أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
قال ابن أبي
الحديد في شرح النهج: قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: دخل أمير المؤمنين (عليه
السلام) الكوفة بعد رجوعه من البصرة ومعه أشراف من أهل البصرة وغيرهم فاستقبلهم
أهل الكوفة فيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له وقالوا: يا أمير المؤمنين أين تنزل
أتنزل القصر ؟ قال: لا ولكن أنزل الرحبة فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الاعظم فصلى
فيه ركعتين ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال:
أما بعد يا أهل
الكوفة فإن لكم في الاسلام فضلا ما لم تبدلوا أو تغيروا، دعوتكم إلى الحق فأجبتم
وبدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله فأما في الاحكام والقسم
فأنتم أسوة غيركم ممن أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه.
ألا إن أخوف ما
أخاف عليكم إتباع الهوى وطول الامل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الامل
فينسى الآخرة.
ألا إن الدنيا
قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء
الآخرة ! ! ! اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
الحمد لله الذي
نصر وليه وخذل عدوه وأعز الصادق المحق وأذل الناكث المبطل.
عليكم بتقوى
الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله
فيه من المستحلين المدعين القالين لنا يتفضلون بفضلنا ويجاحدوننا أمرنا وينازعوننا
حقنا ويباعدوننا عنه، فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا.
ألا إنه قد قعد
عن نصرتي رجال منكم وأنا عليهم عاتب زار فاهجروهم وأسمعوهم ما يكرهون ليعرف بذلك
حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك
بن حبيب اليربوعي وكان صاحب شرطته فقال: والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم
قليلا.
إلى آخر ما مر
برواية المفيد رحمه الله. ثم قال: قال نصر: ولما قدم علي (عليه السلام) الكوفة نزل
على باب المسجد فدخل فصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل
الكوفة فقال قائل: استأثر الله به.
فقال: إن الله
تعالى لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز نفسه وإذلال
خلقه وقرأ * (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) *.
قال نصر: فلما
لحقه ثقله (عليه السلام) قالوا [له]: أتنزل القصر؟ قال: قصر الخبال لا تنزلونيه !
! قال: وأنب عليه [السلام] جماعة ممن أبطأوا عنه ولم يحضروا القتال وقال: ما بطأ
بكم عني وأنتم أشراف قومكم ؟ والله إن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة فإنكم
لبور، وإن كان من شك في فضلي ومظاهرة علي إنكم لعدو.
فقالوا: حاش لله
يا أمير المؤمنين نحن سلمك وحرب عدوك ثم اعتذر القوم. قال نصر: وأتم علي (عليه
السلام) صلاته يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة خطب الناس فقال:
الحمد لله أحمده
وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من الضلالة، من يهدى الله فلا مضل له ومن يضلل
الله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله انتجبه لأمره واختصه بنبوته أكرم
خلقه عليه وأحبهم إليه فبلغ رسالة ربه ونصح لامته وأدى الذي عليه.
أوصيكم بتقوى
الله فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله وأقربه إلى رضوان الله وخيره في
عواقب الامور عند الله وبتقوى الله أمرتم وللإحسان والطاعة خلقتم فاحذروا من الله
ما حذركم من نفسه فإنه حذر بأسا شديدا واخشوا الله خشية ليست بتعذير واعملوا في
غير رياء ولا سمعة فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له، ومن عمل لله
مخلصا تولى الله ثوابه.
وأشفقوا من عذاب
الله فإنه لم يخلقكم عبثا ولم يترك [شيئا] من أمركم سدى قد سمى آثاركم وعلم
أعمالكم وكتب آجالكم فلا تغتروا بالدنيا فإنها غرارة لأهلها، مغرور من اغتر بها،
وإلى فناء ما هي، وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون.
أسأل الله منازل
الشهداء ومرافقة الانبياء ومعيشة السعداء فإنما نحن به وله.
قال نصر: ثم
استعمل علي (عليه السلام) العمال وفرقهم في البلاد وكتب مع جرير بن عبد الله
البجلي كتابا إلى معاوية يدعوه إلى البيعة.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 354 ]
تاريخ النشر : 2025-09-02