التفسير بالمأثور/الأخذ بالكتاب والسنة وترك البدع والرأي والمقاييس/الإمام الصادق (عليه السلام)
عن إسحاق بن عمار،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما مثل علي ومثلنا من بعده من هذه الامة
كمثل موسى النبي – على نبينا وآله وعليه السلام - والعالم حين لقيه
واستنطقه وسأله الصحبة، فكان من أمرهما ما اقتصه الله لنبيه صلى
الله عليه واله في كتابه، وذلك أن الله قال لموسى: إني اصطفيتك على الناس برسالاتي
وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. ثم قال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145]. وقد كان
عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح وكان موسى يظن أن جميع الأشياء
التي يحتاج إليها وجميع العلم قد كتب له في الألواح. كما يظن هؤلاء الذين يدعون
أنهم فقهاء وعلماء وأنهم قد أثبتوا جميع العلم والفقه في الدين مما يحتاج هذه الامة
إليه وصح لهم عن رسول الله صلى الله عليه واله، وعلموه ولفظوه، وليس كل علم
رسول الله صلى الله عليه واله علموه ولا صار إليهم عن رسول
الله صلى الله عليه واله ولا عرفره، وذلك أن الشئ من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم
فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه واله ويستحيون
أن ينسبهم الناس إلى الجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه
فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانو الله بالبدع،
وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله: كل بدعة ضلالة. فلو أنهم إذا سئلوا عن
شئ من دين الله فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله صلى الله عليه
واله ردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه
منهم من آل محمد، والذين منعهم من طلب العلم منا العداوة والحسد لنا ولا
والله ما حسد موسى العالم – وموسى نبي الله يوحى إليه - حيث لقيه واستنطقه وعرفه
بالعلم ولم يحسده كما حسدتنا هذه الامة بعد رسول الله صلى الله عليه واله علمنا
وما ورثنا عن رسول الله صلى الله عليه واله، ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب
موسى إلى العالم و سأله الصحبة ليتعلم منه العلم ويرشده، فلما أن سأل العالم
ذلك علم العالم أن موسى لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصبر معه فعند ذلك
قال العالم: وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. فقال له موسى
- وهو خاضع له يستنطقه على نفسه كى يقبله -: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك
أمرا، وقد كان العالم يعلم أن موسى لا يصبر على علمه. فكذلك والله يا إسحاق بن عمار
قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم لا يحتملون والله علمنا ولا يقبلونه ولا يطيقونه
ولا يأخذون به ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى على علم العالم حين صحبه ورأى ما
رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى مكروها وكان عند الله رضا وهو الحق، وكذلك علمنا
عند الجهلة مكروه لا يؤخذ وهو عند الله الحق.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 2 / صفحة [ 207 ]
تاريخ النشر : 2024-03-24