أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/العدل/الهداية والاضلال والتوفيق والخذلان/الإمام علي (عليه السلام)
عن أمير المؤمنين
عليه السلام قال: الضلالة على وجوه: فمنه محمود، ومنه مذموم، ومنه ما
ليس بمحمود ولا مذموم ومنه ضلال النسيان، فأما الضلال المحمود وهو المنسوب
إلى الله تعالى كقوله: {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ } [المدثر: 31] هو ضلالهم عن
طريق الجنة بفعلهم، والمذموم هو قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ } [طه:
85] ، {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] ومثل ذلك كثير ; وأما
الضلال المنسوب إلى الاصنام فقوله في قصة إبراهيم {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ
نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم:
35، 36] الآية، والاصنام لا يضللن أحدا على الحقيقة، إنما ضل الناس بها وكفروا حين عبدوها من دون الله
عزوجل، وأما الضلال الذي هو النسيان فهو قوله تعالى: " أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا
فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى " وقد ذكر الله تعالى الضلال في مواضع من
كتابه، فمنهم ما نسبه إلى نبيه على ظاهر اللفظ كقوله سبحانه:
" ووجدك ضالا فهدى " معناه وجدناك في قوم لا يعرفون
نبوتك فهديناهم بك ; وأما الضلال المنسوب إلى الله تعالى الذي هو ضد الهدى والهدى
هو البيان، وهو معنى قوله سبحانه: " أو لم يهد لهم " معناه: أو لم أبين لهم،
مثل قوله سبحانه: " فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى أي بينا لهم، وهو قوله تعالى:
وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون. وأما معنى الهدى
فقوله عزوجل: " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " ومعنى الهادي المبين لما جاء
به المنذر من عند الله، وقد احتج قوم من المنافقين على الله تعالى " إن الله لا
يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " وذلك أن الله تعالى لما أنزل على نبيه
" ولكل قوم هاد " قال طائفة من المنافقين " ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا
" فأجابهم الله تعالى بقوله: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها
" إلى قوله: " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا، وما يضل به إلا الفاسقين " فهذا معنى
الضلال المنسوب إليه تعالى لأنه أقام لهم الامام الهادي لما جاء به المنذر فخالفوه
وصرفوا عنه، بعد أن أقروا بفرض طاعته، ولما بين لهم ما يأخذون وما يذرون فخالفوه
ضلوا. هذا مع علمهم بما قاله النبي صلى الله عليه وآله، وهو قوله: لا تصلوا علي
صلاة مبتورة إذا صليتم علي بل صلوا على أهل بيتي ولا تقطعوهم مني فإن كل سبب
ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. ولما خالفوا الله تعالى ضلوا فأضلوا فحذر
الله تعالى الامة من اتباعهم فقال سبحانه: " ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل
وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " والسبيل ههنا الوصي، وقال سبحانه: " ولا
تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصيكم به " الآية فخالفوا ما وصيهم الله تعالى به
واتبعوا أهواءهم فحرفوا دين الله جلت عظمته وشرائعه، وبدلوا فرائضه وأحكامه وجميع ما
أمروا به، كما عدلوا عمن أمروا بطاعته، وأخذ عليهم العهد بموالاته، واضطرهم ذلك
استعمال الرأي والقياس فزادهم ذلك حيرة والتباسا. ومنه قوله سبحانه: " وليقول
الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء " فكان
تركهم اتباع الدليل الذي أقام لهم ضلالة لهم فصار ذلك كأنه منسوب إليه تعالى لما خالفوا
أمره في اتباع الامام، ثم افترقوا واختلفوا، ولعن بعضهم بعضا واستحل بعضهم
دماء بعض، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تؤفكون.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 5 / صفحة [ 208 ]
تاريخ النشر : 2024-02-08