أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/وصايا ومواعظ/الإمام علي (عليه السلام)
[
ثقة الإسلام الكليني ] في [ كتاب ] الروضة [ عن ] علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد
بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي
قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى
الله عليه وآله ثم قال : ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان : اتباع الهوى ، وطول
الأمل .
أما اتباع الهوى
فيصد عن الحق .
وأما طول الأمل
فينسي الآخرة .
ألا وإن الدنيا
قد ترحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكل واحدة [ منهما ] بنون ، فكونوا
من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وإن غدا
حساب ولا عمل .
وإنما بدء وقوع
الفتن من أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها حكم الله ، يتولى فيها رجال
رجالا .
ألا إن الحق لو
خلص لم يكن اختلاف ، ولو أن الباطل خلص لم يخف لي ذي حجى ، لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ،
فيمزجان فيجتمعان فيجليان معا ، فهناك يستولي الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين
سبقت لهم من الله الحسنى ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كيف أنتم
إذا ألبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتخذونها
سنة ، فإذا غير منها شئ قيل : قد غيرت السنة وأتى الناس منكرا .
ثم تشتد البلية
وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب ، وكما تدق الرحى بثفالها ،
ويتفقهون لغير الله ، ويتعلمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .
ثم أقبل [ عليه
السلام ] بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته ، فقال : قد عملت الولاة قبلي
أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، متعمدين لخلافه ، ناقضين لعهده
، مغيرين لسنته ، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي ، حتى أبقى وحدي أو [ مع ] قليل
من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز ذكره وسنة رسول الله صلى
الله عليه وآله .
أرأيتم لو أمرت
بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله
عليه وآله ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام ، ورددت صاع رسول الله صلى
الله عليه وآله كما كان ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله
لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر عليه السلام إلى ورثته وهدمتها من
المسجد ، ورددت قضايا من الجور قضي بها ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى
أزواجهن ، واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب ، ورددت
ما قسم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا ، وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله
عليه وآله يعطي بالسوية ، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء ، وألقيت المساحة وسويت
بين المناكح ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه ، ورددت مسجد رسول
الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما
سد منه ، وحرمت المسح على الخفين ، وحددت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين ،
وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات ، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم ، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول
الله صلى الله عليه وآله أخرجه ، وأدخلت من أخرج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أدخله ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى
الطلاق على السنة ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة
إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ، ورددت سبايا فارس
وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ، إذا لتفرقوا عني .
والله لقد أمرت
الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل
بدعة ، فنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي : " يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ،
ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ! " .
ولقد خفت أن
يثوروا في ناحية جانب عسكري !
ما لقيت من هذه
الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار !
و [ لو ] أعطيت
من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا
على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ) [ 41 / الأنفال : 8 ] فنحن والله عنى
بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله ، فقال : ( فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل [ 7 / الحشر : 59 ] فينا [ خ : منا ] خاصة ، ( كي
لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) . و ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا واتقوا الله ) في ظلم آل محمد ( إن الله شديد العقاب ) لمن ظلمهم ، رحمة
منه لنا ، وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلى الله عليه وآله ، ولم يجعل لنا في
سهم الصدقة نصيبا ، أكرم الله رسوله صلى الله عليه وآله ، وأكرمنا أهل البيت أن
يطعمنا من أوساخ الناس ، فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا
، ومنعونا فرضا فرضه الله لنا . ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقيته بعد نبينا !
والله المستعان
على من ظلمنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم !
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 34 / صفحة [ 172 ]
تاريخ النشر : 2025-10-27