أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/التوحيد/صفات الله تعالى/الإمام علي عليه السلام
أبي، عن سعد، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد
بن النضر وغيره، عن عمرو
بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور قال: خطب
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن
صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق: فقلت للحارث: أوما حفظتها
؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:
الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي
عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن، الذي لم يولد فيكون في العز
مشاركا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم تقع عليه الاوهام فتقدره شبحا ماثلا،
ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلا، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا
في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا
نقصان، ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الامور، وظهر في العقول
بما يرى في خلقه من علامات التدبير، الذي سئلت الانبياء عنه فلم تصفه بحد ولا
ببعض، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، لا تستطيع عقول المتفكرين
جحده لان من كانت السماوات والارض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن
فلا مدفع لقدرته، الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله، الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم
على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك، وعن بينة نجا
من نجا، ولله الفضل مبدءا ومعيدا، ثم إن الله - وله الحمد - افتتح الكتاب بالحمد
لنفسه، وختم أمر الدنيا ومجئ الآخرة بالحمد لنفسه فقال: " وقضي بينهم بالحق
وقيل الحمد لله رب العالمين " الحمد لله الابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال
بلا تمثيل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد، القريب
منهم بلا ملامسة منه لهم وليس له حد ينتهى إلى حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من
تجبر عنه، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الاشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت
عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الاول قبل كل شيء والآخر
بعد كل شي، ولا يعدله شئ، الظاهر على كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الاماكن
بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة، ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي
الارض إله، وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد خلقه من الاشياء كلها بلا مثال سبق إليه،
ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه، إبتداء ما أراد إبتداءه، وأنشأ ما أراد
إنشاءه، على ما أراد من الثقلين: الجن والانس لتعرف بذلك ربوبيته، ويمكن فيهم طواعيته.
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشدا مورنا، ونعوذ
به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق دالا عليه، وهاديا إليه فهدانا به من الضلالة،
واستنقذنا به من الجهالة، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ونال ثوابا كريما،
ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا واستحق، عذابا أليما، فانجعوا
بما يحق عليكم من السمع والطاعة، وإخلاص النصيحة، وحسن الموازرة، وأعينوا أنفسكم
بلزوم الطريقة المستقيمة، وهجر الامور المكروهة، وتعاطوا الحق بينكم، وتعاونوا
عليه، وخذوا على يدي الظالم السفيه، مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واعرفوا
لذوي الفضل فضلهم، عصمنا الله وإياكم بالهدي، وثبتنا وإياكم على التقوى، وأستغفر
الله لي ولكم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 4 / صفحة [ 264 ]
تاريخ النشر : 2023-12-15