المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16297 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
معنى المسيح
2024-04-17
تفويض الامر الى الله
2024-04-17
معنى القنوت
2024-04-17
فاطمة الزهراء شبيهة مريم العذراء
2024-04-17
معنى الحضر
2024-04-17
التحذير من الاستعانة بالكافر
2024-04-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (69-73) من سورة هود  
  
4832   04:53 مساءً   التاريخ: 5-6-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الهاء / سورة هود /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-6-2020 4833
التاريخ: 2-5-2020 3287
التاريخ: 7-6-2020 4142
التاريخ: 7-6-2020 19696

 

قال تعالى:{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود: 69 - 73]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

ذكر سبحانه قصة إبراهيم ولوط فقال سبحانه: { وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا } يعني الملائكة وإنما دخلت اللام لتأكيد الخبر ومعنى { قد} هاهنا أن السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة وقد للتوقع فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع واختلف في عدد الرسل فقيل كانوا ثلاثة : جبرائيل وميكائيل وإسرافيل عن ابن عباس وقيل كانوا أربعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: والرابع اسمه كروبيل وقيل: كانوا تسعة عن الضحاك وقيل: أحد عشر عن السدي وكانوا على صور الغلمان أتوا { إبراهيم } الخليل (عليه السلام) { بالبشرى } أي: بالبشارة بإسحاق ونبوته وأنه يولد له يعقوب عن الحسن والسدي والجبائي وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن هذه البشارة كانت بإسماعيل (عليه السلام) من هاجر وقيل: البشارة بهلاك قوم لوط .

{ قَالُوا سَلَامًا} هذه حكاية ما قال رسل الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) أي: سلمنا سلاما بمعنى الدعاء له وقيل : معناه أصبت سلاما إذا أعطاك الله سلاما أي سلامة كما يقال أهلا ومرحبا وكان تحية من الملائكة لإبراهيم (عليه السلام) فـ { قال } إبراهيم مجيبا لهم { سلام } وقد مر تفسيره { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } أي: لم يتوقف حتى جاءهم على عادته في إكرام الأضياف وتقديم الطعام إليهم بعجل مشوي لأنه توهم أنهم أضياف لكونهم على صورة البشر وكان إبراهيم يحب الضيفان فجاؤوه على أحسن الوجوه إليه وصار لذلك من السنة أن يعجل للضيف الطعام وقيل: إن معنى حنيذ نضيج بالحجارة المحماة في خد من الأرض عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل: إن الحنيذ ما حفرت له في الأرض ثم غممته وهو فعل أهل البادية عن الفراء وقيل: حنيذ : مشوي يقطر ماؤه عن ابن عطية .

{ فَلَمَّا رَأَى} إبراهيم { أيديهم } يعني أيدي الملائكة { لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} أي : إلى العجل {نكرهم} أي: أنكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي: أضمر منهم خوفا واختلف في سبب الخوف فقيل إنه لما رآهم شبانا أقوياء وكان ينزل طرفا من البلد وكانوا يمتنعون من تناول طعامه لم يأمن أن يكون ذلك لبلاء وذلك أن أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمنه صاحب الطعام على نفسه وماله ولهذا يقال تحرم فلان بطعامنا أي أثبت الحرمة بيننا بأكله الطعام وقيل : إنه ظنهم لصوصا يريدون به سوءا أو قيل: إنه ظن أنهم ليسوا من البشر وأنهم جاءوا لأمر عظيم وقيل : علم أنهم ملائكة فخاف أن يكون قومه المقصودين بالعذاب حتى { قالوا } له { لا تخف} يا إبراهيم { إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} بالعذاب والإهلاك لا إلى قومك وقيل: إنهم دعوا الله فأحيا العجل الذي كان ذبحه إبراهيم وشواه فطفر ورعى فعلم حينئذ أنهم رسل الله { وامرأته } سارة بنت هاران بن ياحور بن ساروع بن أرعوى بن فالغ وهي ابنة عم إبراهيم { قائمة } من وراء الستر تسمع كلام الرسل وكلام إبراهيم عن وهب وقيل : إنها كانت بنت خالته وقيل كانت قائمة تخدم الرسل وإبراهيم جالس معهم عن مجاهد وقيل: كانت قائمة تصلي وكان إبراهيم جالسا وفي قراءة ابن مسعود وامرأته قائمة وهو جالس .

{ فَضَحِكَتْ} قيل: هو الضحك المعروف الذي يعتري الإنسان للفرح وقد يكون للتعجب فضحكت تعجبا من غفلة قوم لوط مع قرب نزول العذاب بهم عن قتادة وقيل: تعجبا من امتناعهم عن الأكل وخدمتها إياهم بنفسها ولهذا يقال: ( وشر الشدائد ما يضحك) وقالت:عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يتناولون من طعامنا وقيل: ضحكت لأنها قالت : لإبراهيم أضمم لوطا ابن أختك إليك فإني أعلم أنه سينزل بهؤلاء القوم عذاب فضحكت سرورا لما أتى الأمر على ما توهمت عن الزجاج وقيل: تعجبا وسرورا من البشارة بإسحاق لأنها كانت قد هرمت وهي ابنة ثمان وتسعين سنة أو تسع وتسعين سنة وكان قد شاخ زوجها وكان ابن تسع وتسعين أو مائة سنة وقيل : مائة وعشرين سنة ولم يرزق لهما ولد في حال شبابهما وعلى هذا فيكون في الكلام تقديم وتأخير وتقديره فبشرناها بإسحاق ويعقوب فضحكت بعد البشارة وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) .

{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ}أي: بابن يسمى إسحاق نبيا { وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} يعني ومن بعد إسحاق يعقوب وقيل : الوراء ولد الولد عن ابن عباس أي فبشرناها بنبي بين نبيين وهو إسحاق :أبوه نبي وابنه نبي وقيل: إن ضحكت بمعنى حاضت عن مجاهد وروي عن الصادق (عليه السلام) أيضا يقال : ضحكت الأرنب أي :حاضت والضحك بفتح الضاد: الحيض وفي لغة أبي الحرث بن كعب: ضحكت النخلة إذا أخرجت الطلع أو البسر والضحك: الطلع وأنشد بعضهم في الضحك بمعنى الحيض قول الشاعر :

وضحك الأرانب فوق الصفا                       كمثل دم الجوف يوم اللقا

قال الفراء ولم أسمعه من ثقة والوجه فيه أن يكون على طريق الكناية قال الكميت :

فأضحكت السباع سيوف سعد                  لقتلي ما دفن ولا ودينا(2)

{ قالت } سارة { قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ} أي: هذا شيء عجيب أن ألد وقد شخت من زوج شيخ ولم تشك في قدرة الله تعالى ولكن إنما قالت ذلك لكونه خارجا عن العادة كما ولى موسى مدبرا حين انقلبت عصاه حية حتى قيل له :{أقبل ولا تخف} وإلا فهي كانت عارفة بأن الله تعالى يقدر على ذلك ولم ترد بقولها يا ويلتي الدعاء على نفسها بالويل ولكنها كلمة تجري على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يتعجبن منه وقيل إنها لم تتعجب من قدرة الله ولكنها أرادت أن تعرف هل تتحول شابة أم تلد على تلك الحال وكل ذلك عجيب { وهذا بعلي شيخا } أي: هذا الذي تعرفونه بعلي وهو شيخ { إن هذا } الذي بشرت به { لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} قالوا  أي: قالت الملائكة لها حين تعجبت من أن تلد بعد الكبر { قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ومعنى الاستفهام هاهنا التنبيه والتوقيف أي: أتعجبين من أن يفعل الله تعالى ذلك بك ولزوجك ؟

{ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أي: ليس هذا موضع تعجب لأن التعجب إنما يكون من الأمر الذي لا يعرف سببه ونعمة الله تعالى وكثرة خيراته النامية الباقية عليكم وهذا يحتمل أن يكون إخبارا عن ثبوت ذلك لهم وتذكيرا بنعمة الله وبركاته عليهم ويحتمل أن يكون دعاء لهم بالرحمة والبركة من الملائكة فقالوا رحمة الله وبركاته عليكم يا أهل البيت كما يقال: أ تتعجب من كذا بارك الله فيك ويرحمك الله؟ ويعني بأهل البيت: أهل بيت إبراهيم (عليه السلام) وإنما جعلت سارة من أهل بيته لأنها كانت ابنة عمه ولا دلالة في الآية على أن زوجة الرجل من أهل بيته على ما قاله الجبائي.

 وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مر بقوم فسلم عليهم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ومغفرته ورضوانه فقال (عليه السلام) لهم لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه السلام) : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت { إنه حميد} أي: محمود على أفعاله وقيل : الحميد الذي يحمد عباده على الطاعات { مجيد } أي: كريم وهو المبتدىء بالعطية قبل الاستحقاق وقيل : معناه واسع القدرة والنعمة عن أبي مسلم وروي أن سارة قالت لجبرائيل (عليه السلام) ما آية ذلك فأخذه بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر عن السدي.

_________________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص306-309.

2- وفي اللسان ((واضحكت الضباع ا هـ )) .وودى القاتل القتيل :اعطى وليه وديته. ورد ابن دريد وغيره أن يكون الضحك في هذا الشعر بمعنى الحيض . وقالوا : إنما أراد الشاعر أنها تكشر لأكل اللحوم . أو أنها تستبشر بالقتلى إذا اكلتهم فيهر بعضها على بعض . فجعل السرور ضحكاً كتسمية العنب خمراً.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ ولَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ } . الرسل جمع رسول ، والمراد ان جماعة من الملائكة دخلوا على إبراهيم في صورة الآدميين ليبشروه بإسحاق ، وقد بدأوا بالتحية ، فرد عليهم بمثلها أو بأحسن منها ، وأشار سبحانه إلى هؤلاء في الآية 24 من سورة الذاريات : « هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ » . . { فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } وكان إبراهيم ( عليه السلام ) معروفا بالكرم وحب الأضياف ، ولذا أسرع وهيأ لهم عجلا مشويا عملا بظاهر حالهم ، وكان العجل سمينا بدليل قوله تعالى : « فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ - 27 الذاريات .

{ فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } . امتنعوا عن الطعام لأنهم ليسوا بشرا ، وخاف إبراهيم ( عليه السلام ) منهم لأنه عاملهم على أنهم من البشر ، وإذا بهم ليسوا كما ظن ، وهو لا يعلم ما ذا يريدون . . وكل إنسان معصوما كان أو غير معصوم إذا فاجأه أمر لا يعرف عواقبه يوجس منه خيفة ، ولما رأى الملائكة ما به { قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ } ولا نريد بك ولا بقومك سوءا . وفي سورة الحجر الآية 53 صارحهم بهذا الخوف حيث { قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ } .

{ وامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ } . وقيامها كناية عن سماعها لما دار بين بعلها والملائكة ، أما ضحكها فلكل حديث عندهن بشاشة ، واللَّه أعلم بالسبب الذي أضحكها ، وقد ذهب المفسرون فيه مذاهب { فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ ومِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ } أي تلد هي اسحق ، ويولد لإسحاق يعقوب ، وفيه دلالة على أن ولد الولد ولد .

{ قالَتْ يا وَيْلَتا أَأَلِدُ وأَنَا عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } .

تعجبت حيث لم تجر العادة ان تلد من هي في سنها ، ويلد لمن هو في سن زوجها ، وعن سفر التكوين ان إبراهيم ( عليه السلام ) كان عمره مائة سنة آنذاك ، وان سارة كانت في التسعين . ونحن لا نعترف بهذا السفر ، وكل ما نعرفه انهما كانا متقدمين في السن ، أما التحديد فعلمه عند ربي .

{ قالُوا  - أي الملائكة - « أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ } كيف ؟ . وانما أمره إذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون { رَحْمَتُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } وقد خصكم بالكثير من نعمه ، وهذه واحدة منها ، وما هي بأعجب من جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم { إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ } . هذه الجملة توضيح وتأكيد لما قبلها ، والحميد صاحب الأفعال المحمودة ، والمجيد صاحب الفضل والجود ، إذن ، فلا عجب إذا أعطى اللَّه من سأله ومن لم يسأله ، من حيث يحتسب أو لا يحتسب .

____________________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص248-249.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تتضمن الآيات قصة بشرى إبراهيم (عليه السلام) بالولد، وأنها كالتوطئة لما سيذكر بعده من قصة ذهاب الملائكة إلى لوط النبي (عليه السلام) لإهلاك قومه فإن تلك القصة ذيل هذه القصة وفي آخر قصة البشرى ما يتبين به وجه قصة الإهلاك وهو قوله:{إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود}الآية.

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}إلى آخر الآية البشرى هي البشارة، والعجل ولد البقرة، والحنيذ فعيل بمعنى المفعول أي المحنوذ وهو اللحم المشوي على حجارة محماة بالنار كما أن القديد هو المشوي على حجارة محماة بالشمس على ما ذكره بعض اللغويين، وذكر بعضهم أنه المشوي الذي يقطر ماء وسمنا، وقيل: هو مطلق المشوي، وقوله تعالى في سورة الذاريات في القصة:{ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}لا يخلو من تأييد ما للمعنى الثاني.

وقوله:{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}معطوف على قوله سابقا:{ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه}قال في المجمع،: وإنما دخلت اللام لتأكيد الخبر ومعنى قد هاهنا أن السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة، وقد للتوقع فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع. انتهى.

والرسل هم الملائكة المرسلون إلى إبراهيم للبشارة وإلى لوط لإهلاك قومه وقد اختلفت كلمات المفسرين في عددهم مع القطع بكونهم فوق الاثنين لدلالة لفظ الجمع - الرسل - على ذلك، وفي بعض الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم كانوا أربعة من الملائكة الكرام، وسيأتي نقلها إن شاء الله في البحث الروائي.

والبشرى التي جاءت بها الرسل إبراهيم (عليه السلام) لم يذكر بلفظها في القصة، والتي ذكرت فيها منها هي البشارة لامرأته، وإنما ذكرت بشارة إبراهيم نفسه في غير هذا المورد كسورتي الحجر والذاريات، ولم يصرح فيهما باسم من بشر به إبراهيم أ هو إسحاق أم إسماعيل (عليهما السلام) أو أنهم بشروه بكليهما؟ وظاهر سياق القصة في هذه السورة أنها البشارة بإسحاق، وسيأتي البحث المستوفى عن ذلك في آخر القصة.

وقوله:{ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}أي تسالموا هم وإبراهيم فقالوا: سلاما أي سلمنا عليك سلاما، وقال إبراهيم: سلام أي عليكم سلام.

والسلام الواقع في تحية إبراهيم (عليه السلام) نكرة ووقوعه نكرة في مقام التحية دليل على أن المراد به الجنس أو أن له وصفا محذوفا للتفخيم ومزيد التكريم والتقدير: عليكم سلام زاك طيب أوما في معناه، ولذا ذكر بعض المفسرين: أن رفع السلام أبلغ من نصبه فقد حياهم بأحسن تحيتهم فبالغ في إكرامهم ظنا منه أنهم ضيف وقوله:{ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}أي ما أبطأ في أن قدم إليهم عجلا مشويا يقطر ماء وسمنا وأسرع في ذلك.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}عدم وصول أيديهم إليه كناية عن أنهم ما كانوا يمدون أيديهم إلى الطعام، وذلك أمارة العداوة وإضمار الشر، ونكرهم وأنكرهم بمعنى واحد وإنما كان أنكرهم لإنكاره ما شاهد منهم من فعل غير معهود.

والإيجاس الخطور القلبي، قال الراغب: الوجس الصوت الخفي، والتوجس التسمع، والإيجاس وجود ذلك النفس قال: وأوجس منهم خيفة، والواجس قالوا: هو حالة تحصل من النفس بعد الهاجس لأن الهاجس مبتدأ التفكير ثم يكون الواجس الخاطر. انتهى.

فالجملة من الكناية كان لطروق الخيفة - وهو النوع من الخوف - وخطوره في النفس صوتا تسمع بالسمع القلبي، والمراد أنه استشعر في نفسه خوفا ولذلك أمنوه وطيبوا نفسه بقولهم:{ لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}.

ومعنى الآية أن إبراهيم (عليه السلام) لما قدم إليهم العجل المشوي رآهم لا يأكلون منه كالممتنع من الأكل - وذلك أمارة الشر - استشعر في نفسه منهم خوفا قالوا تأمينا له وتطييبا لنفسه: لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط فعلم أنهم من الملائكة الكرام المنزهين من الأكل والشرب وما يناظر ذلك من لوازم البدن المادية، وأنهم مرسلون لخطب جليل.

ونسبة استشعار الخوف إلى إبراهيم (عليه السلام) لا ينافي ما كان عليه من مقام النبوة الملازم للعصمة الإلهية من المعصية والرذائل الخلقية فإن مطلق الخوف وهو تأثر النفس عن مشاهدة المكروه التي تبعثها إلى التحذر منه والمبادرة إلى دفعه ليس من الرذائل، وإنما الرذيلة هي التأثر الذي يستوجب بطلان مقاومة النفس وظهور العي والفزع والذهول عن التدبير لدفع المكروه وهو المسمى بالجبن كما أن عدم التأثر عن مشاهدة المكروه مطلقا وهو المسمى تهورا ليس من الفضيلة في شيء.

وذلك أن الله سبحانه لم يخلق هذه الحالات النفسانية التي تظهر في النفوس ومنها التأثر والانفعال عند مشاهدة المكروه والشر كالشوق والميل والحب وغير ذلك عند مشاهدة المحبوب والخير عبثا باطلا فإن جلب الخير والنفع ودفع الشر والضرر مما فطر على ذلك أنواع الموجودات على كثرتها وعليه يدور رحى الوجود في نظامه العام.

ولما كان هذا النوع المسمى بالإنسان إنما يسير في مسير بقائه بالشعور والإرادة كان عمل الجلب والدفع فيه مترشحا عن شعوره وإرادته، ولا يتم إلا عن تأثر نفساني يسمى في جانب الحب ميلا وشهوة وفي جانب البغض والكراهة خوفا ووجلا.

ثم لما كانت هذه الأحوال النفسانية الباطنة ربما ساقت الإنسان إلى أحد جانبي الإفراط والتفريط كان من الواجب على الإنسان أن يقوم من الدفع على ما ينبغي وهو فضيلة الشجاعة كما أن من الواجب عليه أن يبادر من الجلب إلى ما ينبغي على ما ينبغي وهو فضيلة العفة وهما حدا الاعتدال بين الإفراط والتفريط، وأما انتفاء التأثر بأن يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة الصريحة في باب الدفع وهو التهور، أولا تنزع نفسه إلى شيء مطلوب قط في باب الجلب والشهوة وهو الخمول وكذا بلوغ التأثر من القوة إلى حيث ينسى الإنسان نفسه ويذهل عن واجب رأيه وتدبيره فيجزع عن كل شبح يتراءى له في باب الدفع وهو الجبن أوينكب على كل ما تهواه نفسه وتشتهيه كالبهيمة على عليقها في باب الشهوة وهو الشره فجميع هذه من الرذائل.

والذي آثر الله سبحانه به أنبياءه من العصمة إنما يثبت في نفوسهم فضيلة الشجاعة دون التهور، وليست الشجاعة تقابل الخوف الذي هو مطلق التأثر عن مشاهدة المكروه، وهو الذي يدعو النفس إلى القيام بواجب الدفع، وإنما تقابل الجبن الذي هو بلوغ التأثر النفساني إلى حيث يبطل الرأي والتدبير ويستتبع العي والانهزام.

قال تعالى:{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ:}الأحزاب: - 39، وقال مخاطبا لموسى (عليه السلام):{ لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى:}طه: - 68، وقال حكاية عن قول شعيب له (عليه السلام):{لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ:}القصص: - 25، وقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم):{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ:}الأنفال: - 58.

والخليل (عليه السلام) هو النبي الكريم الذي قام بالدعوة الحقة إذ لا يذكر اسم الله وحده، ونازع وثنية قومه فحاج أباه آزر وقومه وحاج الملك الجبار نمرود وكان يدعي الألوهية، وكسر أصنام القوم حتى ألقوه في النار فأنجاه الله من النار فلم يجبنه شيء من تلك المهاول، ولا هزمه في جهاده في سبيل الله هازم، ومثل هذا النبي على ما له من الموقف الروحي إن خاف من شيء أووجل من أحد أو ارتاعه أمر - على اختلاف تعبير الآيات - فإنما يخافه خوف حزم ولا يخافه خوف جبن، وإذا خاف من شيء على نفسه أو عرضه أوماله فإنما يخاف لله لا لهوى من نفسه.

قوله تعالى:{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }ضحكت من الضحك بفتح الضاد أي حاضت، ويؤيده تفريع البشارة عليه في قوله عقيبه:{فبشرناها}إلخ، ويكون ضحكها أمارة تقرب البشرى إلى القبول، وآية تهيىء نفسها للإذعان بصدقهم فيما يبشرون به، ويكون ذكر قيامها لتمثيل المقام وأنها ما كانت تخطر ببالها أنها ستحيض وهي عجوز، وإنما كانت قائمة تنظر ما يجري عليه الأمر بين بعله وبين الضيفان النازلين به وتحادثهم.

والمعنى أن إبراهيم (عليه السلام) كان يكلمهم ويكلمونه في أمر الطعام والحال أن امرأته قائمة هناك تنظر إلى ما يجري بين الضيفان وبين إبراهيم وما كان يخطر ببالها شيء دون ذلك ففاجأها أنها حاضت فبشرته الملائكة بالولد.

وأكثر المفسرين أخذوا الكلمة من الضحك بكسر الضاد ضد البكاء ثم اختلفوا في توجيه سببه، وأقرب الوجوه هو أن يقال: إنها كانت قائمة هناك وقد ذعرت من امتناع الضيوف من الأكل وهو يهتف بالشر فلما لاحت لها أنهم ملائكة مكرمون نزلوا ببيتهم وأن لا شر في ذلك يتوجه إليهم سرت وفرحت فضحكت فبشروه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب.

وهناك وجوه أخر ذكروها خالية عن الدليل كقولهم إنها ضحكت تعجبا من غفلة قوم لوط، وقولهم: إنها ضحكت تعجبا من امتناع الضيوف من الأكل والحال أنها تخدمهم بنفسها، وقولهم: إنها كانت أشارت إلى إبراهيم أن يضم إليه لوطا لأن فحشاء قومه سيعقبهم العذاب والهلاك فلما سمعت من الملائكة قولهم: إنا أرسلنا إلى قوم لوط سرت وضحكت لإصابتها في الرأي، وقولهم: إنها ضحكت تعجبا مما بشروها به من الولد وهي عجوز عقيم، وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير والتقدير: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت.

وقوله:{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}إسحاق هو ابنها من إبراهيم، ويعقوب هو ابن إسحاق (عليه السلام) فالمراد أن الملائكة بشروها بأنها ستلد إسحاق وإسحاق سيولد له يعقوب ولد بعد ولد.

هذا على قراءة يعقوب بالفتح وهو منزوع الخافض وقرىء برفع يعقوب وهو بيان لتتمة البشارة، والأولى أرجح.

وكان في هذا التعبير:{ومن وراء إسحق يعقوب}إشارة إلى وجه تسمية يعقوب (عليه السلام) بهذا الاسم، وهو أنه كان يعقب بحسب هذه البشارة أباه إسحاق وقد ذكر فيها أنه وراءه، ويكون فيها تخطئة لما في التوراة من السبب في تسمية يعقوب به.

قال في التوراة الحاضرة: وكان إسحاق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجه{رفقة}بنت بنوئيل الأرامي أخت لابان الأرامي من فدان الأرام، وصلى إسحاق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقرا فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته وتزاحم الولدان في بطنها فقالت: إن كان هكذا فلما ذا أنا، فمضت لتسأل الرب فقال لها الرب: في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوى على شعب، وكبير يستعبد لصغير.

فلما كملت أيامها لتلد إذا في بطنها توأمان فخرج الأول أحمر كله كفروة شعر فدعي اسمه عيسو، وبعد ذلك خرج أخوه ويده قابضة بعقب عيسو فدعي اسمه يعقوب.

انتهى موضع الحاجة وهذا من لطائف القرآن الكريم.

قوله تعالى:{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}الويل القبح وكل مساءة توجب التحسر من هلكة أومصيبة أوفجيعة، أوفضيحة ونداؤه كناية عن حضوره وحلوله يقال: يا ويلي أي حضرني وحل بي ما فيه تحسري، ويا ويلتا بزيادة التاء عند النداء مثل يا أبتا.

والعجوز الشيخة من النساء، والبعل زوج المرأة والأصل في معناه القائم بالأمر المستغني عن الغير يقال للنخل الذي يستغني بماء السماء عن سقي الأنهار والعيون بعل، ويقال للصاحب وللرب: بعل. ومنه بعلبك لأنه كان فيه هيكل بعض أصنامهم.

والعجيب صفة مشبهة من العجب وهو الحال العارض للإنسان من مشاهدة ما لا يعلم سببه، ولذا يكثر في الأمور الشاذة النادرة للجهل بسببها عادة وقولها:{يا ويلتى أ ألد}إلخ، وارد مورد التعجب والتحسر فإنها لما سمعت بشارة الملائكة تمثل لها الحال بتولد ولد من عجوز عقيم وشيخ هرم بالغين في الكبر لا يعهد من مثلهما الاستيلاد فهو أمر عجيب على ما فيه من العار والشين عند الناس فيضحكون منهما ويهزءون بهما وذلك فضيحة.

قوله تعالى:{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}المجد هو الكرم والمجيد الكريم كثير النوال وقد تقدم معنى بقية مفردات الآية.

وقولهم:{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}استفهام إنكاري أنكرت الملائكة تعجبها عليها لأن التعجب إنما يكون للجهل بالسبب واستغراب الأمر، والأمر المنسوب إلى الله سبحانه وهو الذي يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير لا وجه للتعجب منه.

على أنه تعالى خص بيت إبراهيم بعنايات عظيمة ومواهب عالية يتفردون بها من بين الناس فلا ضير إن ضم إلى ما مضى من نعمه النازلة عليهم نعمة أخرى مختصة بهم من بين الناس وهو ولد من زوجين شائخين لا يولد من مثلهما ولد عادة.

ولهذا الذي ذكرنا قالت الملائكة لها في إنكار ما رأوا من تعجبها أولا:{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ}فأضافوا الأمر إلى الله لينقطع بذلك كل استعجاب واستغراب لأن ساحة الألوهية لا يشق شيء عليها وهو الخالق لكل شيء.

وثانيا:{ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}فنبهوها بذلك أن الله أنزل رحمته وبركاته عليهم أهل البيت، وألزمهم ذلك فليس من البعيد أن يكون من ذلك تولد مولود من والدين في غير سنهما العادي المألوف لذلك.

وقوله:{إنه حميد مجيد}في مقام التعليل لقوله:{ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}أي إنه تعالى مصدر كل فعل محمود ومنشأ كل كرم وجود يفيض من رحمته وبركاته على من يشاء من عباده.

_______________________

1- تفسيرالميزان ،الطباطبائي،ج10،ص252-257.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

جانبٌ من حياة محطم الأصنام:

والآن جاء الدور للحديث عن جانب من حياة «إبراهيم(عليه السلام)» هذا البطل العظيم الذي حطم الأصنام، وما جرى له مع قومه. طبعاً كل ذلك مذكور بتفصيل أكثر في سور أُخرى من القرآن غير هذه السورة، كسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، والأنبياء، وغيرها.

وهنا تذكر الآيات قسماً من حياته المرتبطة بقصّة «قوم لوط» وعقاب هؤلاء الجماعة الملوّثين بالآثام والعصيان، فتقول في البداية:{ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}.

وهؤلاء الرسل ـ كما سيتبيّن من خلال الآيات التالية ـ هم الملائكة الذين أُمروا بتدمير مدن قوم لوط، ولكنّهم قبل ذلك جاؤوا إِلى إِبراهيم ليسلموه بلاغاً يتضمّن بشرى سارة.

أمّا عن ماهية هذه البشرى فهناك إحتمالان، ولا مانع من الجمع بينهما.

الإِحتمال الأوّل: البشرى بتولّد إِسماعيل وإِسحاق، لأنّ إِبراهيم(عليه السلام) لم يرزق ولداً بعد عمر طويل، في حين كان يتمنى أن يرزق ولداً أو أولاداً يحملون لواء النبوّة، فإبلاغهم له بتولد إِسماعيل وإسحاق بعد بشارة عظمى.

والإِحتمال الثّاني:إنّ إِبراهيم كان مستاءً ممّا وجده في قوم لوط من الفساد والعصيان، فحين أخبروه بأنّهم أُمروا بهلاكهم سُرَّ، وكان هذا الخبر بشرى له.

فحين جاءوا إِبراهيم{قالوا سلاماً} فأجابهم أيضاً و{قال سلام} ورحّب بهم{فما لبث أن جاء بعجل حنيذ}.

«العجل» في اللغة ولد البقر و«الحنيذ» معناه المشوي، واحتمل بعضهم أنّ ليس كل لحم مشوي يطلق عليه أنّه حنيذ، بل هو اللحم المشويّ على الصخور إِلى جنب النّار دون أن تصيبه النّار، وهكذا ينضج شيئاً فشيئاً.

ويستفاد من هذه الجملة أنّ من آداب الضيافة أن يعجل للضيف بالطعام، خاصّة إِذا كان الضيف مسافراً، فإنّه غالباً ما يكون متعباً وجائعاً وبحاجة إِلى طعام، فينبغي أن يقدم له الطعام عاجلا ليخلد إِلى الراحة.

وربّما يقول بعض المنتقدين: أليس هذا العجل كثيراً على نفر معدود من الأضياف، ولكن مع ملاحظة أنّ القرآن لم يذكر عدد هؤلاء الأضياف أوّلا، وهناك أقوال في عددهم، فبعض يقول: كانوا ثلاثة، وبعض يقول: أربعة، وبعض يقول: كانوا تسعة، وبعض قال: أحد عشر، ويحتمل أن يكونوا أكثر من ذلك.(2)

وثانياً: فإِنّ إِبراهيم كان له أتباع وعمال وجيران، وهذا الأمر متعارف أن يصنع مثل هذا عند الضيافة ويكون فوق حاجة الأضياف ليأكل منه الجميع. .

ولكن حدث لإِبراهيم حادث عجيب مع أضيافه عند تقديم العجل الحنيذ لهم، فقد رآهم لا يمدّون أيديهم إِلى الطعام، وهذا العمل كان مريباً له وجديداً عليه، فأحسّ بالإِستيحاش واستغرب ذلك منهم{ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}.

ومن السنن والعادات القديمة التي لا تزال قائمة بين كثير من الناس الذين لهم التزام بالتقاليد الطيبة للاسلاف. هي أنّ الضيف إِذا تناول من طعام صاحبه(وبما اصطلح عليه: تناول من ملحه وخبزه) فهو لا يكنّ له قصد سوء، وعلى هذا فإنّ من له قصد سوء مع أحد ـ واقعاً ـ يحاول ألاّ يأكل من طعامه «وخبزه وملحه» ومن هذا المنطلق شك إِبراهيم في نيّاتهم، وأساء الظن بهم، واحتمل أنّهم يريدون به سوءاً.

أمّا الرسل فإنّهم لمّا اطلعوا على ما في نفس إِبراهيم، بادروا لرفع ما وقع في نفسه و{ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ}.

وفي هذه الحال كانت امرأته «سارة» واقفة هناك فضحكت كما تقول الآية{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ}.

هذا الضحك من سارة يحتمل أن يكون لأنّها كانت مستاءةً من قوم لوط وفجائعهم، واطلاعها على قرب نزول العذاب عليهم كان سبباً لسرورها وضحكها.

وهناك احتمال آخر وهو أنّ الضحك كان نتيجة لتعجبها أو حتى لإِستيحاشها أيضاً، لأنّ الضحك لا يختص بالحوادث السارّة بل يضحك الإِنسان ـ أحياناً ـ من الإِستياء وشدة الإِستيحاش، ومن أمثال العرب في هذا الصدد «شر الشدائد ما يضحك».

أو أنّ الضحك كان لأنّ الأضياف لم يتناولوا الطعام ولم تصل أيديهم إِليه بالرغم من إِعداده وتهيأته لهم.

ويحتمل أيضاً أنّ ضحكها لسرورها بالبشارة بالولد. وإِن كان ظاهر الآية ينفي هذا التّفسير، لأنّ البشرى بإسحاق كانت بعد ضحكها، إِلاّ أن يقال: إِنّهم بشروا إِبراهيم أوّلا بالولد، واحتملت سارة أن سيكون الولد منها فتعجبت، وأنّه هل يمكن لامرأة عجوز وفي هذه السن أن يكون لها ولد من زوجها؟ لذلك سألتهم بتعجب فأجابوها بالقول: نعم، وهذا الولد سيكون منك. والتأمل في سورة الذاريات بهذا الشأن يؤكّد ذلك.

وينبغي الإِلتفات هنا إِلى أنّ بعض المفسّرين يصرون على أنّ «ضحكت» مشتقة من «ضَحْك» بمعنى العادة النسائية وهي «الحيض» وقالوا:إنّ سارة بعد أن بلغت سنّ اليأس أتتها العادة في هذه اللحظة وحاضت، والعادة الشهرية تدل على إِمكان إِنجاب الولد، ولذلك فحين بشرت بإِسحاق أمكنها أن تصدّق ذلك تماماً ... وهؤلاء المفسّرون استندوا في قولهم إِلى لغة العرب، حيث قالوا في هذا الصدد: ضحكت الأرنب، أي حاضت.

ولكن هذا الإِحتمال مستبعد من جهات مختلفة:

أوّلا: لأنّه لم يسمع أنّ هذه «المادة» استعملت في الإِنسان بمعنى الحيض في اللغة العربية، ولهذا فإنّ الراغب حين يذكر هذا المعنى في مفرداته يقول بصراحة: إِنّ هذا ليس تفسير جملة فضحكت كما تصوّره بعض المفسّرين، بل معناها هو الضحك المألوف، ولكنّها حاضت وهي في حال الضحك أيضاً، ولذلك وقع الخلط بينهما.

ثانياً: إِذا كانت هذه الجملة بمعنى حصول العادة النسائية فلا ينبغي لسارة أن تتعجب من البشرى بالولد «إِسحاق» لأنّه ـ والحال هذه ـ لا غرابة في الإِنجاب، في حين نستفيد من الجمل الأُخرى أنّها لم تتعجب من الإِنجاب فحسب، بل صرخت وقالت:{ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا}.

وعلى كل حال فإنّ هذا الإِحتمال في الآية يبدو بعيداً جدّاً.

ثمّ تضيف الآية أنّ إِسحاق سيعقبه ولد من صلبه اسمه يعقوب:{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}.

الواقع أنّ الملائكة بشّروها بالولد وبالحفيد، فالأوّل إِسحاق والثّاني يعقوب، وكلاهما من أنبياء الله.

ومع التفات «سارة» امرأة إِبراهيم إِلى كبر سنّها وسن زوجها فإنّها كانت آيسة من الولد بشدّة، فاستنكرت بصوت عال متعجبة من هذا الأمر و{ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}.

وكان الحق معها، لأنّه طبقاً للآية (29) من سورة الذاريات، فإنّها كانت في شبابها عاقراً، وحين بشرت بالولد كانَ عمرها ـ كما يقول المفسّرون وتذكره التوراة في سفر التكوين ـ تسعين عاماً أو أكثر، أمّا زوجها إِبراهيم(عليه السلام) فكان عمره مئة عام أو أكثر.

وهنا ينقدح سؤال وهو: لم استدلت سارة على عدم الإِنجاب بكبر سنّها وكبر سنّ زوجها، في حين أننا نعلم أنَّ النساء عادة يصبحن آيسات بعد الخمسين لإِنقطاع «الحيض» أو «العادة» واحتمال الإِنجاب في هذه المرحلة بالنسبة لهنّ ضعيف، أمّا الرجال فقد أثبتت التجارب الطبيعية أنّهم قادرون على الإِنجاب لسنين أطول ...؟

والجواب على هذا السؤال واضح: فإنّ الرجال وإن كانوا قادرين على الإِنجاب، ولكن يضعف احتماله كلما طعنوا في السنّ ولذا فطبقاً للآية (54) من سورة الحجر نجدُ إِبراهيم نفسه متعجباً من هذه البشرى لكبر سنّه، أضف إِلى ذلك فإنّ سارة من الناحية النفسية لعلها لم تكن في الانفراد بهذه المشكلة (العقم) وأرادت اقحام زوجها معها.

وعلى كل حال فإنّ رسل الله ازالوا التعجب عنها فوراً وذكّروها بنعم الله «الخارقة للعادة» عليها وعلى اسرتها ونجاتهم من الحوادث الجمة، فالتفتوا إِليها و{ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ (3) ...}.

ذلك الربّ الذي نجّى إِبراهيم من مخالب نمرود الظالم، ولم يصبه سوء وهم في قلب النار، هو ذلك الرّب الذي نصر إِبراهيم محطم الأصنام ـ وهو وحيد ـ على جميع الطواغيت، وأَلْهَمَهُ القدرة والإِستقامة البصيرة.

وهذه الرحمة الإِلهية لم تكن خاصّة بذلك اليوم فحسب، بل هي مستمرة في أهل هذا البيت، وأي بركة أعظم من وجود رسول الله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الطاهرين(عليهم السلام) في هذه الأُسرة وفي هذا البيت بالذات.

واستدل بعض المفسّرين بهذه الآية على أنّ الزوجة تعدّ من «أهل البيت» أيضاً، ولا يختص هذا العنوان بالولد والأب والأم. وهذا الإِستدلال صحيح طبعاً، وحتى مع غضّ النظر عن الآية هذه، فإنّ كلمة «أهل» من حيث المحتوى تصحّ بهذا المعنى، ولكن لا مانع أبداً أن يخرج جماعة من أهل بيت النّبوة من الناحية المعنوية بسبب انحرافهم من أهل البيت «وسيأتي فريد من الإِيضاح والشرح في هذا الصدد إِن شاء الله ذيل الآية 33 من سورة الأحزاب».

وقال ملائكة الله لمزيد التأكيد على بشارتهم وكلامهم في شأن الله{إِنّه حميد مجيد}.

الواقع إنّ ذكر هاتين الصفتين لله تعالى على الجملة السابقة، لأنّ كلمة «حميد» تعني من له أعمال ممدوحة وتستوجب الثناء والحمد، وقد جاء صفة لله ليشير إلى نعمه الكثيرة على عباده ليُحمد عليها، وأمّا كلمة «مجيد» فتطلق على من يهب النعم حتى قبل استحقاقها.

ترى هل من العجيب على ربّ له هذه الصفات أن يعطي مثل هذه النعمة العظيمة ... أي الابناء الصالحين لنبيّه الكريم؟!

___________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص120-124.

2- تفسير مجمع البيان،ذيل الاية مورد البحث.

3 ـ إنّ جملة «رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت» يمكن أنّ تكون خبرية، وهي حال، كما يمكن أن تكون بمعنى الدعاء أيضاً، ولكن الإِحتمال الأوّل أقرب.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



جامعة الكفيل تنظم ورشة عمل حول متطلبات الترقيات العلمية والإجراءات الإدارية
خَدَمة العتبتَينِ المقدّستَينِ يُحيون ذكرى هدم قبور أئمّة البقيع (عليهم السلام)
قسم السياحة: (71) عجلة ستشارك في نقل الطلاب للمشاركة في حفل التخرج المركزي
جمعية العميد تصدر وقائع المؤتمر العلمي الدولي السنوي التاسع لفكر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)