أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/إمامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام/إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام/الامام علي عليه السلام
قال ابن أبي
الحديد : روى أبو مخنف عن مسافر بن عفيف بن أبي الاخنس قال: لما رجعت رسل علي
(عليه السلام) من عند طلحة والزبير وعائشة يؤذنونه بالحرب قام فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على رسوله ثم قال: أيها الناس إني قد راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا أو
يرجعوا ووبختهم بنكثهم وعرفتهم بغيهم فلم يستجيبوا، وقد بعثوا إلي أن أبرز للطعان
واصبر للجلاد إنما تمنيك نفسك أماني الباطل وتعدك الغرور. ألا هبلتهم الهبول لقد
كنت وما أهدد بالحرب ولا أرهب بالضرب ولقد أنصف القارة من راماها فليرعدوا
وليبرقوا فقد رأوني قديما وعرفوا نكايتي فقد رأوني أنا أبو الحسن الذي فللت حد
المشركين وفرقت جماعتهم وبذلك القلب ألقى عدوي اليوم وإني لعلى ما وعدني ربي من
النصر والتأييد وعلى يقين من أمري وفي غير شبهة من ديني. أيها الناس إن الموت لا
يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب ليس عن الموت محيد ولا محيص من لم يقتل مات [و] إن
أفضل الموت القتل والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة على
الفراش. اللهم إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله ثم عضَهَني به ورماني
اللهم فلا تمهله. اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي وظاهر علي عدوي فاكفنيه
اليوم بما شئت.
قال: وروى أبو
الحسن المدائني عن عبد الله بن جنادة قال: قدمت من الحجاز أريد العراق في أول
إمارة علي فمررت بمكة فاعتمرت ثم قدمت المدينة فدخلت مسجد رسول الله (صلى الله
عليه وآله) إذا نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس وخرج علي عليه السلام متقلدا سيفه
فشخصت الابصار نحوه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال: أما بعد فإنه لما
قبض الله نبيه قلنا نحن أهل وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه
أحد ولا يطمع في حقنا طامع إذا تنزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الامرة
لغيرنا وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الاعين منا لذلك
وخشنت الصدور وجزعت النفوس. وايم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود
الكفر ويبور الدين لكنا على غير ما كنا لهم عليه، فولي الامر ولاة لم يألوا الناس
خيرا ثم استخرجتموني أيها الناس من بيتي فبايعتموني على شنأ مني لأمركم وفراسة
تصدقني عما في قلوب كثير منكم وبايعني هذان الرجلان في أول من بايع تعلمون ذلك وقد
نكثا وغدرا، ونهضا إلى البصرة بعائشة ليفرقا جماعتكم ويلقيا بأسكم بينكم. اللهم
فخذهما بما عملا أخذة رابية ولا تنعش لهما صرعة ولا تقلهما عثرة ولا تمهلهما فواقا
فإنهما يطلبان حقا تركاه ودما سفكاه، اللهم إني
اقتضيتك وعدك فإنك قلت وقولك الحق لمن بغي عليه لينصرنه الله اللهم فأنجز لي موعدي
ولا تكلني إلى نفسي إنك على كل شيء قدير ثم نزل.
وروى الكلبي
قال: لما أراد علي عليه السلام المسير إلى البصرة قام فخطب الناس فقال بعد أن حمد
الله وصلى على رسوله: إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن
حق نحن أحق به من الناس كافة فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين
وسفك دمائهم والناس حديثوا عهد بالإسلام والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن
ويعكسه أقل خلق. فولي الامر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ثم انتقلوا إلى دار
الجزاء والله ولي تمحيص سيئاتهم والعفو عن هفواتهم فما بال طلحة والزبير وليسا من
هذا الامر بسبيل لم يصبرا علي حولا ولا شهرا حتى وثبا ومرقا ونازعاني أمرا لم يجعل
الله لهما إليه سبيلا بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين يرتضعان أما قد فطمت ويحييان
بدعة قد أميتت أدم عثمان زعما [يطالبان] ؟ والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم وإن
أعظم حجتهم لعلى أنفسهم وأنا راض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم فأن فاءا وأنابا فحظهما
أحرزا وأنفسهما غنما وأعظم بها غنيمة وإن أبيا أعطيتهما حد السيف وكفى به ناصرا لحق وشافيا من باطل. ثم نزل. وروى
أبو مخنف عن زيد بن صوحان قال: شهدت عليا (عليه السلام) بذي قار وهو معتم بعمامة
سوداء ملتف بساج يخطب فقال في خطبته: الحمد لله على كل أمر وحال في الغدو والآصال،
وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ابتعثه رحمة للعباد وحياة للبلاد
حين امتلأت الارض فتنة واضطرب حبلها وعبد الشيطان في أكنافها واشتمل عدو الله
إبليس على عقايد أهلها فكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الذي أطفأها الله به
نيرانها وأخمد به شرارها ونزع به أوتادها وأقام به ميلها إمام الهدى والنبي
المصطفى (صلى الله عليه وآله) فلقد صدع بما أمره به وبلغ رسالات به فأصلح الله به
ذات البين وآمن به السبل وحقن به الدماء وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في
الصدور حتى أتاه اليقين ثم قبضه الله إليه حميدا. ثم استخلف الناس أبا بكر فلم يأل
جهده ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده ثم استخلف الناس عثمان فنال منكم ونلتم
منه حتى إذا كان من أمره ما كان أتيتموني لتبايعوني فقلت: لا حاجة في ذلك ودخلت
منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي وأن
بعضكم قاتل بعض فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل وقد علم الله سبحانه أني
كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وآله ولقد سمعته صلى الله عليه وآله
يقول: " ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه
إلى عنقه على رؤوس الخلائق ثم ينشر كتابه فإن كان عادلا نجا وإن كان جائرا هوى
" حتى اجتمع علي ملاؤكم وبايعني طلحة والزبير وأنا أعرف الغدر في أوجههما
والنكث في أعينهما ثم استأذناني في العمرة فأعلمتهما أن ليسا العمرة يريدان فسارا
إلى مكة واستخفا عايشة وخدعاها وشخص معهما أبناء الطلقاء فقدموا البصرة فقتلوا بها
المسلمين وفعلوا المنكر. ويا عجبا لاستقامتهما لابي بكر وعمر وبغيهما علي وهما
يعلمان أني لست دون أحدهما ولو شئت أن أقول لقلت. ولقد كان معاوية كتب إليهما من
الشام كتابا يخدعهما فيه فكتماه عني وخرجا يوهمان الطغام والاعراب أنهما يطلبان
بدم عثمان. والله ما أنكرا علي منكرا ولا جعلا بيني وبينهم نصفا إن دم عثمان
لمعصوب بهما ومطلوب منهما. يا خيبة الداعي إلى م دعا ؟ وبماذا أجيب ؟ والله إنهما
لعلى ضلالة صماء وجهالة عمياء وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه واستجلب منهما خيله
ورجله ليعيد الجور إلى أوطانه ويرد الباطل إلى نصابه.
ثم رفع يديه
فقال: اللهم إن طلحة والزبير قطعاني وظلماني والبا علي ونكثا بيعتي فاحلل ما عقدا
وانكث ما أبرما ولا تغفر لهما أبدا وأرهما المساءة فيما عملا وأملا. قال أبو مخنف
فقام إليه الاشتر فقال: الحمد لله الذي من علينا فأفضل وأحسن إلينا فأجمل قد سمعنا
كلامك يا أمير المؤمنين ولقد أصبت ووفقت وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه وأول مصدق
به ومصل معه شهدت مشاهده كلها فكان لك الفضل فيها على جميع الامة فمن اتبعك أصاب
حظه واستبشر بفلجه ومن عصاك ورغب عنك فإلى أمه الهاوية، لعمري يا أمير المؤمنين ما
أمر طلحة والزبير وعايشة علينا بمخيل ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه وفارقا على
غير حدث أحدثت ولا جور صنعت فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما
فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه وأشهد الله لئن لم يدخلا فيما خرجا منه
لنلحقنهما بعثمان فإن سيوفنا في عوائقنا وقلوبنا في صدورنا ونحن اليوم كما كنا أمس
ثم قعد.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 60 ]
تاريخ النشر : 2025-08-24