أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2020
2712
التاريخ: 18-1-2020
10736
التاريخ: 25-3-2020
4220
التاريخ: 30-4-2020
4087
|
قال تعالى:{وَلَويُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشِّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنا فِى طُغْيَانهِمْ يَعْمَهُونَ(11) وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أوقَاعِداً أَوقَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ(12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِا لْبَيِّنَتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِى الْقَوْمَ الُْمجْرِمِينَ(13) ثُمَّ جَعَلْنَكُمْ خَلائِفَ في الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يونس (11-14)
ثم عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا المطمئنين إليها الغافلين عن الآخرة فقال { ولويعجل الله للناس الشر } أي إجابة دعوتهم في الشر إذا دعوا به على أنفسهم وأهاليهم عند الغيظ والضجر واستعجلوه مثل قول الإنسان رفعني الله من بينكم وقوله لولده اللهم ألعنه ولا تبارك فيه { استعجالهم بالخير } أي: كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها { لقضي إليهم أجلهم } أي: لفرغ من إهلاكهم ولكن الله تعالى لا يعجل لهم الهلاك بل يمهلهم حتى يتوبوا وقيل معناه ولويعجل الله للناس العقاب الذي استحقوه بالمعاصي كما يستعجلونهم خير الدنيا وربما أجيبوا إلى ما سألوه إذا اقتضت المصلحة ذلك لفنوا لأن بنية الإنسان في الدنيا لا تحتمل عقاب الآخرة بل لا تحتمل ما دونه والله سبحانه يوصله إليهم في وقته وسمي العقاب شرا من جهة المشقة والأذى الذي فيه وفائدته أنه لوتعجلت العقاب لزال التكليف ولا يزول التكليف إلا بالموت وإذا عوجلوا بالموت لم يبق أحد { فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون } أي: فندع الذين لا يخافون البعث والحساب يتحيرون في كفرهم وعدولهم عن الحق إلى الباطل وتمردهم في الظلم .
والعمة شدة الحيرة ثم أخبر سبحانه عن قلة صبر الإنسان على الضرر والشدائد فقال { وإذا مس الإنسان الضر } أي: المشقة والبلاء والمحنة من محن الدنيا { دعانا لجنبه } أي: دعانا لكشفه مضطجعا { أوقاعدا أوقائما } أي: على أي حال كان عليها واجتهد في الدعاء وسؤال العافية وليس غرضه بذلك نيل ثواب الآخرة وإنما غرضه زوال ما هومن الألم والشدة وقيل إن تقديره وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أوقاعدا أوقائما دعانا لكشفه وفيه تقديم وتأخير { فلما كشفنا عنه ضره } أي: فلما أزلنا عنه ذلك الضرر ووهبنا له العافية { مرّ } أي: استمر على طريقته الأولى معرضا عن شكرنا { كأن لم يدعنا إلى ضر مسه } أي: كأن لم يدعنا قط لكشف ضره ولم يسألنا إزالة الألم عنه { كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون } أي: كما زين لهم الشيطان وأقرانهم الغواة ترك الدعاء عند الرخاء زينوا للمسرفين أي للمشركين عملهم عن الحسن ويحتمل أن يكون زين المسرفون بعضهم لبعض وإن لم يضف التزيين إليهم فهوكقولهم فلان معجب بنفسه وقد حث الله سبحانه بهذه الآية الذين منحوا الرخاء بعد الشدة والعافية بعد البلية على أن يتذكروا حسن صنع الله إليهم وجزيل نعمته عليهم ويشكروه على ذلك ويسألوه إدامة ذلك لديهم ونبه بذلك على وجوب الصبر عند المحنة احتسابا للأجر وابتغاء للثواب والذخر.
ثم أخبر سبحانه عما نزل بالأمم الماضية من المثلات وحذر هذه الأمة عن مثل مصارعهم فقال { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } بأنواع العذاب { لما ظلموا } أنفسهم بأن أشركوا وعصوا { وجاءتهم رسلهم بالبينات } أي: بالمعجزات الظاهرة والدلالات الواضحة { وما كانوا ليؤمنوا } هذا إخبار بأن هذه الأمم إنما أهلكوا لما كانوا في المعلوم أنهم لوبقوا لم يكونوا يؤمنون بالرسل الذين أتوهم والكتب التي جاءوهم بها واستدل أبوعلي الجبائي بهذا على أن تبقية الكافر واجبة إذا كان المعلوم من حاله أنه يؤمن فيما بعد { كذلك نجزي القوم المجرمين } أي: كذلك نعذب القوم المشركين في المستقبل إذا لم يؤمنوا بعد قيام الحجة عليهم وعلمنا أنهم لا يؤمنون ولا يصلحون.
{ ثم جعلناكم } يا أمة محمد { خلائف في الأرض من بعدهم } أي: من بعد القرون التي أهلكناهم ومعناه أسكناكم الأرض خلفهم { لننظر كيف تعملون } أي: لنرى عملكم أين يقع من عمل أولئك أ تقتدون بهم فتستحقون من العقاب مثل ما استحقوه أم تؤمنون فتستحقون الثواب وإنما قال لننظر ليدل على أنه سبحانه يعامل العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم الشيء فيجازيه على ما يظهر منه دون ما قد علم أنه يفعله مظاهرة في العدل والنظر في الحقيقة لا يجوز على الله تعالى لأنه إنما يكون بالقلب وهوالتفكر وبالعين وهو تقليب الحدقة نحوالمرئي التماسا لرؤيته مع سلامة الحاسة وأحد هذين لا يجوز عليه سبحانه وإنما يستعمل ذلك في صفاته على وجه المجاز والاتساع فإن النظر إنما هولطلب العلم وهوسبحانه يعامل عباده معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج5، ص162-164.
{ ولَو يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } المراد بالخير هنا ما ينتفع به الإنسان في هذه الحياة ، ومن أجل هذا يستعجل به ، ولا يصبر عنه ، والمراد بالشر ما يتضرر به ، وهويأباه ويكرهه بفطرته الا لسبب عارض كدرء ما هو أشد ، قال الشاعر :
تحملت بعض الشر خوف جميعه * كذلك بعض الشر أهون من بعض
أويكون الإنسان في حال غير طبيعية كمن يقدم على الانتحار ، أوفي حال عناد يواجه خصما عجز عن مقاومة حجته بحجة مثلها ، كما عجز المشركون عن الرد على محمد ( صلى الله عليه واله وسلم) حين أظهر اللَّه على يده ما أظهر من المعجزات ، وقالوا :
اللهم ان كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء ، أوائتنا بعذاب أليم . . وقد أجاب سبحانه كل من يستعجل الشر ونزول العذاب من السماء ، أجابه بأن الحكمة تقتضي أن لا يستجيب اللَّه إلى طلبه ، وأن يستبقيه إلى حين ، فربما زال العارض الذي تمنّى معه الشر ، وتحقق بعده الخير ، كما حصل من كثير من الذين قالوا : اللهم أمطر علينا حجارة من السماء ، فقد أسلم منهم جماعة ، وخرج من صلب آخرين كثير من المؤمنين ، ولوعجل اللَّه بأجلهم لما حصل شيء من ذلك .
والخلاصة انهم استعجلوا وقوع الشر ، تماما كما يستعجلون الخير ، ولكن اللَّه سبحانه أخرهم إلى ما أراده لهم من الخير .
{ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ } . أي انه تعالى لا يعجل العذاب لمن لا يوقنون بالبعث ممن كفر بنبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، بل يتركهم وشأنهم ، حتى لوتمردوا على أمره سبحانه ، وترددوا في الطغيان والعصيان .
{ وإِذا مَسَّ الإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوقاعِداً أَوقائِماً } . لجنبه وقاعدا وقائما كناية عن خضوعه وتضرعه في جميع حالاته وحركاته وسكناته ، والمعنى لونزل أدنى مكروه بمن استعجل الشر لفقد الصبر ، وانهارت أعصابه ، ولجأ إلينا خاضعا متذللا في جميع أحواله لنكشف عنه الضر { فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ } . ان الأوضاع الفاسدة قد تضطر الإنسان إلى الكذب والرباء والتملق لمن حاجته في يده ، ولكن ما الذي يضطره إلى العقوق ونكران الجميل ، والتنكر لمن دعاه بالأمس إلى قضاء حاجته خاضعا متذللا ، حتى إذا استجاب له ، وحصل منه على ما يريد تجاهله ، ومر به كأن لم يدعه إلى ضر مسه ؟ . . ولا يصح تفسير هذا العقوق بالأوضاع الفاسدة ، ولا بشيء الا بالاستهتار ، والكفر بالحق والقيم ، والإسراف في هذا الاستهتار والكفر { كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ } . والذي زين لهم سوء أعمالهم هواللا مبالاة بشيء الا بمنافعهم وأطماعهم .
{ ولَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } . هذا تهديد من اللَّه للذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأن يحل بهم من العذاب ما حل بمن كان قبلهم من الأمم الذين كذبوا رسلهم .
ومر نظير هذه الآية مع تفسيرها في سورة الأنعام الآية 6 .
{ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } . تمضي أمة وتخلفها أخرى ، أما الغاية من وجوه الإنسان في هذه الأرض فهوالعلم والعمل النافع . .
وتسأل : ان اللَّه سبحانه يقول : { وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ - 56 الذاريات } . وتقول أنت : ان اللَّه خلق الإنسان للعلم والعمل النافع ؟ .
الجواب : ان المراد بالعبادة في الآية المذكورة العمل الصالح بدليل قوله تعالى :
{ والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ - 10 فاطر } . بل إن سبحانه خلق الكون بأرضه وسمائه من أجل العمل الصالح ، قال جلت عظمته : { وهُوالَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا - 7 هود } .
وبيّنّا معنى الابتلاء والاختبار من اللَّه عند تفسير الآية 94 من المائدة.
___________________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنيه ، ج4 ،ص138-140.
لما ذكر سبحانه الأصلين من أصول الدعوة الحقة وهما التوحيد والمعاد واحتج عليهما من طريق العقل الفطري ثم أخبر عن عاقبة الإيمان والكفر بهما بحث عن سبب إمهال الناس وعدم تعجيل نزول العذاب بساحتهم مع تماديهم في غيهم وضلالتهم وعمههم في طغيانهم وما هوالسبب الذي يوجب لهم ذلك فبين أن الأمر بين لا ستر عليه، وقد بينه لهم رسل الله بالبينات لكن الشيطان زين لهؤلاء المسرفين أعمالهم فأغفلهم عن ذكر المعاد فذهلوا ونسوا بعد ما ذكروا ثم لم يعجل الله لهم العذاب بل أمهلهم في الدنيا إلى حين ليبتليهم ويمتحنهم فإنما الدار دار ابتلاء وامتحان.
قوله تعالى: { وَلَويُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} إلخ، تعجيل الشيء الإتيان به بسرعة وعجلة والاستعجال بالشيء طلب حصوله بسرعة وعجلة، والعمه شدة الحيرة.
ومعنى الآية: ولويعجل الله للناس الشر وهوالعذاب كما يستعجلون بالخير كالنعمة لأنزل عليهم العذاب بقضاء أجلهم لكنه تعالى لا يعجل لهم الشر فيذر هؤلاء المنكرين للمعاد المارقين عن ربقة الدين يتحيرون في طغيانهم أشد التحير.
وتوضيحه أن الإنسان عجول بحسب طبعه يستعجل بما فيه خيره ونفعه أي أنه يطلب من الأسباب أن تسرع في إنتاج ما يبتغيه ويريده فهوفي الحقيقة يطلب الإسراع المذكور من الله سبحانه لأنه السبب في ذلك بالحقيقة فهذه سنة الإنسان وهي مبنية على الأهواء النفسانية فإن الأسباب الواقعة ليست في نظامها تابعة لهوى الإنسان بل العالم الإنساني هوالتابع الجاري على ما يجريه عليه نظام الأسباب اضطرارا أحب ذلك أوكرهه.
ولوأن السنة الإلهية في خلق الأشياء والإتيان بالمسببات عقيب أسبابها اتبعت أوشابهت هذه السنة الإنسانية المبنية على الجهل فعجلت المسببات والآثار عقيب أسبابها لأسرع الشر وهوالهلاك بالعذاب إلى الإنسان فإن سببه قائم معه، وهوالكفر بعدم رجاء لقاء الله والطغيان في الحياة الدنيا لكنه تعالى لا يعجل الشر لهم كاستعجالهم بالخير لأن سنته مبنية على الحكمة بخلاف سنتهم المبنية على الجهالة فيذرهم في طغيانهم يعمهون.
وقد بان بذلك أولا: أن في قوله { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } نوعا من التضمين فقد ضمن فيه {قضي} معنى مثل الإنزال أوالإبلاغ ولذا عدي بإلى.
والمعنى قضي منزلا أومبلغا إليهم أجلهم أوأنزل أوأبلغ إليهم أجلهم مقضيا وهوكناية عن نزول العذاب فالكلمة من الكناية المركبة.
وثانيا: أن في قوله: { فَنَذَرُ الَّذِينَ } التفاتا من الغيبة إلى التكلم مع الغير، ولعل النكتة فيه الإشارة إلى توسيط الأسباب في ذلك فإن المذكور من أفعاله تعالى في الآية وما بعدها كتركهم في عمههم وكشف الضر والتزيين والإهلاك أمور يتوسل إليها بتوسيط الأسباب، والعظماء إذا أرادوا أن يشيروا إلى دخل أعوانهم وخدمهم في بعض أمورهم أتوا بصيغة المتكلم مع الغير.
قوله تعالى: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } إلى آخر الآية.
الضر بالضم ما يمس الإنسان من الضرر في نفسه، وقوله: { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } أي دعانا منبطحا لجنبه إلخ، والظاهر أن الترديد للتعميم أي دعانا على أي حال من أحواله فرض من انبطاح أوقعود أوقيام مصرا على دعائه لا ينسانا في حال ويمكن أن يكون {لجنبه} إلخ، أحوالا ثلاثة من الإنسان لا من فاعل دعانا والعامل فيه {مس} والمعنى إذا مس الإنسان الضر وهومنبطح أوقاعد أوقائم دعانا في تلك الحال وهذا معنى ما ورد في بعض المرسلات: {دعانا لجنبه} العليل الذي لا يقدر أن يجلس {أوقاعدا} الذي لا يقدر أن يقوم {أوقائما} الصحيح.
وقوله: { مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ } كناية عن النسيان والغفلة عما كان لا يكاد ينساه.
والمعنى: وإذا مس الإنسان الضر لم يزل يدعونا لكشف ضره وأصر على الدعاء فإذا كشفنا عنه ضره الذي مسه نسينا وترك ذكرنا وانجذبت نفسه إلى ما كان يتمتع به من أعماله كذلك زين للمسرفين المفرطين في التمتع بالزخارف الدنيوية أعمالهم فأورثهم نسيان جانب الربوبية والإعراض عن ذكر الله تعالى.
وفي الآية بيان السبب في تمادي منكري المعاد في غيهم وضلالتهم وخصوصية سببه وهوأن هؤلاء مثلهم كمثل الإنسان يمسه الضر فيذكر ربه ويلح عليه بالدعاء لكشف ضره حتى إذا كشف عنه الضر - ولذلك كان يدعوه - مر لوجهه متوغلا في شهواته وقد نسي ما كان يدعوه ويذكره فلم يكن تركه لدعاء ربه بعد ذكره إلا معلولا لما زين له من عمله فأورثه النسيان بعد الذكر.
فكذلك هؤلاء المسرفون زين لهم أعمالهم فجذبتهم إلى نفسها فنسوا ربهم بعد ذكره، وقد ذكرهم الله مقامه بإرسال الرسل إلى من قبلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا وإهلاك القرون من قبلهم بظلمهم وهذه هي السنة الإلهية يجزي القوم المجرمين.
ومن هنا يظهر أن الآية التالية: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم} إلخ، متمم للبيان في هذه الآية: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا }إلى آخر الآية.
قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ } إلى آخر الآية، قد ظهر معناه مما تقدم، وفي الآية التفات في قوله: {من قبلكم} من الغيبة إلى الخطاب، وكان النكتة فيه التشديد في الإنذار لأن الإنذار والتخويف بالمشافهة أوقع أثرا وأبلغ من غيره.
ثم في قوله: { كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } التفات آخر بتوجيه الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنكتة فيه أنه إخبار عن السنة الإلهية في أخذ المجرمين، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هوالأهل لفهمه والإذعان بصدقه دونهم ولوأذعنوا بصدقة لآمنوا به ولم يكفروا، وهذا بخلاف قوله: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ... وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ } فإنه خبر تاريخي لا ضير في تصديقهم به.
قوله تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } معناه ظاهر، وفيه بيان أن سنة الامتحان والابتلاء عامة جارية.
_____________________
1- تفسير الميزان ، الطباطبائي ، ج10، ص17-20.
الهمج الرّعاع:
الكلام في هذه الآيات يدور كذلك حول عقاب المسيئين، فتقول الآية الأُولى بأنّ الله سبحانه إِذا جازى المسيئين على أعمالهم بنفس العجلة التي يجب بها هؤلاء تحصيل النعم والخير، فستنتهي أعمار الجميع ولا يبقى لهم أثر: { وَلَويُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}. إلاّ أنّ لطف الله سبحانه لما كان شاملا لجميع العباد، حتى المسيئين والكافرين والمشركين، فلا يمكن أن يعجل بعذابهم وجزائهم لعلهم يعون ويتوبون، ويرجعون عن الضلال إِلى الحق والهدى.
هذا إِضافةً إِلى أنّ الجزاء إِذا ما تمّ بهذه السرعة فإِنّه يعني زوال حالة الإِختبار التي هي أساس التكليف تقريباً، وستتصف طاعة المطيعين بالجبر والإِضطرار، لأنّهم بمجرّد أن يعصوا فسيلاقون جزاءهم الأليم فوراً.
واحتُمل أيضاً في تفسير هذه الآية أنّ جماعة من الكفار العنودين، الذين تحدث القرآن عنهم مراراً، كانوا يقولون للأنبياء: إِذا كان ما تقولونه حقّاً، فادعوا الله أن ينزل عليناً البلاء، فاذا استجاب الله تعالى دعوة هؤلاء ما كان ليبقى من هؤلاء أحد.
لكن يبدوأنّ التّفسير الأوّل هوالأقرب.
وفي الختام تقول الآية: يكفي عقاباً لهؤلاء أن نتركهم وشأنهم ليبقوا في حيرتهم، فلا هم يميزون الحق من الباطل، ولا هم يجدون سبيل النجاة من متاهاتهم: { فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
عند ذلك تشير الآية إِلى وجود نور التوحيد في فطرة الانسان وأعماق روحه وتقول: { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوقَاعِدًا أَوقَائِمًا }.
نعم ... إِنّ خاصية المشاكل والشدائد الخطيرة، أنّها تزيل الحجب عن فطرة الإِنسان الطاهرة، وتحرق في فرن الحوادث كل الطبقات السوداء التي غطت هذه الفطرة، ويسطع عندها ـ ولولمدّة قصيرة ـ نور التوحيد.
ثمّ تقول الآية: إِنّ هؤلاء الأفراد الى درجة من الجهل وضيق الاُفق بحيث أنّهم يعرضون بمجرّد كشف الضرّ عنهم، حتى كأنّهم لم يدعونا ولم نساعدهم: { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
أمّا من الذي يزين لهم أعمالهم؟ فقد بحثنا ذلك في ذيل الآية (122) من سورة الأنعام، ومجمل الكلام هو:
إِنّ الله سبحانه هوالذي يزين الأعمال، وذلك بجعل هذه الخاصية في الأعمال القبيحة والمحرّمة، بحيث أن الإِنسان كلما تلوّث بها أكثر، فإنّه سيتطبع عليها، وبمرور الزمن يزول قبحها تدريجياً، بل وتصل الحال إِلى أن يراها حسنة وجميلة.
وأمّا لماذا سمّت الآية أمثال هؤلاء {مسرفين} فلأنّه لا إِسراف أكثر من أن يهدر الإِنسان أهم رأس مال في وجوده، إلاّ وهوالعمر والسلامة والشباب والقوى، ويصرفه في طريق الفساد والمعصية، أوفي طريق تحصيل متاع الدنيا التافه الفاني، ولايربح من ذلك شيئاً.
ألا يعد هذا العمل إِسرافاً، وأمثال هؤلاء مسرفين؟
الإِعتبار بالظّالمين السابقين:
تشير هذه الآيات أيضاً إِلى معاقبة الأفراد الظالمين والمجرمين في هذه الدنيا، وقد نبّهت المسلمين ـ بعد أن أطلعتهم على تاريخ من قبلهم ـ إِلى أنّهم إِذا سلكوا نفس طريق هؤلاء، فسينتظرهم نفس المصير.
فالآية الأُولى تقول: { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا} ثمّ تضيف: { كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}.
ثمّ تبيّن الآية التالية هذا الأمر بصورة أكثر صراحة، وتقول: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
_______________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5، ص439-443.
|
|
لتجنب "بكتيريا قاتلة".. تحذير من أطعمة لا يجب إعادة تسخينها
|
|
|
|
|
الهند تنجح بإطلاق صاروخ باليستي من غواصة نووية
|
|
|
|
|
شعبة فاطمة بنت أسد تقيم برنامج زينة الحياة القرآني للأطفال
|
|
|