقعه ونفس معنونه.
فنقول: حال المستعمل في ذلك حال الواضع بعينه؛ ضرورة أنّ مستعمل الحرف يلتفت إلى أنّه يستعمله في ما ذا، والفرض أنّ الالتفات التفصيلى يخرج المعنى عن كونه حرفيا، فلا بدّ أن يتعلّق لحاظه والتفاته إلى عين ما تعلّق به لحاظ الواضع وهو المعنى الاسمي الذي هو عنوان للمعنى الحرفي، لا بمعنى أنّه يحتاج في مقام الاستعمال إلى لحاظين: لحاظ العنوان ولحاظ المعنون، بل يكفي لحاظ العنوان وحده، ويصير الحرف مستعملا في نفس المعنون قهرا، فلو كان لهذا المعنى الاسمي الملحوظ منصرف إليه أو أمكن تعيينه في فرد خاص بضميمة المقدّمات يسري ذلك إلى معنى الحرف قهرا.
ولهذا يرى أنّه مع صحّة استعمال كلمة «في» في ربط اللباس باللابس كما يقال:
الصلاة في لباس كذا حكمه كذا، وصحّة استعمالها في ربط المحمول بالحامل كما يقال:
الصلاة في محمول كذا حكمه كذا، لو قيل: الصلاة في الشيء النجس باطلة، يحمل على اللباس دون المحمول؛ لتحقّق الظرفيّة على وجه الحقيقة في الأوّل دون الثاني، هذا مع أنّ كلام المجيب منقوض بما اعترف هو به من حمل معنى هيئة الأمر- وهو الوجوب المطلق- على الوجوب النفسي بمقدّمات الحكمة مع كونه معنى حرفيّا.
فالحقّ في الجواب أن يقال: إنّ فائدة تلك المقدّمات تعيين المطلق في الفرد الأخفّ مئونة، مثلا الوجوب التعييني يتحقّق بمجرّد جعل الوجوب متعلّقا بموضوع وإبقائه بحاله من دون ضمّ عدل إلى هذا الموضوع، بخلاف التخييري فإنّه يحتاج مع ذلك إلى ضمّ العدل، فلو قال: أكرم زيدا وسكت عن قوله: أو عمروا- مثلا- يستكشف من عدم ذكر هذا مع كونه بصدد البيان أنّ مراده جعل الوجوب على نحو التعيين دون التخيير؛ إذ لو لم يرد أحد النحوين لأراد المهملة وهو خلف؛ إذ المفروض كونه في مقام البيان، ولو أراد التخييري لذكر العدل، والمفروض عدم ذكره، فتعيّن أن يكون المراد هو التعييني.
وكذا الوجوب النفسي يتحقّق بمجرّد تصوّر نفس الموضوع مع إيجابه، ولا يحتاج إلى أزيد من ذاك، بخلاف الغيري فإنّه يحتاج إلى ثلاثة تصورات: تصوّر نفس الموضوع، وتصوّر إيجابه، وتصوّر وجوب آخر، فلو قال: انصب السلّم يستكشف بمقدّمات الحكمة أنّه لم يوجد في نفس القائل سوى التصوّران الأوّلان؛ إذ لو وجد التصوّر الأخير أيضا لقيّد بقوله: للكون على السطح.
وأمّا ما في الكفاية من تقرير أخفيّة مئونة النفسي من الغيري بأنّ النفسي واجب على كلّ حال والغيري واجب على تقدير دون تقدير، ففي غير محلّه؛ إذ الغيري أيضا واجب على كلّ حال، هذا.
بل وكذا حال الوجوب بالنسبة إلى الندب، فيمكن أن يقال بأنّ هيئة الأمر عند القائل بوضعها لمطلق الطلب محمولة على الوجوب بمقدّمات الحكمة؛ فإنّ الوجوب وإن كان أشدّ مئونة على الفاعل من الندب إلّا أنّه أخفّ مئونة منه في إنشاء المنشئ، بمعنى أنّ الإرادة المتوجّهة نحو الفعل بنفسها مقتضية للإيجاد وطاردة للعدم، فبمجرّد إنشاء الإرادة نحو الفعل يتحقّق الوجوب من دون حاجة إلى ضمّ إنشاء آخر، بخلاف الندب، فإنّه يحتاج إلى إنشاء الإذن في الترك في جنب الإرادة التشريعيّة.
ومن هنا انقدح أنّ الفرق بينهما ليس بالشدّة والضعف؛ ولهذا لا يتّصف بهما الإرادة الفاعليّة؛ إذ لا يعقل أن يرى الفاعل نفسه مخيّرا بين الفعل والترك ومع ذلك كان واجدا للإرادة، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل، بمعنى أنّ تعليق حكم على موضوع وتأثير موضوع في حكم لا يتفاوت حاله بوجود سبب آخر لهذا الحكم وعدمه، ولا يصير أخفّ مئونة في الصورة الثانية منه في الصورة الاولى، بل حاله في الصورتين على السواء، فهو في كليهما محتاج إلى القرينة، فقياس ما نحن فيه وهو نفس التعليق واللزوم المستفاد من الأداة على ما ذكر من الوجوب النفسي قياس مع الفارق.
ومنها: التمسّك بإطلاق التعليق على شيء خاص، لا بإطلاق نفس التعليق، بتقريب أنّ قول القائل: إن جاءك زيد فأكرمه، معناه أنّ وجوب الإكرام معلّق على المجيء ومسبّب عنه مطلقا سواء سبقه شيء أو قارنه أم لا، وهذا الإطلاق ملازم للحصر؛ إذ لو كان في البين سبب آخر وسبق المجيء لم يستند وجوب الإكرام إلى المجيء، أو قارنه لم يستند إلّا إلى المجموع.
وجوابه مضافا إلى احتياجه كسابقه ولا حقه إلى مقدّمات الحكمة- وهي غير جارية على وجه الكليّة- أنّ التمسّك بهذا الإطلاق غير منتج؛ إذ لنا أن نأخذ به مع عدم كونه ملازما للحصر ومنافيا للتعدّد؛ إذ لو قلنا بتعدّد المسبّبات عند تعدّد الأسباب فكلّ سبب يقتضي مسبّبا مستقلا من دون أن يرتبط مسبّب هذا بذاك ولا مسبّب ذاك بهذا، فيكون الإطلاق صحيحا على أىّ حال.
وأمّا لو قلنا بوحدة المسبّب وعدم قبوله للتكرار فكذلك على القول بكون المسبّب هو الوجوب؛ إذ كلّ سبب يقتضي وجوبا مستقلا، غاية الأمر صيرورة الوجوبات وجوبا واحدا متأكّدا، وعلى القول بكونه هو الوجود أيضا يبتنى صحّة التمسّك بالإطلاق المذكور على القول بظهور القضية الشرطيّة في السببيّة المستقلّة؛ إذ على هذا ينتفي وصف الاستقلال عند سبق سبب آخر أو مقارنته.
وأمّا على ما اخترناه من عدم ظهور القضيّة في ذلك فلا؛ لإمكان حفظ الإطلاق على كلّ حال أيضا، وذلك لثبوت أصل السببيّة في صورتي السبق والمقارنة، غاية الأمر كونها على نحو الشركة.
فتحصّل أنّ التمسّك بهذا الإطلاق لإثبات الحصر مبنيّ على ثلاث مقدّمات كلّها قابلة للمنع: كون المسبّب غير قابل للتكرار، وكونه هو الوجود، وكون الظاهر من القضيّة الشرطيّة هو السببيّة المستقلّة.
ومنها: التمسّك بإطلاق نفس الشرط بتقريب أنّه لو لم يكن السبب منحصرا بل كان أحد الأمرين احتاج إلى ذكر العدل، بخلاف ما إذا كان منحصرا، فإنّه لا يحتاج إلى سوى ذكر السبب الواحد، فإذا قال: إن جاءك زيد فأكرمه ولم يقل:
أو أحسن إليك عقيب قوله: إن جاءك مثلا مع كونه بصدد البيان، كان هذا دليلا على الانحصار والتعيّن، كما يحمل الوجوب على التعييني بقرينة عدم ذكر العدل.
وفيه أنّ الغالب في القضيّة الشرطيّة كون وجه الكلام إلى أنّ حكما كذا مرتّب على موضوع كذا، فيؤخذ بمقام البيان في هذه الجهة بلا إشكال، ففي قوله: إن جاء زيد فأكرمه يصحّ دفع احتمال أنّ الواجب إكرام خاص أو الدخيل مجيئي خاص بمقدّمات الحكمة، وأمّا كيفيّة الشرطيّة وأنّها يكون على وجه الانحصار والتعيّن أولا، فليس المتكلّم بهذه القضيّة بصدد بيانها غالبا.
نعم لو كان في مقام بصدد تعداد شروط وجوب الإكرام وقال في هذا المقام: إن جاءك زيد فأكرمه يؤخذ بمقدّمات الحكمة لإثبات التعيّن والوحدة، وليس هذا مختصّا بالقضيّة المذكورة، بل هو جار في كلّ قضيّة، مثلا لو كان في مقام تعداد القائم أو الواجب الإكرام في العالم وقال في هذا المقام: زيد هو القائم أو الواجب الإكرام كان الأخذ بمقدّمات الإطلاق مقتضيا لانحصار الوصفين في زيد، وهذا بخلاف إنشاء الوجوب؛ فإنّ المتكلّم فيه يكون بصدد جعل الإيجاب وفي مقام إنشائه، والمفروض أنّ جعله ممكن على نحوين مع العدل وبدونه، فالأخذ بالمقدّمات المذكورة لإثبات الثاني بلا مانع.
ومن هنا يظهر أنّه لو أثبت الشرطيّة لشيء بأداة الشرط وعطف عليه شيئا آخر بكلمة «أو» فلعلّ القول بظهور القضيّة حينئذ في انحصار السبب في هذين الشيئين كان أقرب من القول بظهورها في الانحصار في السبب الواحد في صورة عدم العطف، ووجهه أنّ المتكلّم في الصورة الاولى قد تعرّض لبيان كميّة الشرط.
وقال في الكفاية ما حاصله أنّه لو فرضنا كون المتكلّم بصدد بيان كيفيّة الشرطيّة أيضا لا يفيد التمسّك بهذا الإطلاق لإثبات الانحصار، وذلك لأنّ الوحدة والتعدّد خارجان عن كيفيّات الشرطيّة؛ ضرورة أنّ الشرط واحدا كان أم متعدّدا فكيفيّة شرطيّته واحدة لا تتفاوت، كما أنّ وجود زيد لا يتفاوت نحوه وكيفيّته بوجود عمرو في العالم وعدمه، وهذا بخلاف الوجوب فإنّ نحوه يتفاوت بوجود العدل وعدمه.
ولكن لا إشكال في أنّ وجود سبب آخر يصير منشئا لانتزاع وصف لهذا الشرط، وعدمه يصير منشئا لانتزاع وصف آخر له وهو كونه مع الغير على الأوّل ووحده على الثاني، فهذان وإن لم يكونا من الكيفيّات الخارجيّة لكن يكونان من الأوصاف والحالات الاعتباريّة.
ثمّ إنّه استدلّ المنكرون للمفهوم بوجوه،
منها: ما عزّي إلى السيّد قدّس سرّه ممّا حاصله أنّ المستفاد من الأداة ليس إلّا شرطيّة التالي والشرطيّة غير ملازمة لعدم البدل والقائم مقامه؛ إذ الشرائط التي لها بدل لا تعدّ ولا تحصى، مثلا شهادة العدلين شرط للقبول، وقيام امرأتين يقوم مقام العدل الواحد، وكذا اليمين وأربع نساء يقوم مقام العدلين وهكذا.
والجواب أنّ المقدّمة الاولى غير مفروغ عنها وذلك لأنّ مدّعي المفهوم لا يستند إلى ملازمة الشرطيّة لعدم البدل حتّى يرد عليه ما ذكر، بل إلى ظهور القضيّة في الانحصار كما عرفت، فالأولى منع هذا الظهور ومطالبة مدّعيه بإقامة البرهان.
ومنها: الاستدلال بآية {لَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33]؛ إذ لازم القول بالمفهوم عدم حرمة الإكراه في صورة عدم إرادة التعفّف.
والجواب أنّ محلّ الكلام في القضيّة الشرطيّة هو ما إذا كان للقضيّة موضوع ومحمول وشرط، وكان الموضوع ثابتا في صورتي وجود الشرط وعدمه ولم يكن لوجود الشرط وعدمه دخل في وجود الموضوع، بل كان وجوده محفوظا في كلتا الحالتين، ففي قولك: إن جاء زيد فأكرمه، الموضوع زيد، والمحمول وجوب الإكرام، والشرط هو المجيء، فالقائل بالمفهوم يقول بأنّ الحكم المحمول على زيد في صورة وجود المجيء وجوب الإكرام وفي صورة عدمه عدم وجوبه.
وأمّا ما إذا كان الشرط محقّقا لوجود الموضوع بحيث لزم من انتفائه انتفاء الموضوع فعدم الحكم حينئذ عند عدمه ليس من باب المفهوم، بل لأجل ارتفاع الموضوع، وقد عرفت أنّ ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه عقلي خارج عن محلّ الكلام، فلو قال: إن رزقت ولدا فاختنه أو إن ركب الأمير فخذ ركابه، فعدم وجوب الختان وأخذ الركاب عند عدم الشرط إنّما هو لأجل انتفاء الموضوع وهو الولد في الأوّل والركاب في الثاني، والآية الشريفة من هذا القبيل، إذ في صورة عدم إرادتهن التحفّظ والتعفّف لا يبقى موضوع للإكراه، فعدم حرمة الإكراه حينئذ سالبة بانتفاء الموضوع، فيصحّ أن يقال: إنّ الإكراه في هذه الصورة ليس بحرام وتجب الممانعة.
|
|
قلة النوم.. ضريبة ثقيلة على صحتك قد تهدد حياتك
|
|
|
|
|
اكتشاف انبعاث غاز الميثان في القارة القطبية الجنوبية
|
|
|
|
|
منها برامج إرشاديَّة وثقافيَّة.. شعبة التوجيه الديني النسوي تقدم خدمات متنوعة لزائرات النصف من شعبان
|
|
|