«
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب
أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب
عليهم وأنا التواب الرحيم » قال الامام عليه السلام : قوله عزوجل : « إن الذين يكتمون
ما أنزلنا من البينات » في صفة محمد وصفة علي وحليته « والهدى من بعد ما بيناه للناس
في الكتاب » قال : والذي أنزلناه من الهدى ، وهو ما أظهرناه من الآيات على فضلهم ومحلهم
، كالغمامة التي كانت تظل رسول الله صلى الله عليه وآله في أسفاره ، والمياه
الاجاجة التي كانت تعذب في الآبار والموارد ببزاقه ، والاشجار التي تتهدل ثمارها
بنزوله تحتها ، والعاهات التي كانت تزول عمن يمسح يده عليه أو ينفث ببزاقه فيها ،
وكالآيات التي ظهرت على علي عليه السلام من تسليم الجبال والصخور والاشجار قائلة
: يا ولي الله ويا خليفة رسول الله ، والسموم القاتلة التي تناولها من سمى باسمه
عليها ولم يصبه بلاؤها ، والافعال العظيمة : من التلال والجبال التي اقتلعها ورمى
بها كالحصاة الصغيرة ، وكالعاهات التي زالت بدعائه ، والآفات والبلايا التي حلت بالأصحاء
بدعائه ، وسائر ما خصه به من فضائله ، فهذا من الهدى الذي بينه الله تعالى للناس
في كتابه ، ثم قال : « اولئك » الكاتمون لهذه الصفات من محمد ومن علي صلوات الله
عليهما المخفون لها عن طالبيها الذين يلزمهم إبداؤها لهم عند زوال التقية « يلعنهم
الله » يلعن الكاتمين « ويلعنهم اللاعنون » وفيه وجوه :
منها : يلعنهم
اللاعنون « أنه ليس أحد محقا كان أو مبطلا إلا وهو يقول : لعن الله الكاتمين للحق
، لعن الله الظالمين ، إن الظالم الكاتم للحق ذلك يقول أيضا : لعن الله الظالمين
الكاتمين ، فهم على هذا المعنى في لعن كل اللاعنين وفي لعن أنفسهم.
ومنها أن
الاثنين إذا ضجر بعضهما على بعض وتلاعنا ارتفعت اللعنتان ، فأستأذنتا ربهما في
الوقوع بمن بعثتا إليه ، فقال الله عزوجل لملائكة : انظروا فإن كان اللاعن أهلا
للعن وليس المقصود به أهلا فأنزلوهما جميعا باللاعن ، وإن كان المشار إليه أهلا
وليس اللاعن أهلا فوجهوهما إليه ، وإن كان جميعا لهما أهلا فوجهوا لعن هذا إلى ذلك
ووجهوا لعن ذلك إلى هذا ، وإن لم يكن واحد منهما لها أهلا لإيمانهما وإن الضجر
أحوجهما إلى ذلك فوجهوا اللعنتين إلى اليهود والكاتمين نعت محمد وصفته وذكر علي
وحليته صلوات الله عليهما ، وإلى النواصب الكاتمين لفضل علي عليه السلام
والدافعين لفضله. ثم قال الله عزوجل : «
إلا الذين تابوا » من كتمانهم « وأصلحوا » ما كانوا أفسدوه بسوء التأويل فجحدوا به
فضل الفاضل واستحقاق المحق وبينوا ما ذكره الله من نعت محمد (ص) وصفته ومن ذكر علي
عليه السلام وحليته وما ذكره رسول الله (ص) » فأولئك أتوب عليهم « أقبل توبتهم »
وأنا التواب الرحيم ».
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 36 / صفحة [ 156 ]
تاريخ النشر : 2025-12-09