الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن أبي
القاسم، عن محمد بن علي الكوفي عن محمد بن سنان،
عن علي بن جميل الغنوي، عن أبي حمزة الثمالي قال: كان رجل من أبناء النبيين له
ثروة من مال، وكان ينفق على أهل الضعف وأهل المسكنة وأهل الحاجة فلم يلبث أن مات،
فقامت امرأته في ماله كقيامه، فلم يلبث المال أن نفد، ونشأ له ابن فلم يمر على أحد
إلا ترحم على أبيه، وسأل الله أن يخيره فجاء إلى أمه فقال: ما كان حال أبي فإني
لا أمر على أحد إلا ترحم عليه وسأل الله أن يخيرني ؟ فقالت: إن أباك كان رجلا صالحا،
وكان له مال كثير، فكان ينفق على أهل الضعف وأهل المسكنة وأهل الحاجة، فلما أن
مات قمت في ماله كقيامه، فلم يلبث المال أن نفد، قال لها: يا أمة إن أبي كان مأجورا
فيما ينفق وكنت آثمة ! قالت: ولم يا بني ؟ فقال: كان أبي ينفق ماله، وكنت تنفقين
مال غيرك، قالت: صدقت يا بني وما أراك تضيق علي، قال: أنت في حل وسعة، فهل عندك
شئ نلتمس به من فضل الله ؟ قالت: عندي مائة درهم، فقال: إن الله تبارك وتعالى إذا
أراد أن يبارك في شئ بارك، فأعطته المائة درهم فأخذها، ثم خرج يلتمس من فضل الله
عزوجل، فمر برجل ميت على ظهر الطريق من أحسن ما يكون هيئة، فقال: أريد تجارة بعد
هذا أن آخذه وأغسله وأكفنه وأصلي عليه وأقبره ففعل، فأنفق عليه ثمانين درهما،
وبقيت معه عشرون درهما، فخرج على وجهه يلتمس به من فضل الله فاستقبله رجل فقال:
أين تريد يا عبد الله ؟ فقال: أريد ألتمس من فضل الله، قال: وما معك شيء تلتمس
من فضل الله، قال: نعم معي عشرون درهما، قال: وأين يقع منك عشرون درهما
؟ قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يبارك
في شئ بارك فيه، قال: صدقت، ثم قال: فأرشدك وتشركني ؟ قال: نعم، قال: فإن أهل هذه
الدار يضيفونك فاستضفهم، فإنه كلما جاءك الخادم معه هر أسود فقل له: تبيع هذا الهر
؟ وألح عليه فإنك ستضجره فيقول: أبيعكه بعشرين درهما، فإذا باعكه فأعطه العشرين
درهما، وخذه فاذبحه، وخذ رأسه فاحرقه، ثم خذ دماغه، ثم توجه إلى مدينة كذا وكذا،
فإن ملكهم أعمى فأخبرهم أنك تعالجه ولا يرهبنك ما ترى من القتلى والمصلبين، فإن
أولئك كان يختبرهم على علاجه، فإذا لم ير شيئا قتلهم، فلا يهولنك، وأخبر بأنك تعالجه
واشترط عليه فعالجه، ولا تزده أول يوم من كحلة، فإنه سيقول لك: زدني فلا تفعل،
ثم اكحله من الغد أخرى، فإنك سترى ما تحب، فيقول لك: زدني فلا تفعل، فإذا كان اليوم
الثالث فاكحله فإنك سترى ما تحبه فيقول لك: زدني، فلا تفعل. فلما أن فعل ذلك برئ،
فقال: أفدتني ملكي ورددته علي وقد زوجتك ابنتي قال: إن لي أما، قال: فأقم
معي ما بدا لك، فإذا أردت الخروج فاخرج، قال: فأقام في ملكه سنة يدبره بأحسن تدبير
وأحسن سيرة، فلما أن حال عليه الحول قال له: إني أريد الانصراف، فلم يدع شيئا إلا
زوده من كراع وغنم وآنية ومتاع، ثم خرج حتى انتهى إلى الموضع الذي رأى فيه الرجل،
فإذا الرجل قاعد على حاله، فقال: ما وفيت، فقال الرجل: فاجعلني في حل مما مضى.
قال: ثم جمع الاشياء ففرقها فرقتين، ثم قال: تخير، فتخير أحدهما، ثم قال: وفيت ؟
قال: لا، قال: ولم ؟ قال: المرأة مما أصبت، قال: صدقت، فخذ ما في يدي لك مكان المرأة،
قال: ولا آخذ ما ليس لي ولا أتكثر به، قال: فوضع على رأسها المنشار ثم
قال: اختر، فقال: قد وفيت، وكل ما معك وكل ما جئت به فهو لك، وإنما بعثني الله
تبارك وتعالى لأكافيك عن الميت الذي كان على الطريق فهذا مكافاتك عليه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي.
الجزء والصفحة : صفحة [510]
تاريخ النشر : 2024-01-06