أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
كشف لما تراءى
الجمعان وتقاربا ورأى علي تصميم عزمهم على قتاله فجمع أصحابه وخطبهم خطبة بليغة
قال فيها واعلموا أيها الناس أني قد تأنيت هؤلاء القوم وراقبتهم وناشدتهم كيما
يرجعوا يرتدعوا فلم يفعلوا ولم يستجيبوا وقد بعثوا إلي أن أبرز إلى الطعان واثبت
للجلاد ! ! ! وقد كنت وما أهدد بالحرب ولا أدعي إليها وقد أنصف القارة من راماها
منها فأنا أبو الحسن الذي فللت حدهم وفرقت جماعتهم فبذلك القلب ألقى عدوي وأنا على
بينة من ربي لما وعدني من النصر والظفر وإني لعلى غير شبهة من أمري.
ألا وإن الموت
لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ومن لم يقتل يمت فإن أفضل الموت القتل والذي نفس
علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش.
ثم رفع يده إلى
السماء وقال: اللهم إن طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتي
اللهم فعاجله ولا تمهله وإن الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي
ونصب الحرب لي وهو يعلم أنه ظالم لي اللهم فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت.
ثم تقاربوا
وتعبوا لابسي سلاحهم ودروعهم متأهبين للحرب كل ذلك وعلي (عليه السلام) بين الصفين
عليه قميص ورداء وعلى رأسه عمامة سوداء وهو راكب على بغلة.
فلما رأى أنه لم
يبق إلا مصافحة الصفاح والمطاعنة بالرماح صاح بأعلى صوته أين الزبير بن العوام
فليخرج إلي فقال الناس: يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر وهو مدجج في
الحديد ؟ فقال عليه السلام: ليس علي منه بأس.
ثم نادى ثانية
فخرج إليه [الزبير] ودنا منه حتى واقفه فقال له علي: يا أبا عبد الله ما حملك على
ما صنعت ؟ فقال الطلب بدم عثمان ! ! فقال: أنت وأصحابك قتلتموه فيجب عليك أن تقيد
من نفسك ! ! ولكن أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد
(صلى الله عليه وآله) أما تذكر يوما قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا
زبير أتحب عليا ؟ فقلت: وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي ؟ ! فقال لك: أما أنت
فستخرج عليه يوما وأنت له ظالم. فقال الزبير: اللهم بلى فقد كان ذلك.
فقال علي (عليه
السلام): فأنشدك الله الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) أما
تذكر يوما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عند ابن عوف وأنت معه وهو آخذ
بيدك فاستقبلته أنا فسلمت عليه فضحك في وجهي فضحكت أنا إليه فقلت: أنت لا يدع ابن
أبي طالب زهوه أبدا فقال لك النبي (صلى الله عليه وآله) مهلا يا زبير فليس به زهو
ولتخرجن عليه يوما وأنت ظالم له ! ! فقال الزبير: اللهم بلى ولكن أنسيت فأما إذا
ذكرتني ذلك فلأنصرفن عنك ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك.
ثم رجع إلى
عائشة فقالت: ما وراءك يا أبا عبد الله ؟ فقال الزبير: والله ورائي إني ما وقفت
موقفا في شرك ولا إسلام إلا ولي فيه بصيرة وأنا اليوم على شك من أمري وما أكاد
أبصر موضع قدمي.
ثم شق الصفوف
وخرج من بينهم ونزل على قوم من بني تميم.
فقام إليه عمرو
بن جرموز المجاشعي فقتله حين نام وكان في ضيافته فنفذت دعوة أمير المؤمنين (عليه
السلام) فيه.
وأما طلحة فجاءه
سهم وهو قائم للقتال فقتله ثم التحم القتال.
وقال علي (عليه
السلام) يوم الجمل * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا
أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون) * [12 / التوبة] ثم حلف حين قرأها أنه
ما قوتل عليها منذ نزلت حتى اليوم واتصل الحرب وكثر القتل والجروح.
ثم تقدم رجل من
أصحاب الجمل يقال له: عبد الله فجال بين الصفوف وقال: أين أبو الحسن فخرج إليه علي
وشد عليه وضربه بالسيف فأسقط عاتقه ووقع قتيلا فوقف عليه وقال: لقد رأيت أبا الحسن
فكيف وجدته ؟ ! ولم يزل القتل يؤجج ناره والجمل يفني أنصاره حتى خرج رجل مدجج يظهر
باسا ويعرض بعلي [بذكر علي " خ ل "] حتى قال:
أضربكم ولو أرى
عليا * عممته أبيض مشرفيا
فخرج إليه علي
متنكرا وضربه على وجهه فرمى بنصف قحف رأسه ثم انصرف فسمع صائحا من ورائه فالتفت فرأى
ابن أبي خلف الخزاعي من أصحاب الجمل فقال: هل لك يا علي في المبارزة ؟ فقال علي:
ما أكره ذلك ولكن ويحك يا ابن أبي خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا ؟ فقال:
ذرني يا ابن أبي طالب من بذخك بنفسك وادن مني لترى أينا يقتل صاحبه فثنى علي عنان
فرسه إليه فبدره ابن خلف بضربة فأخذها علي في جحفته ثم عطف عليه بضربة أطار بها
يمينه ثم ثنى بأخرى أطار بها قحف رأسه واستعر الحرب حتى عقر الجمل فسقط وقد احمرت
البيداء بالدماء وخذل الجمل وحزبه، وقامت النوادب بالبصرة على القتلى.
وكان عدة من قتل
من جند الجمل ستة عشر ألفا وسبعمائة وتسعين إنسانا وكانوا ثلاثين ألفا فأتى القتل
على أكثر من نصفهم وقتل من أصحاب علي عليه السلام ألف وسبعون رجلا وكانوا عشرين
ألفا.
وكان محمد بن
طلحة المعروف بالسجاد قد خرج مع أبيه وأوصى علي (عليه السلام) أن لا يقتله من عساه
أن يظفر به وكان شعار أصحاب علي (عليه السلام) " حم " فلقيه شريح بن
أوفى العبسي من أصحاب علي (عليه السلام) فطعنه فقال: " حم " وقد سبق -
كما قيل - السيف العذل فأتى على نفسه وقال شريح هذا:
وأشعث قوام
بآيات ربه * قليل الاذى فيما ترى العين
مسلم شككت بصدر
الرمح حبيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
على غير شيء غير
أن ليس تابعا * عليا ومن لم يتبع الحق يندم
يذكرني "
حم " والرمح شاجر * فهلا تلا " حم " قبل التقدم
وجاء علي حتى
وقف عليه وقال: هذا رجل قتله بره بأبيه.
وكان مالك
الاشتر قد لقي عبد الله بن الزبير في المعركة ووقع عبد الله إلى الارض والاشتر
فوقه فكان ينادي: اقتلوني ومالكا. فلم ينتبه أحد من أصحاب الجمل لذلك ولو علموا
أنه الاشتر لقتلوه ثم أفلت عبد الله من يده وهرب.
فلما وضعت الحرب
أوزارها ودخلت عائشة إلى البصرة دخل عليها عمار بن ياسر ومعه الاشتر فقالت: من معك
يا أبا اليقظان ؟ فقال: مالك الاشتر. فقالت: أنت فعلت بعبدالله ما فعلت ؟ فقال:
نعم ولولا كوني شيخا كبيرا وطاويا لقتلته وأرحت المسلمين منه. قالت: أو ما سمعت
قول النبي (صلى الله عليه وآله): إن المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد إيمان أو زنى
بعد إحصان أو قتل النفس التي حرم الله قتلها ؟ فقال: يا أم المؤمنين على أحد
الثلاثة قاتلناه ثم أنشد:
أعائش لولا أنني
كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن اختك هالكا
عشية يدعو
والرجال تجوزه * بأضعف صوت اقتلوني ومالكا
فلم يعرفوه إذ
دعاهم وعمه * خدب عليه في العجاجة باركا
فنجاه منى أكله
وشبابه * وإني شيخ لم أكن متماسكا
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 188 ]
تاريخ النشر : 2025-08-26